دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

الحقوق الإجتماعية في الإسلام » الفصل الثاني

الفصل الثاني

 

 

الفصل الثاني

 

 

الحقوق العائلية

 

 

المبحث الاَول

 

حق الاَبوين

 

أولى الاِسلام عنايةً خاصة للاَسرة وللمحافظة عليها ، من خلال تحديده للحقوق المترتبة على أفرادها تجاه بعضهم البعض ، كي تصان الاَُسرة بصفتها اللّبنة الاساسية في بناء المجتمع الذي ينشده الاِسلام . ولما كان الوالدان هما حجري الاساس في بناء الاَُسرة وتنشئة الجيل ، نجد القرآن الكريم يصرّح بعظم مكانتهما ووجوب الاِحسان اليهما .

وفيما يأتي بيان لحقوق الوالدين في القرآن الكريم ، والسُنّة النبوية ، وأقوال أهل البيت عليهم السلام :

 

أولاً : حقوق الوالدين في القرآن الكريم :

قرن تعالى وجوب التعبد له ، بوجوب البرّ بالوالدين في العديد من الآيات الكريمة ، منها قوله تعالى : ( وقضى ربُّك ألاّ تعبُدُوا إلاّ إيّاهُ وبالوالدين إحساناً..) (الاِسراء 17 : 23) ، وقوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدونَ إلاّ الله وبالوالدين إحساناً..) (البقرة 2 : 83) ، وقوله تعالى : ( قُلْ تعالوا أتلُ ما حرَّمَ ربّكم عليكُم ألاّ تُشركُوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً..) (الانعام 6 : 151) . ثم قرن الشكر له بالشكر لهما في قوله تعالى: (.. أن أشكُر لي ولوالديك إليَّ المصيرُ ) (لقمان 31 : 14) .

________________________________________

( 48 )

 

وهكذا نجد أنّ الله تعالى يعتبر الاِحسان إلى الوالدين ، قضية جوهرية ، فهي من الاَهمية بمكان ، بحيث يبرزها ـ تارة ـ في عالم الاعتبار بصيغة القضاء : ( وقضى ربُّك..) ، ويجسدها ـ تارة أُخرى ـ في عالم الامتثال بصيغة الميثاق : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل.. ) ، ويعتبر التعدي على حرمتهما حراماً .

وهنا لابد من التنبيه على أن القرآن الكريم وفي العديد من آياته يؤكد على الاَولاد بضرورة الاِحسان إلى الآباء ، أما الآباء فلا يؤكد عليهم الاِهتمام بأبنائهم إلاّ نادراً ، وفي حالات غير عادية كأن لا يقتلوا أولادهم خشية الاِملاق ، ويكتفي بالتأكيد على أن الاولاد زينةٌ ومتعة ، وموضع فتنة وإغراء للوالدين ، ولم يذكرهم إلاّ مقرونين بالمال وفي موضع التفاخر .

قال تعالى : ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) (الانفال 8 : 28) ، وقال تعالى : (... وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد...) (الحديد 57 : 20) ، والسرُّ في ذلك : ان علاقة الوالدين بأولادهم هي أشدّ وأقوى من علاقة الاَولاد بوالديهم ، فالآباء بحكم الغريزة الطبيعية أكثر حباً للاَولاد من حب الاَولاد لهم ، وخصوصاً الاَم التي تلف أبناءها برداء الحنان وتضحي بالغالي والنفيس من أجلهم ، وتندفع غريزياً وتلقائياً للقيام بما يؤمن حوائجهم ، وتعمل جاهدة من أجل صنع إكليل سعادتهم ، وعليه فلا يحتاج الآباء إلى توجيه وتوكيد في هذا الصَّدد ، وانما يحتاجون ـ فقط ـ إلى استجاشة الوجدان من أجل تنشئة الجيل ، تنشئة صالحة .

أما الاَبناء فتعلقهم بالآباء أضعف فطرةً من تعلق الآباء بهم . ومن هنا

________________________________________

( 49 )

 

وَرَدَ الاَمر القرآني القاضي بالاحسان إلى الوالدين من أجل رسم علاقة متكافئة بين الطرفين ، لذا وضع حقهم في المرتبة اللاحقة بعد حقّه تعالى.

وبنظرة أعمق جعل الاِحسان إلى الوالدين المظهر الاجتماعي للعبادة الحقّة ، وكل تفكيك بين العبادة ومظهرها الاجتماعي، بالاِساءة إلى الوالدين على وجه الخصوص، ولو بكلمة «أُفّ» ، يعني إفساداً للعبادة.. كما تُفسد قطرة الخلّ العسل .

للاَم حقٌ أكبر :

منح القرآنُ الاَُمَّ حقاً أكبر ، وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر . فالاَُم هي التي يقع عليها وحدها عبء (الحمل والوضع والارضاع) وما يرافقهما من تضحيات وآلام ، حيثُ يبقى الطفل في بطنها مدّة تسعة أشهر على الاغلب في مرحلة الحمل ، يتغذى في بطنها من غذائها ، ويقر مطمئنا على حساب راحتها وصحتها ، ثم تأتي مرحلة الوضع ، الذي لا يعرف مقدار الاَلم فيه إلاّ الاَُم ، حيثُ تكون حياتها ـ أحياناً ـ مهددة بالخطر، وتأتي بعدها مرحلة الارضاع والحضانة وما يتخللها من عناء وسهر . فمن أجل كل ذلك يؤكد الاِسلام على الاَولاد بضرورة القيام بحق الاَم ، وفاءً بالجميل ، واعترافاً بالفضل . وفي ظل هذه التضحيات كان من الطبيعي ، ان يخصّ القرآن الاَم بالعرفان ، ويوصي بها على وجه الخصوص : ( ووصَّينا الاِنسان بوالديه حملتهُ أُمُّه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين ..) (لقمان 31 : 14) ، وبذلك يؤجج القرآن وجدان الابناء حتى لا ينسوا أو يتناسوا جهد الآباء وخاصة الاَم وما قاسته من عناء ، ويصبّوا كلَّ اهتمامهم على الزوجات والذرّية .

________________________________________

( 50 )

 

ثانياً : حقوق الوالدين في السُّنة النبوية :

احتلت مسألة الحقوق عموماً وحقوق الوالدين على وجه الخصوص مساحةً كبيرةً من أحاديث ووصايا النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وذلك للتأكيدات القرآنية المتوالية ، وللضرورة الاجتماعية المترتبة على الاِحسان إليهما، خصوصاً وأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اضطلع بمهمةٍ تغييرية كبرى تتمثل باعادة تشكيل وعي جديد ومجتمع جديد .

ولما كانت الاَُسرة تشكل لبنةً كبيرة في البناء الاجتماعي ، وجب رعاية حقوق الوالدين القيِّمَين عليها ، وبدون مراعاة ذلك ، يكون البناء الاجتماعي متزلزلاً كالبناء على الرَّمل .

وعليه ، فقد تصدّرت هذه المسألة الحيوية سلّم أولويّات التوجيه النبوي ، بعد الدعوة لكلمة التوحيد ، فقد ربط النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين رضا الله تعالى ورضا الوالدين ، حتى يعطي للمسألة بعدها العبادي ، وأكد ـ أيضاً ـ بأنّ عقوق الوالدين هي من أكبر الكبائر ، وربط بين حب الله ومغفرته ، وبين حب الوالدين وطاعتهما ، فعن الاِمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام : «إنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ما من عمل قبيح إلاّ قد عملته فهل لي من توبة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «فهل من والديك أحد حيٌّ» ؟ قال : أبي ، قال : «فاذهب فبره» . قال : فلمّا ولّى ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لو كانت أُمّه» (1).

 

____________

(1) بحار الانوار 74 : 82 .

________________________________________

( 51 )

وعن الاِمام الصادق عليه السلام قال : «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا رسول الله مَنْ أبِرُّ ؟ قال : أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال: أُمَّكَ ، قال : ثم مَنْ ؟ قال : أباك» (1).

وفي التوجيه النبوي : من حق الوالد على الولد ، ان يخشع له عند الغضب ، حرصاً على كرامة الآباء من أن تُهدر ، وفوق ذلك ، فقد اعُتبر التسبب في شتم الوالدين من خلال شتم الولد للآخرين كبيرة من الكبائر ، تستحق الاِدانة والعقاب الاخروي . ثم ان البَّر بهما لا يقتصر على حياتهما فيستطيع الولد المطيع ان يبَّر بوالديه من خلال تسديد ديونهما أو من خلال الدعاء والاستغفار لهما ، وغير ذلك من أعمال البرَّ .

لقد جسّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه التوصيات على مسرح الحياة ، ففي الوقت الذي كان يحث المسلمين على الهجرة ، ليشكل منهم نواة المجتمع التوحيدي الجديد في المدينة ، وفي الوقت الذي كان فيه المسلمون قلائل بالآحاد ، تروي كتب السيرة ، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : جئت أبايعك على الهجرة ، وتركت أبويّ يبكيان . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «إرجع اليهما فاضحكهما كما أبكيتهما» (2).

ومن الشواهد الاخرى ذات الدلالة القوية ، على تأكيد السيرة النبوية على رعاية حق الوالدين ، أنّ أختاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة زارته يوماً ، فرحَّب بها ترحيباً حاراً ، وأكرمها غاية الاِكرام ، ثم جاء أخوها إليه ، فلم يصنع معه ما صنع معها من الحفاوة والاِكرام ، فقيل له : يا رسول الله :

____________

(1) أُصول الكافي 2 : 167 | 9 باب البر بالوالدين .

(2) التّرغيب والترهيب 3 : 315 .

________________________________________

( 52 )

 

صنعت بأخته ما لم تصنع به ، وهو رجل ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّها كانت أبرَّ بأبيها منه» (1) .

وهكذا نرى أنّ التوجه النبوي يجعل ميزان القرب والبُعد مرتبطاً بمدى رعاية المرء لحقوق والديه .

ولا يفوتنا في نهاية هذه الفقرة ، ان ننوه بالمكانة التي يوليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم للاَم ، ويكفي شاهداً على ذلك قوله (ص): «الجنة تحت أقدام الامهات» (2).

 

ثالثاً : حقوق الوالدين في مدرسة أهل البيت :

أعطى الاَئمة الاَطهار لتوجّهات القرآن الكريم وأقوال النبي وأفعاله الفكرية والتربوية روحاً جديدة ، وزخماً قوياً عندما أُلقيت على عواتقهم وظيفة النهوض الحضاري بالاَمة في جميع المجالات ، خصوصاً بعد التداعيات والشروخ التي حصلت في المجتمع الاسلامي من جراء سيطرة حكام الجور والضلال على مراكز القرار . فعمل الاَئمة عليهم السلام باخلاص من أجل تقويم الاعوجاج وترشيد المسار الحضاري للاَمة .

وفي ما يتعلق بحق الوالدين ، نلاحظ أنهم عملوا على عدة محاور ، يمكن إبرازها على النحو الآتي :

 

1 ـ تفسير ما ورد من آيات قرآنية :

ينبغي الاِشارة هنا إلى أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الذين أُنزل القرآن في

____________

(1) بحار الانوار 74 : 82 .

(2) كنز العمال 16 : 461 | 45439 .

________________________________________

( 53 )

بيوتهم ، وقَرنَهم الرسول الاَعظم به ، وغدوا بذلك قرآناً ناطقاً ، ينطقون بالحق ويؤكدون على أداء الحقوق .

فقد حدّد الاِمام جعفر الصادق عليه السلام مفهوم الاِحسان الوارد بقوله تعالى : ( وقضى ربُّك ألاّ تعبدُوا إلاّ إيَّاهُ وبالوالدين إحساناً..) (الاِسراء 17 : 23) ، فقال عليه السلام : «الاِحسان : أن تُحسن صحبتهما ، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه ، وإنْ كانا مستغنيين» (1).

وحول قوله تعالى : (.. إما يبلغنَّ عندك الكبر أحدُهُما أو كلاهُما فلا تقُلْ لهما أُفٍّ ولا تنهرهُما... ) (الاِسراء 17 : 23) .

قال عليه السلام : «إن أضجراك فلا تقل لهما أُفٍّ ، ولا تنهرهما إن ضرباك» (2).

وعن قوله تعالى : ( وقُلْ لهما قولاً كريماً ) (الاِسراء 17 : 23) ، قال عليه السلام : «إنْ ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما» (3). وقال الصادق عليه السلام : «أدنى العقوق (أُفٌّ) ولو علم الله شيئاً أهون منه لنهى عنه» (4).

وفي ضوء قوله تعالى : ( واخفض لهما جناح الذُّل من الرَّحمةِ وقُلْ رَبِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً ) (الاِسراء 17 : 25) ، يقول أيضاً (ع): «لا تملاَ عينيك من النّظر اليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدَّم قدّامهما» (5). وحول الآية الكريمة : ( ان اشكُر

____________

(1) أُصول الكافي 2 : 165 | 1 باب البر بالوالدين .

(2) أُصول الكافي 2 : 165 | 1 باب البر بالوالدين .

(3) أُصول الكافي 2 : 165 | 1 باب البر بالوالدين .

(4) أُصول الكافي 2 : 349 | 1 باب العقوق .

(5) أُصول الكافي 2 : 165 | 1 باب البر بالوالدين .

________________________________________

( 54 )

 

لي ولوالديك إليَّ المصير ) (لقمان 31 : 14) ، يقول الاِمام علي بن موسى الرِّضا عليه السلام : «إن الله عزّ وجل.. أمر بالشكر له وللوالدين ، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله» (1).

 

2 ـ استثارة الوازع الاَخلاقي :

أراد الاَئمة عليهم السلام أن تبقى منظومة الاَخلاق في الاَُمّة حيةً فعالةً ، انطلاقاً من حرصهم الدائم على سلامة المجتمع الاِسلامي ، حتى لا يتردى أفراده في مهاوي القلق والضياع .

وعليه فقد حثّوا على التمسك بالقيم الاَخلاقية في تعامل الاَولاد مع والديهم ، بحيث تتحول إلى طبع يطبع سلوك الاَبناء.. وفي هذا الصَّدد يقول الاِمام علي عليه السلام : «برّ الوالدين من أكرم الطباع»(2). ويقول حفيده الاِمام الهادي عليه السلام : «العقوق ثكل من لم يثكل»(3).

 

3 ـ تحديد الحكم الشرعي :

لم يبقِ آل البيت عليهم السلام مسألة حقوق الوالدين في إطار التوجهات القرآنية أو مجرد استثارة الدوافع الاخلاقية ، بل حددوا الحكم الشرعي لهذه المسألة الحيوية ، واعتبر الامام علي عليه السلام : «برّ الوالدين أكبر فريضة» (4). ويقول الاِمام الباقر عليه السلام : «ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لاَحد فيهنّ رخصة :

____________

(1) بحار الأنوار 74 : 68 .

(2) بحار الأنوار 77 : 212 .

(3) بحار الأنوار 74 : 84 .

(4) غرر الحكم : 239 | 4512 .

________________________________________

( 55 )

 

أداء الاَمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برين كانا أو فاجرين» (1).

والجدير بالذكر ، أن الاِسلام لم يربط حقوق الوالدين بقضية الدين ، وضرورة كونهما مسلمين ، بل أوجب رعاية حقوقهم بمعزل عن ذلك ، يقول الاِمام الرِّضا عليه السلام : «برّ الوالدين واجب وإنْ كانا مشركين ، ولا طاعة لهما في معصية الخالق» (2). ولم يكتف الاِمام الرِّضا عليه السلام بتبيان الحكم الشرعي بل كشف عن الحكمة من وراء هذا التحريم بقوله : «حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التّوفيق لطاعة الله عزّ وجلّ ، والتّوقير للوالدين ، وتجنّب كفر النّعمة ، وابطال الشكر ، وما يدعو من ذلك إلى قلّة النّسل وانقطاعه ، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين ، والعرفان بحقّهما ، وقطع الاَرحام ، والزّهد من الوالدين في الولد ، وترك التّربية بعلّة ترك الولد برّهما» (3) .

من خلال التمعن في هذا النصّ نجد نظرةً أرحب وأعمق لحق الوالدين، وكون القضية لا ترتبط بالجانب المعنوي المتعلق بحقوق الوالدين فحسب ، بل لها آثار واقعية على مجمل الكيان الاجتماعي ، وعلى الاَخص فيما يتعلق بمسألة حفظ الجنس البشري من الانقراض والاستئصال ، كما أن للمسألة آثاراً تربوية سلبية واضحة ، فعندما يجد الوالدان أنفسهما وقد هدرت كرامتهما ، وصودر حقهما من قبل الاَبناء ،

____________

(1) بحار الأنوار 74 : 56 .

(2) بحار الأنوار 74 : 72 .

(3) بحار الأنوار 74 : 75 .

________________________________________

( 56 )

 

فسوف يتشكل رأي عام في المجتمع ، بأن انجاب الاَولاد ، أو على الاَقل بذل الجهد في تربيتهما ، عملية خاسرة ، وتسفر عن نتائج غير مُرضية ، وهذا سوف يؤدي إلى قلة أو انقطاع النسل ـ كما نوّه الاِمام عليه السلام ـ أو يؤدي إلى عدم الاهتمام بتربية الابناء ، وفي كلتا الحالتين فالخسارة فادحة على المجتمع . ويحصل العكس من ذلك لو وجد الاَبوان أنفسهما في موضع التكريم والاحترام ، فسوف يحرصون على إنجاب الاَطفال ، والقيام بتربيتهم على النحو الاَفضل .

وخير شاهد معاصر على ذلك ما يحصل الآن في المجتمعات الغربية ، فقد أدّى التفكك الاَُسري إلى متاهات لا تُحمد عقباها ، وأخذ الولد يتنكر لقيمومة والديه ويتنصل عن أداء حقوقهما ، وانجرف في تيار المادة واللّذة العارم ، الاَمر الذي أدّى إلى قلّة النسل الشرعي وعدم الاهتمام بتربية الطفل، وايكاله إلى دور الحضانة ، وبلغ الانتكاس الاجتماعي حداً ، بحيث أصبحوا يهتمون بتربية الحيوان وخاصة الكلاب أكثر من الذين خرجوا من الاَصلاب ! واذا استمر هذا الوضع الشاذ ، بشيوع حالة من الاَنانية والانعزال ، فسوف يؤدي إلى انقطاع أو على الاَقل قلة النسل الشرعي ، وتصبح المجتمعات الغربية على شفير الهاوية .

 

4 ـ تحديد الحقوق المترتبة للوالدين :

تتسع عدسة الرؤية للحقوق في مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن غيرها من المدارس والمذاهب القانونية والاجتماعية ، فهي تركز في توجهاتها على الحقوق المعنوية ، وتضعها في سلّم الاَولوية ، ولا يعني ذلك إهمال الحقوق المادية ، فإذا كانت النَّظرة المتعارفة للحق انه حقٌّ ماديٌّ بالدَّرجة

________________________________________

( 57 )

 

الاَساس ، فانَّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام تنظر للحق نظرة أرحب وأشمل ، هي نظرة الاِسلام العميقة التي تُقدم الجانب المعنوي على المادي ، وعلى هذا الاَساس ، نلاحظ أنّ أكثر توصيات وأحاديث الاَئمة عليهم السلام تنصب على رعاية الحقوق المعنوية ، كالطاعة للوالدين والشكر والنصيحة لهما ، يقول الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة : «إنّ للولد على الوالد حقّاً... أن يطيعه في كلِّ شيء إلاّ في معصية الله سبحانه» (1).

ويقول حفيده الاِمام الصادق عليه السلام : «يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء : شكرهما على كلِّ حال ، وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله ، ونصيحتهما في السرِّ والعلانية» (2).

ويقول الاِمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق : «أمّا حق أبيك فأنْ تعلم أنّه أصلك ، وأنّه لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك ممّا يعجبك ، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ، ولا قوة إلاّ بالله» (3).

ويقول عليه السلام في ما يتعلق بحق الاَم : «أما أُمّك فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً، وأعطتك من ثمرة قلبها مالا يعطي أحدٌ أحداً، ووقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلّك ، وتهجر النّوم لاَجلك، ووقَتْك الحرَّ

____________

(1) نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح : 399 .

(2) تحف العقول ـ لابن شعبة الحراني : 322 ـ مؤسسة النشر الاِسلامي ط2 .

(3) بحار الأنوار 74 : 6 .

________________________________________

( 58 )

 

البرد تكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه»(1).

بهذه اللغة الوجدانية الشفافة يصوغ الاِمام زين العابدين عليه السلام بنود الحقوق الاعتبارية للوالدين .

وأيضاً ينقل أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ما حقّ الولد على والده ؟ قال : «لا يُسمّيه باسمه ، ولا يمشِ بين يديه ، ولا يجلس قبله ، ولا يستسب له» (2).

وأنت لو تمعنت في السطور المتقدمة ، تلمس بوضوح عمق التركيز على الحقوق المعنوية للوالدين ، ولعل السرّ في ذلك أن تطعيم الاَولاد فكريا ووجدانياً من خلال إدراك هذا النوع من الحقوق الاعتبارية ، يمنح الاَولاد المناعة والحصانة من الاِصابة بالاَمراض الاجتماعية ، تلك التي تقوّض كيان الاَُسرة كمجتمع صغير ، وتنعكس أعراضها وآثارها التدميرية على المجتمع الكبير .

ومن الضروري الاِشارة إلى أن التركيز على الحقوق المعنوية ، لا يعني بحال اغفال ما للوالدين من حقوق مادية ، كضرورة الانفاق عليهم عند العوز أو الشيخوخة ، ولكن وفق ضوابط وحدود معقولة .

والظاهر أنّ الرأي السائد آنذاك ، هو ان للوالد مطلق التصرف في أموال بنيه، اعتماداً على رواية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الخصوص ، ولكن الاِمام

____________

(1) بحار الأنوار 74 : 6 .

(2) أُصول الكافي 2 : 166 | 5 باب البر بالوالدين ، ولا يستسب : أي لا يصير سبباً لسب الناس له، كأن يسب آباءهم فيسب الناس والده .

________________________________________

( 59 )

 

 الصادق عليه السلام قشع هذا المفهوم الخاطئ من أذهان الكثيرين ، وفق مبادئ وقواعد الاِسلام ، التي تمنع الضَّرر والاِضرار بالآخرين ، وكشف عليه السلام عن الدواعي التي حملت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القول لرجل اشتكى من أبيه ـ وادّعى أنه أخذ ميراثه الذي من أمه ـ : «أنت ومالك لاَبيك» بان الاَب كان معسراً ، وقد الجأته الضرورة لذلك ، فالاَمر لا يعدو أن يكون قضية في واقعة .

يتضح لك ذلك عند قراءة الرّواية التالية : عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : ما يحلّ للرّجل من مال ولده ؟ قال عليه السلام : «قوته بغير سرف إذا اضطرّ اليه» ، قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرّجل الذي أتاه ، فقدّم أباه ، فقال له : «أنت ومالك لاَبيك» ؟ فقال عليه السلام : «إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أُمي ، فأخبره الاَب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لاَبيك ، ولم يكن عند الرّجل شيء أفكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبس الاَب للاِبن» (1)!

 

____________

(1) فروع الكافي 5 : 138 / 6 باب 47 من كتاب المعيشة

 

________________________________________

( 60 )

 

المبحث الثاني

 

 

الآثار السلبية الدنيوية لمن عق والديه

 

ذكرنا فيما سبق بعض الآثار الاَخروية المترتبة على عقوق الوالدين، ولعل من أبرزها التعرض لسخط الله تعالى ، وعدم قبول الطاعات وغير ذلك من آثار . ومن يطّلع على أحاديث أهل البيت عليهم السلام يجد حشداً من الاَحاديث في هذا المجال ، وهنا سوف نقتصر على إبراز الآثار السلبية في دار الدنيا لمن أساء لوالديه ، ويمكننا تصنيفها حسب النقاط الآتية :

 

أولاً : التعرض للفقر والفاقة :

يقول الاِمام جعفر الصادق عليه السلام في هذا الخصوص : «أيّما رَجلٍ دعا على ولده أورثه الفقر» (1).

 

ثانياً : المقابلة بالمِثل :

إنّ الاَولاد الذين يسيئون التصرف مع آبائهم ، سوف يقابلهم آبناؤهم بالمِثل ، ولا يقيمون لهم وزناً عندما يكبرون ، ويؤكد هذه الحقيقة ما ورد عن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «برّوا آباءكم ، يبرّكم آبناؤكم» (2)، وقد

____________

(1) بحار الأنوار 104 : 99 .

(2) بحار الأنوار 74 : 65 .

 

________________________________________

( 61 )

 

أثبتت التجارب العملية هذه الحقيقة ، وغدت من المسلّمات عِبَر الاَجيال، فالذي يعق والديه يواجه الحالة نفسها مع أبنائه لا محالة .

 

ثالثاً : العقوق يُورِثُ الذّلة والمهانة :

مما لاشك فيه ، ان الفرد الذي يعق والديه ، ينظر له المجتمع بعين السخط والاستخفاف ، ويصبح منبوذاً مذموماً على الصعيد الاجتماعي ، ولا يُذكر إلاّ بالعار والشنار ، مهما تستر خلف سواتر الاَعذار ، يقول الاِمام الهادي عليه السلام : «العقوق يعقب القلّة ، ويؤدي إلى الذِّلة».. ويمكن حمل كلمة «القلّة» في الحديث على إطلاقها ، فتشمل القلة في المال والفقر المعنوي والاجتماعي ، المتمثل بقلة الاَصدقاء والمعارف الذين لا يلقون حبال ودّهم إلى من عقّ والديه ، وكيف تحصل الثقة بمن قطع حبال الودّ مع والديه ، وهما من أقرب المقربين إليه ؟

________________________________________

( 62 )

 

 

المبحث الثالث

القدوة الحسنة

 

إنَّ اقتحام العقول والنفوس بغية التأثير في الناس ، أصعب بكثير من اقتحام المواقع والثغور ، وذلك لاَن الناس يختلفون اختلافاً بيّناً في طريقة التفكير ، وفي مركّب المزاج وفي مستوى الثقافة ، ونتيجة لكلِّ ذلك ، تصبح عملية التعامل معهم ، والتأثير فيهم عملية صعبة وشاقة ، وتحتاج إلى قدرات ومتطلبات من نمط خاص ، لا تتوفر إلاّ عند الخواص من أهل الصَّبر ، والعلم بمواقع الاَمر . وأهل البيت في مقدمة هذا الطراز الرّفيع من القادة ، الذين تمكنوا من اجتذاب الناس وامتلكوا أزمّة قلوبهم ، ومفاتيح عقولهم من خلال القدوة الحسنة والسلوك السويّ ، خصوصاً وأنّ الناس ـ عادة ـ لا تتأثر بلسان المقال ، بقدر ما تتأثر بلسان الحال . ومن الشواهد الدالة على إلتزام الاَئمة عليهم السلام العملي بحقوق الوالدين ، وتأثر الناس بهذا السلوك ، ان الاِمام علي بن الحسين عليه السلام كان يأبى ان يؤاكل أمّه ، واسْتَلْفَتَ هذا الموقف أنظار أصحاب الاِمام والمحيطين به ، وسألوه باستغراب : إنك أبرّ الناس وأوصلهم للرّحم ، فكيف لا تؤاكل أمك ؟! فقال عليه السلام : «إني أكره أن تسبق يدي إلى ماسبقت إليه عينها ، فاكون قد عققتها» (1)!

 

____________

(1) في رحاب أئمة أهل البيت للسيد محسن الامين ـ 2 : 195 .

 

________________________________________

( 63 )

هذا الموقف الذي يستحق الاِعجاب والتقدير ، يكشف العمق السلوكي لروّاد مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، ويعطي درساً لا ينسى في وجوب رعاية حقوق وحرمة الوالدين .

وتجدر الاشارة إلى أن الاِمام زين العابدين عليه السلام كان يدعو لوالديه ، ويشير إلى عظم حقهما عليه ، فيقول : «يا الهي أين طول شغلهما بتربيتي ؟ وأين شدة تعبهما في حراستي ؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ هيهات ما يستوفيان مني حقهما ، ولا أدرك ما يجب عليَّ لهما ، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما» (1).

وفي دعاء آخر تضمنته الصحيفة السجادية ، يقول عليه السلام : «اللّهم اجعلني أهابهما هيبة السّلطان العسوف ، وأبرّهما برّ الاَُمّ الرّؤوف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظّمآن حتّى أُوثر على هواي هواهما»(2).

وقد سلك بقية الاَئمة عليهم السلام هذا المسلك نفسه ، وعملوا على استئصال كلّ ما من شأنه الحطّ من مكانة الوالدين ، ومن الشواهد الدالة على ذلك : عن ابراهيم بن مهزم قال : خرجت من عند أبي عبدالله عليه السلام ليلةً ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أُمّي معي ، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها . فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبدالله عليه السلام ، فلما دخلت عليه ، قال لي مبتدئاً : «يا أبا مهزم ، مالك ولخالدة أغلظت في كلامها البارحة ؟ أما علمت أنّ بطنها منزل قد سكنته، وأنّ حجرها مهد قد غمزته ،

____________

(1) التفسير الكاشف ـ محمد جواد مغنيَّه ـ 2 : 321 ـ دار العلم للملايين ط3 .

(2) الصحيفة السجادية الكاملة : 132 دعاء 26 ، نشر وتحقيق مؤسسة الاِمام المهدي (عج) ط1.

 

________________________________________

( 64 )

وثديها وعاء قد شربته» ؟! قال : قلت : بلى ، قال : «فلا تغلظ لها» (1). وكان لهذه الكلمات فعل السحر على الابن فسارع للاعتذار من أمه .

والذي يؤسف له ، أنّ الكثيرين من شباب اليوم ـ بسبب التربية الخاطئة، أو البيئة المنحرفة ، أو الثقافة الوافدة ـ يكيلون السّباب واللعان للوالدين ، على أتفه الاَسباب ، ويصبّون جام غضبهم عليهم ، عندما يُسْدِيان لهم النصيحة المخلصة ، مما يترك أثراً سيئاً على نفسيهما ، فيصابان بخيبة أمل مريرة .

هذا في الوقت الذي يدعو الاَئمة عليهم السلام إلى مخاطبة الوالدين بعبارات عذبة ، ومهذبة ، تحمل معاني التقدير والشعور بالعرفان وعدم رفع الصوت على الوالدين.. عن الحكم قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إنّ والدي تصدّق عليَّ بدار ، ثمّ بدا له أن يرجع فيها، وان قضاتنا يقضون لي بها ، فقال عليه السلام : «نعم ما قضت به قضاتكم ، وبئس ما صنع والدك، انما الصدقة لله عزّ وجل فما جعل لله عزّ وجل فلا رجعة له فيه ، فان أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك ، وإن رفع صوته فاخفض أنت صوتك» (2).

ونخلص في نهاية هذا المطلب إلى القول بان حقوق الوالدين جسيمة، فقد قرن القرآن حقهما مع حقه تعالى في مستوى واحد مع اختلاف في الرّتبة ، فله عزّ وجلّ حقّ العبادة ولهم حقّ الاِحسان .

ومنح القرآن الكريم الاَمَّ حقاً أكبر ، لما تُقدِّمه من تضحيات أكثر . وقد

____________

(1) بحار الانوار 74 : 76 .

(2) وسائل الشيعة 19 : 204 | 1 باب 11 من كتاب الوقوف والصدقات .

 

________________________________________

( 65 )

تصدّرت هذه المسألة الحيوية سلّم أولويات السيرة النبوية التي اعتبرت عقوق الوالدين من أكبر الكبائر . ثم إنَّ الاَئمة عليهم السلام ـ وهم القوّامون على الاَمة ـ قد عملوا على عدّة محاور لتوعية الناس بمكانة الوالدين ، فقاموا بتفسير ماورد في ذلك من آيات قرآنية ، واستثاروا الوازع الاَخلاقي والوجداني ، وحددوا ـ أيضاً ـ الحكم الشرعي ، وهو أن حقّ الوالدين فريضة من أكبر الفرائض ، ثم عينوا تفصيلاً الحقوق المترتبة على الاَولاد تجاه والديهم ، زد على ذلك كشفوا عن الآثار السلبية الدنيوية والاَخروية ، لمن عقّ والديه ، وشكّل سلوكهم السويّ تجاه والديهم ، قدوة حسنة للاجيال في هذا المجال .

________________________________________

( 66 )

 

 

المبحث الرابع

حقوق الاَولاد

 

ضمن الاِسلام للاَولاد حقاً أساسياً ، وهم بعدُ في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، وهو (حق الوجود) ، وللتدليل على ذلك نجد ان تعاليم الاِسلام ، تشجع على اتخاذ الذّرية ، وانجاب الاَولاد . فالاِسلام كما هو معروف يحثُّ على الاِكثار من النسل ، ويرى كراهية تحديده ، حتى نجد أن القرآن الكريم ، يعتبر الاَبناء زينة الحياة الدنيا ، كما في قوله تعالى : (المالُ والبنونُ زينة الحياة الدُّنيا...) (الكهف 18 : 46) ، وينقل لنا أماني ورغبات الاَنبياء من خلال الدعاء بأن يهب لهم الله تعالى الذّرية الصالحة ، فعلى سبيل المثال ينقل لنا القرآن الكريم دعاء ابراهيم عليه السلام مع استجابة ذلك الدعاء : ( ربِّ هبْ لي من الصّالحين * فبشرناهُ بغُلامٍ حليم..) (الصّافات37 : 100 ـ 101) ، ويَنقلُ لنا أيضاً رغبة زكريا القوية بان يرزقه تعالى الذّرية وذلك ، عندما رأى ـ بأمّ عينيه ـ القدرة الاِلـهية متمثلةً في رزق مريم الاِعجازي : ( هنالك دعا زكريّا ربَّهُ قال ربِّ هبْ لي من لدنك ذُريّة طيّبةً إنَّك سميع الدعاء ) (آل عمران 3 : 38) . وقد صوّر لنا القرآن الكريم باسلوبه البلاغي الرائع ، ما كان عليه زكريا عليه السلام من الشوق إلى الولد ، وخشيته من البقاء فرداً ، كما في قوله تعالى : ( وَزَكَريَّا إذْ نادى رَبّه رَبِّ لا

________________________________________

( 67 )

تذرني فَرداً وأنتَ خير الوارثين ) (الانبياء 21 : 89) ، وكيف انه سبحانه استجاب له دعاءه ؛ لاَنه كان عليه السلام أهلاً لاستجابة الدعاء : ( فاسْتَجَبْنا له ووهبنا له يحْيى واصلحنا له زوجَهُ إنّهُمْ كانوا يُسارعُونَ في الخيراتِ ويدعُونَنَا رَغَباً وَرَهباً وكانوا لنا خاشعين ) (الانبياء 21 : 90) .

وفي كلِّ ذلك ، تلميح لنا ، بأنْ ندعو الله تعالى أنْ يرزقنا كما رزقهم الذرّية الصالحة .

أضف إلى ذلك أنَّ السُّنة النبوية ـ القولية والفعلية ـ تشجع على الزواج، المصدر الشرعي والعرفي للانجاب ، وتُنفّر أشدّ التنفير من العزوبيّة والرّهبانية ، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «شرار موتاكم العزّاب» (1).

وتنقل لنا الرغبة النبوية ، بأنْ تكون أمته صلى الله عليه وآله وسلم أكثر الاَمم يوم القيامة «تناكحوا تكثروا ، فإنّي أُباهي بكم الاَُمم يوم القيامة حتى بالسقط» (2).

ومن يطّلع على أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، يلاحظ أنّ حقوق الاَولاد تحتل مكانةً مرموقة في مدرستهم الاِلهية ، وحول حق الولد في الوجود ، يجد أحاديث ترغّب الآباء بانجاب الاَبناء ، لما في ذلك من قوة في العدد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الصَّدد : «الولد أحد العددين» (3). وأيضاً للاستعانة بهم في أوقات الحاجة أو الضرورة ، يقول الاِمام زين

____________

(1) بحار الأنوار 103 : 220 .

(2) المحجّة البيضاء 3 : 53 .

(3) المعجم المفهرس لالفاظ غرر الحكم 3 : 3171 | 1668 وفيه : (الولد أحد العدوّين) ، غرر الحكم : 73 | 1668 .

________________________________________

( 68 )

العابدين عليه السلام : «من سعادة الرّجل أن يكون له وُلدٌ يستعين بهم» (1).

إنَّ الولد يشكل الامتداد الطبيعي لوالديه ، فمن خلاله ينقل الوالدان صفاتهما وافكارهما واخلاقهما ، وفي كل ذلك امتداد معنوي لوجودهما.

ويبقى أن نشير إلى ان الآباء سوف ينالون الثواب نتيجة لاعمال أولادهم الحسنة من دعاء أو صدقة أو عبادة ، وما إلى ذلك . وهذا ـ بحد ذاته ـ حافز آخر ، يشجع على اتخاذ الذّرية ، من كل ذلك يوفر الولد للوالدين السعادة الدنيوية والاَخروية . وعليه يقول الاِمام الباقر عليه السلام : «من سعادة الرّجل أن يكون له الولد ، يعرف فيه شبهه : خَلقه ، وخُلقه ، وشمائله»(2) .

زد على ذلك ، ان الولد يديم ذكر والديه ، فاسمهم مقرون بإسمه، وبذلك يُبقي اسمهم محفوراً على لوحة الزّمان ، يقول الاِمام علي عليه السلام «الولد الصالح أجمل الذّكرين» (3).

يضاف إلى هذا أنَّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، حاربت الانعزال والرَّهبنة والابتعاد عن الواقع والمجتمع ، وشجعت على الزَّواج كأسلوب شرعي للشروع في تكوين الاُسرة وانجاب الاَطفال ، وفي هذا المجال ، جاء في بحار الاَنوار : أن امرأة سألت أبا جعفر عليه السلام ، فقالت : أصلحك الله إنّي متبتّلة، فقال لها : «وما التبتّل عندك» ؟ قالت : لا أريدُ التزويج أبداً ، قال :

____________

(1) فروع الكافي 6 : 5 | 2 باب فضل الولد .

(2) فروع الكافي 6 : 7 | 2 باب شبه الولد .

(3) المعجم المفهرس لالفاظ غرر الحكم 3 : 3171 | 1665 .

________________________________________

( 69 )

 

«وَلِمَ» ؟ قالت : التمس في ذلك الفضل ، فقال : «انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة عليها السلام أحقّ به منك ، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل»(1).

من كلِّ ما تقدم ، نخرج بفكرة عامة ، هي أن الاِسلام ـ متمثلٌ في القرآن والسُنّة بمعناها الاَعم ، أي قول المعصوم وفعله وتقريره ـ يؤكد ـ تصريحاً وتلميحاً ـ على ضرورة اتّخاذ الاَولاد ، وهو من خلال هذا التوجه ، يضمن لهم (حق الوجود) ، بمعنى : أن يبرزوا من كتم العدم إلى حيّز الوجود ، حتى تستمر الحياة جيلاً بعد جيل ، إلى أن يرث الله تعالى الاَرض ومن عليها .

 

أولاً : حق اختيار والدته:

للولد ـ قبل أن يتلبس بالوجود ـ حقٌ على أبيه ، وهو أن يختار له أمّاً صالحة ، يستودعها نطفته . وقد ثبت علمياً أنّ الصفات الوراثية الجسمية والمعنوية تنتقل عن طريق التناسل .

وقد سبق الوحيُ العلمَ في الكشف عن هذه الحقيقة المهمة ، وحثَّ على تدارك آثارها السلبيّة ، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو الناطق عن الوحي ـ مُوصياً : «تزوجوا في الحِجْزِ الصّالح فانّ العرق دسّاس» (2). ويقول أيضاً: «تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنّ وأخواتهن» (3).

فمن الاَهمية بمكان أن يختار الاَب الزوجة ذات النسب ، حتى ينقل

____________

(1) بحار الأنوار 103 : 219 .

(2) كنز العمال 16 : 296 | 44559 ، والحِجْز : الاَصل .

(3) كنز العمال 16 : 295 | 44557 .

________________________________________

( 70 )

لولده صفات جسمية ومعنوية عالية ، تشكل له الدرع الواقي من الانحراف والانجرار وراء ضغط الغرائز الهابطة ، وأيضاً يوصي الاِسلام بأن يختار الوالد أم أولاده من ذوات الدين والاِيمان ، فتكون بمثابة صمّام أمانٍ يحول دون جنوح الاطفال عن جادة الحق والفضيلة ، وقد ضرب الله تعالى لنا مثلاً في امرأة نوح ، التي آثرت الكفر على الاِيمان وخانت زوجها في رسالته ، وكيف أثّرت سلبياً على موقف ابنها من قضية الاِيمان برسالة نوح ، وكانت النتيجة أن أوردته مناهل الهلكة : غَرَقاً في الدنيا ، وعذاباً في الآخرة ! ولقد دفعت العاطفة الاَبوية نوحاً عليه السلام إلى مناداة ابنه ليركب في سفينة النجاة مع سائر أهله ، ولكنه كان خاضعاً لتربية أمه المنحرفة ولضغط بيئته الكافرة ، فأصرَّ على الكفر ولم يستجب لنداء أبيه المخلص ، وتشبث بالاسباب المادية العادية فاعتقد أنّ اللجوء إلى الجبل سوف ينقذه من الغرق ، فلا الجبل أنقذه . ولا شفاعة أبيه اسعفته ، فكان من المغرقين .

إقرأ هذه الآيات بتمعن : ( ونادى نوح ربّه فقال ربِّ إنّ ابني من أهلي وإن وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم انّي اعظك أن تكون من الجاهلين ) (هود 11 : 45) .

وهكذا نجد أنّ الاَُم الكافرة متمثلة في امرأة نوح عليه السلام تقف سداً منيعاً أمام إيمان ولدها ، وتشجعه على عقوق إبيه ، وعدم السمع والطاعة له .

وفي مقابل ولد نوح الذي يمثل الرَّفض والتمرّد ، نجد اسماعيل ولد ابراهيم عليهما السلام يمثل الطاعة والامتثال لتوجهات أبيه، وذلك عندما أُوحي

________________________________________

( 71 )

إليه في المنام أن يذبحه ، فلم يترَّدد إسماعيل عليه السلام ـ فيما يوحي به النص القرآني ـ : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعيَ قَالَ يا بُنَيَّ إنّي أرَى في المَنَامِ أنّي أذبَحُكَ فانظُر ماذَا تَرَى قَالَ يا أبتِ افعَل ما تُؤمِر سَتَجِدُني إن شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(الصافات 37 : 102) .

وهذا الموقف الاِسماعيلي المشرِّف ، لم ينطلق من فراغ ، بل كان نتيجةً طبيعية للتربية الاِبراهيمية ، إذ تمكن إبراهيم عليه السلام من عزل ولده الوحيد عن ضغوط بيئته المنحرفة ، ولعل الاَهم من ذلك أن هاجر ـ أُم إسماعيل ـ كانت امرأة مؤمنة صالحة ، هاجرت مع أبيه وتحملت معه معاناة الجوع والعطش والغربة ، عندما تركها إبراهيم عليه السلام في وادٍ غير ذي زرع ، فكانت صابرة محتسبة ، زرعت في ولدها بذور الحب والطاعة لوالده ولرسالته .

وعلى ضوء الهدى القرآني ، كانت مدرسة أهل البيت عليهم السلام تركّز في توجهاتها التربوية والاجتماعية ، على أهمية ووجوب التفحص والتثبت عند اختيار الزَّوجة ، وأن ينظر الاَب نظرة بعيدة الاَفق يُراعي بها حق أولاده في الانتساب إلى أم صالحة ، ولا ينظر بعين واحدة فيركز عند الاختيار على مالها أو جمالها أو حسبها فحسب .

وصفوة القول : إنّ على الرجل أن يختار لنطفته المرأة المتدينة، فيفرزها عن غيرها ، ويستخلصها لنفسه كما تُسْتَخلص الزّبدة من ماء المخيض . ومن هنا أكد الاِمام الصادق عليه السلام على ذلك بقوله : «تجب للولد على والده ، ثلاث خصال : اختيار والدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في

________________________________________

( 72 )

تأديبه» (1).

ولا ننسى الاِشارة إلى أنّ السُنّة قد حذّرت من الافتتان بالجمال الظاهري ، وحثّت على النظر إلى الجمال الباطني المتمثل بالطهارة والاِيمان ، فعندما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مُحذراً : «إياكم وخضراء الدّمن» ، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدّمن ؟ قال : «المرأة الحسناء في منبت السّوء»(2). كذلك حذرت السنّة المطهّرة من المرأة الحمقاء ، تلك التي لا تُحسن التصرف ؛ لضعف مستحكم في عقلها ، وكشفت عن الآثار السلبية التي تُصيب الاَبناء من جراء الاقتران بالمرأة الحمقاء ، فالحديث النبوي يقول : «إياكم وتزوج الحمقاء ، فإنّ صحبتها بلاء ، وولدها ضياع» (3).

ويبقى إن نشير إلى أن الاِسلام قد حرّم الزِّنا لعلل عديدة : منها ما يتعلق بحق الابناء في الانتساب إلى الآباء الشرعيين ، ومنها ما يتعلق بخلق أجواء عائلية نظيفة توفر للطفل حقه في التربية الصالحة ، وقد حدّد حقوقاً تترتب بدرجة أساسية على الاَم التي تُشكل وعاءً للنسل ، فيجب عليها أن تصون نفسها ونسلها من كل شين ، حتى يبقى الولد قرير العين ، مطمئن النفس بطهارة مولده ، وحتى لا تظهر عليه علامات ولد الزِّنا ، وأمامنا شواهد معاصرة في الحضارة الغربية ، التي تشجع على الاختلاط والتبرج وتطلق العنان للشهوة الجامحة ، وتشكل بذلك أرضية ممهدة للعلاقات غير الشرعية بين الجنسين ، فكان من نتيجة ذلك ازدياد أعداد أولاد الزِّنا

____________

(1) بحار الأنوار 78 : 236 .

(2) بحار الأنوار 103 : 232 .

(3) فروع الكافي 5 : 354 | 1 باب 30 كتاب النكاح .

________________________________________

( 73 )

وما يرافق ذلك من مظاهر شاذّة كظاهرة أولاد الشوارع ، وتفشي الجريمة والسرقة ، الاَمر الذي أدّى إلى تمزق النسيج الاجتماعي ، وهو أمر يهدد المجتمع الغربي عموماً بعواقب وخيمة .

ولقد حذّرت مدرسة أهل البيت عليهم السلام من تلك العواقب من قديم الزمان ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «ألا أخبركم بأكبر الزِّنا ؟.. هي امرأة توطئ فراش زوجها ، فتأتي بولد من غيره فتلزمه زوجها، فتلك التي لا يكلمها الله ولا ينظر إليها يوم القيامة ، ولا يزكيها ، ولها عذاب عظيم»(3)، وفي هذا الحديث إشارة إلى اختلال واختلاط الانساب فيصادر الزِّنا حق الابناء في الانتساب إلى آبائهم .

ويبين الاِمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام علة تحريم الزِّنا بقوله : «حُرم الزِّنا لما فيه من الفساد من قتل النفس ، وذهاب الانساب ، وترك التربية للاَطفال ، وفساد المواريث ، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد» (2)

ولا يخفى ان هذه الامور فيها اعتداء صارخ على حق الطفل في الحياة والانتساب والتربية والميراث . ولقد وجّه أحد الزنادقة سؤالاً إلى أبي عبدالله عليه السلام ، لِمَ حرّم الله الزِّنا ؟ فأجابه الامام برحابة صدر وسعة أفق قائلاً : «لِمَا فيه من الفساد ، وذهاب المواريث ، وانقطاع الاَنساب ، لا تعلم المرأة في الزِّنا من أحبلها ، ولا المولود يعلم من أبوه..» (3).

ولقد أصاب الاِمام عليه السلام بذلك كبد الحقيقة ، من أن الزّنا يصادر حق

____________

(1) بحار الأنوار 79 : 26 .

(2) بحار الأنوار 79 : 24 .

(3) بحار الأنوار 103 : 368 .

________________________________________

( 74 )

 

الابن في الانتساب لاَبيه ؛ كما كشف لنا الاِمام الصادق عليه السلام عن علامات ولد الزِّنا ، وفي حديثه الآتي إشارة للآثار السلبية التي يفرزها إنكار حق المولود في الولادة الطبيعية والشرعية ، قال عليه السلام : «إنّ لولد الزّنا علامات : أحدها بغضنا أهل البيت ، وثانيها أنّه يحنّ إلى الحرام الذي خُلق منه ، وثالثها الاستخفاف بالدّين ، ورابعها سوء المحضر للنّاس ، ولا يسيء محضر إخوانه إلاّ من ولد على غير فراش أبيه ، أو حملت به أمّه في حيضها»(1) .

من كلِّ ما تقدم ، اتضح لنا ، أنّ الاِسلام يحث على اختيار المرأة الصالحة، ويعتبر ذلك من حقوق الولد على أبيه ، وأيضاً للولد ـ قبل ان يُخلق ـ حق عظيم على أُمُّه، بأن تحصّن نفسها وتحافظ على عفّتها ، ولا تنزلق إلى الزّنا فتحرم المولود من حق الانتساب إلى أبيه ، وتضيّع حقه في الاِرث والتمتع بالسمعة الطيّبة .

 

ثانياً : حقوق ما بعد الولادة :

1 ـ حق الحياة :

إنَّ للطفل ـ ذكراً كان أو أُثنى ـ حقّ الحياة ، فلا يبيح الشرع لوالديه أن يطفئا شمعة حياته بالوأد أو القتل أو الاجهاض . ولقد شنَّ الاِسلام حملة قوية على عادة (الوأد) التي كانت متفشية في الجاهلية، وتساءَل القرآن مستنكراً ومتوعداً : ( وإذا الموؤدة سُئلت * بأيّ ذنب قتلت) (التكوير81: 8 ـ 9) واعتبر ذلك جريمة كبرى لا يمكن تبريرها ـ بحال ـ

____________

(1) بحار الأنوار 75 : 279 ـ 280 .

________________________________________

( 75 )

حتى في الحالات الاضطرارية كحصول المجاعة . وكانوا يقتلون أولادهم خوفاً من الفقر ، كما في قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) (الانعام 6 : 151) . وفي آية أُخرى : (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) (الاِسراء 17 : 31) .

والملاحظ في الآية الاَولى ، إنّه تعالى قدّم رزق الآباء على رزق الاَبناء، وفي الآية الاخرى ، نجد العكس ، إذْ قدّم رزق الاَبناء على الآباء ، فما السرّ في ذلك ؟ وهل كان التعبير عفوياً ؟ بالطبع لا ؛ لاَن التعبير القرآني قاصد ودقيق ، لا يقدّم كلمة أو يُؤخر أُخرى إلاّ لغاية وحكمة .

وعند التأمل العميق نجد ان قوله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم من املاق) (الانعام 6 : 151) . توحي بأن الفقر موجود بالفعل ، والمجاعة قائمة ، ولمّا كان اهتمام الاِنسان في تلك الازمان يتمحور حول نفسه ، يخشى من هلاكها ، لذا يُطمئنه الخالق الحكيم في هذه الآية بانّه سوف يضمن رزقه أولاً ، ومن ثم رزق أولاده في المرتبة الثانية ، يقول له : ( نحن نرزقكم وإياهم ) أي يا أصحاب الاِملاق نحن نأتي برزقهم أيضاً .

بينما في الآية التالية ، يقول تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) (الاِسراء17:31) ، أي : خوفاً من فقر سوف يقع في المستقبل ، وبتعبير آخر : من فقر محتمل الوقوع ، وهنا يُطمئنه الرَّبّ تعالى بضمان رزق أبنائه أولاً ؛ لاَنّه يخاف إن جاءه أولاد أن يأتي الفقر معهم فيقول له مُطمئناً : (نحن نرزقهم وإياكم ) .

فالمعنى ـ في الآيتين ـ ليس واحداً ، وكلّ آية تخاطب الوالدين في ظرف معين ، ولكن تتحد الآيتان في الغاية وهي الحيلولة دون الاعتداء

________________________________________

( 76 )

على حياة الاَبناء . ثم إنّ الجاهلية كانت تمارس سياسة التمييز بين الجنسين بين الذكر والاَُنثى فتعتدي على حياة الاِناث بالوأد الذي كان يتمّ في صورة بشعة وقاسية ، ويفتقد إلى أدنى العواطف الاِنسانية ، حيثُ كانت البنت تُدفن وهي حية !..

ينقل مؤلف المختار من طرائف الاَمثال والاَخبار :

(سُئل عمر بن الخطاب عن أعجب ما مرَّ به في حياته .

فقال : هما حادثتان: كلمّا تذكرت الاَولى ضحكت ، وكلمّا تذكرت الاَُخرى بكيت..

قيل له : فما الاَُولى التي تُضحكك ؟

قال : كنت في الجاهلية أعبد صنماً من العجوة ، فإذا دار العام أكلت هذا الصنم ، وصنعت من البلح الجديد صنماً غيره !

قيل له : وما الاَُخرى التي تبكيك ؟

قال : بينما كنت أحفر حفرة لوأد ابنتي ، كان الغبار يتناثر على لحيتي ، فكانت ابنتي هذه تنفض عن لحيتي هذا الغبار ، ومع ذلك فقد وأدتها)(1)!!!

إزاء هذه الممارسات الهمجية ، الوحشية ، الخالية من الاِنسانية ، والتي كانت تُرتكب في عصر الجاهلية ، عمل الاِسلام على تشكيل رؤية جديدة لحياة الاِنسان ، رؤية تعتبر الحياة ليست حقا فحسب ، بل هي أمانة إلهية

____________

(1) المختار من طرائف الاَمثال والاَخبار ، نبيه الداموري : 29 ، الشركة العالمية للكتاب ط 1987م .

________________________________________

( 77 )

أودعها الله سبحانه وتعالى لدى البشر ، وكل اعتداء عليها بدون مبرِّر شرعي يُعد عدواناً وتجاوزاً يستحق الاِدانة والعقاب الاَخروي ، فليس من حق أية قوة غير إلـهية سلب هذه الوديعة المقدسة ، والله تعالى هو واهب الحياة ، وله وحده الحق في سلبها .

وأيضاً عمل الاِسلام على تشكيل وعي اجتماعي جديد بخصوص الاَُنثى، وقد كان الجاهليون لا تطيب نفوسهم بولادتها كما يقول القرآن الكريم : (وإذا بُشّر أحدُهُم بالاُنثى ظلَّ وجهُهُ مُسودّاً وهُو كظيم * يتوارى من القوم من سُوء ما بُشِّر به أيُمسِكُهُ على هُون أم يَدسُهُ في التُّراب ألا ساءَ ما يحكمون )(النحل 16 : 58 ـ 59). ولقد اختار النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل السُّبل لاِزالة هذا الشعور الجاهلي تجاه الاَنثى ، والذي كان يتسبب في زهق أرواح مئات الفتيات كل عام ، ففضلاً عن تحذيره من العواقب الاُخروية الجسيمة المترتبة على ذلك ، اعتبر من قتل نفساً بغير حق جريمة كبرى ينتظر صاحبها القصاص العادل .

ومن جانب آخر زرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وعيهم أن الرّزق بيد الله تعالى ، وهو يرزق الإناث كما يرزق الذكور ، فأشاع بذلك أجواء الطمأنينة على العيش ، وكان الجاهليون يقتلون الإناث خوف الفقر . أضف إلى ذلك استعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغةً وجدانيةً شفافة ، فتجد في السُنّة القولية عبارات تعتبر البنت ريحانة ، والبنات هن المباركات ، المؤنسات ، الغاليات ، المشفقات.. وما شابه ذلك ، وكشاهد من السُنّة القولية وردّ (عن حمزة بن حمران يرفعه قال : أتى رجل وهو عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأُخبر بمولود أصابه ، فتغيّر وجه الرّجل !! فقال له النبيّ : «ما لكَ» ؟ فقال : خير ، فقال : «قُل» . قال: خرجت والمرأة تمخض ، فأُخبرت أنّها ولدت جارية !! فقال له

________________________________________

( 78 )

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «الاَرض تقلّها ، والسَّماء تظلّها ، والله يرزقها وهي ريحانة تشمّها..» (1)؟ . وقد أكد الاِمام علي عليه السلام ، ذلك التوجه النبوي بقوله : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بُشّر بجارية ، قال : ريحانة ، ورزقها على الله عزّ وجلّ»(2).

ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُنموذجاً حياً يعدُّ قدوةً في السلوك مع ابنته فاطمة عليها السلام ، ينقل الحسني في سيرة الاَئمة عن بنت الشاطئ في حديثها عن بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما ولدت فاطمة (استبشر أبواها بمولدها ، واحتفلا به احتفالاً لم تألفه مكة في مولد أنثى) (3)، ويظهر ذلك أيضاً من الاَسماء والالقاب العديدة التي منحها إياها صلى الله عليهما ، فقد نقل الحسني عن الاُستاذ توفيق أبي علم ، في كتابه أهل البيت : (إنّ للسيدة فاطمة الزهراء تسعة أسماء فاطمة ، والصدّيقة ، والمباركة ، والطاهرة ، والزكية ، والمحدثة ، والزهراء ، والبتول ، وسيدة نساء أهل الجنة ، واضاف إلى ذلك (أبو علم) أنه كان يُطلق عليها : أم النبي ؛ لاَنّها كانت وحدها في بيته بعد موت أمّها ، تتولى رعايته والسهر عليه) (4)، وتنقل كتب السيرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يمنحها حبّه ، ويسبغ عليها عطفه بحيث أنه كان اذا سافر كانت آخر الناس عهداً به ، وإذا رجع من سفره كانت أولَ الناس

____________

(1) فروع الكافي 6 : 5 | 6 باب فضل البنات من كتاب العقيقة .

(2) البحار 104 : 98 .

(3) سيرة الاَئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الاَول : 65 ـ 67 ، دار التعارف للمطبوعات ط1406 هـ.

(4) سيرة الاَئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الاول : 65 ـ 67 ، دار التعارف للمطبوعات ط 1406 هـ .

________________________________________

( 79 )

عهداً به ، وكان إذا رجع من سفر أو غزاة ، أتى المسجد فصلى ركعتين ، ثم ثنّى بفاطمة (1).

صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استشف من وراء الغيب السر المكنون فيها.. وأن الذّرية الطاهرة من بضعته الزَّهراء عليها السلام ، وأنهم سوف يتابعون المسيرة التي بدأها ولن يفترقوا عن الكتاب حتى يردوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحوض ، ولكن الصحيح أيضاً أنّ النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يرسم لنا صورة مشرقة في التعامل مع البنت ، ذلك النوع من التعامل الاجتماعي الذي غيبته الجاهلية . ولقد سار أئمة أهل البيت عليهم السلام على خطى جدّهم العظيم ، واقتفوا آثاره في تغيير النظرة التمييزية السائدة ، التي تحط من الاَُنثى لحساب الذكر ولا تقيم لها وزناً .

قال الحسن بن سعيد اللّخمي : ولد لرجل من أصحابنا جارية ، فدخل على أبي عبدالله عليه السلام ، فرآه متسخّطاً ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «أرأيت لو أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إليك ! : أن أَخْتَارُ لك ، أو تختار لنفسك ، ما كنت تقول» ؟ قال : كنت أقول : يا ربِّ تختار لي ، قال عليه السلام : «فإنّ الله قد اختار لك»(2). بهذه الطريقة الحكيمة أزاح الاِمام الصادق عليه السلام رواسب الجاهلية المتبقية في نفوس الآخرين .

على ان الاَكثر إثارة في هذا الصَّدد أن بعضهم اتّهم زوجته بالخيانة ، لا لشيء إلاّ لكونها ولدت جارية ! وعندئذ دحض الاِمام الصادق عليه السلام هذا الرأي السقيم ، الذي لا يستقيم على سكة العقل ولا الشرع ، وكشف

____________

(1) أُنظر سيرة الاَئمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ـ القسم الاول : 68 .

(2) فروع الكافي 6 : 10 | 10 باب فضل البنات .

________________________________________

( 80 )

عن الرؤية القرآنية البعيدة .

عن ابراهيم الكرخي ، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال : تزوجت بالمدينة ، فقال لي أبو عبدالله عليه السلام : «كيف رأيت» ؟ قلت : ما رأى رجل من خيرٍ في امرأة إلاّ وقد رأيته فيها ، ولكن خانتني ! فقال : «وما هو» ؟ قلت : ولدت جارية ! قال : «لعلّك كرهتها ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيُّهم أقرب لكم نفعاً ) (النساء 4 : 11) (1).

وعن الجارود بن المنذر قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : «بلغني أنّه ولد لك ابنة فتسخطها ! وما عليك منها ؟ ريحانة تشمَّها ، وقد كُفيت رزقها..» (2)

ولابدّ من التنويه على ان الاِمام الصادق عليه السلام قد قلب النظرة التمييزية التي تُقدِّم الذَّكر على الاَنثى ، رأساً على عقب ، وفق نظرة دينية أرحب ، وهي أن البنين نِعَمٌ ، والبنات حسنات ، والله تعالى يَسأل عن النِعَم ويثيب على الحسنات.. قال عليه السلام في هذا الصدد : «البنات حسنات، والبنون نِعمة، فانما يثاب على الحسنات ، ويُسأل عن النعمة» (3).

وعلى ضوء ماتقدم نجد أن مدرسة أهل البيت عليهم السلام مارست عملية (الاِخلاء والاِملاء) :

إخلاء العقول من غواشي ورواسب الجاهلية ، وانتهاكها الصارخ لحق المولود في الوجود .

 

____________

(1) فروع الكافي 6 : 8 | 1 باب فضل البنات .

(2) فروع الكافي 6 : 9 | 9 باب فضل البنات .

(3) فروع الكافي 6 : 9 | 8 باب فضل البنات .

________________________________________

( 81 )

 

واملاء العقول بافكار الاِسلام الحضارية، التي تبين للاِنسان مكانته في الكون ، وتصون حياته ، وتكفل حريته وكرامته ، وتراعي حقوقه منذ نعومة أظفاره ، وعلى الخصوص حقه في الوجود ، وعلى الاَخص حق البنات في الحياة .

2 ـ حق الولد في الاسم الحَسن :

للبعض أسماء جميلة ، تحمل معاني سامية ، وتولّد مشاعر جميلة ، فتجذبك للشخص المسمى بها كما يجذب شذا الاَزهار النحل . وللبعض الآخر أسماء سمجة ، مفرغة من أي مضمون ، وتحسّ عند سماعها بالضيق والاشمئزاز . وما أعظم التأثير النفسي والاجتماعي للاِسم ، الذي نطلقه على اطفالنا ، فكم من الاَولاد قد أرّق اسمه البشع ليله ، وقضَّ مضجعه ، نتيجة الاستهزاء والازدراء الذي يلاقيه من مجتمعه ، فيتملكه إحساس بالمرارة والتعاسة من اسمه الذي أصبح قدراً مفروضاً عليه كالوشم على الجلد تصعب إزالته ، وهناك بالطبع نفوس قوية ، لم تسمح لسحابة الاسم السوداء أن تنغص حياتها ، فعملت على تغيير اسمها السيء واستأصلته.. كما يستأصل الجرّاح الماهر خلية السرطان .

ولم يهمل الاِسلام كدين يقود عملية تغيير حضارية كبرى ، شأن الاسم، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بتغيير الاسماء القبيحة أو الاسماء التي تتنافى مع عقيدة التوحيد ، واعتبر من حق الولد على والده ، ان يختار له الاسم المقبول ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أوّل ما ينحل أحدكم ولده الاسم الحسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده» (1). وقد بيّن في حديث آخر الاَبعاد

____________

(1) بحار الأنوار 104 : 130 .

________________________________________

( 82 )

الاَخروية المترتبة على الاسم ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «استحسنوا أسماءكم فإنكم تُدعون بها يوم القيامة : قُم يا فلان ابن فلان إلى نورك ، وقم يا فلان ابن فلان لا نور لك» (1) .

جدير ذكره ان أحسن الاَسماء أسماء الانبياء والمرسلين والاَئمة عليهم السلام والصالحين ، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم موصياً : «سمّوا أولادكم أسماء الانبياء»(2) ، ويقول الاِمام الباقر عليه السلام : «أصدق الاَسماء ما سُمّي بالعبوديّة ، وخيرها أسماء الاَنبياء صلوات الله عليهم» (3)، . والملفت للنظر ان الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقدر ما كان حريصاً على تغيير الاَسماء القبيحة في الرّجال والبلدان ، كان سخياً بالمقابل في منح الاَسماء الحسنة لاَهل بيته عليهم السلام وأصحابه والمحيطين به . تروي كُتب السيرة : ان بشرى ولادة الحسن عليه السلام عندما زفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأطلّ على الحياة سبطه الاَول من حبيبته ووحيدته فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين ، سارع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى دار فاطمة ، فَدُفع إليه هذا المولود المبارك ، فأخذه بيديه ، وأذَّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى ، ثم قال لعلي عليه السلام : «أي شيء سميت ابني ؟ قال : ما كنت لاسبقك بذلك » ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :« ولا أنا سابق ربي به . فهبط » جبريل : فقال : يا محمد ، إنّ ربك يُقرئك السلام ، ويقول لك : علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبيَّ بعدك ، فسمِّ ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال :« وما كان اسم ابن هارون يا جبريل ؟» قال : شُبَّر ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

____________

(1) فروع الكافي 6 : 22 | 10 باب الاسماء والكنى .

(2) بحار الأنوار 104 : 92 .

(3) بحار الأنوار 104 : 129 .

________________________________________

( 83 )

«إنّ لساني عربي »، فقال : سمِّه الحسن . فسمّاه حسناً وكنّاه أبا محمد (1).

ولما وُلِد الحسين عليه السلام : (جيء به إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستبشر به، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، فلما كان اليوم السابع ، سمّاه حسيناً ، وعق عنه بكبش ، وأمر أُمّه أن تحلق رأسه ، وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن ، فامتثلت..) (2).

إنّ التعاليم النبوية التي تؤكد على حق الولد في الاسم الحَسِن ، لم تنطلق من فراغ ، أو تثار من أجل الترف ، بل تنطلق من منظار حضاري ، ينظر للعواقب المترتبة على غمط هذا الحق أو التهاون فيه ، فالتعاليم النبوية تتفق مع معطيات العلم الحديثة بدليل : (ان علم النفس قد اكتشف ـ أخيراً ـ علاقة وثيقة بين الاِنسان واسمه ولقبه . ويضرب علماء النفس لنا ـ مثلاً ـ رجلاً اسمه (صعب) فإن دوام انصباب هذه التسمية في سمعه ووعيه ، يطبع عقله الباطن بطابعه ، ويَسِمُ أخلاقه وسلوكه بالصعوبة.. وذلك لا ريب هو سر تغيير الرَّسول أسماء بعض الناس ، الذين كانت أسماؤهم من هذا القبيل ، فقد أبدل باسم (حرب) اسماً آخر هو (سمح) فهناك ـ إذن ـ وحي مستمر توحيه أسمائنا ويلوّن إلى حدٍ كبير طباعنا) (3).

لقد وضع الاَئمة عليهم السلام نصب أعينهم هذا الحق وضرورة مراعاته ، وثمة شواهد عديدة على ذلك منها ، قول الاِمام موسى الكاظم عليه السلام : «أوّل ما

____________

(1) الاِمام الحسن بن علي ، محمد حسن آل ياسين : 16 ، ط . الاولى.

(2) في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 47 .

(3) مواطنون.. لا رعايا ، خالد محمد خالد : 22 .

________________________________________

( 84 )

 

يبرّ الرّجل ولده أن يسمّيه باسم حسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده»(1).

كما بين الإمام الصادق عليه السلام المنافع التي يجنيها من ينحل أولاده اسماً يحاكي به أسماء الاَئمة عليهم السلام ، فعندما قيل لابي عبدالله عليه السلام : جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك ؟ فقال : «إي والله وهل الدّين إلاّ الحبّ ؟ قال الله : ( إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم )» (2).

فالاسم ـ تبعاً لما تقدم ـ ليس مجرد لفظ يُكتب بالمداد على شهادة الميلاد ، بل هو حق طبيعي للمولود ، يعيّن هويته ، وتتفتح نفسه الغضة على مضمونه البديع.. كما تتفتح براعم الزّهور في الربيع .

3 ـ حق التأديب والتعليم :

لاشك أن السنوات الاَُولى من عمر الطفل ، هي أهم مراحل حياته ، ومن هذا المنطلق يؤكد علماء التربية على ضرورة الاهتمام الزائد بالطفل ، وأهمية تأديبه بالآداب الحسنة .

قال سيد الموحدين ، الاِمام علي عليه السلام مبيّناً أهمية الاَدب وأرجحيته على غيره.. : «خير ما ورّث الآباءُ الاَبناءَ الاَدبَ» (3).

وقال عليه السلام : «إنّ الناس إلى صالح الاَدب ، أحوج منهم إلى الفضّة

____________

(1) فروع الكافي 6 : 21 | 3 باب الاسماء والكنى .

(2) بحار الانوار 104 : 130 . والآية من سورة آل عمران 3 : 31 .

(3) غرر الحكم .

________________________________________

( 85 )

 والذّهب» (1) .

وسلّط حفيده الاِمام الصادق عليه السلام أضواءً معرفية أقوى ، فكشف عن العلة الكامنة وراء تفضيل الاَدب على المال بقوله : «إنَّ خير ما ورّث الآباء لاَبنائهم الاَدب لا المال ، فإنّ المال يذهب والاَدب يبقى..» (2).

وينبغي الاِشارة إلى أن موضوع (أدب الاَطفال) قد احتل مساحةً واسعة من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، فنجد تأكيداً على المبادرة إلى تأديب الاَحداث قبل أن تقسو قلوبهم ويصلب عودهم ؛ لاَن الطفل كورقة بيضاء تقبل كل الخطوط والرُسوم التي تنتقش عليها ، يقول الاِمام علي لولده الحسن عليهما السلام : «إنما قلب الحدث كالاَرض الخالية ، ما أُلقي فيها من شيء قبلته ، فبادرتك بالاَدب قبل أن يقسو قلبك ، ويشتغل لبّك» (3).

وكان ذلك ديدن الاَئمة عليهم السلام ، فمع ما كانوا عليه من العصمة يولون لاَدب أولادهم عناية خاصة ، وكان أبوهم علي عليه السلام أديب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يتبعه اتّباع الفصيل لاَمه ، فأورث أدبه الراقي لاَولاده من بعده ، وكلاهما يضيء من مشكاةٍ واحدة هي مشكاة الوحي ، يقول صادق أهل البيت عليهم السلام : «أدّبني أبي بثلاث.. قال لي : يابنيَّ من يصحب صاحب السّوء لا يسلم ، ومن لا يقيّد ألفاظه يندم ، ومن يدخل مداخل السّوء يتّهم» (4).

 

____________

(1) غرر الحكم.

(2) روضة الكافي 8 : 207 / 133، والمراد بالأدب هنا : العلم ، صرح بهذا مسعدة بن صدقة راوي الحديث.

(3) بحار الانوار 77 : 201.

(4) بحار الانوار 78 : 261.

________________________________________

( 86 )

 

 

أدب الطفل في مدرسة أهل البيت عليهم السلام

يمكن إبراز الخطوط الاَساسية لمدرسة أهل البيت في بيان تأديب الطفل وتعليمه في النقاط التالية :

أ ـ لا تقتصر تربية الاَولاد على الاَبوين فحسب بل هي مسؤولية اجتماعية تقع أيضاً على عاتق جميع أفراد المجتمع . وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الاِمام الصادق عليه السلام : «أيّما ناشئ نشأ في قوم ثمّ لم يؤدّب على معصية ، فإنّ الله عزّ وجلّ أوّل ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم»(1).

فالاِمام عليه السلام يحدّد المسؤولية الجماعية عن الظواهر الاجتماعية السلبية ، ويكشف عن الترابط القائم بين التربية والتعليم ، وبين الوضع الاقتصادي ، فكل انحراف في التربية سوف يؤثر سلباً على الاقتصاد ، فللمعصية آثار تدميرية على المجتمع ، لذلك نجد القرآن الكريم ، ينقل دعوة النبي هود عليه السلام لقومه بالتوبة من المعصية والاستغفار كشرط أساسي لنزول المطر الذي حُبس عنهم ثلاث سنين : ( ويا قوم استغفروا ربّكم ثمَّ تُوبوا إليه يُرسل السماء عليكُم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوَّتكم ولا تتولَّوا مُجرمين ) (هود 11 : 52) .

فرؤية آل البيت عليهم السلام تنطوي على ضرورة تأديب أفراد المجتمع وخصوصاً

____________

(1) بحار الانوار 10 : 78 .

________________________________________

 ( 87 )

الاَحداث منهم على الطاعة ، وتميل إلى أن المسؤولية في ذلك لا تناط بالوالدين فحسب ، وإنّ كان دورهم أساسياً ، وإنّما تتسع دائرتها لتشمل الجميع ، فالسُنّة الاجتماعية بطبيعتها تنطبق على الجميع بدون استثناء .

ب ـ من الضروري مراعاة عمر الطفل ، فلكل عمر سياسة تربوية خاصة ، فمدرسة أهل البيت عليهم السلام سبقت المدارس التربوية المعاصرة بالاَخذ بمبدأ (التدرج) وهو مبدأ التزمت به المناهج التربوية المعاصرة ، بعد أنْ اثبتت التجارب العملية فائدته وجدواه ، ويمكن لنا أن نأتي بشواهد على ذلك ، ففيما يتعلق بالتربية الدينية ، يؤدب الطفل على الذكر لله إذا بلغ ثلاث سنين ، يقول الاِمام الباقر عليه السلام : «إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرّات : قل : لا إله إلاّ الله ، ثم يُترك..» (1). ثم نتدرج مع الطفل فنبدأ بتأديبه على الصلاة ، يقول الاِمام علي عليه السلام : «أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور ، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً» (2) ، بعد ذلك : «يؤدّب الصّبي على الصّوم ما بين خمسة عشر سنة إلى ستّ عشرة سنة» كما يقول الاِمام الصادق عليه السلام (3).

وفي أثناء هذه الفترات يمكن تأديب الطفل على أُمور أُخرى لا تستلزم بذل الجهد ، كأن نؤدبه على العطاء والاحسان إلى الآخرين ، ونزرع في وعيه حبّ المساكين ، وفي هذا الصَّدد يقول الاِمام الصادق عليه السلام : «مُر الصّبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشيء ، وإن قلّ ، فإنّ كلَّ شيء

____________

(1) بحار الأنوار 104 : 95 .

(2) تنبيه الخواطر : 390 .

(3) بحار الأنوار 102 : 162 .

________________________________________

 ( 88 )

  يراد به الله ـ وإن قلّ بعد أن تصدق النية فيه ـ عظيم..» (1).

وهنا يبدو من الاَهمية بمكان الاشارة إلى أن الاَئمة عليهم السلام يتبنون بصورة عامة تقسيماً (ثلاثياً) لحياة الطفل ، ففي كل مرحلة من المراحل الثلاث ، يحتاج الطفل لرعاية خاصة من قبل الاَبوين ، وأدب وتعليم خاص، استقرأنا ذلك من الاحاديث الواردة في هذا المجال ، وكشاهد على تبنيهم التقسيم الثلاثي ، نورد هذه الرّوايات الثلاث :

عن النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : «الولد سيّد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين ، فإن رضيت خلائقه لاحدى وعشرين سنة ، وإلاّ ضُرب على جنبيه ، فقد أعذرت إلى الله» (2).

وقد نسج الاِمام الصادق عليه السلام على هذا المنوال فقال : «دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبع سنين ، والزمه نفسك سبع سنين ، فإن أفلح ، وإلاّ فإنَّه لا خير فيه» (3)، فمن خلال هاتين الروايتين نجد تقسيماً ثلاثياً لمرحلة الطفولة ، كل مرحلة تستغرق سبع سنين ، فالمرحلة الاَُولى هي مرحلة لعب ، والثانية مرحلة أدب ، والثالثة مرحلة تبني مباشر للطفل وملازمته كظله .

وفي الرّواية الثالثة نجد انها تلتزم هذا التقسيم لكن مع اختلاف طفيف إذ تجعل مدّة المرحلة الاَُولى والثانية ست سنين وتُبقي المرحلة الثالثة على عددها أي سبع سنين : عن الحسن الطّبرسي في مكارم الاَخلاق نقلاً

____________

(1) الوسائل 6 : 261 | 1 باب 4 من أبواب الصدقة .

(2) الوسائل 15 : 195 | 7 باب 83 من أبواب أحكام الاولاد .

(3) بحار الأنوار 104 : 95 .

________________________________________ 

 ( 89 )

عن كتاب المحاسن عن الامام الصادق عليه السلام قال: «احمل صبيّك حتى يأتي عليه ستّ سنين ، ثمّ أدّبه في الكتاب ستّ سنين ، ثم ضمّه اليك سبع سنين فأدّبه بأدبك ، فإن قبل وصَلُح وإلاّ فخلّ عنه» (1).

جـ ـ ينبغي عدم الاِسراف في تدليل الطفل ، واتباع أُسلوب تربوي يعتمد على مبدأ الثواب والعقاب ، كما يحذّر أئمة أهل البيت عليهم السلام من الاَدب عند الغضب ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام «لا أدب مع غضب» (2) ، وذلك لاَن الغضب حالة تحرك العاطفة ولا ترشد العقل ، ولا تعطي العملية التربوية ثمارها المطلوبة بل تستحق هذه العملية ما تستحقه الاَمراض المزمنة من الصبر والاَناة وبراعة المعالجة . فالطفل يحتاج إلى استشارة عقلية متواصلة ؛ لكي يدرك عواقب أفعاله ، وهي لا تتحقق ـ عادة ـ عند الغضب الذي يحصل من فوران العاطفة وتأججها ، وبدون الاستشارة العقلية المتواصلة ، لا تحقق العملية أهدافها المرجوة ، فتكون كالطرق على الحديد وهو بارد .

وعند تمعننا المتأني في أحاديث أهل البيت عليهم السلام نجد أنّ هناك رخصة في اتباع أسلوب (الضرب) مع الصبي في المرحلة الثانية دون المرحلة الطفولة الأولى ، منها قول الاِمام علي عليه السلام : «أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصّلاة والطّهور ، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً» (3).

ولكن بالمقابل نجد أحاديث أُخرى تحذر من اتباع أسلوب الضرب ،

____________

(1) الوسائل 15 : 195 | 6 باب 83 من أبواب أحكام الاولاد .

(2) المعجم المفهرس لالفاظ غرر الحكم 2 : 74 | 10529 .

(3) تنبيه الخواطر : 390 .

________________________________________

 ( 90 )

منها قول بعضهم : شكوت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ابناً لي ، فقال : «لا تضربه ولا تطل» (1).

ويمكن الجمع بين الاَمرين ، بأنّ اسلوب الضرب ـ من حيث المبدأ ـ غير مجدٍ على المدى البعيد ، ولكن لابدَّ منه في حالات استثنائية مهمة ، وخاصة في ما يتعلق بأداء الفرائض الواجبة من صلاة وصيام ، والضرورة تقدر بقدرها لذلك نجد الاِمام علي عليه السلام يقول : «... فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً» ، وعليه يجب الابتعاد ـ ما أمكن ـ عن ضرب الاَطفال ؛ لانه ثبت تربوياً انه يُؤثر سلباً على شخصيتهم ولا يجدي نفعاً ، ولا مانع من اتباعه في حالات خاصة بقدر ، كالملح للطعام .

ولابدَّ من التنويه على ان مدرسة أهل البيت عليهم السلام تراعي طاقة الطفل ، فلا تكلفه فوق طاقته ، بما يشق عليه .

عن الحلبي ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : «إنا نأمر صبياننا بالصلاة ، إذا كانوا بني خمس سنين ، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين . ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل ، فاذا غلبهم العطش والغرث افطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم ، فاذا غلبهم العطش افطروا» (2).

 

____________

(1) بحار الأنوار 79 : 102 .

(2) فروع الكافي 3 : 409 | 1 باب صلاة الصبيان ومتى يؤخذون بها ، وأُنظر 4 : 125 | 1 باب صوم الصبيان ومتى يؤخذون بها من فروع الكافي أيضاً . والغرث : الجوع .

________________________________________

 ( 91 )

 وضمن هذا التوجه يستحسن ، تكليف الطفل بما يَقْدِرُ عليه ، كالقيام ببعض أعمال البيت ، مثل ترتيب الفراش ، وتنظيف الاَثاث ، والقاء الفضلات في أماكنها ، وتهيئة وتنسيق مائدة الطعام وأدواته ، والعناية بحديقة المنزل ، وما إلى ذلك من أعمال بسيطة تنمي روح العمل والمبادرة لدى الطفل ، وتعوده على الاعتماد على نفسه .

وهناك حق آخر للطفل مكمل لحقه في اكتساب الاَدب ألا وهو حقّ التعليم ، فالعلم كما الاَدب وراثة كريمة ، يحث أهل البيت عليهم السلام الآباء على توريثه لاَبنائهم . فالعلم كنز ثمين لا ينفذ . أما المال فمن الممكن ان يتلف أو يسرق ، وبالتالي فهو عرضة للضياع . ومن هذا المنطلق ، يقول الاِمام علي عليه السلام : «لا كنز أنفع من العلم» (1). ثم إنَّ العلم شرف يرفع بصاحبه إلى مقامات سامية ولو كان وضيع النسب ، يقول الاِمام علي عليه السلام : «العلم أشرف الاَحساب» (2).

فمن حق الولد على الوالد أنْ يسعى لاكتسابه هذا الشرف العظيم منذ نعومة أظفاره ، ومن حقه أيضاً على الاَب أن يُورِثه هذا الكنز المعنوي الذي لا يُقَدَّر بثمن ، والذي هو أصل كل خير . قال الشهيد الثاني رضي الله عنه في كتاب منية المريد : (اعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل العلم هو السبب الكلي لخلق هذا العالم العلوي والسفلي طرّاً ، وكفى بذلك جلالة وفخراً. قال الله في محكم الكتاب ، تذكرة وتبصرة لأولي الاَلباب : ( الله الذي خلق سبع سموات ومن الاَرض مثلهنَّ يتنزّل الاَمر بينهنَّ لتعلموا أن الله على كلِّ شيءٍ

____________

(1) بحار الأنوار 1 : 165 .

(2) بحار الأنوار 1 : 183 .

________________________________________

( 92 )

قدير وأن الله قد أحاط بكلِّ شيءٍ علماً ) (الطلاق 65 : 12) .

وكفى بهذه الآية دليلاً على شرف العلم ، لا سيّما علم التّوحيد الّذي هو أساس كلّ علم ومدار كلّ معرفة) (1).

ولما كان العلم بتلك الاَهمية ، يكتسب حق التعليم مكانته الجسيمة ، لذلك نجد أن الحكماء يحثون أولادهم على كسب العلم ، وفاءً بالحق الملقى على عواتقهم . يقول الاِمام الصادق عليه السلام : «كان فيما وعظ لقمان ابنه،

أنه قال له : يابنيّ اجعل في أيّامك ولياليك نصيباً لك في طلب العلم ، فإنك لن تجد تضييعاً مثل تركه» (2). كما نجد الاَئمة عليهم السلام ، يعطون هذا الحق ما يستحقه من عناية ، لا سيّما وأن الاِسلام يعتبر العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، وهذه الفريضة لا تنصبّ على الاَب والام فحسب بل تنسحب إلى أولادهما ، لذا نجد الاِمام علياً عليه السلام يؤكد على الآباء بقوله : «مروا أولادكم بطلب العلم» (3).

ولما كان العلم في الصِّغر كالنقش على الحجر ، يتوجب استغلال فترة الطفولة لكسب العلم أفضل استغلال ، وفق برامج علمية تتبع مبدأ الاَولوية ، أو تقديم الاَهم على المهم ، خصوصاً ونحن في زمن يشهد ثورة علمية ومعرفية هائلة ، وفي عصر هو عصر السرعة والتخصص . ولقد أعطى أهل البيت عليهم السلام لتعلم القرآن أولوية خاصة ، وكذلك تعلم مسائل الحلال والحرام ، ذلك العلم الذي يمكِّنه من أن يكون مسلماً يؤدي

____________

(1) مقدمة مُنية المريد .

(2) بحار الانوار 16 : 169 .

(3) كنز العمال 16 : 584 | 45953 .

________________________________________

 ( 93 )

 فرائض الله المطلوبة منه ، وللتدليل على ذلك ، نجد أن من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام : «.. أبتدأتك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الاِسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره»(1) .

وأيضاً نجد في هذا الصَّدد ما قاله أحدهم للاِمام الصّادق عليه السلام : (إنّ لي ابناً قد أُحبّ أن يسألك عن حلال وحرام ، لا يسألك عما لا يعنيه ، فقال عليه السلام : «وهل يسأل النّاس عن شيءٍ أفضل من الحلال والحرام» (2)؟! وزيادة على ضرورة تعليم الاطفال العلوم الدينية من قرآن وفقه ، تركز السُنّة النبوية المعطرة على أهمية تعلم الطفل لعلوم حياتية معينة كالكتابة والسباحة والرَّمي ، وسوف أورد بعض الروايات الواردة في هذا الخصوص .

منها : قول الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم : «من حق الولد على والده ثلاثة : يحسن اسمه ، ويعلّمه الكتابة ، ويزوّجه إذا بلغ» (3). إذن فتعليم الكتابة حق حياتي تنقشع من خلاله غيوم الجهل والاَميّة عن الطفل .

وفي حديث نبوي آخر، نلاحظ أنّ حق تعليم الكتابة يتصدر بقية الحقوق الحياتية للطفل ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : «حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة ، والسّباحة ، والرّماية ، وأن لا يرزقه إلاّ طيّباً» (4).

 

____________

(1) نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح ـ كتاب 31 .

(2) بحار الأنوار 1 : 294 .

(3) بحار الأنوار 74 : 80 .

(4) كنز العمال 16 : 443 | 45340 .

________________________________________ 

 ( 94 )

 

وهناك نقطة جوهرية كانت مثار اهتمام الاَئمة عليهم السلام وهي ضرورة تحصين عقول الناشئة من الاتجاهات والتيارات الفكرية المنحرفة من خلال تعليمهم علوم أهل البيت عليهم السلام واطلاعهم على أحاديثهم ، وما تتضمنه من بحر زاخر بالعلوم والمعارف . وحول هذه النقطة بالذات ، يقول الاِمام علي عليه السلام : «علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به لا تغلب عليهم المرجئة برأيها» (1)، وقال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم اليهم المرجئة» (2).

ومن المعلوم أن فكر المرجئة حينذاك يملي للظالمين ويمدّ لهم حبال الاَمل في النجاة ؛ لاَنه يرفض الثورة على الحاكم الظالم ، ويُرجئ حسابه إلى يوم القيامة ، ويعتبر الفاسق الذي يرتكب الكبائر مؤمناً ! لاَجل ذلك النشء اهتم الاَئمة عليهم السلام بتحصين فكر النشىء الجديد ضد التيارات الفكرية المنحرفة والوافدة ، من خلال الدعوة إلى تعليم الاَطفال الافكار الاِسلامية الاَصيلة التي تُستقى من منابع صافية .

4 ـ حق العدل والمساواة :

إنّ النظرة التمييزية للاَطفال ـ وخصوصاً بين الذكر والاَُنثى ـ تزرع بذور الشقاق بين الاَشقاء ، وتحفر الاَخاديد العميقة في مجرى العلاقة الاَخوية بينهما ، فالطفل ذو نفسية حساسة ، ومشاعره مرهفة ، فعندما يحسّ أنّ والده يهتم كثيراً بأخيه ، سوف يطفح صدره بالحقد عليه . وقد يحدث أن

____________

(1) الوسائل 21 : 578 | 5 باب 84 من أبواب أحكام الاَولاد .

(2) فروع الكافي 6 : 50 | 5 باب تأديب الولد ، وعنه في تهذيب الاحكام 8 : 111 | 381 ، والوسائل 21 : 476 ـ 477 | 1 باب 84 من أبواب أحكام الاَولاد .

________________________________________

( 95 )

  أحدَ الوالدين أو كليهما يحب أحد أولاده ، أو يعطف عليه ـ لسبب ما ـ أكثر من إخوته ، وهذا أمر طبيعي وغريزي ، ولكن إظهار ذلك أمام الاِخوة، وإيثار الوالدين للمحبوب بالاهتمام والهدايا أكثر من إخوته ، سوف يؤدي إلى تعميق مشاعر الحزن والاَسى لدى الآخرين ، ويفرز مستقبلاً عاقبةً قد تكون وخيمة . وعليه فالتزام العدالة والمساواة بين الاولاد يكون أشبه بمانعة الصواعق ، إذ تحيل العدالة والمساواة من حصول أدنى شرخ في العلاقة بين أفراد الاُسرة ، وإلاّ فسوف تكون عاملاً مشجعاً لانطلاق مشاعر الغيرة والحقد فيما بينهم .

وفي قصة يوسف عليه السلام درس في كيفية معاملة الاَبناء بالعدل والمساواة.. فهذا يوسف قريب من قلب والده يعقوب عليه السلام لاَنه توسّم فيه أَمارات النبوّة، لذا آثره على إخوته ، فأثار ذلك حفيظتهم وبغضاءهم ، وظهرت أمارة ذلك عليهم ، مما دفع يعقوب عليه السلام إلى تحذير يوسف عندما قصَّ عليه رؤياه وما تحمل من إرهاصات في رفعته وعلوّ شأنه ، بأنْ قال له : ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتِك فيكيدوا لك كيداً ) (يوسف 12 : 5) .

ويحث الاَئمة عليهم السلام على الاستفادة من هذا الدَّرس القرآني الذي لا يُنسى ، وقد وضعوه نصب أعينهم.. فعن مسعدة بن صدقة قال : قال جعفر ابن محمد عليه السلام : «قال والدي عليه السلام : والله إنّي لاَصانع بعض ولدي ، وأجلسه على فخذي ، وأُكثر له المحبّة ، وأكثر له الشّكر ، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي ، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره ، لئلا يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته..»(1).

 

____________

(1) تفسير العياشي 2 : 166 | 2 .

________________________________________ 

 ( 96 )

 وهناك عدة شواهد من السُنّة النبوية تعطي وصايا ذهبية للوالدين في هذا المجال ، وتكشف عن الحقوق المتبادلة بين الجانبين ، حيثُ يلزم الوالد من الحقوق لولده ، ما يلزم الولد من الحقوق لوالده ، يقول صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم ، كما أن لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك»(1) ، وأيضاً يقول صلى الله عليه وآله وسلم : «اعدلوا بين أولادكم في النُّحْلِ ـ أي العطاء ـ كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللّطف» (2).

فهنا نجد نظرة أرحب وأعمق للحق ، فكما أنَّ للاَب حق البِّر ، عليه بالمقابل حق العدالة ، فالحقوق يجب أن تكون متبادلة ، وكلٌّ يتوجب عليه الاِيفاء بالتزاماته ، ويمكن التدليل على عمق النظرة النبويّة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتّى في القُبَل» (3) صحيح أنّ القاعدة العامة في الاِسلام تجاه الاَبوين ، هي قاعدة الاِحسان ، لا قاعدة العدل ، فلا يسوغ للابن أن يقول : إن أبي لا يعطيني ، فأنا لا أُعطيه، أو إنّه لا يحترمني فلا احترمه ؛ ذلك إنّ الاَب هو السبب في منح الحياة للولد وهو أصله . ولكن الصحيح أيضاً هو أن يتبع الآباء مبدأ العدل والمساواة في تعاملهم مع ابنائهم ، ليس فقط في الاُمور المعنوية من اعطاء الحنان والعطف والتقبيل بل أيضاً في الاُمور المادية ، في العطيّة ، فقد وصّى النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم الآباء بقوله : «ساووا بين أولادكم في العطيّة ، فلو كنت مفضّلاً أحداً لفضّلت النّساء» (4).

 

____________

(1) كنز العمال 16 : 446 | 45358 ، وقريب منه ما قبله برقم 45357 .

(2) كنز العمال 16 : 444 | 45347 .

(3) كنز العمال 16 : 445 | 45350 .

(4) كنز العمال 16 : 444 | 45346 .

________________________________________ 
  ( 97 )

 

 5 ـ حقوق الاَولاد المالية :

لاشك أن على الوالدين واجباً مالياً تجاه أولادهما ، وهو وجوب الانفاق على معيشتهم ، وتوفير حوائجهم الحيويّة من طعام ولباس وسكن وما إلى ذلك ، والشريعة تعتبر الاقربين أولى بالمعروف ، والدينار الذي يُنفق على الاَهل أعظم أجراً من الذي ينفق في موارد خيرية أُخرى . كما أن الاَولاد يرثون من الوالدين ، فلا يُجوّز الشرع المقدس حرمان الاَولاد من نيل حقوقهم المفروضة لهم ـ كطبقة أُولى من طبقات الارث ـ إلاّ في موارد نادرة كالارتداد ، أو قتل الوالدين . وحول ميراث الاَولاد ، قال عزّ من قائل (يوصيكُمُ اللهُ في أولادكُم للذّكر مثلُ حظِّ الاَُنثيين...) (ولكم نصفُ ما تركَ أزواجُكُم إن لَّم يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فإن كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ممَّا تَرَكنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أو دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُم إن لَّم يَكُن لَّكُم وَلَدٌ فإن كانَ لَكُم وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُم مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أو دَينٍ..)(النساء4 : 11ـ12) .

ورب سائل يسأل ويقول : ذكرتم في الفقرة السابقة عن حق الاَولاد في العدالة والمساواة ، وعدم التفرقة بين الاولاد في العطاء ، فلماذا يعطي القرآن ياترى للذكر مثل حظ الانثيين ؟

لقد طُرح هذا السؤال قديماً على الاَئمة عليهم السلام وكان جوابهم واحداً.. (عن اسحاق بن محمّد النَّخَعي قال : سأل الفهفكي أبا محمد عليه السلام : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ، ويأخذ الرّجل سهمين ؟ فقال أبو محمد عليه السلام : «إن المرأة ليس عليها جهاد ، ولا نفقة ، ولا عليها معقُلة، إنما ذلك على الرّجال» . فقلت في نفسي قد كان قيل لي : إنّ ابن أبي

________________________________________  

( 98 )

 العوجاء سأل أبا عبدالله عليه السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب ، فأقبل أبو محمد عليه السلام عليَّ فقال : «نعم ، هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء ـ وكان زنديقاً ـ والجواب منّا واحد») (1).

وهناك تحليلات أُخرى للاَئمة عليهم السلام صفوة القول فيها : إنّ الرّجل يُعطي للمرأة الصَّداق ، وهو حق جعله الله تعالى لها وحدها ، زد على ذلك ، أنّ الرّجل هو المعيل للمرأة ، وليس عليها إعالته . وعليه فإن هذا الاختلاف بين الاَولاد الذكر والانثى في الميراث هو عين العدالة .

والقرآن يصرح بأنّ أولاد الاَنبياء قد ورثوا من آبائهم : ( وورث سليمان داوود ) (النمل 27 : 16) . حتى إن الاِمام علياً عليه السلام استشهد بهذه الآية المباركة على حق فاطمة الزهراء عليها السلام بوراثة أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً : «هذا كتاب الله ينطق» فسكتوا وانصرفوا (2)! وقد منع أبو بكر فاطمة إرث أبيها بدعوى ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة»، وهذا القول كما لا يخفى يخالف صريح القرآن ، وقد ولَّد صدمةً نفسية حادّة لبنت المصطفى ، لاِحساسها العميق بالغبن ، وعدم قدرتها على نيل حقوقها ، الاَمر الذي اسهم بقسط في وفاتها .

بقي علينا أنْ نشير إلى أنّ الاَنبياء والاَوصياء والصالحين ، قد الزموا أنفسهم بحق الوصية لابنائهم ، والقرآن الكريم قد نقل لنا وصية إبراهيم عليه السلام لبنيه : ( ووصّى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ يا بنيَّ إنَّ الله اصطفى لكُمُ الدّين فلا تموتُنَّ إلاّ وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضَر يعقوب الموتُ إذ قال لبنيه

____________

(1) بحار الأنوار 104 : 328 .

(2) كنز العمال 5 : 625 | 14101 ، عن طبقات ابن سعد .

________________________________________

 ( 99 )

 ما تعبدُونَ من بعدي قالوا نعبُدُ إلهك وإله آبائِكَ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحنُ له مسلمون)(البقرة 2 : 132 ـ 133) .

وتنقل لنا النصوص الاِسلامية وصية قديمة وقيّمة هي وصية آدم عليه السلام إلى ابنه شيت نقتبس منها : «.. إذا نفرت قلوبكم من شيء فاجتنبوه ، فإني حين دنوت من الشّجرة لاَتناول منها نفر قلبي ، فلو كنت امتنعت من الاَكل ، ما أصابني ما أصابني» (1).

وقد استخدم الاَئمة عليهم السلام الوصية أداة تنويرية ، وكأسلوب لايصال أفكارهم النيّرة ، وإرشاداتهم الخيّرة للاجيال التالية ، فمن خلال الوصية يُطلعون أبناءهم على ثوابتهم العقائدية ، وعلى خلاصة تجربتهم الحياتية.

إقرأ بتمعن هذه الفقرات المنتخبة من وصايا الاِمام علي عليه السلام لفلذة كبده الحسن عليه السلام وسوف تدرك ـ بلا شك ـ صفاء بصيرته ، وطهارة وجدانه ، وعمق إنسانيته : «أُوصيك بتقوى الله أي بنيّ ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله . وأيُّ سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به ! أحي قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت.. واعلم يا بنيَّ أنَّ أحبّ ما أنت آخذ به إليَّ من وصيتي ، تقوى الله ، والاقتصار على ما فرضه الله عليك ، والاَخذُ بما مضى عليه الاَوّلون من آبائك ، والصّالحون من أهل بيتك..» (2).

وأيضاً اقرأ هذا المقطع من وصيته عليه السلام لولده الحسين عليه السلام ، يضمّنه

____________

(1) بحار الأنوار 78 : 453 .

(2) نهج البلاغة ـ ضبط صبحي الصالح ـ كتاب 31 .

________________________________________ 

( 100 )

أسمى المعاني وأجمل المشاعر : «يا بنيَّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرّضا والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصّديق والعدوّ ، وبالعمل في النّشاط والكسل ، والرّضى عن الله في الشدّة والرّخاء..» (1).

وقد سلك بقية العترة الطاهرة هذا المسلك ، يوصي السابق منهم اللاحق ، ولا يتّسع المجال لذكر جميع وصاياهم عليهم السلام ، وفيما أوردناه كفاية لما أردناه .

وفي نهاية هذا المطلب ، يبدو من الضروري بمكان ، ان نلخّص ما توصلنا إليه من نقاط البحث بالقول : ان للولد على أبيه حقوقاً عديدة منها: ما يسبق ولادته ، كحقه في الوجود وحق اختيار والدته .

ومنها ما يُوجب له بعد ولادته : كحقه في الحياة ، فلا يجوز إطفاء شمعة حياته بالوأد والقتل ، وكحقه بانتحال الاسم الحَسِن ، وتعهده بالتأديب والتربية الصالحة ، وتعليمه العلوم والمعارف الضرورية والنافعة ، ومعاملة الاَولاد بالعدل والمساواة ، والاِنفاق عليهم بسخاء ، وعدم مصادرة حقوقهم المالية الواجبة ، وعدم البخل عليهم بالوصايا النافعة للدنيا والآخرة . وعلى هذا الصعيد لابدَّ من الاستشهاد في نهاية المطاف برسالة الحقوق للاِمام زين العابدين عليه السلام الذي استلهم بنودها من معدن الرسالة ومعين النبوة ، وما أروع الصورة البيانية التي يرسمها الاِمام السجاد عليه السلام لحقوق الاَولاد عندما يقول : «.. وحق ولدِكَ أن تعلم أنه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وانك مسؤول عما وليته به

____________

(1) تحف العقول 88 .

________________________________________  

 ( 101 )

  من حسن الاَدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ ، والمعونة على طاعته . فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاِحسان إليه ، معاقب على الاِساءة إليه» (1).

 

____________

(1) شرح رسالة الحقوق حسن القبانجي1 : 581 .

 

________________________________________

( 102 )