دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

قبسات من حياة الزهراء (عليها السلام) » الجزء الثاني

الجزء الثاني

 

 

زواج الزهراء عليها السلام


 كانت الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام في محلّها الذي أختصّها الله به من العظمة. تكتنفها فضائل جمة تقاعست عن حدها كافّة البشر وانحطّ عن ذراها ذوو المأثر منذ بدء الخليقة كيف لا وقد جاء بها النبي صلى الله عليه وآله للمباهلة وكانت خامسة أصحاب الكساء المعنيين بآية التطهير.
 إلى الكثير من كلماتهِ التي تنمُ عن مستوى مجدها الباذج ، فكانت لها الميزة الخاصّة على نساء العالمين حتى على أخواتها اللائي هن أكبر منها سناً . ولمّا علمت الصحابة ان ما حازته فاطمة من القداسةِ والرفعة لم تنلها أي أمرأة حتى بنات الانبياء. كانت لهم مطامع طامحة إلى مصاهرة النبي صلى الله عليه وآله منها . تهالكاً منهم في الحصول على ذلك الخطر الشامخ والحظوة بالاقتران بمثلها من ( حوراء ، انسية ، محدّثة ، ومرضية ). غير ان هدية النبوّة كانت تصدّهم عن مذاكرة


(16)



النبي صلى الله عليه وآله ولا سيما بعد ان شاهدوا ردّ خطابها معلّلاً بأنّه ينتظر في أمر فاطمة الوحي الألهي(1). مع أنّه لم يرد أحداً خطب اخواتها ، وليس ذلك إلاّ لعلمهِ بأنّ خُلفاؤه على الأمّة لابُد وان يكونوا منها وأنّ أب الاوصياء لا يكون رجلاً عادياً من غمار الناس.
 وأن تلك النطف الطاهرة لا ينقلها أي صُلب إلاّ من سبق العلم الازلي بأن يكون وعاء لها حتى ينقلها إلى أمثاله من رحمِ طاهرة لا يخالطها نجسُ الشرك ولا سفاحُ الكفر. كما أن اختيارهم لها لا يكون الا بنص من مبدع كيانهم ومودع العصمة فيهم ، وإلاّ فنبي العظمة لم يزل يهتف في أمّتهِ بأنّ المسلم كفوء المسلم مكتسحاً بذلك عادات الجاهلية ومفاخراتهم لم يبرح عاملاً بهِ وأمر قومهُ بالعمل به.
 فزوج المقداد بن الاسود من ضباعة بنت عمهِ الزبير بن عبد المطلب(2) ، وزوج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش ابنة عمّتهِ اميمة بنت عبد المطلب. إلاّ أنّ أمر فاطمة فوق ذلك الأمر العادي كما يقول الامام الصادق عليه السلام : ( لو لا علي لما كان لفاطمة كفوء من آدم )(3) ولأجلهِ صدر التكليف الخاص بسيد الوصيين عليه السلام ان لا يتزوج أمرأة ما دامت فاطمة موجودة ، فلم يتزوّج أمير المؤمنين أمرأة حتى ماتت فاطمة كما ان النبي صلى الله عليه وآله لم يتزوّج حتى توفيت خديجة ، وقال السيد أحمد الزيني دحلان مفتي الشافعية هذا التحريم من خصائص فاطمة عليها السلام(4).
 وبينما النبي صلى الله عليه وآله يردُ كلّ من أتاهُ خاطباً لها حتى ساءهُ عبد الرحمن بن عوف حين غالى في المهر فمد النبي صلى الله عليه وآله يدهُ المباركة إلى حصى وتناولهُ فإذا هو دُرٌ
____________
1ـ في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص 99 والسيرة الحلبية ج2 ص 217 والصواعق المحرقة ص 84.
2ـ من الغريب يخرج منهما عبدالله فيحارب علي عليه السلام يوم الجمل ويكون المهاجر بن خالد بن الوليد معهُ يوم صفين.
3ـ الكافي والكليني والتهذيب للطوسي في باب الكفاءة.
4ـ أمالي الطوسي ص 27 ومناقب ابن شهر آشوب ج1 ص 93 وبشارة المصطفى ص 136.


(17)


ومرجان وقال : انّ من يقدر على هذا لا يهمّهُ كثرة المهر(1). إذ هبط جبرئيل معهُ سنبل وقرنفل من الجنّة أهداهما الله اليهِ ، واُعلمهُ بما أمر الله به من تزويج علي عليه السلام من فاطمة بخمسمائة درهم تكون سنةً لأمّتهِ وقد فرض الله سبحانهُ لها خمس الدُنيا وثلثي الجنّة وأربعة انهار في الأرض الفرات ودجلة ونيل مصر ونهر بلخ واخبرهُ بأنّهُ إذ زوّجها من علي عليه السلام جرى منها أحد عشر أماماً لكلّ امّة امام في زمانهم يتعلمون منهُ كما علم قوم موسى مشربهم(2). وأنّه سبحانه أمر الملائكة أن يزيّنوا الجنان وأمر الحور العين بقراءة طه ، ويس وحمسعق ، وأرسل سحابه نثرت الدّرّ والياقوت واللؤلؤ والسنبل والقرنفل.
 فالتقطت الحور والملائكة ، والحور تهادين به(3) ، وأنّه تعالى شأنه قال : ـ
 الحمدُ ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلهم عبيدي وأمائي(4) ، يا ملائكتي وسكان جنتي باركوا على علي بن أبي طالب حبيب محمد وعلى فاطمة بنت محمد ، فأني قد باركت عليهما ، وقد زوجت أحبّ النساء اليّ من أحب الرجال التي من النبيين والمرسلين(5) ، وهبط على النبي صلى الله عليه وآله ملك يقال له محمود مكتوب بين كتفيه محمد رسول الله ، علي وصيهُ فقال : ـ فقال يا رسول الله أن الله بعثني ان أزوج النور من النور ، أعني فاطمة من علي ولمّا علم النبي صلى الله عليه وآله بما حكم الله دعا ابنتهُ الزهراء وأوقفها على ما اختارهُ الله وقضاهُ ، وسألها عن رغبتها فيه ، فسكتت فصاح النبي الله أكبر سكوتها إقرارها ، وسأل أمير المؤمنين عما يجدهُ من الصداق فقال : لا أجدُ إلاّ درعي وسيفي وفرسِ وناضحي فأمره صلى الله عليه وآله ببيع الدرع حيث لا غناء لهُ عن السيف
____________
1ـ مدينة المعاجز ص 144 والبحار ج10 ص 33.
2ـ دلائل الامامة لابن جرير ص 18.
3ـ كشف الغمّة ص 142 ومناقب ابن شهر آشوب ج2 ص 105.
4ـ روضة الواعظين ص 126.
5ـ أمالي الصدوق ص 353 مجلس 86 ، والمحتظر ص 133.


(18)

والفرس والناضح فكان قيمتها خمسمائة درهم ـ .

 


زهد الزهراء عليها السلام



 عن الإمام الصادق عن أبيه(1) عليهما السلام عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : ـ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله العصر ، فلمّا انتقل جلس في قبلتهِ والناس حولهُ فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكادُ يتمالك كبراً وضعفاً ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله يستحثهُ الخبر فقال الشيخ : يا نبي الله أنا جائع الكبد فاطعمني ، وعاري الجسد فأكسني ، وفقير فأرثني ، فقال صلى الله عليه وآله : ـ ما أجد لك شيئاً ولكن الدال على شيء كفاعله إنطلق إلى منزلٍ من يحب الله ورسولهُ ويحبّهُ الله ورسولهُ ، يؤثر الله على نفسه . إنطلق إلى حجرة فاطمة وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال يا بلال قم فقف بهِ على منزل فاطمة فأنطلق الاعرابي مع بلال ، فلمّا وقف على باب فاطمة ، نادى بأعلى صوتهِ السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ، ومختلف الملائكة ومهبط جبريل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين. فقالت فاطمة : ـ وعليك السلام فمن أنت يا هذا ، قال : ـ شيخ من العرب أقبلتُ على أبيك سيد البشر مهاجراً من شقة ، وأنا يا بنت محمدٍ عاري الجسد ، جائع الكبد ، فواسيني يرحمك الله . وكان لفاطمة وعلي ورسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً ما طعموا فيها وقد علم رسول الله صلى الله عليه وآله من شأنهما ، فعمدت فاطمة إلى جلد كبشِ مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين فقالت : خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يختار لك ما هو خير منه قال : ـ الاعرابي : يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتني جلدُ كبشٍ ما أنا صانعُ به مع ما أجدُ من السغب ؟ قال فعمدت فاطمة عليها السلام لما سمعت هذا القول إلى
____________
1ـ في السادس من البحار.


(19)


عقدٍ كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطلب ، فقطعتهُ من عنقها ونبذته إلى الاعرابي فقالت : خذهُ وبعهُ فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خيرٌ منهُ ، فأخذ الاعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله والنبي جالسٌ في أصحابهِ فقال : يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد ، فقالت بعهُ : ـ عسى الله أن يضع لك ، قال : فبكى النبي صلى الله عليه وآله فقال : كيف لا يضعَ الله لك ، وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم ، فقام عمار بن ياسر رحمه الله ، فقال يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد قال : ـ أشترِ يا عمار ، فلو اشترك فيهِ الثقلان ما عذبهم الله بالنار فقال عمار : ـ بكم العقد يا أعرابي ، فقال : ـ بشبعة من الخبز واللحم ، وبردة يمانية ، أسترُ بها عورتي ، وأصلي فيها لربي ، ودينار يبلغني إلى أهلي ، وكان عمّار قد باع سهمهُ الذي نفله رسول الله صلى الله عليه وآله من خيبر ولم يبق منهُ شيئاً ، فقال : لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك إلى أهلك ، وشبعك من خبز البر واللحم ، فقال الأعرابي : ما اسخاك بالمال أيّها الرجل : وعاد الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أشبعت واكتسيت ؟ قال الاعرابي : ـ نعم واستغنيت بأبي أنت وأمّي ، قال : فأجزِ فاطمة بضيعها ، فدعا الإعرابي لفاطمة عليها السلام فعمد عمار إلى العقد ، فطيبهُ بالمسكُ ، ولفّه ببردة يمانية ، وأرسله مع مملوك له إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له : ـ أنت لهُ مع العقد ، فأخذ المملوك العقد ، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله اذهب به إلى فاطمة وأنت لها ، فجاء المملوك بالعقد واخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذت العقد ، وأعتقت المملوك ، لله درك من عقدِ (1).

 

عبادة الزهراء عليها السلام


 عن الإمام الحسين عن أخيه عليهما السلام قال : ( رأيت أمّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح ، وسمعتها
____________
1 ـ البحار : المجلّد السادس .


(20)


تدعوا للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم ، وتكثر الدعاء لهم ، ولا تدعوا لنفسها بشيء ، فقلتُ لها : ـ يا أمّاه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيركِ به فقالت : ـ يا بني ! الجار ثم الدار )(1).
 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال : ـ وأمّا ابنتي فاطمة فأنّها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ، وهي بضعة مني وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الأنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربّها ( جلّ جلالهُ ) زهر نورها لملائكة السماء ، كما يزهرُ نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته : ـ يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة أمائي قائمة بين يدي. ترتعد فرائصها من خيفتي وقد اقبلت بقلبها على عبادتي ، اشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار ... الخ(2).

 

تسبيح الزهراء عليها السلام


 عن كتاب مكارم الاخلاق : ـ انّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله كانت سبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات ، فكانت تديرها بيدها . تكبّر ، وتسبّح ، إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء فأستعملت تربتهُ ، وعملت التسابيح فأستعملها الناس ، فلمّا قتل الحسين ( صلوات الله عليه ) عدل بالأمر إليه ، فأستعملوا تربتهُ لما فيها من الفضل والمزيّة(3).
 عن علي عليه السلام قال : اهدى بعض ملوك الأعاجم رقيقاً فقلتُ لفاطمة عليها السلام : ـ اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأستخدميه خادماً فأتتهُ فسألتهُ ذلك ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : يا فاطمة أعطيكِ ما هو خيرٌ لك من خادم ومن الدُنيا بما فيها ، تكبرين الله
____________
1ـ في المجلد العاشر من البحار .
2ـ المصدر السابق.
3ـ عن كتاب مكارم الاخلاق.


(21)


بعد كلّ صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة وتسبحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، ثمّ تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله وذلك خيرٌ لك من الذي أردت ومن الدنيا وما فيها ، فلزمت ( صلوات الله عليها ) هذا التسبيح بعد كلّ صلاة ، ونسب إليها هذا التسبيح ، فيقال : ـ تسبيح فاطمة عليها السلام(1).

 

الزهراء عليها السلام في كلام سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله


 1ـ عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للسيدة فاطمة عليها السلام : « انّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاك »(2).
 2ـ وعنه صلى الله عليه وآله قال وهو أخذ بيدها : « من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها ، فهي بضعة مني ، وهي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن أذاها فقد أذاني »(3).
 3ـ قال صلى الله عليه وآله قس مواطن متعددة : « فاطمة بضعة مني ، فمن اغضبها فقد أغضبني »(4).
 4ـ « فاطمة بضعة منّي ، يريبها ما يريبني ، ويؤذيني ما أذاها »(5).
 5ـ « خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد ... إلى غير ذلك من كلام الرسول صلى الله عليه وآله في حق فاطمة عليها السلام »(6).
____________
1ـ عن ( دعائم الإسلام ).
2ـ عن مستدرك الحاكم ج3 ص 154 ، وتذكرهُ السبط 175 ، ومقتل الخوارزمي ج ص 52.
3ـ عن الفصول المهمّة 150 ، ونزهة المجالس ج2 ص 228 ، ونور الابصار ص 45.
4ـ عن صحاح البخاري ومسلم والترمذي ، ومسند أحمد 4 ص328 ، والخصائص للنسائي ص 35.
5ـ عن صحيح البخاري ، وخصائص النسائي ص 35.
6ـ عن تاريخ بغداد للخطيب 4 ص 392.


(22)

 

الزهراء عليها السلام في مصيبة أبيها



 روي انّ النبي صلى الله عليه وآله دعا علياً ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ـ عليهم السلام ـ وقال لمن في بيته ، أخرجوا عني ، وقال لأمُ سلمة : كوني على الباب فلا يقربهُ أحد ، ثمّ قال لعلي عليه السلام : أدن مني ، فدنا منهُ فأخذ بيد فاطمة ، فوضعها على صدرهِ طويلاً ، وأخذ بيد علي بيدهِ الاخرى ، فلمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام غلبتهُ العبرة ، فلم يقدر على الكلام ، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وعلي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت فاطمة يا رسول الله : ( قد قطعت قلبي ، واحرقت كبدي ببكائك ، يا سيد النبيين من الأولين والأخرين ، من لولدي بعدك ؟ ولذلٍ ينزلُ بي بعدك ؟ من لعلي أخيك ، وناصر الدين ؟ من لوحي الله وأمره » ؟ ثم بكت وأكبت على وجهه ، فقبلتهُ ، واكبّ عليه ، علي والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ فرفع رأسهُ صلى الله عليه وآله اليهم ، ويد فاطمة في يدهِ ، فوضعها في يد علي ، وقال لهُ : يا أبا الحسن ، وديعة الله ووديعة رسولهِ محمد عندك ، فأحفظ الله ، واحفظني فيها . وانك لفاعلٌ هذا ... يا علي هذهِ والله سيدة نساء أهل الجنة من الاولين والاخرين ، هذهِ والله مريم الكبرى ، أمّا والله ما بلغت نفسي هذا الموضع ، حتى سألت الله لها ولكم ، فأعطاني ما سألته ، يا علي أنفذ ما أمرتك بهِ فاطمة ، فقد أمرتها بأشياء امر بها جبرئيل ، « وأعلم يا علي أني


(23)



راضٍ عمّن رضيت عنهُ ابنتي فاطمة وكذلك ربّي وملائكتهُ(1) ، يا علي ويل لمن ظلمها ، ويل لمن ابتزها حقّها ، وويل لمن هتك حرمتها ، ثم ضمّ صلى الله عليه وآله فاطمة إليه وقبل ما بين عينيها ، وقال : « فداك أبوك يا فاطمة » .. وفي حزنها على أبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول الإمام الباقر عليه السلام ـ « ما رؤيت فاطمة عليها السلام ضاحكة مستبشرة منذُ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبضت »(2). ولله در القائل :


ورنت إلى القبر الشريف بمقلةٍ    *    عبرى وقلبٍ مكمـدٍ محزونِ
قالت واظفـارُ المصائب بقلبها    *    غوثاهُ قل علـى العداةِ معيني
أبتاهُ هـذا السامـري وعجلـهُ    *    تبعاً ومال الناسُ عن هارونِ

 


حديث فدك



 عن أبي سعيدٍ الخدري قال : لما نزلت « وأتِ ذا القربى حقهُ » دعا النبي فاطمة ، فأعطاها فدك ، وفي القاموس : فدك قرية بخيبر وفي المصباح : فدك بفتحتين ، بلدة بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وآله يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة وهي مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله ولمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ، واستولى أبو بكر على منصة الحكم ، ومضت عشرة أيام ، واستقام لهُ الأمر ، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبو بكر تطالب بفدك والفيء فقال : هاتي بينة يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأحتجت فاطمة عليها السلام بالآيات وقالت : قد صدقتم جابرا
____________
1ـ عن السادس من البحار.
2ـ كشف الغمّة ..


(24)



بن عبدالله وجرير بن عبدالله البجلي ، ولم تسألوهما البينة ، وبينتي في كتاب الله ، واخيراً طالبوها بالشهودِ ، فبعثت إلى علي والحسن والحسين. وأم أيمن وأسماء بنت عميس ، وكانت تحت أبي بكر ، أي زوجة أبي بكر ، وشهدوا لها بجميع ما قالت ، فقالوا أمّا علي فزوّجها ، وأمّا الحسن والحسين ، فأبناها ، وأمّا أم أيمن فمولاتها ، وأمّا اسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب ، فهي تشهد لبني هاشم ، وقد كانت تخدم فاطمة ، وكلّ هؤلاء يجرون إلى انفسهم ، ولمّا رأت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام انّ القوم ابطلوا شهودها الذين شهدوا لها بالنحلة ، ولم تنجح مساعيها ، جاءت تطالب حقها عن طريق الارث ، واتخذت التدابير اللازمة لتقوم بأكبر حملة دعائية ، وهي تعلم ان السلطة لا يخضعون للدليل الواضح والبرهان القاطع(1).
____________
1ـ الحلبي في سيرته ج3 ص 39.