دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

فذهب بعضهم ومنهم عكرمة وعبادة بن الصامت في رواية الحسن عن الرقاشي عنه أن الآية الأولى منسوخة بالثانية والثانية منسوخة في البكر من الرجال والنساء إذا زنى بان يجلد مائة جلده، وينفى عاماً، وفي الثيّب منهما أن يجلد مائة، ويرجم حتى يموت، وذهب بعضهم كقتادة ومحمد بن جابر إلى أن الآية الأولى مخصوصة بالثيّب والثانية بالبكر، وقد نسخت كلتاهما بحكم الجلد والرجم، وذهب ابن عباس ومجاهد ومن تبعهما كأبي جعفر النحاس إلى أن الآية الأولى مختصة بزناء النساء من ثيب أو بكر، والآية الثانية مختصة بزناء الرجال ثيباً كان أو بكراً، وقد نسخت كلتاهما بحكم الرجم والجلد. وكيف كان فقد ذكر أبوبكر الجصاص أن الامة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين. والحق: أنه لا ينسخ في الآيتين جميعاً، وبيان ذلك: أن المراد من لفظ الفاحشة ما تزايد قبحه وتفاحش، وذلك قد يكون بين امرأتين فيكون مساحقة وقد يكون بين ذكرين فيكون لواطاً، وقد يكون بين ذكر وأنثى فيكون زنى، ولا ظهور للفظ الفاحشة في خصوص الزنا لا وضعاً ولا انصرافاً، ثم ان الإلتزام بالنسخ في الآية الاولى يتوقف. أولاً: على أن الإمساك في البيوت حدّ لإرتكاب الفاحشة. ثانياً: على أن يكون المراد من جعل السبيل هو ثبوت الرجم والجلد وكلا هذين الأمرين لا يمكن إثباته، فإن الظاهر من الآية المباركة أن إمساك المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها عن ارتكاب الفاحشة مرة ثانية، وهذا من قبيل دفع المنكر، وقد ثبت وجوبه بلا إشكال في الامور المهمة كالأعراض، والنفوس، والأمور الخطيرة، بل في مطلق المنكرات على قول بعض، كما أن الظاهر من جعل السبيل للمرأة التي ارتكبت الفاحشة هو جعل طريق لها تتخلص به من العذاب، فكيف يكون منه الجلد والرجم، وهل ترضى المرأة العاقلة الممسكة في البيت مرفّهة الحال أن ترجم أو تجلد، وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيلاً لها وإذا كان ذلك سبيلاً لها فما هو السبيل وعلى ما تقدم: فقد يكون المراد من الفاحشة خصوص المساحقة، كما أن المراد بها في الآية الثانية خصوص اللواط، وسنبين ذلك إن شاء الله تعالى، وقد يكون المراد منها ما هو أعم من المساحقة والزنا، وعلى كلا هذين الإحتمالين يكون الحكم وجوب إمساك المرأة التي ارتكبت الفاحشة في البيت حتى يفرّج الله عنها، فيجيز لها الخروج إما للتوبة الصادقة التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة مرة ثانية، وإما لسقوط المرأة عن قابيلى ارتكاب الفاحشة لكبر سنها ونحوه، وإما بميلها إلى الزواج وتزويجها برجل يتحفظ عليها، وإما بغير ذلك من الأسباب التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة. وهذا الحكم باقٍ مستمر، وأما الجلد أو الرجم فهو حكم آخر شرّع لتأديب مرتكبي الفاحشة، وهو أجنبي عن الحكم الاول، فلا معنى لكونه ناسخاً له.

تتمة البحث في العدد القادم