دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

التوكل على الله حالة نفسية، وليست حالة لفظية، وكلمة (التوكيل) تعبير عن تلك الحالة النفسية، وهي إيكال الامور جميعاً إلى الله. وهذه الحالة هي الثقة المطلقة بالله وبسلطانه وحكمته ورحمته، فيوكّل الإنسان الله في كل أموره، في حياته وفي زواجه، وفي عائلته، وفي تجارته، وفي مستقبله، وفي دراسته، واثقاً بأن الله تعالى لا يجري إلّا ما فيه خيره وصلاحه، وواثقاً بأن الله يقبل التوكيل من عبده، فيطمئن الإنسان إلى هذه الوكالة الإلهية التي طلبها العبد من ربه، فيسلّم أمره كله لله تعالى بثقة واطمئنان. وهذه الثقة والإطمئنان بالله تعالى تستقر في قلب العبد بهذا التوكيل (توكلت على الله). ويعم هذا التوكيل كل مساحة حياة الإنسان، ويتوكل الإنسان على الله تعالى في كل شؤون حياته، وفي دنياه و آخرته. وبسبب هذا التوكيل، في هذه المساحة الواسعة من حياته، تستقر الثقة بالله والتسليم لله في قلب العبد، ويتمرس الإنسان في وضع الثقة بالله تعالى في كل شؤون حياته. وهذه الثقة المطلقة الواسعة بالله تعالى تنعش قلب العبد، وتنوره باليقين. ولسنا نحتاج إلى توضيح أن التوكل ليس بديلاً عن العمل والجهد والتخطيط والمواصلة، وإنما هو بديل عن الغرور الكاذب الذي يصيب الإنسان إذا أصاب نجاحاً في حياته فيتصور أنه بجهده حقق هذا النجاح، وبديل عن الخوف عن العقبات والمعيقات التي تعترضه في الطريق، وبديل عن المخاوف التي تنتاب الإنسان لما يضمره له المستقبل، فلا يعرف كيف يؤول أمره، تجاه هذه العقبات والمعيقات، و تجاه المخاوف التي تواجهه في المستقبل. وتجاه المخاوف التي تنتاب الإنسان من الخطأ في المحاسبات. فإن الإنسان إذا أقدم على عمل تجاري- مثلا- ووضع رأس ماله في ذلك العمل، يجري بصورة دقيقة، فيقدم إذا كان الحسابات إيجابياً، ويحجم إذا كانت نتيجة المحاسبة سلبية. فإذا أخطأ في المحاسبة- ويتفق ذلك كثيراً للإنسان- فسوف يخسر ماله وجهده وعمره من غير أي مردود مالي. ومعنى التوكّل: أن الإنسان يعلم ان هذا النجاح والتوفيق ليس من فكره وجهده، وإنما كان من عند الله فلا يملكه الغرور، ويعرف ان الله تعالى يتولى عنه إزالة العقبات والمعيقات التي لا يراها أولا يقدر على إزالتها بجهده، ولا تدخل في محاسبته، وأن الله تعالى يؤمّن له المستقبل المجهول، كما أمن له الحال والماضي، وما عليه إلّا أن يحاسب حساب المستقبل بقدر ما يفهم، ويوكل أمر ما لا يدخل في المحاسبة مما يضمره المستقبل له إلى الله، ويبذل جهده في التخطيط والمحاسبة والاستفسار، فإذا كانت النتيجة إيجابية يقدم متوكلاً على الله (وإذا عزمت فتوكل على الله)، فيزيل التوكل الغرور من نفس الإنسان، ويبدله بالثقة بالله، ويطمأن إلى تسديد الله تعالى له، ورعايته له، وتوفيقه إياه، وتأييده له، ودفاعه عنه، فيمضي في حمله بهذه الثقة المطلقة في جهد وعمل مدروس مخطط منظم من غير غرور، لا يخاف شيئاً إلّا الله ولا يثق بشيء إلّا الله. ومن يتوكّل على الله فهو حسبهُ إنّ الله بالغُ أمره قد جعل الله لكل شيٍ قدراً.