دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

تتمة البحث السابق

*وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ*

فقد نسب إلى جماعة منهم ابن عباس، وأبو العالية، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، والسدى، وزيد بن أسلم أن الآية منسوخة واختلف في ناسخها فذكر ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: *وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*

وذهب قتادة إلى أن الناسخ قوله تعالى:* فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ*

كذلك ذكر القرطبي، وذكروا في وجه النسخ أن النبي(ص) وجميع المسلمين كانوا مخيرين في الصلاة إلى أية جهة شاؤوا وإن كان رسول الله(ص) قد اختار من الجهات جهة بيت المقدس، فنسخ ذلك بالأمر بالتوجه إلى خصوص بيت الله الحرام.

ولا يخفى ما في هذا القول من الوهن والسقوط، فإن قوله تعالى: *وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ*

صريح في أن توجهه إلى بيت المقدس كان بأمر من الله تعالى لمصلحة كانت تقتضي ذلك، ولم يكن لاختيار النبي(ص) في ذلك دخل أصلا.

والصحيح أن يقال في الآية الكريمة: إنها دالة على عدم اختصاص جهة خاصة بالله تعالى، فإنه لا يحيحط به مكان، فأينما توجه الإنسان في صلاته ودعائه وجميع عباداته فقد توجه إلى الله تعالى. ومن هنا استدل بها أهل البيت (ع) على الرخصة للمسافرأن يتوجه في نافلته إلى أية جهة شاء، وعلى صحة صلاة الفريضة فيما إذا وقعت بين المشرق والمغرب خطأ، وعلى صحة صلاة المتحير إذا لم يعلم أين وجه القبلة. وعلى صحة سجود التلاوة إلى غير القبلة، وقد تلاها سعيد بن جبير(رحمه الله) لما أمر الحجاج بذبحه إلى الأرض فهذه الآية مطلقة، وقد قيدت في الصلاة الفريضة بلزوم التوجه فيها إلى بيت المقدس تارة، وإلى الكعبة تارة أخرى، وفي النافلة أيضاً في غير حال المشي على قول. وأما ما في بعض الروايات من أنها نزلت في النافلة فليس المراد أنها مختصة بذلك وقد تقدّم أن الآيات لا تختص بموارد نزولها.

وجملة القول: ان دعوى النسخ في الآية الكريمة يتوقف ثبوتها على أمرين:

الأول: أن تكون واردة في خصوص صلاة الفريضة، وهذا معلوم بطلانه، وقد وردت روايات من طريق أهل السنة في أنها نزلت في الدعاء وفي النافلة للمسافر، وفي صلاة المتحير، وفي من صلى إلى غير القبلة خطأ وقد مر عليك_ آنفاً_ استشهاد أهل البيت(ع) بالآية المباركة في عدة موارد.

الثاني: أن يكون نزولها قبل نزول الآية الآمرة بالتوجه الى الكعبة وهذا أيضاً غير ثابت، وعلى ذلك فدعوى النسخ في الآية باطلة جزماً. وفي بعض الروايات المأثورة عن أهل البيت (ع) التصريح بأن الآية المباركة ليست منسوخة. نعم قد يراد من النسخ معنى عاماً شاملاً للتقييد، فإذا أريد به ذلك في المقام فلا مانع منه، ولا يبعد أن يكون هذا هو مراد ابن عباس من النسخ فيها، وقد أشرنا اليه فيما تقدم.

تتمة البحث في العدد القادم