دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

من حياة المستبصرات » من حياة المستبصرات

ام عبدالرحمن

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصيكم بالثقلين كتاب الله
وعترتي لن تضلوا من بعدي ما
أن تمسّكتم بهما

 

* * * * * *


شاء الله عزّ وجل أن ينير قلوب البعض ويشعل فيه شعلة الايمان وذلك برحلة روحية نحو العترة الطاهرة . فاستبصر جمع من الاخوة والاخوات بعد ما عرفوا إنّ الحق مع علي وعلياً مع الحق يدور معه كيفما دار ومن هذه الكوكبة المشرقة الاخت المؤمنة أم عبد الرحمان الجزائرية فبارك الله لها في مساعيها ووقتها للمزيد.

* * * * * *


* أم عبدالرحمن تروي قصّة الاستبصار
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلّى الله على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
تحصّلتُ على بكالوريوس التعليم الثانوي في مادة الكيمياء في المعهد العالي للأساتذة ، وأنشغلت بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء لمدة تسع سنوات ، والآن ومنذ خمس سنوات أشرف على الإدارة الداخلية لمعهد السيدة خديجة عليها السلام للعلوم الإسلامية في قم المقدسة تحت نظر اللّجنة الإدارية الموقرة ، وأدرس علوم أهل البيت (ع).
منذ أيام الجامعة كان أمل أبو عبدالرحمن أن يلتحق بقم المقدسة لطلب علم أهل البيت ، وقد تعرّف على المذهب ومنجزات الثورة الإسلامية عن طريق شاب إيراني ، كان يدرس معنا في الجامعة ، وأضحى هدفه الوحيد منذ ذلك الوقت هو الهجرة وطلب العلم ولم يتحقق هدفه إلا بعد مرور إثنتي عشرة سنة ، في أيام الجامعة تقريباً.
أما أنا فقد كنت منغمسة في التدريس ومسؤولياته ، ولم يكن لدينا أدنى توجّه في المعارف الإسلامية ، بل كان تديني تقليدي كأغلب الناس ، فلم أكن أناقشه في مسائل المذهب الجديد ، ولم أكن أهتم بمطالعة الكتب الشيعية القليلة التي كان يحصل عليها عن طريق السفارة الإيرانية ، وهكذا بقيت طول هذه الفترة على مذهبي إلى أن جئت إلى إيران.
قدم أبو عبدالرحمن إلى ايران سنة قبل سفري حيث أستطاع أن يهيىء لنا المسكن وغيره ثم أرسل إلينا على أن نلتحق به أنا والأطفال ، فنزلنا إلى سوريا في محرّم سنة 1414 هـ وهناك إلتقينا به.
في سوريا أوّل ما فعله هو أنه أخذنا إلى زيارة مقام السيدة زينب سلام الله عليها.
طبعاً ، معلوم أن المشرق أرض الأنبياء والمغرب أرض الأولياء ، فمقامات أولياء الله الصالحين منتشرة في كل المغرب العربي ، حيث يرد عليهما الناس فيرفعون حاجاتهم إلى الله تعالى الله تعالى ويتوسلون بهم. وكثيراً ما كان يستجاب دعاءهم وتقضى حاجاتهم ، إلا أنّه وبعد ظهور بعض الفرق الإسلامية التي تعتقد بأن زيارة المراقد ، شرك ، قلّت زيارة الناس وترددهم على هذه المقامات.
فلمّا دخلنا إلى مقام السيدة زينب عليها السلام لم أتعجب ممّا رأيته من توسل الناس ، وتبركهم بمرقدها الشريف ، وبكائهم ودعائهم ، إلأَ أنه بهّرني جماله وإتقان صنعه ، وأحترام الزّوار له ، لما كنت أتردد على مراقد الأولياء الصالحين في بلدي ( خاصة أنّ عقيدتي بهم كانت ضعيفة جدّاً لأنني كنت أجهل دور وساطة الأولياء والصالحين ومكانتهم عند الله تعالى ، وكان يرتابني الشك والخوف من السقوط في الشرك. بجهلِنا بالدين والعقيدة ).
عندها ناولني أبو عبدالرحمن التربة وزيارة السيدة زينب عليها السلام قائلاً : صلي ركعتين ، ثم أقرأي هذه الزيارة.
فصلّيت ركعتين ثم بدأت في قراءة الزيارة وكنت كلّما أقرأ ما فيها من وصف حال أبناء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، تأخذني رعشة ، ولم أكن أدري ما حصل في يوم عاشوراء للحسين عليه السلام وأهله وأصحابه ، ولم أكن أعلم ما ألحق بالسيدة زينب وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك ، فكانت هذه الحقائق تدمي القلوب وتُذيبها هل يمكن أن يفعل هكذا بأحفاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإذا كان الأمر كذلك لماذا نجهل هذه الأمور ؟ لماذا ندرسها في دروس التربية الإسلامية ؟ والتاريخ ؟ ألا تستحق هذه الفجيعة أن تعرف من طرف كل مسلم ، أم أنها أخفيت لهدف معيّن وعمداً ، تساؤلات لا أجد لها أجوبة ، لأن الحقيقة حجبت علينا والتاريخ محرّف مزيّف فما وجدت حيلة ولا وسيلة إلا البكاء والنحيب ، وفي تلك اللحظات الحاسمة الحزينة التي يجد فيها الإنسان نفسه أمام حقائق خطيرة تمس بعقيدته وتاريخ دينه أصاب شعاع من أشعة الرحمة واللّطف والعناية الإلهيّة التي كانت تعم تلك الحضرة الشريفة قلبي فحرّك الفطرة الدفينة والحب العميق الذي أودعه الله تعالى في قلب الإنسان إتجاه أهل بيت الرسول ، وبحمد الله وعونه صارت نقطة التحول في حياتي وحياة أسرتي كلها منذ تلك اللحظة . وقد كانت هذه الهبة الإلهيّة أجمل وأفضل نعمة أنعمها الله علينا إلى جانب نعمه وفضله الدائم ، فالحمد لله رب العالمين.
بعد أسبوع تركنا سوريا وتوجهنا إلى إيران ، هناك بدأت أطالع كتب التاريخ والسيرة وأتعرف على سر الإمامة والخلاف بين السنة والشيعة في هذه المسألة بالخصوص ، فأستغربت كيف حجبت الحقيقة عن الناس ، وقد ورد في القرآن الكريم آيات ، وفي السيرة روايات عديدة تنص على تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده منصب الخلافة والإمامة فأوّلت الآيات وأخفيت الروايات أو أتلفت ولم يمض على رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم إلا أيام معدودة.
وجهل الامة الإسلامية بالتاريخ في أعتقادي يرجع إلى أمرين :
الأمر الأول : هو تواطأ العلماء مع الحكومات والحكام على اخفائها.
الأمر الثاني : أن البلدان العربية والإسلامية تعرضت في القرنين الأخيرين إلى الإستعمار الغربي.
وكان هذا عامل في بعد الناس عن البحث في الدين والتعلّم ، فأضحى الدين تقليدياً دون علم ولا بحث أو تحقيق ، ولذا نجد أغلب السنة جاهلين للتاريخ والسيرة ، ففي المغرب العربي مثلاً الجهل هو عامل بعد الناس وجهلهم بأهل البيت (ع) وليس بعدهم عنهم ناتج عن عداء أو بغضاء أو نصب.
وكلّ من يتعرّف بالمذهب وبالخصوص بفضائل أهل البيت ومناقبهم ، فإنه يعثر على إيجابيات يفتقدها المذهب السني بكل فرقة ، وهي تتخلص ـ في أعتقادي ـ في هذه النقاط التالية :
1 ـ أن المذهب عقلي ، فهو يوافق الأحكام العقلية سواء على مستوى المعتقدات أو على مستوى الفروع ، فكلّما تعمّق الإنسان في معرفة المذهب وفهمه أزداد أقتناعه به ، وأنّه المذهب الحق ، وهو يمتاز بهذه الميزة لسببين :
السبب الأول :
إنّ كل الديانات السماوية نزلت لتنظيم حياة الإنسان وإيصاله إلى كماله المنشود ، لينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة ، والدين جعله الله تعالى الطريق الذي يوصل إلى الحق والكمال ويجعل الإنسان يعيش لهدف سامٍ وعالٍ وهو الخلود بعد الموت.
القياس : فإن كان الدين محرّفاً أو مشوهاً بالبدع والخرافات ـ التي يرفضها كل عقل سليم ـ فإنه لايؤدي الدور المطلوب منه ، لأن العقل البشري حينئذٍ يرى أن هذا الدين لايؤدي به إلى كماله ، ولا يرفع نقائصه بل بالعكس هو يبعده عن هدفه . ومراده ، فيتركه ويتبع طرق أخرى معتقدات يتوهم أنّها توصله إلى ذلك الهدف المنشود.
فبأختياره الطريق الخاطىء ( المادي ، العلماني ، الحيواني إلى غيره ) فهدفه يتحول وينحرف أيضاً فيحصل على كمالات دنيوية ، فانية ، أعتبارية ، ويترك الكمال الحقيقي وهو التأسي بالإنسان الكامل الذي لايحصل إلا عن طريق الدين والإلتزام به.
السبب الثاني وهو المهمّ :
إن المذهب الشيعي ( أو الدين الإسلامي الحق ) إنتقل من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، صاحب الوحي والرسالة إلى كافة الناس بعد أرتحاله عن طريق فئة مختارة من طرف الله تعالى تمتاز عن باقي البرية بكونها من أهل بيت النبوّة ، كبرت وترعرعت في أحضان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . أخذت من فضائله ، وقيمه ، وأخلاقه ، وعلمه ، والأهم من ذلك تمتاز هذه الفئة بصفة لا يتصف بها إلا نبيّ منزل أو رسول مرسل وهي العصمة.
فللعصمة الدور الأساسي للحافظ على الدين وصونه من التحريف والبدع والخرافات ، فبقي دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على حاله ينتقل من إمام معصوم إلى وصي معصوم إلى يومنا هذا ، ولذا يستحيل أن يخالف المذهب أحكام العقل.
2 ـ إن الإنسان في حياته اليومية قد يتعرض إلى مشاكل ومصائب فيسعى إلى حلّها بكلّ الوسائل لكنّه يفشل أو قد تكون لديه حاجات معنوية لا يقدر على تحقيقها ، أو قد يشعر أحياناً بنعم خالقه ولطفه ورعايته فلا يعرف كيف يشكره ويحمده ، وقد يشعر أحياناً بشغف وشوق وحب عميق لله تعالى فيريد أن يبرزه فلا يجد السبيل إلى ذلك. . . .
أمّا من عرف أهل البيت (ع) فإنه ينال مناله بكل سهولة ودون عناد وتعب ، فهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض لا يضيع من تمسّك به ولا يشقي ولا يخيب ، فقد تركوا لشيعتهم ومحبيهم ومواليهم الأدعية والأوراد والمناجاة يعيش في خلالها المؤمن مع خالقه ، في كل آن وحين ، يبرز له العبودية والفقر والحب والإشتياق ، يطلب حاجات فيجاب ، يستغفر فيجاب يتوسّل فيجاب يشفع فيجاب ، هذا الأمر مفتقد لدى المذاهب الإسلامية الأخرى ، فلولا كذا أدعية وكذا أوراد وكذا أحراز لما تخلفوا عنها لأنها حقيقة زاد معنوي ثمين بُجلي الصدى عن القلوب ويوثق العلاقة والرابطة بين العبد وخالقه ، فلا يزيده ذلك إلأَ أيماناً بالله وقربه منه.
3 ـ لاشك في أن المسلمين كافة مجمعين على ظهور صاحب العصور الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف . وإن إختلفوا في جزئيات المسألة والجانب الإيجابي المفقود عند السنّة في مسألة الظهور هو أن الشيعة يعيشون الظهور بعلمائهم وعوامهم ويحضّرون له ، فيصبح للإنسان هدف مقدس يعيش من أجله وهو الاستعداد ليوم الظهور والعمل على تعجيل ذلك اليوم كلّ حسب مرتبته ، فهم يعيشون مع إمام زمانهم أرواحنا له الفداء في غيبته وهذا أمر مهم جداً لأنه يعيش ضابطاً يمشي وفقه المسلم وتترتب بذلك آثار إيجابية جداً على حياته وسلوكه ومعتقداته.
4 ـ النقطة الرابعة التي يمتاز بها المذهب عن باقي المذاهب أو الفرق الإسلامية هو وجود مرجع التقليد يحتار المكّلف مهما كان أمام مسألة فقهية تواجهه ولا في تحديد وظيفته الشرعية إزاءها ، فلا يلجأ للرأي أو القياس الذي يؤدي بالإنسان الجاهل إلى الإنحراف عن الشرع بل هو مقيد بفتوى العلماء الذين بذلوا حياتهم في العلم والإجتهاد وفق ما ورد عن الأئمة (س) وعن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم .
فوجود المرجع يحفظ المذهب ويحميه من الأنحراف ودخول البدع والأوهام فيه كما أن له دوراً أساساً في الحفاظ على أتحاد الأئمة وأتفاقها.
5 ـ ما وجدت إيديولوجية أو مذهب أو فرقة تحثُّ على العلم والتعلم كمذهب أهل البيت.
فالعلم هو الذي ينوّر العقل والعقل هو السّراج الذي يضيء الطريق ، والطريق هو الشريعة السمحاء التي سطرها الحق تعالى للإنسان ، فلو اتبع المسلمون نصائح أهل البيت وتوجيهاتهم وعلموا بما أوصوا به لما شقي مسلم على الأرض ولما تخلف عن الحق ولما ركن إلى رأى كونيه ومعتقدات غير المعتقدات الإسلامية ، فالعقل إذا تحرك وصل إلى كشف الحقائق وتشخيص المصلحة من المفسدة ، وفي هذا العصر مع تطوّر وسائل الإعلام والأتصال لم يبقى لأحد حجّة فعلى كل واحد منا أن يبحث وينقّب في التاريخ ، فليبحث كل واحد منا في كتب الشيعة أو السنة عن حديث المنزلة ، عن حديث الدار ، عن حديث الثقلين ، عن حديث الغدير حتى يطلع على محتواها وقد تواترت هذه الأحاديث بأسانيد صحيحة ومعتبرة القول على وصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم في كل فرصة يرى الناس أن له نائباً ، ووصي ، وخليفة ولم يكن إلا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فهل يعقل أن تحمل كل هذه الروايات على محامل مختلفة ، ما عدا الولاية والخلافة ، هل يعقل أن يؤولّ حديث الغدير بالمحبة والقربى ، والتاريخ يروي في أي ظروف ورد هذا الحديث فلنتمعّن إن الله تعالى لما جعل الدين الإسلامي خالداً صالحاً لكل الأزمنة والعصور ، فقد جعل له أيضاً رجاله ، فلو لم يرسل الله تعالى ولينصب الأئمة لإكمال الرسالة المحمدية وأضمحلّت ولما كان الدين الإسلامي خالداً إلى قيام الساعة ، فلنبحث ولنصبر ونغتنم والله ولي التوفيق . والحمد لله ربّ العالمين.