دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

3- تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب:

إن هذه الروايات معارضة بالكتاب، فإن كثيراً من آيات الكتاب الكريمة دالة علي أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتي المشركين وأهل الكتاب، فإن النبي(ص) قد تحدي الكفار والمشركين علي الإتيان بمثل القرآن، وبعشر سور مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعني هذا: أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم. وقد أطلق لفظ الكتاب علي القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي(ص):«إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي» وفي هذا دلالة علي أنه كان مكتوباً مجموعاً، لأنه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا علي ما كتب في اللخاف، والعسب، والاكتاف، إلا علي نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق علي المكتوب إذا كان مجزّءا غير مجتمع، فضلاً عما إذا لم يكتب، وكان محفوظ في الصدور فقط.

4- مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل!

إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل، فإن عظمة القرآن في نفسه، واهتمام النبي(ص) بحفظه وقراءته، واهتمام المسلمين بها يهتم به النبي(ص) وما يستوجبه ذلك من الثواب، كل ذلك ينافي جمع القرآن علي النحو المذكور في تلك الروايات، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون القرآن موضعاً لعناية المسلمين، وسبباً لاشتهاره حتي بين الأطفال والنساء منهم، فضلاً عن الرجال. وهذه الجهات هي: 1-بلاغة القرآن: فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف بالقرآن الذي تحدّي ببلاغته كل بليغ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن، وقد كان العرب بأجمعهم متوجهين إليه، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن يحفظه لإيمانه، والكافريتحفظ به لأنه يتمني معارضته، وإبطال حجته. 2- إظهار النبي(ص) رغبته بحفظ القرآن، والإحتفاظ به: وكانت السيطرة والسلطة له خاصة، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجاً بين جميع الرعية، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا. 3- إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس، وتعظيمه عندهم: فقد علم كل مطّلع علي التاريخ ما للقرّاء والحفّاظ من المنزلة الكبيرة، والمقام الرفيع بين الناس، وهذا أقوي سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة، أو بحفظ القدر الميسور منه. 4- الأجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه: هذه أهم العوامل الني تبعث علي حفظ القرآن والإحتفاظ به، وقد كان المسلمون يهتمون بشأن القرآن، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم، وبما يهمهم من مال وأولاد. وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن. أخرج ابن سعد في الطبقات:«أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبدالله بن جميع، قال: حدّثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وكان رسول الله(ص) يزورها، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن، ان رسول الله(ص) حين غزا بدراً، قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرّض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ فقال النبي (ص) إن الله مهّد لك شهادة(1).

تتمة البحث في العدد القادم

1- الاتقان:1/125،النوع20.