دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* فقد ادعي أنها منسوخة بقوله تعالى: *أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ* وذكروا في وجه النسخ: أن الصوم الواجب على الأمة في بداية الأمر كان مماثلاً للصوم الواجب على الأمة السالفة، وأن من أحكامه أن الرجل إذا نام قبل أن يتعشى في شهر رمضان لم يجز له أن يأكل بعد نومه في ليلته تلك، وإذا نام أحدهم بعد المساء حرم عليه الطعام والشراب والنساء، فنسخ ذلك بقوله تعالى: *أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ* وقد اتفق علماء أهل السنّة على أن آية التحليل ناسخة ثم اختلفوا فقال بعضهم: هي ناسخة للآية السابقة، فإنهم استفادوا منها أن الصوم الواجب في هذه الشريعة مماثل للصوم الواجب على الأمم السالفة، وقال بذلك أبوالعالية، وعطاء، ونسبه أبو جعفر النحاس إلى السدي أيضاً وقال بعضهم: إن آية التحليل ناسخة لفعلهم الذي كانوا يفعلونه. ولا يخفي أن النسخ للآية الأولى موقوف على إثبات تقدمها على الآية الثانية في النزول، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثباته، وعلى أن يكون المراد من التشبيه في الآية تشبيه صيام هذه الأمة، بصيام الامم السافلة، وهو خلاف المفهوم العرفي، بل و خلاف صريح الآية، فإن المراد بها تشبيه الكتابة بالكتابة فلا دلالة فيها على أن الصومين متماثلان لتصح دعوى النسخ، وإذا ثبت ذلك من الخارج كان نسخاً لحكم ثابت بغير القرآن، وهو خارج عن دائرة البحث. *وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ* فادعي أنها منسوخة بقوله تعالى: *فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ* ودعوى النسخ في هذه الآية الكريمة واضحة الثبوت لو كان المراد من الطوق (الطاقة) السعة والقدرة، فإن مفاد الآية على هذا: أن من يستطع الصوم فله أن لا يصوم ويعطي الفدية: طعام مسكين بدلا عنه، فتكون منسوخة. ولكن من البين أن المراد من الطاقة: القدرة مع المشقة العظيمة. وحاصل المراد من الآية: أن الله تعالى بعد أن أوجب الصوم وجوباً تعيينياً في الآية السابقة، وأسقطه عن المسافر والمريض، وأوجب عليهما عدة من أيام أخر بدلاً عنه، أراد أن يبين حكماً آخر لصنف آخر من الناس وهم الذين يجدون في الصوم مشقة عظيمة وجهداً بالغاً، كالشيخ الهمّ، وذي العطاش، والمريض الذي استمر مرضه إلى شهر رمضان الآخر، فأسقط عنهم وجوب الصوم أداء وقضاء، وأوجب عليهم الفدية، فالآية المباركة حيث دلت على تعيين وجوب الصوم على المؤمنين في الأيام المعدودات، وعلى تعين وجوبه قضاء في أيام أخر على المريض والمسافر، كانت عليهما الصوم، ومع هذا فكيف يدعى أن المستفاد من الآية هو الوجوب التخييري بين الصوم والفدية لمن تمكن من الصوم، وإن أخبار أهل البيت(ع) مستفيضة بما ذكرناه في تفسير الآية.

تتمة البحث في العدد القادم