دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

إثبات حجية ظواهر القرآن

لا شك أن النبي(ص) لم يخترع لنفسه طريقة خاصة لإفهام مقاصده، وأنه كلّم قومه بما ألفوه من طرائق التفهيم والتكلم وأنه أتى بالقرآن ليفهموا معانيه، وليتدبروا آياته فيأتمروا بأوامره، وينزجروا بزواجره وقد تكرّر في الآيات الكريمة ما يدل على ذلك، كقوله تعالى: *أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا* وقوله تعالى: *وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وقوله تعالى: *وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* و قوله تعالى: *هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* وقوله تعالى: *فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وقوله تعالى: *وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* وقوله تعالى: *أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا* إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب العمل بما في القرآن ولزوم الأخذ بما يفهم من ظواهره. ومما يدلّ على حجيه ظواهر الكتاب وفهم العرب لمعانيه: أن القرآن نزل حجّة على الرسالة، وأن النبي(ص) قد تحدّى البشر على أن يأتوا ولو بسورة من مثله، ومعنى هذا: أن العرب كانت تفهم معاني القرآن من ظواهره، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته، ولم يثبت لهم إعجازه، لأنهم ليسوا ممن يستطيعون فهمه، وهذا ينافي الغرض من إنزال القرآن و دعوة البشر إلى الإيمان به. الروايات المتظافرة الآمرة بالتمسك بالثقلين الذين تركهما النبي في المسلمين، فإن من البيّن أن معنى التمسك بالكتاب هو الأخذ به، والعمل بما يشتمل عليه، ولا معنى له سوى ذلك. الروايات المتواترة التي أمرت بعرض الأخبار على الكتاب، وأن ما خالف الكتاب منها يضرب على الجدار، أو أنه باطل، أو أنه زخرف(1)، أو أنه منهي عن قبوله(2)، أو أن الأئمة لم تقله(3)، وهذه الروايات صريحة في حجية ظواهر الكتاب، وأنه مما تفهمه عامة أهل اللسان العارفين بالفصيح من لغة العرب. ومن هذا القبيل الروايات التي أمرت بعرض الشروط على كتاب الله وردّ ما خالفه منها.(4) استدلالات الأئمة (ع) على جملة من الأحكام الشرعية وغيرها بالآيات القرآنية: منها:قول الإمام الصادق (ع) – حينما سأله زرارة من أين علمت أن المسح ببعض الرأس- «لمكان الباء».(5) ومنها: قوله(ع) في نهي الدوانيقي عن قبول خبر النحّام: «انه فاسق» وقد قال الله تعالى: *إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا* (6) ومنها: قوله(ع) لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء اعتذاراً بأنه لم يكن شيئاً أتاه برجله- أما سمعت قول الله عزوجل: *إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا*.(7) ومنها: قوله(ع) لابنه إسماعيل:«فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم: مستدلاً يقول الله عزوجل: *يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ*.(8) ومنها: قوله(ع) في تحليل نكاح العبد للطلقة ثلاثاً: إنه زوج، قال الله عزوجل: *حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ* (9) ولا طلاق في المتعة.(10) ومنها: قوله (ع) فيمن عثر فوقع ظفره فجعل على إصبعه مرارة: إن هذا وشبهه يعرف من كتاب الله تعالى: *وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ*. ثم قال: امسح عليه.(11) ومنها: استدلاله(ع) على حلية بعض النساء بقوله تعالى: *وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ*. (12) ومنها: استدلاله(ع) على عدم جواز نكاح العبد بقوله تعالى: *عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ*.(13) ومنها: استدلاله (ع) على حلية بعض الحيوانات بقوله تعالى: *قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ*. (14) وغير ذلك من استدلالاتهم(ع) بالقرآن في موارد كثيرة، وهي متفرقة في أبواب الفقه وغيرها.

تتمة البحث في العدد القادم

1- الوسائل:27/110، باب9، الحديث:33345و33347.

2- الوسائل:27/119،باب9،الحديث:33368.

3- الوسائل:27/111،باب9، الحديث:33348.

4- الوسائل:18/16، باب6،الحديث:23041.

5- الوسائل:1/413،باب23،الحديث:1073و3/364باب13،الحديث:3878.

6- بحارالانوار:75/263،باب67،الحديث:3.

7- الكافي:6/432،الحديث:10.

8- الكافي:5/299،الحديث:1.

9- الكافي:5/425،الحديث:3.

10- التهذيب:8/34،باب36،الحديث:22.

11- الاستبصار:1/77،باب46،الحديث:3.

12- الوسائل:20/245،باب140،الحديث:25548.

13- الاستبصار:3/215،باب134،الحديث:3.

14- التهذيب:9/5،باب4،الحديث:15.