دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

ولفظ الطاقة وإن استعمل في معنى القدرة والسعة إلا أن معناه اللغوي هو القدرة مع المشقة العظيمة، وإعمال غاية الجهد. ففي لسان العرب: (الطوق الطاقة أي أقصى غايته، وهو اسم لمقدار ما يمكنه أن يفعله بمشقة منه). ونقل عن ابن الأثير والراغب أيضاً التصريح بذلك. ولو سلمنا أن معنى الطاقة هي السعة كان لفظ الإطاقة بمعنى إيجاد السعة في الشيء، فلا بد من أن يكون الشيء في نفسه مضيقاً لتكون سعته ناشئة من قبل الفاعل، ولا يكون هذا إلا مع إعمال غاية الجهد. قال في تفسير المنار نقلاً عن شيخه: فلا تقول العرب: أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف، بحيث يحتمل به مشقة شديدة. فالآية الكريمة محكمة لا نسخ لها، و مدلولها حكم مغاير لحكم من وجب عليه الصوم أداءً وقضاءً. وجميع ما قدمناه مبني على القراءة المعروفة. أما على قراءة ابن عباس، وعائشة، وعكرمة، وابن المسيب حيث قرؤا يطوّقونه بصيغة المبني للمجهول من باب التفعيل فالأمر أوضح. نعم بناءً على قول ربيعة ومالك، بأن المشايخ والعجائز لا شيء عليهم إذا أفطروا تكون الآية منسوخة، ولكن الشأن في صحة هذا القول، والآية الكريمة حجة على قائلة. *وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ* قال أبو جعفر النحاس: وأكثر أهل النظر على هذا القول أن الآية منسوخة، وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره. ونسب القول بالنسخ إلى قتادة أيضاً. والحق: أن الآية محكمة ليست منسوخة. فإن ناسخ الآية إن كان هو قوله تعالى: *فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ* فهذا القول ظاهر البطلان، لأن الآية الأولى خاصة، والخاص يكون قرينة على بيان المراد من العام، وإن علم تقدمه عليه في الورود، فكيف إذا يعلم ذلك؟ وعلى هذا فيختص قتال المشركين بغير الحرم، إلا أن يكونوا هم المبتدئين بالقتال فيه، فيجوز قتالهم فيه حينئذ. وإن استندوا في نسخ الآية الى الرواية القائلة أن النبي(ص) أمر بقتل ابن خطل- وقد كان متعلقاً بأستار الكعبة- فهو باطل أيضاً. أولاً: لأنه خبر واحد لا يثبت به النسخ. ثانياً: لأنه دلالة له على النسخ، فإنهم رووا في الصحيح عن النبي (ص) قوله: إنها لم تحل لأحد قبلي وإنّما أحلّت لي ساعة من نهارها، وصريح هذه الرواية أن ذلك من خصائص النبي(ص) فلا وجه للقول بنسخ الآية إلا المتابعة لفتاوى جماعة من الفقهاء، والآية حجة عليهم.