دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

الثالث: إن الإيتاء الذي امرت به الآية الكريمة قد قيد بيوم الحصاد فلابد أن يكون هذا الحق غير الزكاة، لأنها تؤدي بعد التنقية والكيل، ومما يشهد على أن هذا الحق غير الزكاة أنه قد ورد في عدة من الروايات المأثورة عن اهل البيت (ع) النهي عن حصاد الليل، معللاً في بعضها أنه يحرم منه القانع والمعتر. وروى جعفر بن محمد بن إبراهيم، بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده: ان رسول الله(ص) نهى عن الجداد بالليل، والحصاد بالليل، قال جعفر: أراه من أجل المساكين. وأما ما قيل في توجيه ذلك: إن يوم الحصاد يمكن أن يكون ظرفاً لتعلق الحق بالمال لا للايتاء فيبطله: 1- انه خلاف الظاهر الذي يفهمه العرف من الآية، بل كاد يكون خلاف صريحها، فإن الظرف إنما يتعلق بما تدل عليه مادة الفعل، ولا يتعلق بما تدل عليه هيئته، فإذا قيل أكرم زيداً يوم الجمعة كان معناه أن يوم الجمعة ظرف لتحقق الإكرام، لا أنه ظرف لوجوبه. 2- ان الزكاة لا تجب يوم الحصاد، بل يتعلق الحق بالمال إذا انعقد الحب، وصدق عليه اسم الحنطة والشعير، وعلى ذلك فذكر يوم الحصاد في الآية قرينة قطعية على أن هذا الحق هو غير الزكاة، ومما يؤيد أن هذا الحق هو غير الزكاة: أنه تعالى نهى في هذه الآية عن الإسراف وذلك لا يناسب الزكاة المقدرة بالعشر ونصف العُشر، وإذا اتضح أن الحق الذي امرت الآية الكريمة بإيتائه هو غير الزكاة الواجبة لم تكن الزكاة ناسخة له. وجملة القول: أن دعوى النسخ في الآية المباركة تتوقف على إثبات وجوب حق آخر في الزروع حتى ينسخ بوجوب الزكاة، ولا يستطيع القائل بالنسخ إثبات ذلك، لأن ظهور الامر في الوجوب، وظهوره في الدوام والاستمرار لا يمكن الاحتفاظ بهما جميعاً في الآية، وذلك للعلم بأنه لا يجب حق آخر بعد الزكاة فلا بد- إذن- من التصرف في أحد الظهورين، إما برفع اليد عن الظهور في الوجوب، وإبقائه على الدوام والاستمرار، فيلتزم- حيتئذ- و إبقائه على الظهور في الوجوب فيلتزم بالنسخ، ولا مرجح للثاني على الأول، بل الترجيح للأول والدليل على ذلك أمران: 1- الروايات المستفيضة عن الأئمة المعصومين(ع) ببقاء هذا الحق واستحبابه، وقد أشرنا إلى هذه الروايات آنفاً. 2- إن هذا الحق لو كان واجبا لشاع بين الصحابة والتابعين، ولم ينحصر القول به بمعركة ، والضحاك، أو بواحد واثنين غيرهما. وحاصل ما تقدم: أن الحريّ بالقبول هو القول بثبوت حق آخر ندبيّ في الثمار والزروع، وهذا هو مذهب الشيعة الإمامية، وعليه فلا نسخ لمدلول الآية الكريمة.

تتمة البحث في العدد القادم