دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

*كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فقد ادعى جمع أنها منسوخة بآية المواريث، وادّعى آخرون أنها منسوخة بما عن النبي(ص) من قوله: لا وصية لوارث. والحق: أن الآية ليست منسوخة. أما القول بنسخها بآية المواريث، فيردّه أن الآيات قد دلّت على أن الميراث مترتب على عدم الوصية، وعدم الدين. ومع ذلك فكيف يعقل كونها ناسخة لحكم الوصية؟ وقد قيل في وجه النسخ للآية: إن الميراث في أول الإسلام لم يكن ثابتاً على الكيفية التي جعلت في الشريعة بعد ذلك، وإنما كان الإرث يدفع جميعه للولد، وما يعطي الوالدان من المال فهو بطريق الوصية فنسخ ذلك بآية المواريث. وهذا القول مدفوع: أولاً: بأن هذا غير ثابت، وإن كان مروياً في صحيح البخاري، لأن النسخ لا يثبت بخبر الواحد إجماعاً. ثانياً: إنه موقوف على تأخر آية المواريث عن هذه الآية، وأنّى للقائل بالنسخ إثبات ذلك؟ أما دعوى القطع بذلك من بعض الحنفية فعهدتها على مدّعيها. ثالثا: إن هذا لا يتم في الأقربين، فإنه لا إرث لهم مع الولد، فكيف يعقل أن تكون آية المواريث ناسخة لحكم الوصية للأقربين؟ وعلى كلّ فإن آية المواريث من حيث ترتبها على عدم الوصية تكون مؤكدة لتشريع الوصية ونفوذها، فلا معنى لكونها ناسخة لها. وأما دعوى نسخ الآية بالرواية المتقدمة فهي أيضاً باطلة من وجوه: 1- ان الرواية لم تثبت صحتها، والبخاري ومسلم لم يرضياها. وقد تكلم في تفسير المنار على سندهما. 2- إنها معارضة بالروايات المستفيضة عن أهل البيت(ع) الدالة على جواز الوصية للوارث، ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع) قال: سألته عن الوصية للوارث فقال: تجوز. قال: ثم تلا هذه الآية: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ. 3- إن الرواية لو صحّت، وسلمت عن المعارضة بشيء فهي لا تصلح لنسخ الآية، لأنها لا تنافيها في المدلول. غاية الأمر أنها تكون مقيدة لإطلاق الآية فتختص الوصية بالوالدين إذا لم يستحقا الإرث لمانع، وبمن لا يرث من الأقربين وإذا فرض وجود المنافاة بينها وبين الآية فقد تقدم إن خبر الواحد لا يصلح أن يكون ناسخاً للقرآن بإجماع المسلمين، فالآية محكمة وليست منسوخة. ثم ان الكتابة عبارة عن القضاء بشيء، منه قوله تعالى: *كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ* والعقل يحكم بوجوب امتثال حكم المولى وقضائه مالم تثبت فيه رخصة من قبل المولى. ومعنى هذا الوصية للوالدين والأقربين واجبه بمقتضى الآية. ولكن السيرة المقطوع بثوبتها بين المسبمين، والروايات المأثورة عن الأئمة من أهل البيت(ع) والإجماع المتحقق من الفقهاء في كل عصر قد أثبت لنا الرخصة فيكون الثابت من الآية بعد هذه الرخصة هو استجاب الوصية المذكورة، بل تأكد استحبابها على الإنسان، ويكون المراد من الكتابة فيها هو: القضاء بمعنى النشريع لا بمعنى الإلزام.