دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

النسخ في القرآن

في كتب التفسير وغيرها آيات كثيرة ادّعى نسخها. وقد جمعها أبوبكر النحاس في كتابه الناسخ والمنسوخ فبلغت 138 آية. وقد عقدنا هذا البحث لنستعرض جملة من تلك الآيات المدّعى نسخها ولنتبيّن فيها أنه ليست- في واقع الأمر- واحدة منها منسوخة، فضلاً عن جميعها. وقد اقتصرنا على 36 آية منها، وهي التي استدعت المناقشة والتوضيح لجلاء الحق فيها، وأما سائر الآيات فالمسألة فيها أوضح من أن يستدل على عدم وجود نسخ فيها. النسخ في اللغة هو الاستكتاب، كالاستنساخ والاستنساخ، وبمعنى النقل والتحويل، ومنه تناسخ المواريث والدهور، وبمعنى الإزالة، ومنه نسخت الشمس الظل، وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصحابة والتابعين فكانوا يطلقون على المخصّص والمقيّد لفظ الناسخ(1). النسخ في الاصطلاح هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدسة بارتفاع أمده وزمانه، سواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفية أم الوضعية، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها من الأمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنه شارع، وهذا الأخير كما في نسخ القرآن من حيث التلاوة فقط، وإنما قيدنا الرفع بالأمر الثابت في الشريعة ليخرج به ارتفاع الحكم بسبب ارتفاع موضوعه خارجاً، كارتفاع وجوب الصوم بانتهاء شهر رمضان، وارتفاع وجوب الصلاة بخروج وقتها، وارتفاع مالكية شخص لماله بسبب موته، فإن هذا النوع من ارتفاع الأحكام لا يسمى نسخاً، ولا إشكال في إمكانه ووقوعه، ولا خلاف فيه من أحد. ولتوضيح ذلك نقول: إن الحكم المجعول في الشريعة المقدسة له نحوان من الثبوت: أحدهما: ثبوت ذلك الحكم في عالم التشريع والإنشاء، والحكم في هذه المرحلة يكون مجعولاً على نحو القضية الحقيقية، ولا فرق في ثبوتها بين وجود الموضوع في الخارج وعدمه، وإنما يكون قوام الحكم بفرض وجود الموضوع. فإذا قال الشارع: شرب الخمر حرام- مثلاً- فليس معناه أن هنا خمراً في الخارج. وأن هذا الخمر محكوم بالحرمة، بل معناه أن الخمر متى ما فرض وجوده في الخارج فهو محكوم بالحرمة في الشريعة سواء أكان في الخارج خمر بالفعل أم لم يكن، ورفع هذا الحكم في هذه المرحلة لا يكون إلا بالنسخ. وثانيهما: ثبوت ذلك الحكم في الخارج بمعنى أن الحكم يعود فعلياً بسبب فعلية موضوعه خارجاً، كما إذا تحقق وجود الخمر في الخارج، فإن الحرمة المجعولة في الشريعة للخمر تكون ثابتة به بالفعل، وهذه الحرمة تستمر باستمرار موضوعها، فإذا انقلب خلاً فلا ريب في ارتفاع تلك الحرمة الفعلية التي ثبتت له في حال خمريته، ولكن ارتفاع هذا الحكم ليس من النسخ في شيء ولا كلام لأحد في جواز ذلك في وقوعه، وإنما الكلام في القسم الأول، وهو رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء. امكان النسخ: المعروف بين العقلاء من المسلمين وغيرهم هو جواز النسخ بالمعنى المتنازع فيه رفع الحكم عن موضوعه في عالم التشريع والإنشاء وخالف في ذلك اليهود والنصارى فادعوا استحالته، واستندوا في ذلك إلى شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت.