دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

وما رواه ابن جرير أيضاً، وأبو يعلي في مسنده، وأبوداود في ناسخه عن علي (ع) قال: لو لا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي. وفي هاتين الروايتين وجوه من الدلالة على أن التحريم إنما كان من عمر: الأول: شهادة الصحابي، وشهادة علي (ع) على أن تحريم المتعة لم يكن في زمان النبي (ص) ولا بعده إلى أن حرّمها عمر برأيه. الثاني: شهادة العدول عن المتعة في الرواية الأولى، مع عدم نهيهم عنها تدل على أنهم كانوا يجوّزونها. الثالث: تقرير عمر دعوى الشامي أن النبي (ص) لم ينه عنها. الرابع: قول عمر للشامي: « لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك» فإنه صريح في أن عمر لم يتقدم بالنهي قبل هذه القصة، ومعنى ذلك: أن عمر قد اعترف بأن المتعة لم ينه عنها قبل ذلك. الخامس: قول عمر: بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح فإنه يدل على أن المتعة كانت شايعة بين المسلمين، فأراد أن يبلغ نهيه عن المتعة إليهم لينتهوا عنها بعد ذلك، ولعل لهذه القصة دخلاً مباشراً أو غير مباشر في تحريم عمر للمتعة، فإن إنكاره على الشامي عمله هذا مع الشهادة الحديث بأن التمتع كان أمراً شايعاً بين المسلمين ووصول الخبر اليه، مع أن هذه الأشياء لا يصل خبرها إلى السلطان عادة، كل هذا يدلنا على أن في الأمر سراً جهلته الرواة، أو أنهم أغفلوه فلم يصل إلينا خبره. ويضاف إلى ذلك أن رواية سلمة بن الأكوع ليس فيها ظهور في أن النهي كان من النبي(ص) فمن المحتمل ان لفظ نهي في الرواية بصيغة المبني للمفعول وأريد منه نهي عمر بعد رسول الله(ص). وعلى الجملة: أنه لم يثبت بدليل مقبول نهي رسول الله(ص) عن المتعة ومما يدل على أن رسول الله(ص) لم ينه عن المتعة: أن عمر نسب التحريم إلى نفسه حيث قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أنهى عنهما واعاقب عليهما ولو كان التحريم من النبي (ص) لكان عليه أن يقول: نهي النبي عنهما. ان ناسخ جواز المتعة الثابت بالكتاب والسنّة هو الإجماع على تحريمها. والجواب عن ذلك: إن الإجماع لا حجية له إذا لم يكن كاشفاً عن قول المعصوم وقد عرفت أن تحريم المتعة لم يكن في عهد النبي(ص) ولا بعده إلى مضي مدة من خلافة عمر، أفهل يجوز في حكم العقل أن يرفض كتاب الله وسنة نبيه بفتوى جماعة لم يعصموا من الخطأ؟ ولو صح ذلك لأمكن نسخ جميع الأحكام التي نطق بها الكتاب، أو أثبتتها السنّة القطعية، ومعنى ذلك أن يلتزم بجواز نسخ وجوب الصلاة، أو الصيام، أو الحج بآراء المجتهدين، وهذا ممالا يرضى به مسلم. أضف إلى ذلك: أن الإجماع لم يتم في مسألة تحريم المتعة، وكيف يدعي الإجماع على ذلك، مع مخالفة جمع من المسلمين من أصحاب النبي(ص) ومن بعده و لاسيما أن قول هؤلاء بجواز المتعة موافق لقول أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، وإذن فلم يبق إلا تحريم عمر. ومن البين أن كتاب الله وسنة نبيه أحق بالإتباع من غيرها، ومن أجل ذلك أفتى عبدالله بن عمر بالرخصة بالتمتع في الحج، فقال له ناس: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك، فقال لهم: ويلكم ألا تتقون... أفرسول الله (ص) أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر؟ وخلاصة ما تقدم: أن جميع ما تمسك به القائلون بالنسخ لا يصلح أن يكون ناسخاً لحكم الآية المباركة، الذي ثبت قطعا تشريعة في الإسلام.