دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

وعلى ذلك فالمستفاد من الآية الكريمة أن القاتل يجب عليه أن يخضع لحكم القصاص إذا طالبه ولي الدم بذلك، ومن الواضح أن هذا الحكم إنما يكون في قتل الرجل رجلاً، أو قتل المرأة رجلاً أو امرأة، فإن الرجل إذ قتل امرأة لا يجب عليه الإنقياد للقصاص بمجرد المطالبة، وله الإمتناع حتى يأخذ نصف ديته، ولا يأخذه الحاكم بالقصاص قبل ذلك. وبتعبيرآخر: تدل الآية المباركة على أن بدل الأنثى هي الأنثي، فلا يكون الرجل بدلاً عنها، وعليه فلا نسخ في مدلول الآية، نعم ثبت من دليل خارجي أن الرجل القاتل يجب عليه أن ينقاد للقصاص حين يدفع ولي المرأة المقتولة نصف ديته، فيكون الرجل بدلاً عن مجموع الأنثى ونصف الدية، وهو حكم آخر لا يمس بالحكم الأول المستفاد من الآية الكريمة، وأين هذا من النسخ الذي يدعيه القائلون به. وجملة القول: أن ثبوت النسخ في الآية يتوقف على إثبات وجوب الإنقياد على القاتل بمجرد مطالبة ولي المرأة بالقصاص، كما عليه الجمهور، وأنى لهم إثباته؟ فإنهم قد يتمسكون لإثباته بإطلاق الآية الثانية على ما صرحوا به في كلماتهم وبعموم قول النبي(ص): (المسلمون تتكافأ دماؤهم) وقد عرفت ما فيه. وقد يتمسكون لإثبات ذلك بما رووه عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أن عمر قتل نفراً من أهل صنعاء بامرأة وقادهم بها. وعن ليث، عن الحكم، عن علي وعبدالله قالا: إذا قتل الرجل المرأة متعمداً فهوبها قود. وعن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن رسول الله(ص) قال: إن الرجل يقتل بالمرأة. وهو باطل من وجوه: إن هذه الروايات- لو فرضت صحتها- مخالفة للكتاب، وما كان كذلك لا يكون حجة. وقد عرفت- فيما تقدم- قيام الإجماع على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد. إنها معارضة بالروايات المروية عن أهل البيت (ع) وبما رواه عطاء والشعبي، والحسن البصرى، عن علي (ع) انه قال في قتل الرجل امرأة: إن أولياء المراة إن شاؤوا قتلوا الرجل و أدّوا نصف الدية، وإن شاؤوا أخذوا نصف دية الرجل. إن الرواية الأولى منها من المراسيل، فإن ابن المسيب ولد بعد مضي سنتين من خلافة عمر فتعبد روايته عن عمر بلا واسطة، وإذا سلمنا صحتها فهي تشتمل على نقل فعل عمر، ولا حجية لفعله في نفسه، وأن الرواية الثانية ضعيفة مرسلة، وأما الرواية الثالثة فهي على فرض صحتها مطلقة، وقابلة لأن تقيد بأداء نصف الديه. ونتيجة ما تقدم: أن الآية الكريمة لم يثبت نسخها بشيء، وأن دعوى النسخ إنما هي بملاحظة فتوى جماعة من الفقهاء، وكيف يمكن أن ترفع اليد عن قول الله تعالى بملاحظة قول زيد أو عمرو؟ ومما يبعث على العجب أن جماعة يفتون بخلاف القرآن مع إجماعهم على أن القرآن لا ينسخ بخبر الواحد. وقد اتضح مما بيّناه أن قوله تعالى: *وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا* وقوله تعالى: *وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ* لا يصلحان أن يكونا ناسخين للآية المتقدمة التي فرّقت بين الرجل والأنثى، وبين الحر والعبد. – وسيأتي استيفاء البحث في هذا الموضوع عند تفسيرنا الآية الكريمة إن شاء الله تعالى.