دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

الدعاء والمناجاة خطابان من العبد إلى الله والفرق بينهما أن (الدعاء) خطاب استغاثة واستنجاد وفزع، و(المناجاة) خطاب واصل قريب بين الحبيب، لا جزع فيه ولا فزع. الخطاب الأول عن هجر وقلى، والخطاب الثاني عن قرب ونجوى، كما هو الظاهر من اشتقاق كلمة المناجاة من النجوى المتبادلة بين حبيبين. في خطاب المناجاة يبث المحب شكواه إلى حبيبه عن أيام الهجر والبعد، ويقبل منه العتاب، فإن العتاب يذهب بالجفاء (لك العتبى حتى ترضى). وفي خطاب الدعاء يرفع النداء والعويل، ويستغيث، وسيتصرخ، ويستنجد، وينادي. في الدعاء صراخ وهتاف، وفي المناجاة نجوى وهمس. في الدعاء تضرع والتماس، وفي المناجاة بث لشكوى الفراق، وقبول للعتاب. في الدعاء استنجاد وفزع، وفي خطاب المناجاة سكون واستقرار. في خطاب الدعاء شوق ولهفة عارمة، وفي خطاب المناجاة أنس وسكينة. ...وشتّان ما بينهما... ولكل منهما نكهة، ولا يغني أحدهما عن الآخر. في الخطاب الأول (الدعاء) خوف وفزع للعاصين المستغفرين، وشوق للمحبين عند الهجر والقلى. وفي كل منهما حرقة. في الأول حرقة الفزع والخوف، وفي الثاني حرقة اللهفة والشوق. وأما خطاب المناجاة ففيه برد السكون والانس. برد السكون إلى عفو الله للعاصين الذين تقبّل الله توبتهم و استغاثتهم وآمنهم وآواهم عنده مأوى الآمنين، وبرد الوصال والوصول بعد الهجر والقلى، لمن تقبلهم الله بجواره في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وسقاهم ربهم شراباً طهوراً. وكلاً منهما يحتاج العبد في سلوكه إلى الله تعالى، ولا يغني أي منهما عن الآخر. ففي الطريق إلى الله لابد أن يتلوع السالك إلى الله بحرقة اللهفة والتضرع والاستغفار والإنابة والشوق، ولابد في الطريق إلى الله من برد السكون والوصول إلى جوار رحمة الله والأنس بلقاء الله.