دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

لا تزال خطبة السيدة فاطمة (ع) ترن في أسماع الدهر، وتتجدد على مرّ العصور مؤكدة في الوقت نفسه جوانب شخصيتها الالهية ومقامات معرفتها الربوبية مشيرة الى عظيم ما اطّلعت عليه من مكنون علمه ومخزون معارفه، والتي لا يطلعها إلا على خاصة أوليائه وأهل صفوته وسدنة أسراره، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولما كانت فاطمة(ع) أحد مصاديق أهل التطهير وأولي الذكر، فلا غرابة أن تفتق في خطبتها من بعض خزائن معارفه تعالى. فهي مع ذكرها البالغ لتمام الحمد على نعمائه، وسوابغ الشكر على آلائه، والثناء لربوبيته، والتوحيد لصفاته، فهي تسوق البيان لتوحيد بما ليس معهود في الفلسفات البشرية أنذاك من اليونانية أو الفارسية أو الهندية، ومن ظرائف التوحيد مالم يعهد في العرفان المتداول انذاك، فأنّ بيان معرفة التوحيد ينفي الصفات المشيرة للغيب المطلق، وأن الصفات الالهية تجليات أسمائية دون مقام غيب الغيوب، اذ لم يعهد قبل الاسلام، ولم يبده قبل القرآن الكريم ولم يكن في متناول أفهام المسلمين في الصدر الأول، ثم شرعت في بيان سلسلة الصوادر عنه تعالى وكيفية الصدور واختلاف النشآت بما هو غير معهود في المعارف البشرية انذاك الفلسفية والعرفانية مما قد تعرّضت اليه إشارات القرآن الخفية التي لم تنلها أفهام المسلمين حينذاك.