دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

البيعة

والتقت لأول مرة في تاريخ الإسلام إمامة السماء الشرعيّة بخلافة الأرض الزمنيّة في شخص رجل واحد: الإمامة الشرعيّة إذ تعني رئاسة الدين، والخلافة الزمنيّة إذ تعتبر رئاسة الدولة. وسقطت هذا اليوم تلك الازىواجية القاسية التي ابتلي بها المسلمون حينا من الدهر... إذ تجمّعت كلّ شؤون الدنيا والدين في يد عليّ أميرالمؤمنين(ع)، فكان الخليفة المنتخب بالرضا، والإمام المعيّن بالنّص الشرعي. في شهر ذي الحجة من عام خمس وثلاثين للهجرة بلغ سخط الجماهير المسلمة ذروته، ولم يعد ينفع في كبح جماحها وعد حاكمٍ باصلاح أو توسط ذي جاه أو تدخل ذي نفوذ. وكانت النتيجة الحاسمة لذلك السخط العارم أن يصبح الخليفة الظاهري مقتولاً بسيوف أولئك المؤمنين وأن يدفن سراً في مقبرة اليهود في المدينة المنوّرة خلف البقيع. واحتلت تلك الحركة واجهة التاريخ الإسلامي بكلّ جلاء وبروز، وكان جديراً بها أن تحمل اسم الثورة بكلّ صدق واستحقاق، ولكن كتّاب التاريخ شاءوا أن يعبّروا عنها بالفتنة، وشاء بعض منهم أن يطلق عليها وصف الكبرى، لتكون لديهم الفتنة الكبرى في تاريخ الإسلام. ولكنّها- على الرغم من كلّ ذلك التضبيب والتشويش- ثورة حقيقة بكلما تمتد إليه كلمة الثورة من أبعاد وآفاق.