دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

الحقوق الإجتماعية في الإسلام » الفصل الاول

الـفـصـل الاَول

 

 

الـفـصـل الاَول

 

الحقوق العامة

 

 

المبحث الاَول

أنواع الحقوق العامة

 

هناك مجموعة من الحقوق العامة تتعلق بحقّ الفرد كإنسان يؤكد الاِسلام على مراعاتها ، ما لم تتصادم بحق أو حقوق أُخرى ، وهي على أنواع ، نذكر أهمها ، وهي :

أولاً : حق الحياة :

وهو من أكثر الحقوق طبيعيّة وأولويّة ، قال تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً ) (النساء 4 : 29) ، وقال تعالى : ( من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الاَرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً ) (المائدة 5 : 32) .

والاِسلام يراعي حق الحياة منذ بدء ظهور النطفة وهي مادة الخلقة ، فلا يبيح الشرع المقدس قتلها ، ومن فعل ذلك ترتب عليه جزاء مادي.. فعن اسحاق بن عمّار ، قال : قلت لاَبي الحسن عليه السلام : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدّواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : «لا» ، فقلت : إنَّما هو نطفة ! فقال: «إن أوَّل ما يُخلق نطفة» (1).

 

____________

(1) من لا يحضره الفقيه 4 : 126 | 445 ، وعنه في الوسائل 29 : 25 | 1 باب 7 من أبواب القصاص في النفس .

________________________________________

( 16 )

وعليه ، فقد احتل هذا الحق مكانةً مهمة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، يبدو ذلك جلياً لمن يطّلع على الروايات الواردة في باب القصاص في المجاميع الحديثية، وسوف يجد نظرة أرحب وأعمق لهذا الحق ، معتبرةً أن كل تسبيب أو مباشرة في قتل نطفة ، أو إزهاق نفس محترمة ، أو إراقة الدِّماء ، يعد انتهاكاً لحق الاِنسان في الحياة ، ويستلزم ذلك عقوبة في الدنيا وعاقبة وخيمة يوم الجزاء .

ومن الشواهد النقلية الدالة على حرمة التسبيب في ذلك ، ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنَّ الرَّجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم ، فيقول : والله ما قتلت ولا شركت في دم ، فيقال : بلى ذكرت عبدي فلاناً ، فترقى ذلك (1)حتى قُتل ، فأصابك من دمه» (2). كما وردت روايات في حرمة الانتحار مفادها : ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلاّ أنّه لا يقتل نفسه . ومن يقتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها .

وفي هذا الاطار هناك من أُصيب بقصر النظر ، أو بعمى في البصيرة ، يطعن ويشكك في التزام شيعة أهل البيت عليهم السلام بمبدأ التقية ، ويجهل أو يتجاهل الحكمة العميقة من وراء تبني هذا المبدأ والمتمثلة اساساً في الحيلولة دون إراقة الدِّماء . يقول المحقق الحلي : اذا اكرهه على القتل ، فالقصاص على المباشر دون الآخر . وفي رواية علي بن رئاب ، يحبس

____________

(1) فترقى ذلك : أي : رفع ، والحديث ناظر إلى وجوب كتمان السّر عند احتمال الضرر في افشائه .

(2) وسائل الشيعة 29 : 17 | 1 باب 2 من أبواب القصاص في النفس .

________________________________________

( 17 )

 

الآمر بقتله حتى يموت ، هذا اذا كان المقهور بالغاً عاقلاً (1).

فللتقية حدود وشروط يجب ان تقف عندها ، وخصوصاً إذا وصل الاَمر إلى حد يعرّض حياة الآخرين إلى الخطر . وفي الحديث : «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدمُ ، فاذا بلغ الدَّم فليس تقية» (2).

ثانياً : حق الكرامة :

إهتم الاِسلام ـ أيضاً ـ بحق آخر لا يقلُ أهمية عن حق الحياة ألا وهو حق الكرامة .

ويراد بالكرامة : امتلاك الاِنسان بما هو إنسان للشرف والعزّة والتوقير . فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته ، فالاِنسان مخلوق مُكرَّم ، قد فضله الله تعالى على كثير من خلقه.. ( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً)(الاِسراء 17: 70) ، وهي كرامة طبيعية متّع الله تعالى كل أفراد الاِنسان بها . وهناك كرامة إلـهية تختص بمن اتقى الله تعالى حق تقاته : (يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ً) (الحجرات 49 : 13) .

وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام يراعون كرامة الناس من أن تمس ، حتى انهم طلبوا من أرباب الحوائج أن يكتبوا حوائجهم حرصاً على صون ماء وجوههم . وهناك رواية نبوية تتحدث عن كرامة الاِنسان التي لا يجوز

____________

(1) شرائع الاِسلام ـ كتاب القصاص 4 : 975 ، طبع دار الهدى ـ قم المقدسة ط 3 .

(2) الكافي 2 : 228 | 16 باب التقية .

________________________________________

( 18 )

 

المساس بها عن طريق سَّبّه أو تقبيح وجهه ، وما إلى ذلك . ولكن هذه الرواية حُرّفت بحذف أولها ، فتغيرت دلالتها إلى ما فيه التجسيم لله تعالى، وان كان ظاهرها يتضمن معاني التكريم للاِنسان .

لقد سعى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى قشع العتمة التي تُخيم على عقول بعض الناس وواجه السذاجة الفكرية وفضح التحريف الذي يحصل في المنابع المعرفية .

ينقل المحدّث القمي : عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرِّضا عليه السلام : يا بن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ! فقال : «قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لاَخيك ، فانَّ الله عزَّ وجلّ خلق آدم على صورته» (1).

ولعلّ من هذا الباب نهي الاِمام علي عليه السلام عن أن يسيء ذووه معاملة قاتله ابن ملجم ، أو يمثل به بعد اجراء حكم الله فيه ، بقوله : «.. ولا يُمثّلَ بالرَّجل ، فانِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إيَّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور» (2) .

ثالثاً : حق التعليم :

إنَّ العلم حياة للنفس الاِنسانية ، وحرمانها منه يعني انتقاص وامتهان

____________

(1) سفينة البحار 2 : 55 ـ دار المرتضى ـ بيروت .

(2) نهج البلاغة ـ شرح الشيخ محمد عبده ـ : 594 . دار التعارف للمطبوعات طبعة 1402 هـ .

________________________________________

( 19 )

كرامتها . ومما يؤكد حق التعلم والتعليم في الاِسلام مافعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسرى بدر ، إذ جعل فدية الاَسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين .

وقد أشار الاِمام علي عليه السلام إلى حق التعلم والتعليم في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( وإذ أخذَ اللهُ ميثاق الذينَ أُوتوا الكِتابَ لتُبينُنَّهُ للنَّاس ولا تكتُمونَهُ فنبذوهُ وراءَ ظُهورهم ...) (آل عمران 3 : 187) .

فقال : «ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم ، حتّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهّال» (1).

وقال الاِمام الصادق عليه السلام في هذا الصَّدد : «إن العالم الكاتم علمه يُبْعَث أنتن أهل القيامة ريحاً ، تلعنه كلّ دابّة حتى دوابّ الاَرض الصغار» (2).

مما تقدم ، يمكن القول ان الاَئمة عليهم السلام يرفضون مبدئياً احتكار العلم، ويؤكدون ضرورة بذله لطالبيه . أما في وقتنا الحاضر فتقوم دول ومؤسسات تدّعي التحضر باحتكار العلم وحجبه عن الآخرين أو المتاجرة ببيعه بأغلى الاثمان أو استخدامه كسلاح سياسي لتحقيق مآرب خاصة . والحال ان العلم هبة إلهية ونعمة شرَّف الله تعالى بها الاِنسان على باقي المخلوقات ، وقد أوجب الله تعالى على العلم زكاة ، وزكاته نشره . وقد بين الاِمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق ، حق المتعلم على المعلّم بقوله :

«أمّا حق رعيّتك بالعلم ، فأنْ تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم

____________

(1) بحار الانوار 2 : 23 ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ط3 .

(2) بحار الانوار 2 : 72 .

________________________________________

( 20 )

 

فيما آتاك الله من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم النّاس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت النّاس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم ، كان حقّاً على الله عزّ وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك» (1).

وبالمقابل حدّد حق المعلّم على المتعلم بقوله : «حق سائسك بالعلم التّعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والاِقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يُجيب ، ولا تُحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس» (2).

رابعاً : حق التفكير والتعبير :

لا يخفى بأنّ الاِسلام جعل التفكير فريضة إسلامية . ومن يتدبر القرآن الكريم ، يجد آيات قد بلغت العشرات ، تأمر بالتفكر والتعقل في الانفُس والآفاق ، فلم يضع الاِسلام القيود أمام حركة الفكر السليم الذي ينشد الحقيقة ، ويُثير الشك كمقدمة للوصول إلى اليقين . وقد أطلق النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم الفكر من عقال الجاهلية وجعله يتجاوز المحسوس بانطلاقه إلى عوالم الغيب إلى مال لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر .

ولقد آمنت مدرسة أهل البيت عليهم السلام بحرية التفكير والتعبير ؛ لغرض

____________

(1) بحار الانوار 2 : 62 .

(2) شرح رسالة الحقوق ـ حسن السيد علي القبانچي 1 : 409 ـ مؤسسة اسماعيليان ط2 .

________________________________________

( 21 )

الوصول إلى الحق والحقيقة ، حيث عقدوا المناظرات مع الخصوم ، وشكّلوا الحلقات التي برّزت آراءهم في شتى المجالات . فعلى سبيل المثال قام الاِمامان الباقر والصادق عليهما السلام ، بدور فكري بارز في النصف الاَول من القرن الثاني الهجري ، وكانت فترة استقرار نسبي وانفتاح ثقافي ، فعقدوا المناظرات مع العلمانيين من ملاحدة وزنادقة وكذلك مع علماء المذاهب الاِسلامية .

ولعل من أجلى الشواهد على إيمان الاَئمة عليهم السلام بحق التفكير والتعبير ، هو مناظراتهم مع الخوارج الذين كانوا من أشد الفرق عداءاً للاِمام علي عليه السلام وأهل بيته الاَطهار ، وقد شكّل الخوارج تياراً فكرياً وسياسياً معارضاً . فقد حاججهم الاِمام علي عليه السلام بنفسه قبل معركة النهروان عندما أطلقوا مقولتهم المعروفة: (لا حكم إلا لله) ، فقد أقرَّ الاِمام علي عليه السلام بأنها كلمة حق ولكن أريد منها الباطل وطمس الحقيقة المتمثلة بأن علياً عليه السلام إمام حق . ولقد منحهم الاِمام حرية التعبير عمّا في ضمائرهم ما لم يؤدِ ذلك إلى إراقة الدماء ، وحينئذ يسقطون حقهم الطبيعي بالتعبير لاحتكامهم إلى السيف والعنف .

والملاحظ ان الاَئمة عليهم السلام واجهوا خصومهم باسلوب الحوار العقلاني ، وتكلموا معهم بالتي هي أحسن ، ولكن خصومهم كانوا يستعملون اسلوباً يغلب عليه طابع التحدي . ينقل المؤرخ محمد بن جرير الطبري (ت|310 هـ) : (إنّ عليّاً لما دخل الكوفة دخلها ومعه كثير من الخوارج ، وتخلّف منهم بالنّخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوها ، فدخل حرقوص ابن زهير السّعدي وزرعة ابن البرج الطائي ـ وهما من رؤوس الخوارج ـ على عليّ عليه السلام ، فقال له حرقوص : تُب من خطيئتك ، واخرج بنا إلى

________________________________________

( 22 )

 

معاوية نجاهده ، فقال له عليّ عليه السلام : «إني كنت نهيتكم عن الحكومة فأبيتم ، ثم الآن تجعلونها ذنباً»!

فقال زرعة : أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرّجال لاَقتلنّك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه !! فقال له عليّ عليه السلام : «بؤساً لك ما أشقاك ! كأنّي بك قتيلاً تسفي عليك الرّياح» ! قال زرعة : وددت أنّه كان ذلك (1).

وبعد ذلك اغلق الخوارج باب الحوار فقتلوا (عبدالله بن خبّاب) وكان يحمل مصحفاً في عنقه ! . وعندئذٍ اضطُر الاِمام علي عليه السلام إلى استخدام القوة معهم ، لمروقهم عن الحق .

خامساً : حق التمتع بالاَمن :

لكلِّ إنسان سوي حق طبيعي في التمتع بالاَمن ، فلا يجوز لاَي كان تعكير صفو حياته ، وجعله أسير الحزن والاَسى من خلال التهديد والوعيد بالاعتداء على حياته أو عرضه أو ماله .

ويتأكد حق الاَمان إذا أمّن الاِنسان إنساناً آخر بموجب ميثاق أو عهد ، وقد أوجب القرآن الكريم على المسلمين احترام مواثيق الاَمان حتى مع الكافرين كما في قوله تعالى : (... فإن تولّوا فخُذُوهم واقتُلُوهُم حيثُ وجدتُّموهُم ولا تَتَّخذُوا مِنُهم وليّاً ولا نصيراً * إلاَّ الَّذينَ يصلُونَ إلى قوم بينكُمْ وبينَهُم ميثاقٌ..)(النساء 4 : 89 ـ 90) .

والنبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى رعاية هذا الحق الاِنساني العام وقال في

____________

(1) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 2 : 268 ـ دار احياء التراث العربي ط2 .

________________________________________

( 23 )

هذا السياق : «من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنَّة ، وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً» (1).

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : «.. المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم ، يسعى بذّمتهم أدناهم ، وهم يدٌ على سواهم»(2).

وقد سُئل الاِمام الصادق عليه السلام عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «يسعى بذّمتهم أدناهم» فقال : «لو أن جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين ، فأشرف رجلٌ منهم ، فقال : أعطوني الاَمان حتى ألقى صاحبكم أناظره ، فأعطاه أدناهم الاَمان ، وجب على أفضلهم الوفاء به» (3).

وقد أكد الاِمام علي عليه السلام هذا التوجه النبوي ، وضمنه عهده المعروف لمالك الاَشتر ، وجاء فيه : «.. وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة ، أو ألبسته منك ذِمَّة ، فَحُطْ عَهدَكَ بالوفاءِ ، وارع ذِمَّتكَ بالاَمانةِ..» (4).

إنّ الاِسلام وفّر ـ في الواقع ـ الاَمان في مجتمعه وهيأ فيه أجواء الاطمئنان للمعاهدين ، وأوجب الوفاء بعهدهم إلى المدّة المتفق عليها والقابلة للتمديد ، كما وفّره أيضاً للذميين المقيمين في ظل الحكومة الاسلامية من أهل الكتاب ، ولم يُجز التجاوز عليهم بكلمة سوء ، أو بغصب مالٍ ، أو إزهاق نفس ، ومن فعل ذلك فقد ضيّع ذمَّة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

 

____________

(1) كنز العمال : ح1914 .

(2) بحار الانوار 100 : 46 ـ 47 .

(3) ميزان الحكمة 1 : 354 .

(4) بحار الانوار 100 : 47 .

________________________________________

( 24 )

 

سادساً : حق الاعتقاد :

ونقصد من ذلك : إنّ الاِسلام لا يجبر أحداً على اعتناقه ، فلا توجد في القرآن الكريم آية ولا في السُنّة النبوية روايةً تدل على جواز حمل أصحاب الاديان الاَُخرى على تركها والدخول في دين الاِسلام بالجبر والقهر ، وفرض العقيدة الحقّة بالقوة ، بل انّ قوله تعالى ( لا إكراه في الدِّين قد تَّبيَّن الرُّشْدُ من الغَيّ..) (البقرة 2 : 256) ، دليل واضح على المنع من ذلك .

ومن هنا يظهر وهن الشبهة الغربية القائلة : إن الاِسلام دين انتشر بالسيف !!

كيف ، ولم يجبر المسلمون أحداً من أهل الكتاب على اعتناق عقيدتهم ؟ والقرآن يدعو المسلمين إلى محاورتهم بالتي هي أحسن .

لقد سلك الاَئمة الاطهار عليهم السلام هذا المسلك وفتحوا حواراً مع الزنادقة والملحدين وأهل الكتاب ، ودافعوا عن العقيدة وأصول الاِسلام بالحجة الدامغة والمنطق الرَّصين ، وكشاهد تاريخي على ذلك : احتجاج الاِمام محمد الباقر عليه السلام على عبدالله بن معمر الليثي في المتعة ، فقد ورد في كشف الغمة عن الآبي في كتاب نثر الدرر : ان الليثي قال لاَبي جعفر عليه السلام : بلغني انك تفتي في المتعة ؟ فقال عليه السلام : «أحلّها الله في كتابه ، وسنّها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعمل بها أصحابه» . فقال عبدالله الليثي : فقد نهى عنها عمر ، قال عليه السلام : «فأنت على قول صاحبك ، وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » ، قال عبدالله : فيسرك ان نساءك فعلن ذلك ؟ قال أبو جعفر عليه السلام «وما ذكر النساء

________________________________________

( 25 )

 

يا أنوك (1)؟ إن الذي أحلّها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفاً ، بل ويسرك ان بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحاً» ؟ ، قال الليثي : لا ، قال عليه السلام «فلمَ تحرّم ما أحلّ الله» ؟! قال : لا أحرم، ولكن الحائك ما هو لي بكفو . قال عليه السلام «فإنَّ الله ارتضى عمله ، ورغب فيه ، وزوجه حوراً ، أفترغب عمن رغب الله فيه ، وتستنكف ممن هو كفو لحور العين كبراً وعتواً» ؟ فضحك عبدالله ، وقال : ما أحسب صدوركم إلاّ منابت أشجار العلم ، فصار لكم ثمره وللناس ورقه (2).

سابعاً : حق المساواة وحق التمتع بالعدل :

لقد أعلن القرآن الكريم ان الناس متساوون جميعاً في أصل الخلقة ، قال تعالى : ( يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقناكُم من ذكرٍ وأُنثى وجعلناكُم شُعُوباً وقبائلَ لتعارفوا إنَّ أكرمكُم عند الله أتقاكُم..) (الحجرات 49 : 13) فقضى بذلك على عبودية البشر للبشر ، واعتبرهم جميعاً مخلوقات لله تعالى ، وبذلك وضع صمّام الاَمان على كل نزعةٍ نحو الطغيان على أساس العرق أو اللّون أو اللِّسان . وأوجد شعوراً بالمساواة بين الحاكم والمحكوم ، والغني والفقير ، وبين القوي والضعيف ، وأصبح مقياس الكرامة والفضل : التقوى والعمل الصالح .

إنّ الاعتقاد بمساواة البشر شرط لابدَّ منه لقيام العدل الذي جعله القرآن الكريم غاية النبوات ، قال تعالى : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (الحديد 57 : 25) ، وكيف

____________

(1) الاَنوك : الاَحمق .

(2) كشف الغمة ، للإربلّي

________________________________________

( 26 )

يقام العدل بين الجماعات إذا كانوا يعتقدون أنهم طبقات متمايزة أو أُسر متفاضلة ؟ وقد مرَّ أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أول من أعلن مبدأ المساواة في حجة الوداع ، وكان يساوي بين المسلمين في العطاء .

ولقد سار الاِمام علي عليه السلام ـ عندما استلم دفة الخلافة ـ على خطى المنهج النبوي ، فساوى بين الناس في التعامل وفي العطاء ، وكان يأخذ كأحدهم ، وقصته مع أخيه عقيل مشهورة حين طلب منه زيادة في عطائه، فقال له : «إصبر حتى يخرج عطائي» فلم يقبل ، فأبى أن يعطيه أكثر من عطائه . وبلغ من تمسكه بهذا الحق حدّاً ، بحيث أنه وجد في مال جاءه من اصفهان رغيفاً فقسمه سبعة أجزاء كما قسم بيت المال ، وجعل على كل جزء جزاً(1) .

 

____________

(1) راجع : كتاب في رحاب أئمة أهل البيت ، السيد محسن الامين 1 : 26 ـ 73 ، دار التعارف للمطبوعات ـ طبعة عام 1400 هـ .

________________________________________

( 27 )

 

 

المبحث الثاني

الحقوق الاجتماعية ذات الصبغة القانونية

 

وضع الاِسلام في دائرة اهتماماته حقوق الضعفاء من الناس الذين لا يمتلكون حولاً ولا قوة :

كاليتيم الذي لم يبلغ الحلم ، وفقد والديه ، أو أحدهما .

والاَسير الذي وقع في الاَسر وليس له من الاَمر شيء ، فيكون تحت رحمة آسريه .

والفقير الذي لا يملك قوت سنته .

والمسكين الذي أسكنه الفقر والفاقة . كلّ هؤلاء وضعهم الاِسلام في دائرة اهتمامه وأوجب رعاية حقوقهم .

لقد وجه القرآن الكريم سهام نقده للمجتمع الجاهلي ؛ لاستضعافه اليتيم وعدم إكرامه ، والاعتداء على أمواله ، قال تعالى : (... كلا بل لا تُكرمون اليتيم ) (الفجر 89 : 17) ، وفي آية أُخرى نجد الوعيد الشديد للذين يعتدون على أموال اليتامى ظلماً وعدواناً ، قال تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنَّما يأكُلون في بُطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ) (النساء 4 : 10) .

________________________________________

( 28 )

ومما لاشك فيه ان عدم العناية بالايتام سوف يولّد في نفوسهم عُقداً قد تترك آثاراً تدميرية على المجتمع، ولاَجل ذلك نجد اهتمام الاِمام علي عليه السلام قد انصبَّ على الاَيتام ، بحيث ضمّن وصيته قبل الموت فقرةً يقول فيها : «الله الله في الاَيتام فلا تغبّو أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من عال يتيماً حتّى يستغني أوجب الله عزّ وجل له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار» (1). فعن عبيد بن زرارة ، قال : سألتُ أبا عبدالله عليه السلام عن الكبائر ، فقال : «منها أكل مال اليتيم ظلماً» (2) .

ومن جانب آخر أوجب الاِسلام للاَسير حقوقاً كالاِطعام والاِحسان اليه، وان كان يراد من الغد قتله . وأنَّ علياً عليه السلام كان يطعم من خُلِّد في السّجن من بيت مال المسلمين (3). ولما ضربه اللَّعين ابن ملجم المرادي، أوصى الحسن والحسين عليهما السلام : ان يطعموه ويسقوه ويُحسنوا إساره (4).

وتجدر الاشارة إلى أنَّ الآية الكريمة : ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً..) (الاِنسان 76 : 8) . قد نزلت في حقّ أهل البيت عليهم السلام : كان عند فاطمة عليها السلام شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم ، جاء مسكين ، فقال المسكين: رحمكم الله ، فقام علي عليه السلام فأعطاه ثلثاً ، فلم يلبث أن جاء يتيم ، فقال اليتيم : رحمكم الله ، فقام علي عليه السلام فأعطاه الثلث،

____________

(1) فروع الكافي 7 : 51 ـ دارالتعارف للمطبوعات ط3 .

(2) بحار الانوار 75 : 10 .

(3) وسائل الشيعة 11 : 69 | 2 باب 32 من أبواب جهاد العدو .

(4) مستدرك الوسائل 2 : 257 .

________________________________________

( 29 )

ثم جاء أسير ، فقال الاسير: رحمكم الله ، فأعطاه علي عليه السلام الثلث وما ذاقوها ، فأنزل الله تعالى الآية (1).

وتذهب مدرسة أهل البيت بعيداً في رعاية حقوق الضعفاء ، فزيادة على توصياتها بضرورة إعطائهم الحقوق المالية التي منحها الله تعالى لهم ، تدعو إلى الاَخذ بنظر الاعتبار حقوقهم المعنوية ، كحقّهم في الاحترام والتوقير ، ولا يخفى ان تحقير الفقير والاَسير وكذلك اليتيم سوف يشعرهم بالدّونية ، يولّد في أعماق نفوسهم مشاعر الحزن والاَسى ، ويدفعهم ذلك إلى الانتقام آجلاً أو عاجلاً .

وإدراكاً من الاَئمة عليهم السلام للعواقب المترتبة على الاِساءة إلى كرامة الضعفاء ، جهدوا على استئصال كل ما من شأنه المس بكرامتهم ، واستعملوا الوازع الديني كوسيلة أساسية ، من خلال التذكير بسخط الله تعالى وغضبه على كل من انتقص من الضعيف وطعن في كرامته ، قال أمير المؤمنين عليه السلام موصياً : «لا تحقّروا ضعفاء إخوانكم ،فإنه من احتقر مؤمناً لم يجمع الله عزّ وجل بينهما في الجنّة إلاّ أن يتوب» (2)، وقال الاِمام الصادق عليه السلام : «من حقّر مؤمناً مسكيناً ، لم يزل الله حاقراً ماقتاً عليه حتى يرجع عن محقرته إيّاه»(3)، وقال عليه السلام : «من لقي فقيراً مُسلماً فسلَّم عليه خلاف سلامه على الغنيّ ، لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة وهو عليه غضبان»(4) .

 

____________

(1) تفسير نور الثقلين 5 : 470 ، أُنظر مجمع البيان 10 : 514 دار احياء التراث العربي ـ بيروت .

(2) بحار الانوار 72 : 42 .

(3) بحار الاَنوار 72 : 52 .

(4) بحار الانوار 72 : 38 .

________________________________________

( 30 )

 

 

المبحث الثالث

الحقوق الاجتماعية ذات الصبغة الاَخلاقية

 

أولاً : حق المعلِّم أو الاستاذ :

أوجب الاِسلام لمن يعلِّم الناس حقاً عظيماً يتناسب مع عظمة العلم والمعرفة ، وقد نقل لنا القرآن الكريم رغبة موسى عليه السلام ـ وهو من أولي العزم ـ في طلب العلم ، وكيف صَمّمَ على بلوغ هذا الهدف السامي مهما كانت العوائق ومهما بعد المكان وطال الزمان ، عندما قال : (.. لآ أبرَحُ حتى أبلُغَ مجمعَ البحرينِ أو أمضِيَ حُقُباً ) (الكهف 18 : 60) ، ولما وجد العبد الصالح وضع نفسه موضع المتعلم ، وأعطى لاستاذه حق قيادته وإرشاده ، قائلاً له : ( هل أتَّبِعُكَ على أن تُعلّمنِ ممَّا عُلّمت رُشداً ) (الكهف 18 : 66) ، فإذا نَبهه إلى أمر تنبّه ، وإذا انكشف له الخطأ سارع إلى الاعتذار من استاذه ووعده بالطاعة ، وأعطى بذلك درساً بليغاً في أدب المتعلم مع المعلّم .

وكان النبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بانه بُعث معلّماً ، ودعا في أحاديث عديدة إلى مراعاة حق العلم والمعلِّم . وتناولت مدرسة أهل البيت عليهم السلام

________________________________________

( 31 )

حقوق المعلم والمتعلم معاً بشيء من التفصيل وحثت على إكرام المعلم وتبجيله ، لكونه مربّي الاَجيال .

تمعّن في هذه السطور التي سطرها يراع زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق ، بعبارات تحمل معاني التقدير والعرفان بالجميل ، فيقول : «حق سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والاقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس»(1).

وانطلاقاً من حرص الاِسلام الدائم على انسياب حركة العلم ، وعدم وضع العقبات أمام تقدمه وانتشاره ، طلب من المعلم أن يضع نصب عينه حقوق المتعلّم ، فيسعى إلى ترصين علمه ، واختيار أفضل السُّبل لاِيصال مادته العلمية ، ولا يُنفّر تلاميذه بسوء عشرته .

ومن المعلوم أن الاَئمة عليهم السلام قد اضطلعوا بوظيفة التربية والتعليم واعطوا القدوة الحسنة في هذا المجال ، وخلّفوا تراثاً علمياً يمثل هدىً ونوراً للاجيال . فمن حيث الكفاءة العلمية فهم أهل بيت العصمة ، ومعادن العلم والحكمة ، ومن حيث التعامل الاَخلاقي فهم في القمّة ، بدليل أنّ الطلاّب يقصدونهم من كلِّ حدب وصوب ، ويسكنون لهم كما يسكن الطير إلى عشّه . وكان الاِمام الصادق عليه السلام يشكّل الاُنموذج للمعلم

____________

(1) بحار الانوار 2 : 42 .

________________________________________

( 32 )

 

الناجح الذي يقدّر العلم حقّ قدره ، وقد جمع إلى علميته الفذّة أخلاقية عالية . قال الحسن بن زياد : سمعتُ أبا حنيفة وقد سُئل عن أفقه من رأيت، قال : جعفر بن محمد . وقال ابن ابي ليلى : ما كنتُ تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد إلاّ رجلاً واحداً هو جعفر بن محمد (1). وقال فيه مالك بن أنس ـ أحد أئمة المذاهب الاربعة ـ : كنت أرى جعفر بن محمد . وكان كثير الدعابة والتبسم . فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخضرَّ واصفرَّ.. (2) ، وقال مالك أيضاً: ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وورعاً.. (3). ثم أشاد بزهده وفضله . وعلى الرغم من كونه يمتاز بشخصية محببة كانت له هيبة وجلالة في قلوب الناس .

روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنّه من سلالة النبيين (4).

ثانياً : حق الاَخ :

الاِسلام دين التآخي والتآلف ، يُقدم المثل الصالح في نسج علاقات تقوم على الاُخوّة الصادقة . ويعتبر المقياس الصحيح للاُخوّة هو ذاك المستند إلى الحقوق المتقابلة . فكل إخلال بها سوف ينعكس سلبا على رابطة الإخاء ويحقق علاقة غير سليمة بين الطرفين ، بل مشحونة بروح العداء وتؤدي إلى القطيعة والجفاء . وضرب لنا الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم المثل

____________

(1) في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 43 .

(2) الاِمام جعفر الصادق ، المستشار عبدالحليم الجندي : 159 ، طبع القاهرة 1977 م ـ 1397 هـ.

(3) في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31 .

(4) في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31 .

________________________________________

( 33 )

الاعلى في مراعاة حقّ الاِخوان ، كان إذا فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده (1). ولاَخيه الاِمام علي عليه السلام توصية ذهبية في هذا المجال ، يقول فيها عليه السلام : «لا تُضيّعنّ حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينَهُ ، فإنَّهُ ليسَ لك بأخٍ مَنْ أضعت حقَّهُ» (2). وللاَخ أيضاً حق الاِكرام ، فمن أكرمه حصل على رضا الله تعالى ، وينبغي قضاء حاجته وعدم تكليفه الطلب عند معرفتها ، ويتوجب المسارعة إلى قضائها . فقضاء حقوق الاِخوان أشرف أعمال المتقين .

وبلغ السمو السلوكي لاَهل العصمة ، في تقدير حق الاَخوّة ، درجة بحيث أن الاِمام الباقر عليه السلام سأل يوماً أحد أصحابه ـ سعيد بن الحسن ـ قائلاً: «أيجيء أحدكم إلى أخيه ، فيدخل يده في كيسه ، فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟» فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «فلا شيء إذاً» ، قلت : فالهلاك إذاً ، فقال : «إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد» (3).

وقدم لنا أهل بيت العصمة مقاييس معنوية نحدد من خلالها مدى تعظيم الاشخاص لدين الله تعالى ، ومدى قربهم وبعدهم عنه ، ومن هذه المقاييس حق الاخوان ، قال الاِمام الصادق عليه السلام : «من عظّم دين الله عظّم حق إخوانه ، ومن استخفَّ بدينه استخفَّ بإخوانه» (4)، وعن الاِمام العسكري عليه السلام : «وأعرف النّاس بحقوق إخوانه ، وأشدّهم قضاءً لها ،

____________

(1) بحار الانوار 16 : 233 .

(2) شرح نهج البلاغة ـ لابن ابي الحديد 16 : 105 .

(3) أُصول الكافي 2 : 181 | 13 باب حقّ المؤمن على أخيه واداء حقّه .

(4) بحار الانوار 74 : 287 .

________________________________________

( 34 )

 

أعظمهم عند الله شأناً» (1).

ثالثاً : حق الجليس :

إنَّ للجلوس آداباً وأحكاماً ، وللجليس حقوقاً وعليه التزامات . ولما كان الاِنسان يتأثر بجليسه سلباً أو ايجاباً ، ويكتسب من أخلاقه ، ويكون وسطاً ناقلاً لآراءه ، إهتم الاِسلام بموضوع الجليس ، فقد روي عن الاِمام علي عليه السلام انه كان يقول : «جليس الخير نعمة ، وجليس الشرّ نقمة» (2).

وعلى العموم توصي مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمجالسة العلماء ، ومزاحمتهم بالرّكب ، ومجالسة الحلماء لكي يزداد الاِنسان حلماً ، ومجالسة الاَبرار الذين إذا فعلت خيراً حمدوك ، وإنْ أخطأت لم يعنّفوك ، وكذلك مجالسة الحكماء ؛ لما فيها من حياة للعقول ، وشفاء للنّفوس . وأيضاً مجالسة الفقراء ؛ لكي يزداد الاِنسان شكراً . كما نجد نهياً عن مجالسة الاَغنياء الذين أطغاهم الغنى فأصبحوا أمواتاً وهم أحياء ، ونهياً عن مجالسة الجهلاء ، وأهل البدع والاَهواء ، وضرورة الفرار منهم كما يُفر من المجذوم.

ومن الطبيعي أن للجليس الصالح حقوقاً ، يغلب عليها الطابع المعنوي، وهي عبارة عن آداب العشرة الحسنة معه ، أدرجها الاِمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق وهي : «وحقّ جليسك أن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن تجلس إليه يجوز له القيام عنك بغير اذنك ، وتنس زلاّته ، وتحفظ خيراته ،

____________

(1) بحار الانوار 75 : 117 .

(2) ميزان الحكمة 2 : 60 .

________________________________________

( 35 )

 

ولاتسمعه إلاّ خيراً»(1).

رابعاً : حق الناصح والمستنصح :

ما من إنسان إلاّ ويأتي عليه زمان يلتمس فيه النصح والاِرشاد للخروج من مشكلةٍ وقع فيها ، أو لمشروع يعتزم القيام به ، وعندما يقدّم إليه أحدٌ نصيحة مخلصة ، يُفتح له باب المخرج أو تُكسر له حلقة الضيق ، فيمتلىء قلبه غبطةً وابتهاجاً .

والاِسلام دين التناصح والتشاور ، يعتبر الدّين النصيحة ، ويشجع على بذلها . والبعض من الاَفراد يتحاشى النصيحة ، خوفاً من إغضاب إخوانه ، وخاصة أولئك الذين يسدّون آذانهم عن الآراء والنصائح التي لا تتفق ـ عاجلاً ـ مع مصالحهم وأهوائهم . هذا الموقف ترفضه تعاليم أهل البيت عليهم السلام ، يقول الاِمام علي عليه السلام في كلماته الوعظية للحسن عليه السلام : «أمحَضْ أخاك النَّصيحة ، حسنةً كانت أو قبيحة» (2)، ويقول عليه السلام : «ما أخلصَ المودّةَ مَنْ لم ينصح» (3). والاِسلام يرى أن أفضل الاعمال ـ التي توجب القرب من الحضرة الاِلهية ـ : النصح لله في خلقه .

وقد أشار الاِمام زين العابدين عليه السلام لهذين الحقّين المتقابلين بقوله :

«حقّ المستنصح : أن تؤدّي إليه النّصيحة ، وليكن مذهبك الرّحمة له ، والرّفق به .

 

____________

(1) شرح رسالة الحقوق ، السيد حسن القبانچي 2 : 151 .

(2) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : 403 .

(3) ميزان الحكمة 10 : 55 .

________________________________________

( 36 )

               وحقُّ النّاصح : أن تلين له جناحك وتُصغي إليه بسمعك ، فإن أتى بالصّواب حمدتَ الله عزّ وجلّ ، وإن لم يوافق رحمته ، ولم تتّهمه ، وعلمت أنَّه أخطأ ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقاً للتّهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال» (1).

 

________________________________________

( 37 )

 

المبحث الرابع

حقوق الجِوار

 

رابطة الجوار لها دورها العظيم في بناء الحياة الاجتماعية بناءً سليماً ؛ لاَنّها تعد بالمرتبة الثانية في النسيج الاجتماعي بعد رابطة الاَُسرة ، ولهذا نجد في التشريع الاِسلامي عناية خاصة بهذه الرابطة ، كما سيتضح في الفقرات التالية .

أولاً : الجوار في القرآن الكريم :

لم يرد ذكر الجار في القرآن الكريم إلاّ مرتين في آية واحدة ، وهي من قوله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركُوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القُربى واليتامى والمساكين والجّار ذي القُربى والجّار الجُنُب والصّاحب بالجَنْب..) (النساء 4 : 36) .

إنّ تدبّر الآية الكريمة يوقفنا على حقيقة في غاية الاَهمية ، وهي : إنّ الله تعالى قرن حقّ الجّار مع حقّ عبادته ومع حق الوالدين وذي القربى والمساكين ، وفي ذلك دلالة صريحة على أهمية حق الجِوار في الاِسلام ، لانتظامه مع التوحيد في سلك واحد ، مما يبوؤه المكانة التي يستحقها من البحث والدراسة .

________________________________________

( 38 )

يقول الشيخ أبو علي الطبرسي في معرض تفسيره لهذه الآية : (لما أمر سبحانه بمكارم الاخلاق في أمر اليتامى والازواج والعيال ، عطف على ذلك بهذه الخلال المشتملة على معاني الاُمور ومحاسن الاَفعال ، فبدأ بالاَمر بعبادته ، فقال : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ) أي وحّدوه ، وعظّموه ، ولا تشركوا في عبادته غيره ، فإنّ العبادة لا تجوز لغيره ؛ لانها لا تستحق إلاّ بفعلِ اُصولِ النِعَم ، ولا يقدر عليها سواه تعالى ، ( وبالوالدين احساناً ) ، أي فاستوصوا بهما برّاً وإنعاماً وإحساناً وإكراماً ، وقيل : أنّ فيه اضمار فعل ، أي وأوصاكم الله بالوالدين إحساناً ، ( وبذي القربى واليتامى والمساكين ) ، معناه : احسنوا بالوالدين خاصة ، وبالقرابات عامة ، يقال : أحسنتُ اليه وأحسنتُ به ، واحسنوا إلى المساكين فلا تضيعوهم ، واعطوهم ما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة وسائر ما لابدّ منه لهم ، (والجار ذي القربى والجار الجنب ) ، قيل معناه : الجار القريب في النسب، والجار الاَجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة ـ إلى أن يقول ـ : وهذه آية جامعة تضمنت بيان أركان الاِسلام ، والتنبيه على مكارم الاخلاق . ومن تدبّرها حق التدبّر ، وتذكّر بها حق التذكّر أغنته عن كثير من مواعظ البلغاء ، وهَدَتْه إلى جمّ غفير من علوم العلماء) (1).

والنبي الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خلال إصراره على حق الجوار ، تمكن من قلب قيم وعادات المجتمع الجاهلي رأساً على عقب . صحيح أنّ المجتمع الجاهلي كان يحترم الجوَار ويرعى ـ في الاَعمّ ـ حرمته وعرضه وفي ذلك قال الشاعر ربيعة بن عامر (مسكين الدارمي) ( ت| 89 هـ) :

 

____________

(1) مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 98 . منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت .

________________________________________

( 39 )

 

مــا ضـرّ جـاري أن أُجــاورَهُ   *  أنْ لا يـكـون لـِبـابـِهِ سـتــرُ

أعمى إذا ما جَارتـي خَـرَجـَتْ  *  حَتى يُواري جَارَتي الخِدْرُ

نَـــاري ونـَــارُ الـجـَّارِ واحـِدةٌ  *  وإلـيـه قـَبـْلـي يـنـزلُ الـقِدرُ

 

لكن الصحيح أيضاً ، أنّ كثيراً ما يُضرب بحقوق الجار عرض الحائط ، فيُغار عليه ، وتُسلب أمواله ، وتُسبى حريمه في السنين العجاف ، أو يشن عليه حرباً لا يخف لها أوار من أجل الثأر ، أو بدافع من العصبية القبلية ، أو طغيان الاَهواء والمصالح الشخصية . زد على ذلك كانت الاِثرة والاَنانية تضرب بأطنابها في المجتمع الجاهلي الذي كان على شفير الهاوية ، فانقذه الاِسلام منها وانتقل المجتمع ـ آنذاك ـ إلى مدار جديد بعد ان تكرّست فيه قيم وعادات جديدة .

لقد أعاد الوحي تشكيل الوعي الاجتماعي ، وخلق نفوساً نبيلة تؤثر المصلحة الاجتماعية على المصالح الفردية الآنية ، وخير شاهد على ذلك ما روته كتب السيرة من أنه : (أُهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأس شاة فقال : إنَّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منَّا ، فبعث به إليهم ، فلم يزل يبعث واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات ، حتى رجعت إلى الاوّل) (1).

ثانياً : حق الجار في رسالة الحقوق :

رسالة الحقوق للاِمام زين العابدين عليه السلام هي أوّل وثيقة إسلامية شاملة لحقوق الاِنسان . وهذا الاَثر النفيس بقي محفوراً على لوحة الزمان ،

____________

(1) الدّر المنثور ، السيوطي 6 : 95 .

________________________________________

( 40 )

تتناقله الاَجيال من جيل لآخر ، يستمدون منه أعمق مشاعر الحب لله ، وحق الاِنسان في الكرامة والرّفعة ، والاعتراف بحقوقه المقدسة .

وفيما يتصل بحق الجِوار ، فقد جاء فيها : «وحقّ جارك فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً ، ونصرته إذا كان مظلوماً ، ولا تتبع له عورة ، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه ، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ، ولا تسلمه عند شدائده ، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له، ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النميمة . ولا حول ولا قوة إلاّ بالله» (1) .

هذه الفقرة من رسالة الحقوق المنسوجة بلغة قوية الاِيحاء ، نجد فيها نظرة أعمق وأرحب لحقوق الجّار ، فهي ترسم علاقة تكاملية بين المتجاورين ، وتعقد بينهم أواصر أُخوّة حقيقية . فنلاحظ أنّ للجّار حق الحفظ في غيبته ، وحق الاِكرام في إقامته ، وحق النصرة عند مظلوميته ، وفوق ذلك له حقوق إضافية منها : حق الستر ، والنصيحة ، والمغفرة ، والمعاشرة الحسنة .

وقد تناول شارح رسالة الحقوق هذه الفقرة مبيناً أنّ الاِسلام قد اعتنى بحق الجار وجعله عظيماً ، يكاد يكون ـ حسب تعبيره ـ من أعظم الحقوق الاِنسانية ، واستدل على ذلك بوصايا جبريل عليه السلام المتكررة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم حول الجار ، وبالآية المتقدمة من سورة النساء ، ثم استأنف قائلاً : (وعلى هذا فالوصاية بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً .

____________

(1) شرح رسالة الحقوق ، القبانچي 2 : 169 .

________________________________________

( 41 )

والاِحسان قد يكون بمعنى المواساة ، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الاَذى والمحاماة دونه ، فيحسن أن يتعاون الجاران ويكون بينهما الرحمة والاحسان ، فاذا لم يُحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس ـ إلى أن قال : ـ على هذا المنهج القويم من القرآن ، وهذا الاَسلوب المنير من السنة ، سار الاِمام زين العابدين عليه السلام في هذا الفصل من رسالته الخالدة في التنويه بحق الجار والعناية والاهتمام به ، أَلا تنظر إليه قائلاً : «وحق جارك حفظه غائباً وإكرامه شاهداً ونصرته إذا كان مظلوماً..» . يعني : يجب حفظه إذاً... بمعنى ان لا يخونه وأن يكون أميناً على ما ائتمنه عليه، وإكرامه واحترامه والحفاوة به إذا حضر ، ونصره ومعونته إذا ألمَّ به خطب أو نزل به ضرٌّ .

ويجب على ما قرّره عليه السلام ستره ما أمكن ، فالله يحب الساترين ، ويكره الفضيحة والافشاء ، ويكره التجسس والمراقبة ، فإن ظهر على الجار شيء ما مِن دون تجسس أو مراقبة ، فعلى جاره أن يكتم كل ما عرف ، وأن يكون حصناً حصيناً لهذا السر الذي بيده مفتاحه . ويجب أن ينصره إذا سمع عليه مقالة سوء ، ويكره الله أن يستمع إلى قوم ينوشون جاراً بالسوء وفسق اللِّسان وهو عنهم راض ، وأن يقيل عثرته ، وينهضه من كبوته ، ويُغضي عن بعض ما قد يسوء من أعماله ، فان الاِنسان معرّض للخطأ ، وأن يمنعه ، ويذود عنه ، ويدفع كل ما يضر به) (1).

وهنا يبدو من الضروري بمكان ، الاِشارة إلى أن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يختص تميّزهم عن غيرهم بنظرتهم العميقة لمعنى الجوار ، وهو الصبر

____________

(1) شرح رسالة الحقوق ، القبانچي 2 : 191 .

________________________________________

( 42 )

على الاذى وليس كف الاَذى كما قال العبد الصالح عليه السلام : «ليس الجوار كف الاَذى ، ولكن حسن الجوار صبرك على الاَذى» (1).

وإنما تميزوا أيضاً بتجسيدهم هذا المفهوم من عالم المعنى إلى عالم الحس والواقع .

لقد ترجم أهل البيت عليهم السلام أقوالهم إلى سلوك سويّ ، أصبح قدوة حسنة لمن أراد الاقتداء به . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان الاِمام السجاد عليه السلام ، حريصاً على أداء حقوق الآخرين ، وان كانوا من أعدائه.. جاء في رواية الواقدي : إنّ هشام بن اسماعيل بن هشام بن الوليد المخزومي كان والياً على المدينة لعبد الملك بن مروان ، وقد أساء جِوار الاِمام ولحقه منه أذى على حد تعبير الراوي ، فلما مات عبدالملك ، عزله الوليد بن عبدالملك ، وأوقفه للناس ؛ لكي يقتصوا منه ، فقال : والله إني لا أخاف إلاّ علي بن الحسين ، فمر عليه الاِمام ، وسلم عليه ، وأمر خاصته أن لا يتعرض له أحد بسوء ، وأرسل له : «إن كان أعجزك مال تؤخذ به ، فعندنا ما يسعك ، ويسد حاجتك ، فطب نفساً منّا ، ومن كل من يطيعنا» ، فقال له هشام بن اسماعيل : الله أعلم حيثُ يجعل رسالته (2).

وكان الاِمام السجاد عليه السلام يدعو لجيرانه بكلمات بلغت الغاية في الرّقة ، ضمّنها ما لهم من الحقوق ، وصبها في قالب الدّعاء .

تمعّن في هذا الدّعاء من أدعية الصحيفة السجادية ، الذي يفيض

____________

(1) أُصول الكافي 2 : 636 ـ 637 | 9 باب 24 من كتاب العشرة، كنز العمال : ح4422.

(2) سيرة الائمة الاثني عشر ، هاشم معروف الحسني ، القسم الثاني : 149 .

________________________________________

( 43 )

بالمعاني ، ويحمل أجمل المشاعر : ـ «اللّهُمَّ تولَّني في جيراني باقامة سُنَّتكَ ، والاَخذ بمحاسن أدَبك في إرفاقِ ضعيفهم ، وسدْ خلّتهم ، وتَعهُّد قادمهم ، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم ، وكتمان أسرارهم ، وستر عوراتهم ، ونصرة مظلومهم ، وحُسن مواساتهم بالماعون ، والعود عليهم بالجدَةِ والاِفضال ، واعطاء ما يجبُ لهم قبل السؤالِ والجود بالنَّوال ـ اي العطاء ـ يا أرحم الراحمين» (1).

 

____________

(1) الصحيفة السجادية الكاملة : 132 دعاء 26 ، نشر وتحقيق مؤسسة الاِمام المهدي (عج) ط1.

________________________________________

( 44 )