دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

يتلونه حقّ تلاوته

للقارئ عند الابتداء بالتلاوة، أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أنه ليس من كلام البشر، بل هو كلام خالق الشمس والقمر، وفي تلاوة كلامه غاية الخطر، إذ كما لا ينبغي أن تمس جلده وورقه وحروفه البشرة المستقذرة بخيث أو حدث، فكذلك لا ينبغي أن تقرأه ألالسنة المستخبثة بقبائح الكلمات، وألا تحوم حول معناه القلوب المكدرة برذائل الاخلاق والصفات، فكما أنه كان لا يصلح لمس ظاهر خطه كلّ يد، بل هو محروس عن ظاهر بشرة اللامس، إلا إذا كان متطهراً، فكذلك لا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان، ولا لنيل معانيه كل قلب، بل باطن معناه لعلوه وجلاله محجوب عن باطن القلوب، إلا إذا كانت منقطعة عن كل رجس، مستنيرة بنور التعظيم والتوقير. وبالجملة: ينبغي ألا يترك عند التلاوة تعظيم المتكلم له، ليتحقق تعظيم الكلام أيضاً، إذ تعظيم الكلام بتعظيم المتكلم، ولو لم تحضره عظمة المتكلم لغفلة قلبه، فليرجع إلى التفكر في صفاته وأفعاله، ويستحضر أن المتكلم هو الذي أوجد وأظهر بمجرد إرادته كل ما يشاهده و يسمعه، من العرش والكرسي والسماوات والارضين، وما فيها وما تحتها وما فوقها، وانه الخالق والرازق للجميع، والكل في قبضة قدرته مسخّر أسير، ومردّد بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، وجميع ذلك لا نسبة له إلى عوالم المجردات. فالتفكر في أمثال ذلك يوجب استشعار القلب لعظمة المتكلم والكلام. ولمثل هذا التعظيم كان بعضهم إذا نشر المصحف للتلاوة غشي عليه، ويقول: (هو كلام ربي، هوكلام ربي!)