دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

إن نسخ الحكم الثابت في القرآن يمكن أن يكون على أقسام ثلاثة: إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنة المتواترة، أو بالإجماع القطعي الكاشف عن الصدور النسخ عن المعصوم(ع) وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلاً ونقلاً، فإن ثبت في مورد فهو المتّبـع وإلا فلا يلتزم بالنسخ، وقد عرفت أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد. إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية أخرى منه ناظرة إلى الحكم المنسوخ ومبينة لرفعه، وهذا القسم أيضاً لا إشكال فيه، وقد مثلوا لذلك بآية النجوى «وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى». إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية أخرى غير ناظرة إلى الحكم السابق، ولا مبينة لرفعه، وإنما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الاية المتقدمة. والتحقيق: أن هذا القسم من النسخ غير واقع في القرآن، كيف وقد قال الله عزوجل: *أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا* ولكنّ كثيراً من المفسرين وغيرهم لم يتأملوا حق التأمل في معاني الآيات الكريمة، فتوهموا وقوع التنافي بين كثير من الآيات، والتزموا لأجله بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة، حتى أن جملة منهم جعلوا من التنافي ما إذا كانت إحدى الآيتين قرينة عرفية على بيان المراد من الآية الأخرى، كالخاص بالنسبة إلى العام، وكالمقيد بالإضافة إلى المطلق، والتزموا بالنسخ في هذه الموارد وما يشبهها، ومنشأ هذا قلة التدبر، أو التسامح في إطلاق لفظ النسخ بمناسبة معناه اللغوي، واستعماله في ذلك وإن كان شائعاً قبل تحقق المعنى المصطلح عليه، ولكن إطلاقه_ بعد ذلك_ مبني على التسامح لا محالة.