دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

مناقشة الآيات المدعى نسخها

وعلى كل فلا بد لنا من الكلام في الآيات التي ادعى النسخ فيها. ونذكر منها ما كان في معرفة وقوع النسخ فيه وعدم وقوعه غموض في الجملة. أما ما كان عدم النسخ فيه ظاهراً- بعد ما قدّمناه- فلا نتعرض له في المقام «وسنتعرض لذلك عند تفسير الآيات إن شاء الله تعالى». وليكن كلامنا في الآيات على حسب ترتيبها في القرآن الكريم: 1- «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» فعن ابن عباس وقتادة والسدي، أنها منسوخة بآية السيف. واختاره أبو جعفر النحاس. وآية السيف هي قوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» والالتزام بالنسخ- هنا- يتوقف على الالتزام بأمرين فاسدين: الأول: أن يكون ارتفاع الحكم الموقت بانتهاء وقته نسخاً، وهذا واضح الفساد، فإن النسخ إنما يكون في الحكم الذي لم يصرّح فيه لا بالتوقيت ولا بالتأييد. فإن الحكم إذا كان موقتاً- وإن كان توقيته على سبيل الإجمال- كان الدليل الموضح لوقته، والمبين لانتهاء من القرائن الموضحة للمراد عرفاً، وليس هذا من النسخ في شيء. فإن النسخ هو رفع الحكم الثابت الظاهر بمقتضى الإطلاق في الدوام وعدم الإختصاص بزمان مخصوص. وقد توهم الرازي أن من النسخ بيان الوقت في الحكم الموقت بدليل منفصل وهو قول بيّن الفساد، وأما الحكم الذي صرح فيه بالتأييد، فعدم وقوع النسخ فيه ظاهر. الثاني: أن يكون أهل الكتاب أيضاً ممن أمر النبي(ص) بقتالهم، وذلك باطل، فإن الآيات القرآنية الآمرة بالقتال إنما وردت في جهاد المشركين ودعوتهم إلى الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر. وأما أهل الكتاب فلا يجوز قتالهم إلا مع وجود سبب آخر من قتالهم للمسلمين، لقوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»

تتمة البحث في العدد القادم