دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

صحيفة الدعاء

على الرغم من ‌‌‌‌‌أن المأثور عن النبي (ص) والأئمة (ع) من الأدعية والابتهالات لم يكن نزراً ولاقليل التداول كما يعلم المطّلعون؛ فقد اشتهرت من بينها إدعيةُ الإمام زين العابدين(ع) شهرة كبيرة جداً؛ وحظيت باهتمام خاص من جميع المسلمين علي اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، حتي أصبحت معلماً بارزاً من معالم سيرته وتاريخه عند كثيرٍ من مترجميه من قدامى ومعاصرين. وكان لهذا التوجّه السجّادي الخاص نحو الدعاء من الدوافع والأسباب ما لا يخفى علي الباحث الفاحص المتعمّق في أوضاع الحكم القائم يومذاك؛ وفي الحالة الاجتماعية السائدة في تلك الحقبة من الزمن. وأنّها هي هي نفسها الدواعي والأسباب التي حملت الإمام علي إملاء «رسالة الحقوق» لتعريف كلّ فرد من إفراد المجتمع- حاكماً ومحكوماً- بماله وما عليه من حقوق وواجبات. وهكذا كانت رسالة الحقوق مكمّلة صحيفة الدعا‌ء والصحيفة مكمّلة لرسالة الحقوق. وكان الهدف المنشود من كلّ ذلك هو الاصلاح العام وإعادة بناء المجتمع المسلم من جديد؛ بعد أن هزّت أركانه وضعضعت بنيانه عواصف حبّ الدنيا ونزعات النفوس الأمارة بالسوء. ولم يكن بدّ- لغرض بلوغ هذا الهدف وتحقيقه- من الالتزام باستثمار كلّ الوسا‌ئل المتاحة والأساليب المؤثرة في أعماق النفس الإنسانية؛ لاحراز قناعتها وايمانها بضرورة التغيير والعودة إلي تحكيم شرع الله في كلّ شيء؛ والكفّ عن محارم الله بسلطان من العقل والضمير؛ بعد أن انحرف سلطان الحكم وأدار ظهره لأوامر الله ونواهيه. ويضم الهيكل الشامل لهذه العملية الاصلاحية جانبين رئيسين وأساسيين يتكاملان فيما بينهما ويتلاحمان؛ ويسيران جنباً إلى جنب لضمان الوصول إلى الغاية المأمولة: جانباً تعليمياً: تقوم به المعرفة التفصيلية الواعية بما يجب أن يكون عليه كلّ واحدٍ من أبناء المجتمع؛ سلوكاً وأدباً، وخلقاً والتزاماً؛ وتصرفاً وانتظاماً؛ تجاه كلّ انسان آخر، أيّا مّا كان مقامه في العلوّ والدنوّ، ومهما كانت رابطته في القرب والبعد، وكيفما كان الموقف منه في الحبّ والخصومة، ليعطي لكل ذي حقٍّ حقّه، وليعامل كلّ منهم بما يستأهله ويستحقّه. وقد تكفّلت «رسالة الحقوق» القيام بهذا الجانب ‌أفضل قيام وأوفاه. وجانباً تربوياً: ينهض بمسؤوليته الدعاء والابتهال إلي الله والتضرّع له؛ بما يستدعي ذلك من اعترافٍ بالذنوب؛ واستحضارٍ في النفس لما سبق ارتكابه منها وتوبةٍ من تكرار فعلها؛ وطلبٍ لغفران ما سلف؛ ورجاءٍ للنجاة من عذاب الآخرة؛ وأملٍ بالفوز بالنعيم الدائم السرمدي.