دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

أدلة اسقاط حجية ظواهر الكتاب:

وقد خالف جماعة من المحدثين، فأنكروا حجية ظواهر الكتاب ومنعوا عن العمل به. واستدلوا على ذلك بأمور: 1- اختصاص فهم القرآن: إن فهم القرآن مختص بمن خوطب به، وقد استندوا في هذه الدعوى إلى عدة روايات واردة في هذا الموضوع، كمرسلة شعيب بن أنس، عن أبي عبدالله (ع) أنه قال لأبي حنيفة: أنت فقيه أهل العراق؟ قال:نعم. قال(ع): فبأيّ شيء تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنّة نبيه. قال(ع): يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال نعم. قال(ع): يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً- ويلك- ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا(ص) وما ورّثك الله تعالى من كتابه حرفاً.(1) وفي رواية زيد الشحام، قال: دخل قتادة على أبي جعفر (ع) فقال له: أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال(ع) بلغني أنك تفسّر القرآن. قال: نعم (إلى أن قال) يا قتادة إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت،يا قتادة- ويحك- إنما يعرف القرآن من خوطب به.(2) والجواب: إن المراد من هذه الروايات وأمثالها أن فهم القرآن حق فهمه، ومعرفة ظاهرة وباطنه، وناسخه ومنسوخه مختص بمن خوطب به. والرواية الأولى صريحة في ذلك، فقد كان السؤال فيها عن معرفة كتاب الله حق معرفته، وتمييز الناسخ من المنسوخ، وكان توبيخ الإمام (ع) لأبي حنيفة على دعوى معرفة ذلك. وأما الرواية الثانية فقد تضمنت لفظ التفسير، وهو بمعنى كشف القناع، فلا يشمل الأخذ بظاهر اللفظ، لأنه غير مستور ليكشف عنه القناع، ويدل على ذلك أيضاً ما تقدم من الروايات الصريحة في أن فهم الكتاب لا يختص بالمعصومين(ع). ويدل على ذلك أيضاً قوله(ع) في المرسلة:«وما ور‍ّثك الله من كتابه حرفاً»(3) فإن معنى ذلك أن الله قد خصّ أوصياء نبيه(ص) بإرث الكتاب، وهو معنى قوله تعالى: *ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا* فهم المخصوصون بعلم القرآن على واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب. هذا هو معنى المرسلة وإلّا فكيف يعقل أن أبا حنيفة لا يعرف شيئاً من كتاب الله حتى مثل قوله تعالى: *قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* وأمثال هذه الآية مما يكون صريحاً في معناه، والأخبار الدالة على الإختصاص المتقدم كثيرة جداً، وقد تقدم بعضها. 2- النهي عن التفسير بالرأي: إن الأخذ بظاهر اللفظ من التفسير بالرأي، وقد نهى عنه في روايات متواترة بين الفريقين. والجواب: إن التفسير هو كشف القناع كما قلنا، فلا يكون منه حمل اللفظ على ظاهرة، لأنه ليس بمستور حتى يكشف، ولو فرضنا أنه تفسير فليس تفسيراً بالرأي، لتشمله الروايات الناهية المتواترة، وإنما هو تفسير لما يفهمه العرف من اللفظ، فإن الذي يترجم خطبة من خطب نهج البلاغة- مثلاً- بحسب ما يفهمه العرف من ألفاظها، وبحسب ما تدل القرائن المتصلة والمنفصلة، لا يعدّ عمله هذا من التفسير بالرأي. وقد أشار إلى ذلك الإمام الصادق(ع) بقوله:«إنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء فيعرفونهم».(4) ويحتمل أن معنى التفسير بالرأي الإستقلال في الفتوى من غير مراجعة الأئمة(ع)، مع أنهم قرناء الكتاب في وجوب التمسك، ولزوم الإنتهاء اليهم، فإذا عمل الإنسان بالعموم أو الاطلاق الوارد في الكتاب، ولم يأخذ التخصيص أو التقييد الوارد عن الأئمة(ع) كان هذا من تفسير بالرأي. وعلى الجملة حمل اللفظ على ظاهره بعد الفصح عن القرائن المتصلة والمنفصلة من الكتاب والسنّة، أو الدليل العقلي لايعد من التفسير بالرأي بل ولا من التفسير نفسه، وقد تقدم بيانه، على أن الروايات المتقدمة دلت على الرجوع إلى الكتاب، والعمل بما فيه. ومن البين أن المراد من ذلك الرجوع إلى ظواهره، وحينئذ فلابدّ وأن يراد من التفسير بالرأي غير العمل بالظواهر جمعاً بين الأدلة.

1- الوسائل:27\47، باب6،الحديث:33177.

2- الوسائل:27\185،باب13،الحديث:33556.

3- الوسائل:27\48،باب6،الحديث:33177.

4- الوسائل:27\201،باب13،الحديث:33593.