دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

(فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). وقد اختلفت الأقوال في هذه الآية الكريمة، فقيل: إنها محكمة لم تنسخ وقد أجمعت الشيعة الاثني عشرية على ذلك، فالحاكم مخير- حين يتحاكم اليه الكتابيون- بين أن يحكم بينهم يمقتضى شريعة الإسلام، وبين أن يعرض عنهم ويتركهم وما التزموا به في دينهم. وقد روى الشيخ الطوسي بسند صحيح عن أبي جعفر (ع) قال: ( إن الحاكم إذا أتاه أهل التوراة، وأهل الأنجيل يتحاكمون اليه كان ذلك إليه، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء ترك). وإلى هذا القول ذهب من علماء أهل السنة الشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، ومالك وذهب جمع منهم إلى أن الآية المباركة منسوخة بقوله تعالى بعد ذلك: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ). وروي عن مجاهد أنه ذهب إلى أن آية التخيير ناسخة للآية الثانية. والتحقيق: عدم النسخ في الآية، فإن الامر بالحكم بين أهل الكتاب بما أنزل الله في قوله تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) مقيد بما إذا أراد الحاكم أم يحكم بينهم، والقرينة على التقييد هي الآية الاولى. ويدلّ على ذلك أيضاً – مضافاً إلى شهادة سياق الآيات بذلك- قوله تعالى في ذيل الآية الاولى: وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) فإنه يدل على أن وجوب الحكم بينهم بالقسط معلق على إرادة الحكم بينهم، وللحاكم أن يعرض عنهم فينتفي وجوب الحكم بانتقاء موضوعه. ومما يدل على عدم النسخ في الآية المزبورة الروايات التي دلّت على أن سورة المائدة نزلت على رسول الله(ص) جملة واحدة، وهو في أثناء مسيرة. فقد روى عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن علي(ع) :( إن سورة المائدة كانت من آخر ما نزل على رسول الله(ص) وأنها نزلت وعلى بغلته الشهباء، وثقل عليه الوحي حتى وقعت). وروت أسماء بنت يزيد، قالت: إني لآخذه بزمام العضباء ناقة رسول الله إذا أنزلت عليه المائدة كلها، وكادت من ثقلها تدق من عضد الناقة. وروت أيضاً بإسناد آخر، قالت: نزلت سورة المائدة على النبي(ص) جميعاً ان كادت لتكسر الناقة. وروى جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، فقالت: أما انها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرّموه. وروى أبو عبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس، قالا: قال رسول الله(ص) المائدة من آخر القرآن تنزيلاً، فأحملوا حلالها، وحرّموا حرامها. وغير ذلك من الروايات الدالة على أن سورة المائدة نزلت جملة واحدة، وهي آخر ما نزل من القرآن، ومع هذه الروايات المستفيضة كيف يمكن دعوى أن تكون احدى آياتها ناسخة لآية أخرى منها! وهل ذلك إلا من النسخ قبل حضور وقت العمل؟ ونتيجة ذلك أن يكون التشريع في الآية المنسوخة لغواً لا فائدة فيه، على أن بعض الروايات المتقدمة دلت على أن هذه السورة هي آخر ما نزل من القرآن، وإن بعض الروايات المتقدمة دلت على أن هذه السورة هي آخر ما نزل من القرآن، وإن شيئاً من آياتها لم ينسخ.

تتمة البحث في العدد القادم