دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

النسخ في الشريعة الإسلامية

لاخلاف بين المسلمين في وقوع النسخ، فإن كثيراً من أحكام الشرائع السابقة قد نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية، وإن جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام اخرى من هذه الشريعة نفسها، فقد صرح القرآن الكريم بنسخ حكم التوجه في الصلاة إلى القبلة الاولى، وهذا مما لا ريب فيه. وإنما الكلام في أن يكون شيء من أحكام القرآن منسوخاً بالقرآن، أو بالسنة القطعية، أو بالإجماع، أو بالعقل. وقبل الخوض في البحث عن هذه الجهة يحسن بنا أن نتكلم على أقسام النسخ، فقد قسموا النسخ في القرآن إلى ثلاثة أقسام:

1- نسخ التلاوة دون الحكم: وقد مثلوا لذلك بآية الرجم فقالوا: إن هذه الآية كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها، وقد قدمنا لك في بحث التحريف أن القول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف وأوضحنا أن مستند هذا القول آخبار آحاد وأن أخبار الآحاد لا أثر لها أمثال هذا المقام. فقد أجمع المسلمون على أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد كما أن القرآن لا يثبت به، والوجه في ذلك_ مضافاً إلى الاجماع_ أن الامور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس، وانتشار الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الرواي أو خطئه، وعلى هذا فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم من القرآن، وانها قد نسخت تلاوتها، وبقي حكمها، نعم قد تقدم أن عمر أتى بآية الرجم وادعى انها من القرآن فلم يقبل قوله المسلمون، لأن نقل هذه الآية كان منحصراً به، ولم يثبتوها في المصاحف، فالتزم المتأخرون بأنها آية منسوخة التلاوة باقية الحكم.

2- نسخ التلاوة والحكم ومثلوا لنسخ التلاوة والحكم معاً بما تقدم نقله عن عائشة في الرواية العاشرة من نسخ التلاوة في بحث التحريف، والكلام في هذا القسم كالكلام على القسم الأول بعينه.

3- نسخ الحكم دون التلاوة وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسرين، وقد ألف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلة، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ. منهم العالم الشهيرأبوجعفر النحاس، والحافظ المظفر الفارسي، وخالفهم في ذلك بعض المحققين، فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن. وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك، وعلى وجود آيات في القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة، ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام.

تتمة البحث في العدد القادم