دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا) قد اختلفت الآراء في مدلول الآية المباركة: فمنهم من حمل ذيل الآية المباركة ( والذين عقدت أيمانكم) على بيان حكم مستقل عن سابقه، فجعله جملة مستأنفة، وفسّر كلمة (نصيبهم) بالنصر، والنصح والرفادة، والعون، والعقل، والمشورة، وعلى ذلك: فالآية محكمة غير منسوخة، وهذا القول منسوب إلى ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومنهم من جعله معطوفاً على ما قبله، وفسر كلمة (نصيبهم) بما يستحقه الوارث من التركة. ثم إن هؤلاء قد اختلفوا: فذهب بعضهم إلى أن المراد بعقد اليمين في الآية المباركة عقد المؤاخاة، وما يشبهه من العقود التي كانت يتوارث بسببها في الجاهلية، وقد أقر الإسلام ذلك إلى أن نزلت آية المواريث: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) وعلى ذلك فالآية منسوخة. وذهب بعضهم إلى أن المراد بعقد اليمين خصوص عقد ضمان الجريرة وعلى ذلك فإن قلنا بما ذهب اليه أكثر علماء أهل السنة من أنه لا إرث بعقد ضمان الجريرة كانت الآية منسوخة أيضاً بآية المواريث، وإن قلنا بما ذهب اليه أبو حنيفة وأصحابه من ثبوت الإرث بهذا العقد كانت الآية محكمة غير منسوخة. وقد استدلوا على ذلك بأن آية المواريث لم تنف إرث غير اولي الأرحام، وإنما قدّمهم على غيرهم، فلا تنافي بين الآيتين، لتكون آية المواريث ناسخة لهذه الآية. والحق: إن المراد بالآية ما هو ظاهرها الذي يفهم منها، وهو ثبوت الإرث بالمعاقدة، ومع ذلك فلا نسخ لمدلول الآية. وبيان ذلك: إن سياق الآية يقتضي أن يكون المراد بالنصيب المذكور فيها هو الإرث، وحمله على النصرة وما يشبهها خلاف ظاهرها، بل كاد يكون صريحها. ثم إن ذكر الطوائف الثلاث في الآية لا يدل على اشتراكهم وتساويهم في الطبقة، فإن الولد يرث أبويه ولا يرث معه أحد من أقرباء الميث من أولي أرحامه فالذي يستفاد من الآية الكريمة أن الموروث هو هذه الطوائف الثلاث، وأما ترتيب الإرث وتقدم بعض الوارث على بعض فلا يستفاد من الآية، وقد استفيد ذلك من الأدلة الأخرى في الكتاب والسنّة. وعلى هذا الذي ذكرناه تكون الآية الكريمة جامعة لجميع الورّاث على الإجمال، فالولد يرث ما تركه الوالدان، والأقربون من اولي الأرحام يرث بعضهم بعضاً، ومن عقد معه يرث في الجملة تشريكاً أو ترتيباً.

تتمة البحث في العدد القادم