دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

الحقوق الإجتماعية في الإسلام » الفصل الثالث

الفصل الثالث

 


الفصل الثالث

 

الحقوق المتبادلة بين الزوجين



المبحث الاَول
حقوق الزوجة


 في الواقع ان الاُسرة مجتمع صغير يقوم على أكتاف شخصين هما : الرجل والمرأة . والمجتمع ليس كثرة عددية تنمو ، وإنما هو علاقات بين أفراد تقوم على هدف معين ، وقد حدّد القرآن هذا الهدف بالسكنى أو الاطمئنان في علاقة الذكر بالاُنثى ، من خلال المودة والرّحمة بينهما ، يقول عزّ من قائل : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (الروم30 :21) ، وهذا المجتمع يتكون باسلوب تعاقدي يكشف عن قبول الطرفين بفحوى العقد وما يفرضه من حقوق وواجبات ، وبألفاظ صريحة لا لبس فيها ولا تقبل الاِنكار . قال سبحانه وتعالى : ( فانكحوهنَّ بإذن أهلهنَّ وآتوهن أجورهنَّ بالمعروف محصناتٍ غير مسافحات..) (النساء4 : 25) . وبمقتضى هذه الآية الكريمة ونحوها من الاَدلّة نجد أن إذن الولي بالنسبة للبنت الباكر أمر ضروري في نظر الفقهاء ، لصيانة حق المرأة في الاختيار السليم للزوج ، فليس الاِذن لامتهان كرامتها ، وإنّما هو إجراء احترازي يمنع المرأة من اتخاذ قرار متسرع بالموافقة على الزواج من شخص تحت تأثير رغبة نفسية عابرة ، أو تأثر عاطفي .

 


( 106 )


 وبعد الاِذن يأتي الاَجر أو ما نطلق عليه (المهر) ، وهو حق آخر للمرأة ؛ لكي تشعر أنها مطلوبة وليست طالبة ، وهذا الشعور يوفّر لها حياءها المغروس في جبلّتها ، ويوفر لها أيضاً كرامتها ، ولا يعني إعطاء المهر للزوجة أنها أصبحت مملوكة للزوج ، بل قال تعالى ( وآتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً ) (النساء 4 : 4) إنما هي شريكة حياة ، تعاقدت مع الرجل ضمنياً على العيش المشترك ، الذي يقوم على حقوق والتزامات متبادلة.. ( ولهُنَّ مِثلُ الَّذي عليهنَّ بالمعرُوفِ..) (البقرة 2 : 228) .
 وعلى الرغم من هذا الاهتمام القرآني الواضح بحقوق المرأة ، إلاّ أنك تجد عند أعداء القرآن جملة من الاتهامات الباطلة التي تثار حول موقف القرآن الكريم من حقوق المرأة ، من انه فرض عليها الحجاب فقيَّد حريتها، وأنه وضع القيمومة بيد الرّجل، ومنحه نصيباً مضاعفاً من الميراث وما إلى ذلك . وهؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح على حقوق المرأة ، يريدون الطعن بمصداقية القرآن ككتاب سماوي ، ومنبع للتشريع الاِسلامي ، ويحاولون الاِيحاء بتخلف هذا الكتاب المقدس ، وعدم مسايرته لروح العصر ! ولاَجل الرّد على تلك المزاعم التي تظهر عند التمعن والتحقيق أوهن من بيت العنكبوت ، لابدَّ من الرجوع إلى القرآن واستنطاقه ، وإلى العترة الطاهرة الذين هم عِدل القران وتراجمة الوحي ، وسوف نجد ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ بأن القرآن قد منح المرأة مكانتها الاِنسانية ، إذ كانت النظرة إليها تتسم بالضعة والهوان. فالديانات غير السماوية القديمة كانت تعتبر المرأة مخلوقة من طبيعة وضيعة ! أما الرجل فقد خلق من عنصر مكرم ! حتى إن البعض قد ذهب أبعد من ذلك عندما ادّعى بأن المرأة خلقت من رجس ، وان إله الشر هو الخالق لها !

 


( 107 )


 وكان عرب الجاهلية ، يبالغون في النيل من المرأة والحطّ من شأنها حتى جعلوها حيواناً خلق على صورتهم ليخدمهم ويلبّي رغباتهم الجنسية .

وحدة التكوين والمسؤولية :
  لقد دحض القرآن الحكيم هذه العقائد العارية عن الصحة ، وأقر بأنَّ طبيعة التكوين وأصل الخلقة بين الرّجل والمرأة واحد ، فلم يخلق الرجل من جوهر مكرم ، ولا المرأة من جوهر وضيع ، بل خلقهما الله من عنصر واحد وهو التراب ومن نفس واحدة . يقول تعالى : ( يا أيُّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ) (النساء 4 : 1) . وبذلك ارتقى بالمرأة ، عندما جعلها مثل الرّجل تماماً من جهة الطبيعة التكوينية ، ووفَّر لها من خلال ذلك حق الكرامة الاِنسانية .
 ثم إنّ القرآن وحَّد بين الرّجل والمرأة في تحمّل المسؤوليّة ، فقال عزّ من قائل : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة..) (النحل 16 : 97) ، على أنّ التساوي بينهما في أصل الخلقة والكرامة والمسؤوليّة ، لا يعني بتاتاً إنكار الاختلاف الفطري والطبيعي الموجود بينهما ، والذي يؤدي إلى الاختلاف في الحقوق والواجبات . فميزان العدالة السليم هو التسوية بين المرء وواجباته ، وليس التسوية في الحقوق والواجبات بين جنسين مختلفين تكويناً وطبعاً .
 ومن هذا المنطلق ، فليس التفضيل في الاِرث اختلالاً في العدالة ، بل

 


( 108 )


هو عين العدالة ، فالرّجل عليه الصّداق منذ بداية العلقة الزوجية ، وعليه النفقة إلى النهاية !
 من جانب آخر لا يريد القرآن تحديد حريّة المرأة ومكانتها من خلال فرض الحجاب.. بل أراد صيانتها بالحجاب دون تقييدها ، مع الاِيحاء باحترام المرأة لدى نفسها ولدى الآخرين ، إذ أراد لها ، ان تخرج في المجتمع ـ إذا خرجت ـ غير مثيرة للغرائز الكامنة في نفوس الرجال ، فتكون محافظة على نفسها ، وغير مضرّة بالآخرين .
 كما أقرّ القرآن للمرأة بحق الاعتقاد والعمل وفق ضوابط محددة ومنح المرأة الحقوق المدنية كاملة ، فلها حق التملك ، ولها أن تهب أو ترهن أو تبيع وما إلى ذلك ، كما منحها حق التعليم ، فوصلت إلى مراتب علمية عالية ، وأشاد بنزعة التحرر لدى المرأة من الظلم والطغيان ، وضرب لذلك مثلاً في امرأة فرعون (آسية) التي ظلت على الرغم من الاجواء الضاغطة ، محافظةً على عقيدة التوحيد ، التي آمنت بها ، فاصبحت مثلاً يُحتذى.. ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربي ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) (التحريم 66 : 11). إنه موقف صارم لاهوادة فيه ، ويختلف عن موقف مؤمن آل فرعون الذي وقف بوجه فرعون هو الآخر ولكن بلباقة !
 وهكذا يكشف لنا القرآن عن مقدار الصلابة التي يمكن أن تكتسبها المرأة ، إذا امتلكت الاِيمان والرؤية السليمة ، ويحدث العكس من ذلك لو حادت عن طريق الهداية كامرأة نوح عليه السلام ، فسوف تغدو أسيرة لعواطفها وأهوائها ، تحركها أينما شاءت ، فتكون كالريشة في مهب الريح .

 


( 109 )


 وكانت قضية المرأة وحقوقها كزوجة أو أم مثار اهتمام السّنُة النبوية الشريفة ، يقول النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم «مازال جبرئيل يوصيني بالمرأة ، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مبينة» (1). ثم يحدد ثلاثة حقوق أساسية للمرأة على زوجها وهي :
 1 ـ توفير القوت لها .
 2 ـ توفير اللباس اللائق بها .
 3 ـ حسن المعاشرة معها .
 وفي ذلك يقول الحديث الشريف : «حقّ المرأة على زوجها : أن يسدّ جوعها ، وأن يستر عورتها ، ولا يقبّح لها وجهاً» (2).
 فالحديث أعلاه لا يقصر حق الزوجة على الاَمور المادية الضرورية من طعام وكساء ، بل يُقرن ذلك بحق معنوي ، هو أن لا يقبّح لها وجهاً ، بتعبير آخر ان يحسن معاشرتها ، لا سيما وأنها زميلته في الحياة ، وشريكته في العيش ، ومن الخطأ أن يتعامل معها باعتبارها آلة للمتعة ، أو وسيلة للخدمة، فيعاملها بطريقة إصدار الاَوامر . وهناك توجهات نبوية تحثُّ على التعامل الاِنساني مع الزوجة وحتى استشارتها ، وإن لم يُردْ الزوج أنْ يأخذ برأيها في ذلك المورد ، لاَن استشارة الزوج لزوجته ، اجراء حوار مستمر معها ، وهذا ممّا يندب إليه العقل والشرع .
 إذن لها حق معنوي مكمل لحقوقها المادية ، وهو حق الاحترام
____________
(1) بحار الأنوار 103 : 253 .
(2) بحار الأنوار 103 : 254 .

 


( 110 )


والتقدير المخلص ، وانتقاء تعابير مهذبة لائقة عند التخاطب معها ، تشيع أجواء الطمأنينة ، وتوقد شمعة المحبة ، يقول الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم : «قول الرّجل للمرأة : إنّي احبّك ، لا يذهب من قلبها أبداً» (1)، ويؤكد الاِمام علي بن الحسين عليه السلام الحقوق آنفة الذكر ، بعد ان يُذكّر الزّوج بنعمة السكن والاَنس التي توفرها الحياة الزوجية ، مشيراً إلى حقوقها المعنوية : كحق الاِكرام ، والرّحمة ، والعفو عنها عند الخطأ والزَّلل الذي يحدث ـ في كثير من الاحيان ـ نتيجة الجهل ، فيقول عليه السلام : «.. وأما حق زوجتك ، فأن تعلم أن الله عزّ وجل جعلها لك سكناً وأنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجل عليك ، فتكرمها ، وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب ، فإن لها عليك أنْ ترحمها ؛ لاَنها اسيرتك ، وتطعمها وتكسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها»(2).
 فاكرام الزوجة ، والرّحمة بها ، والعفو عن زلاتها العادية ، هي الضمان الوحيد والطريق الاَمثل لاستمرار العلقة الزوجية ، وبدون مراعاة هذه الامور يصبح البناء الاَسري هشاً كالبناء على الرّمل . فقد ثبت أن أكثر حوادث الطلاق تحصل من أسباب تافهة .
 لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ، وبعدها قال هذه الجملة : (انك لتجد التوافه ـ دائماً ـ في قرارة كل شقاء زوجي) . فلو تحلى الزّوجان بالصبر ، وغضا النظر عن بعض الاخطاء التي تحصل من غير عمد ، لاَمكن صيانة العش الزّوجي من الانهيار .

____________
(1) وسائل الشيعة 14 : 10 | 9 باب 2 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه .
(2) وسائل الشيعة 6 : 134 .

 


( 111 )


 ويتطرق الاِمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق لحق الزوجة ، ويلقي أضواءً إضافية على حقها المعنوي المتمثل بالرّحمة والمؤانسة فيقول : «وأما حق رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وانساً وواقية ، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه . ويعلم ان ذلك نعمة منه عليه ، ووجب ان يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فان لها حق الرّحمة والمؤانسة ولا قوة إلاّ بالله» (1) .
 والتمعن في هذه السطور يظهر لنا أن الرابطة الزوجية هي نعمة كبرى تستحق الشكر اللفظي ، بان يحمد الله تعالى عليها، وتستوجب الشكر العملي ، بأن يكرم زوجته ، ويرفق بها ، ويعاملها باللّطف والرّحمة ، ويعقد معها صداقة حقيقية ، كما يعقد أواصر الصداقة مع الآخرين ، أما لو تصرف معها بالعنف ، وأحصى عليها كل شاردة وواردة، فسوف يقطع شرايين الودّ والمحبة معها ، ويكون كسكين حادة تقطع رباط الزوجية المقدس .
 ولقد بيّن الاِمام الصادق عليه السلام بكلِّ وضوح السياسة التي يجب على الزّوج اتباعها ، لاستمالة زوجته ، وعدم قطع حبال الودّ معها ، فقال : «لا غنى بالزّوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته ، وهي : الموافقة ؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها ، وحُسن خلقه معها . واستعماله
____________
(1) ميزان الحكمة 1 : 157 .

 


( 112 )


استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها . وتوسعته عليها» (1).
 على أن أشد ما يسترعي الانتباه : إن هذه الاقوال ، ليست ـ مجرّد ـ كلمات تنشر في الهواء ، يطلقها الاَئمة عليهم السلام من أجل الموعظة ، بل جسّدها أهل بيت العصمة بحذافيرها على صعيد الواقع ، فلا توجد إشكالية انفصام في سلوك أهل البيت عليهم السلام بين الوعي والواقع ، ومن الشواهد الدالة على ذلك ، يروي الحسن بن الجهم قال : رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب فقلتُ : جعلت فداك اختضبت ؟ فقال : «نعم ، إنّ التهيّة ممّا يزيد في عفّة النّساء ، ولقد ترك النّساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيّة... أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيّة» ؟ قلتُ : لا ، قال : «فهو ذاك» (2).
 فالاِمام عليه السلام يدرك أنّ الاستمالة تشكل النقطة المركزية في الحياة المشتركة لكلا الزوجين ؛ لذلك يراعي حق الزوجة ، ويسعى إلى استمالة قلبها من خلال التهيّة ، ولاَن عدم التوافق في هذا الجانب ، يعتبر من الاَسباب الاَساسية في الاخفاق في الزَّواج . صحيح أنّ الزّواج في الاِسلام ليس هو إشباع شهوة الجنس . فالجنس مجرّد وسيلة لهدفية الزّواج ، المتمثلة بضرورة خلق جيل صالح تستمر فيه الحياة الاِنسانية .
 ولا يعني ذلك التقصير بحق الزّوجة في المتعة الجنسية بالمقدار المتعارف ، فلا يجوّز الشرع هجرها أكثر من أربعة أشهر .

____________
(1) بحار الانوار 78 : 237 ، تحف العقول : 238 .
(2) وسائل الشيعة 14 : 183 | 1 باب 141 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه .


 

( 113 )

 


المبحث الثاني
حقوق الزّوج


 لكي تسير سفينة الزواج إلى شاطئ الاَمان ، لابدّ من إعطاء قائد هذه السفينة حقوقه كاملة ، ولعل أوّل حق منحه الله تعالى للزوج ، هو حق القيمومة ، يقول تعالى : ( الرجال قوّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) (النساء 4 : 34) ، فحق القوامة استمدّه الرجل من تفوقه التكويني على المرأة ، وأيضاً من تحمله لتكاليف المعيشة الشاقة . ولكن قيمومة الرّجل لا تبيح له التسلط والخروج عن دائرة المسؤولية إلى دائرة التحكم والتعامل القسري مع الزوجة ؛ لاَن ذلك يتصادم مع حق المرأة في المعاشرة الحسنة ، الذي أشار إليه القرآن صراحةً : ( وعاشروهن بالمعروف ) (النساء 4 : 19) .
 لاشك أنّ الاِسلام قد طلب من الزّوجة الانقياد للزوج في كل ما يرتضيه العقل والشرع ، وبدون ذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . فالاِسلام لا يرتضي أن تستخدم هذه القيمومة وسيلة لاِذلال المرأة ، أو الانتقاص من مكانتها . صحيح أنّ أعظم النّاس حقاً على المرأة زوجها ، ولكن هذا الحق يجب أنْ لا يُساء تفسيره وتطبيقه بما يؤدي إلى إذلال الزَّوجة .

 


( 114 )


 إنّ المرأة ريحانة ، وعليه فهي رقيقة ، تنقصها الصّلابة ، والحزم والاِرادة؛ لذا تحتاج إلى سياج يصد عنها رياح السّموم ؛ كيما تذبل هذه الريحانة وتذهب نضارتها وهي في أوان عطرها الفوّاح ، والسياج هو الرّجل يمتلك القوة والارادة والاستعداد للتضحية .
 ومن حقوق الزوج الاَُخرى ، أن تمكنه الزّوجة من نفسها ، كلما أراد ذلك ، ماعدا الحالات الاستثنائية الطبيعية التي تمر بها بنات حوّاء ، يقول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : «... إنّ من خَيْر [نسائكم] الولود الودود ، والسّتيرة [العفيفة] ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، الحصان مع غيره ، التي تسمع له وتطيع أمره ، إذا خلا بها بذلت ما أراد منها» (1). ويقول أيضاً : «خير نسائكم التي إذا دخلت مع زوجها خلعت درع الحياء» (2)، وهناك أحاديث أُخر تحذّر المرأة من الابتعاد عن فراش الزوجية ، وأنها سوف تدان في الحياة الدنيوية ، وتلعنها الملائكة حتى تعود إلى زوجها .
 ثم إن عليها أن تحترم زوجها ، وأن تُسهم بدورها في عقد المودة والمحبة معه ، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : «لو أمرت أحداً أن يسجد لاَحد لاَمرتُ المرأة ان تسجد لزوجها» (3).
 وانطلاقاً من هذا التوجه النبوي ، يتوجب على الزوجة ، ان تكون لطيفة
____________
(1) مستدرك الوسائل 14 : 161 | 10 باب 5 من أبواب مقدمات النكاح ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث ، وما بين المعقوفات من مصدره ، والمراد بالذليلة ، أي : المطيعة ، وبالحصان : العفيفة كما في لسان العرب 13 : 120 (حصن) .
(2) مستدرك الوسائل 14 : 160 | 6 باب 5 من أبواب مقدمات النكاح .
(3) وسائل الشيعة 14 : 115 | 1 باب 81 من أبواب مقدمات النكاح .

 


( 115 )


المعشر مع الزوج ، تخاطبه بعبارات تدخل السرور على قلبه والبهجة في جنانه ، خصوصاً عندما يعود من العمل ، خائر القوى ، مرهق الاعصاب . فعليها أن تستقبله والبشر يطفح على وجهها ، وتعرض خدماتها عليه ، وبذلك تنال رضاه .. «وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها» (1). ـ كما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحول هذا الاَمر يقول الاِمام الباقر عليه السلام : «لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها ، ولمّا ماتت فاطمة عليها السلام قام عليها أمير المؤمنين عليه السلام وقال : اللّهم إنّي راض عن ابنة نبيّك ، اللّهم انّها قد أُوحشت ، فَأْنِسها..» (2).
 اتّضح مما سبق أن للزوج : حق القيمومة ، وحق التمكين أو الاستمتاع، وفوق هذا وذاك لما سُلِّمت اليه دفة قيادة الاَُسرة توجب له حق الطاعة في الحدود المشروعة ومن مصاديق ذلك ، ليس للزوجة أنْ تخرج من بيتها بدون إذن زوجها ، وورد في الحديث : «... ولا تخرج من بيته إلاّ باذنه، فان فعلت لعنتها ملائكة السموات ، وملائكة الارض ، وملائكة الرضا ، وملائكة الغضب...» (3).
 إنَّ المرأة كنز ثمين يجب الحفاظ عليه في مكان أمين ، والبيت هو المكان الذي يصون المرأة . لذا يخاطب القرآن النساء بقوله : ( وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرَّجن تبُّرج الجاهلية الاَولى ) (الاَحزاب 33 : 33) .
 وهناك حقوق أُخرى للزوج منها : الحفاظ على كرامته ، وصون أمواله
____________
(1) بحار الانوار 103 : 146 .
(2) بحار الانوار 103 : 257 .
(3) مستدرك الوسائل 14 : 237 | 1 باب 60 من أبواب مقدمات النكاح .

 


( 116 )


في غيابه ، وعدم كشف أسراره ، وليس لها أن تصوم ـ تطوعاً ـ إلاّ بإذنه .
 وعلى العموم تحتاج الحياة الزوجية ـ لكي تستمر ـ إلى الرّضا، والاحترام المتبادل ، وإسداء الخدمة.. كما تحتاج الزّهور ـ لكي تبقى متفتحة ـ إلى النور ، والهواء ، والماء .
 وتجدر الاشارة إلى أن الالتزام بالحقوق المتبادلة للزوجين إضافة إلى كونه مسقطاً للواجب ، يترتب عليه ثواب عظيم ، والعكس هو الصحيح، فالرّجل إذا سقى زوجته أُجر (1)ومن حسُن برّه بأهله زاد الله في عمره(2). وبالمقابل : «ايّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام اغلق الله عنها سبعة أبواب النار ، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت» (3).. «وأيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً ، إلاّ نظر الله اليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه» (4).
 وهنا يبدو من الاَهمية بمكان الاشارة إلى أن ضمانات الالزام بالحقوق في القوانين الاِلهية هي أكثر من مثيلاتها في القوانين الوضعية . لماذا ؟ لاَن الاِنسان في القانون الوضعي يتمكن من التملّص والالتفاف على الحقوق المترتبة عليه من خلال وسائل الحيلة ، والرشوة ، والتهديد ، والاكراه وما
____________
(1) بحار الانوار 103 : 225 .
(2) من حديث للاِمام الصادق عليه السلام في بحار الانوار 103 : 225 .
(3) من حديث للاِمام علي عليه السلام في وسائل الشيعة 14 : 123 | 2 باب 89 من أبواب مقدمات النكاح .
(4) من حديث للاِمام الصادق عليه السلام في بحار الانوار 103 : 251 .

 


( 117 )


شابه ذلك .
 أما في القوانين الاِلهية ، فإضافة لوسائل الالزام والتنفيذ الخارجية ـ من شَرَطَة ومحاكم ـ توجد عوامل إلزام وضبط داخلية ، متمثلة في الخشية والخوف من عقاب الله تعالى وسخطه ووعيده الاخروي . فالانسان المسلم يسعى لكسب رضا الله تعالى من خلال أداء حقه أداء حقوق الآخرين ، والقرآن يرى أنّ ظُلم الاِنسان للآخرين هو ظلم يقع على نفسه في نهاية الاَمر : ( ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه..) (البقرة 2 : 231) .
 فالوازع الديني يصبح أداة كبح كبرى لكل نزعة شيطانية تريد التنصل من الحقوق والالتزامات . أما الانسان الوضعي فليس لديه من عوامل الكبح والضبط الداخلية إلاّ الوجدان والاخلاق اللذين كثيراً ما ينحرفان عن جادة الصواب لمختلف الاَسباب ، فتنقلب المقاييس لديه فيصبح المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً !
 زد على ذلك وجود ترابط وثيق في الاسلام بين البعد الاجتماعي والبعد العبادي ، فكل اخلال في البعد الاَوّل ـ من خلال عدم الالتزام بحقوق الآخرين ـ سوف ينعكس سلباً على الجانب العبادي وهذا ما أوضحه الحديث النبوي الشريف : «من كان له امرأة تؤذيه ، لم يقبل الله صلاتها ، ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه وإن صامت الدّهر.. وعلى الرّجل مثل ذلك الوزر ، إذا كان لها مؤذياً ظالماً» (1).

____________
(1) وسائل الشيعة ـ 14 : 116 | 1 باب 82 من أبواب مقدمات النكاح .

 


( 118 )


 وقد اتضح من جميع ما تقدم أن للزوجين حقوقاً متبادلة يترك الاِخلال بها آثاراً تدميرية على كيان الاَُسرة ، وبالمقابل يؤدي الالتزام بها إلى خلق وحدة اجتماعية متلاحمة .

 


( 119 )



الخلاصة



 لقد توصلنا في الفصل الاَول من هذه الدراسة المختصرة إلى الاَمور التالية : ـ
 1 ـ إنّ مدرسة الاِسلام قد سبقت المدارس الاَُخرى ، في ايلاء قضية حقوق الانسان الاَهمية التي تستحق . من خلال اعلان الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن المساواة بين البشر وذلك في حجة الوداع . ومن خلال الوثيقة التاريخية التي حررها الاِمام أمير المؤمين عليه السلام في عهده لمالك الاشتر . وأيضاً من خلال رسالة الحقوق الجامعة ، التي دونها الاِمام زين العابدين عليه السلام في القرن الاَول الهجري .
 وإنّ الغاية من ذلك ، هي السعي لاقامة مجتمع سليم يقوم على قواعد الحق والعدالة .
 2 ـ إنّ القرآن الكريم قد عني بالجانب الاجتماعي من حياة الجماعة ، عنايةً لا تقل عن عنايته بصلة الفرد بربّه . ولأجل ذلك رتّب لاَفراده حقوقاً أساسية تتعلق بوجودهم وكرامتهم ، منها على سبيل المثال لا الحصر : حق الحياة ، وحق التمتع بالعيش الآمن ، وحق الكرامة ، وكسب العلم والمعرفة ، وحق التفكير والتعبير ، وما إلى ذلك من حقوق أساسية لا غنى عنها ، لتحقيق إنسانية الاِنسان ، وتحقيق حريته .
 3 ـ تحثُّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام على اعطاء حقوق الضعفاء الذين لا يملكون حولاً ولا قوة . سواء الحقوق المالية منها ، أو المعنوية كحقهم

 


( 120 )


الطبيعي في الاحترام والتوقير .
 4 ـ أولت مدرسة أهل البيت عليهم السلام عنايةً خاصة لتلك الحقوق المتلبسة بالصفة الاَخلاقية ، كحق المعلم والمتعلم ، وحق الاَخ ، وحق الجليس ، وحق الناصح ، وهي حقوق قد تجاهلتها أو قد قللت من أهميتها المدارس الحقوقية الاخرى .
 5 ـ اهتم الاِسلام بالجِوار ، الذي يأتي بالمرتبة الثانية في النسيج الاجتماعي بعد رابطة الاَُسرة . تمثل ذلك في وصايا جبريل عليه السلام المتكررة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمراعاة حق الجار ، وللمساحة التي احتلها موضوع الجِوار في أحاديث أهل البيت عليهم السلام على وجه العموم ، ورسالة الحقوق للاِمام زين العابدين عليه السلام على وجه التعيين . وقد اشرنا إلى عمق نظرة الاَئمة عليهم السلام المتميزة لمعنى حسن الجوار ، فليس هو كفّ الاَذى فحسب بل الصبر على الاَذى ! وقد جسّدوا هذا المفهوم من عالم المعنى إلى عالم الحس والواقع من خلال سلوكهم السويّ في تعاملهم مع جيرانهم .
 وفي الفصل الثاني ، تناولنا بصورة مفصلة الحقوق العائلية ، وخرجنا بالنتائج التالية :
 1 ـ إنّ الاِسلام يحرص على تقوية النسيج الاجتماعي ، الذي يربط بين أفراد العائلة . عندما جعل للوالدين حق الاِحسان ، ووضع حقهم في المرتبة التالية بعد حقه تعالى .
 2 ـ اتبع الاَئمة الاَطهار عدة محاور من أجل بيان حقوق الوالدين منها : تفسير ما ورد من آيات بغية اعطاء رؤية قرآنية صافية في هذا الصدد . كما استثاروا الوازع الاَخلاقي عند الاَبناء تجاه آبائهم . وحددوا الحكم

 


( 121 )


الشرعي لمسألة الاِحسان للوالدين ، باعتبارها فريضة من أكبر الفرائض ، وكشفوا عن الحكمة من ذلك ، وتتمثل بادامة النّسل ، وعدم قطع الاَرحام، وأيضاً كشف الاَئمة الاَطهار عن الآثار السلبيّة ـ الدنيويّة والاُخرويّة ـ لمن عق والديه . وشكّل سلوكهم السويّ قدوة حسنة في الاِحسان للوالدين .
 3 ـ حدد الاِسلام حقوق الاَولاد سواءً قبل الولادة أو بعدها ، فَضَمِنَ لهم حق الوجود من خلال تحريمه لوأد البنات ، وأيضاً من خلال تشجيعه على الزَّواج والانجاب ، وتنفيره من العزوبية والرهبانية .
 ومن أجل تنشئة جيل جديد صالح ، أرشد الاِسلام الزّوج إلى اختيار الزَّوجة الصالحة . كما أوجب الاِسلام على الاَم أن تصون نفسها من الرذيلة حتى يصان حق الولد في الانتساب الشرعي إلى أبيه . كما ضمن الاِسلام للاَولاد حقوقاً لمرحلة ما بعد الولادة كحقهم الطبيعي في الحياة ، وعليه فلا يبيح الاِسلام تهديد حياتهم بأي شكل ، وتحت أية ذريعة .
 4 ـ ضمن الاِسلام للاَولاد حقهم في المعاملة العادلة ، بلا تمييز بين الذَّكر والاُنثى . كما جاء ذلك في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة الاَطهار عليهم السلام ، فعملوا على قشع غيوم النظرة التمييزية السائدة ، التي تحط من شأن الاُنثى لحساب الذَّكر ولاتقيم لها وزناً .
 5 ـ لقد سبقت مدرسة أهل البيت عليهم السلام المدارس التربوية المعاصرة بالاخذ بمبدأ (التدرج) في تعليم وتربية الطفل .
 وقد تبنت هذه المدرسة الاِلـهية تقسيماً (ثلاثياً) لحياة الطفل ، ففي كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث ، يحتاج الطفل لسياسة تربوية تتناسب مع عمره وقدرته .

 


( 122 )


 6 ـ أجاب الاَئمة الاَطهار عليهم السلام على شبهة تفريق الاسلام بين الذَّكر والاُنثى في الميراث بما حاصله : أن هذا التفريق هو عين الحق والعدالة، ذلك أن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ، وفوق ذلك لها على الرَّجل حق النفقة .
 7 ـ اتبع الاَئمة عليهم السلام أُسلوب الوصية لاَولادهم كأداة لاِيصال افكارهم النَّيرة وتجاربهم النافعة للاَجيال التالية .
 وفي الفصل الثالث المخصص للحديث عن الحقوق المتبادلة بين الزوجين نخرج بالنتائج التالية :
 1 ـ حدد الاِسلام بدقة الحقوق المتبادلة بين الزوجين . التي تنشأ باسلوب تعاقدي ، يكشف عن قبولهم ببنود العقد وما ينشئه من حقوق وواجبات .
 2 ـ للزوجة ـ التي تجمعها مع الرَّجل في الاِسلام ، وحدة التكوين والمسؤولية ـ حقوق أساسية ، منها المادي المتعلق بمعيشتها ، ومنها المعنوي المتعلق بحسن المعاشرة معها .
 3 ـ للزوج حقوق عديدة على زوجته ، لعل من أبرزها حق القيمومة . ولكن الاِسلام لا يرتضي أن تستخدم هذه القيمومة وسيلةً لاِذلال المرأة ، أو الانتقاص من مكانتها ، أو سلب حقوقها . وله عليها ـ أيضاً ـ حق التمكين ، وعدم الخروج من البيت إلاّ باذنه .
 وفي نهاية المطاف استنتجنا في الدراسة أن ضمانات الالتزام بالحقوق في القوانين الإلهية المتمثلة في المسائل الشرعية ، هي أكثر من ضمانات

 


( 123 )


الالزام في القوانين الوضعية ، التي يتمكن الاِنسان في التملص منها والالتفاف عليها ، بخلاف المسائل الشرعية التي تملك سلطة ضبط داخلية للافراد ، متمثلةً بالخشية من عقاب الله وسخطه ، إضافة لامتلاكها سلطة الزام خارجية متمثلة بقانون العقوبات .
 كما استنتجنا وجود ترابطٍ وثيق في الاِسلام بين الجانب العبادي والجانب الاجتماعي ، وكل إخلال في الثاني سوف ينعكس سلبياً على الاَول ، من جراء الاعتداء على حقوق العباد .

 


والحمد لله على هدايته، والصلاة والسلام
على أشرف الاَنبياء والمرسلين محمد،
وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه
المخلصين ومن سار على
نهجهم إلى يوم الدين.
وآخر دعوانا : أن
الحمدُ لله ربِّ
العالمين.
*