دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

الحقوق الإجتماعية في الإسلام » المقدِّمة

مقدمة المركز

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة المركز

 

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبيّنا الاَكرم المبعوث رحمةً للعالمين محمد المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين .

حقوق البشر لافتة عريضة ترفع هنا أو هناك ، يُزايد عليها المزايدون أحياناً ، ويحاول دعاة المذاهب الاجتماعية اتخاذها وسيلة لترويج أفكارهم، واغراء الجماهير للاصطفاف إلى جانب دعواتهم .

لقد أصبحت (لائحة الحقوق) محط اهتمام المؤسسات الدولية ، والمنظمات الاِنسانية ، وأضحى الاهتمام والتسابق على أشدّهما لحشد التأييد (لمنابرهم) الفكرية والثقافية .

وكان الاِسلام سبّاقاً في تشريعاته وفي مبادئه وتعاليمه إلى تقرير تلك الحقوق وإيلائها الاهتمام الخاص كما في نصوص القرآن الكريم ، والسُنّة المطهرة . وكانت سيرة الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل بيته الطاهرين عليهم السلام تطبيقاً حيّاً لما شرّعه الاِسلام في هذا المجال ، سواء فيما يتعلّق بحقوق الاِنسان فرداً ، أو ضمن المجتمع .

أراد الاِسلام للاِنسان أن ينعم بالحياة الوادعة ، ويعرف ما له وما عليه ؛ ليكون في حالة انسجام وتوادّ مع أفراد جنسه ، كما أراد له أن يعيش موفورَ الكرامة ، محفوظ النفس والعرض والمال لا يتعرض إليه أحد بسوء أو

________________________________________

( 6 )

بظلم. ولكن قوى الكفر العالمي والصليبيّة الحاقدة ـ ومن يدور في فلكهماـ حاولت طمس حقائق الاِسلام ، والتعتيم على مبادئه الخيّرة ، وخاصةً عنايته بحقوق الاِنسان فرداً ومجتمعاً .

ومن هنا تأتي أهمية اظهار حقائق الاِسلام وكشف أباطيل خصومه .

ومركزنا إذ يُصدر هذا الكتاب «الحقوق الاجتماعية في الاِسلام» ضمن سلسلته ، فهو ينطلق من أهدافه الخيّرة في نشر العلم ، والتعريف بمبادئ الاِسلام وحقائقه الناصعة .

ولتحقيق هذا الهدف ، فقد عُني هذا البحث بتأصيل ذلك من خلال نصوص القرآن الكريم والسُنّة النبويّة المطهّرة وما جاء عن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام وبخاصة (رسالة الحقوق) للاِمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام التي تعدُّ لائحة قانونية ، ووثيقة تاريخية قيمة .

آملين رفد المكتبة الاِسلامية بكلِّ ما هو نافع ومفيد في حقول المعرفة الاِسلامية .

 

 

ومن الله التوفيق

 

 

مركز الرسالة

________________________________________

( 7 )

 

 

المقدِّمة

 

تحتل مسألة حقوق الاِنسان ـ يوماً بعد آخر ـ أهميةً متزايدة في العالَم المعاصر . وقد ظهرت منظمات عالميّة أخذت على عاتقها الدفاع عن حقوق الاِنسان وفق منظورها الخاص ، ووفق أهداف ومصالح الجهات الممولة لها ، وقد اتخذت قضية حقوق الاِنسان في غالب الاَحيان سلاحاً سياسياً تستخدمه الدول المستكبرة ضد الدول الاِسلامية التي ترفض الدوران في فلكها والخضوع لهيمنتها . وأخذت هذه القوى تُسخِّر ـ لهذه الغاية ـ الاَقلام المأجورة ، وتستخدم دور النشر والطباعة لترويج بضاعتها هذه لاَغراض تسويقية . كذلك أخذ زعماء وعلماء الدّيانات المحرّفة ، يستغلون هذه القضية الحساسة خدمةً لاَغراضهم التبشيرية ، ويظهرون دياناتهم بمظهر المدافع الحقيقي عن حقوق الاِنسان ، ويصدّرون في كل عام عشرات الكتب والنشرات التي تظهر اهتمامهم الموهوم بهذه المسألة، والايحاء بأنّهم أوّل من نادى بحقوق الاِنسان ، وصاغ بنودها .

وللاَسف الشديد أنّ الكتب والاِصدارات الاِسلامية المؤلفة في هذا الحقل ، من القلّة بحيث لا تتناسب مع تزايد الاهتمام العالمي بحقوق البشر .

وكمساهمة متواضعة قمنا بهذه الدراسة المختصرة ، لغرض الاِشارة الاِجمالية إلى أنَّ مدرسة الاِسلام قد سبقت المدارس الاَُخرى في إيلاء هذه القضية ماتستحق . خصوصاً وإنّ الرَّسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أعلن عن المساواة بين البشر ـ وهو حق من أكبر الحقوق الاَساسية للاِنسان في كلِّ

________________________________________

( 8 )

زمان ومكان ـ وذلك في خطبته التاريخيّة في حجة الوداع ، قبل أسابيع قليلة من رحيله في السنة العاشرة للهجرة . أي قبل أكثر من أربعة عشر قرناً !

(عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيّام التّشريق خطبة الوداع فقال : «يا أيُّها النّاس إنّ ربّكم واحدٌ ، وإنّ أباكم واحدٌ، ونبيكم واحدٌ ، ولا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أحمر على أسود ، ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى..») (1). وعنه أيضاً : «الناس سواء كاسنان المشط» (2).

وبذلك أعلن صلى الله عليه وآله وسلم مبدأ المساواة التامة بين جميع أفراد النوع الاِنساني بصرف النظر عن اللغة واللَّون والجنس ، وهذا المبدأ لم ينبس به أحد قبل ظهور الاِسلام ؛ لاَن الناس كانوا يعتدّون بأجناسهم إلى أقصى حدّ ، حتى كبار الفلاسفة منهم .

ألم يقل افلاطون : اني لاَشكر الله على ثلاث: أن خلقني إنساناً ولم يخلقني حيواناً ، وأن جعلني يونانياً ولم يجعلني من جنس آخر ، وأن أوجدني في عهد سقراط (3)!

بينما نجد العكس تماماً عند أول الناس اسلاماً الاِمام علي عليه السلام ، كما جاء في عهده لمالك الاَشتر ـ الذي يُعد وثيقة تاريخية في غاية الاَهمية ـ : «وأشْعِر قلبك الرَّحمة للرَّعيَّة.. ولا تكُونَنَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنمُ أكلهُمْ ،

____________

(1) كنز العمال 3 : 93 | 5655 و 3 : 699 | 8502 قريب منه .

(2) كنز العمال 9 : 38 | 24822 .

(3) أُنظر : كتاب ، مع الاَنبياء في القرآن الكريم ، لعفيف عبدالفتاح طبّارة 417 ، ط16 ، دار العلم للملايين ـ بيروت .

 

________________________________________

( 9 )

فإنَّهُم صِنفانِ : إمّا أخٌ لَكَ في الدِّينِ ، أو نَظيرٌ لَكَ في الخَلْقِ» (1).

إنّ غاية الاِسلام الاَساسية هي إقامة مجتمع سليم ، مبني على أساس العدالة . ويتطلب هذا التوجه ـ بطبيعة الحال ـ الاهتمام برعاية الحقوق المتبادلة بين أفراد المجتمع .

والملاحظ أن القرآن الكريم في تعبيره عن أداء حق الغير أو حق الجماعة ، تارة يعبر عنه بطلب الاِحسان ، كما في قوله تعالى : ( وأَحْسِن كَما أحْسَنَ اللهُ إليكَ ) (القصص 28 : 77) ، وتارة أُخرى يعبر عنه في صورة أمر آخر كقوله تعالى : ( وَأَوفوا الكَيْلَ إذا كِلْتُمْ وزِنُوا بالقِسْطاسِ المُسْتَقِيم ذلكَ خيرٌ وَأحسَنُ تَأوِيلاً ) (الاِسراء 17 : 35) ، وقد يعبر عن ذلك في صورة النهي كقوله تعالى : ( وَلا تَأكُلُوا أَموَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إلى الحُكَّامِ لتأكُلوا فَرِيقاً مِنْ أموالِ النَّاسِ بالاِثمِ وأنتم تَعْلَمُونَ ) (البقرة 2 : 188) .

كلّ ذلك من أجل أن يسود العدل ، وتصان حقوق الآخرين من المصادرة . وبذلك نجد القرآن الكريم قد عُني بالجانب الاجتماعي من حياة الجماعة ، عناية لا تقل عن عنايته بصلة الفرد بربّه ، ولا يصور الفرد المسلم إنساناً منعزلاً في خلوة ، أو راهباً في صومعة ، بل يصوره دائماً في جماعة تترتب عليهم حقوق متبادلة .

وجاء في رسالة الحقوق ، المرّوية عن الاِمام زين العابدين عليه السلام ـ والتي يمكن اعتبارها نموذجاً فذّاً في هذا الشأن ـ ما يكشف لنا بجلاء عن نظرة الاِسلام الشمولية للحقوق التي لا تقتصر على بيان حقوق الاِنسان ، بل

____________

(1) نهج البلاغة ـ ضبط الدكتور صبحي الصالح ـ ص427 انتشارات هجرت ط1395 هـ.

________________________________________

( 10 )

تثبت الحق لغير الاِنسان أيضاً .

كما أشارت هذه الرسالة ـ في البداية ـ إلى أنّ حقوق الناس ناشئة عن حقوق الله تعالى ، وهو سبحانه قد جعل حقوق عباده مقدمة على حقوقه.

وقد تناولنا في بحثنا الوجيز هذا ، الحقوق الآتية في ثلاثة فصول وهي:

الفصل الاَول : (الحقوق العامة للاِنسان) : وقد بحثنا فيه : حق الحياة ، وحقَّ الكرامة ، وحق التربية والتعليم ، وحق التفكير ، وحق التعبير ، وحق التمتع بالاَمن ، وحق حرية الاعتقاد ، وحق المساواة ، وحق الاِقامة والسكن والهجرة ، وأيضاً حق التمتع بالعدل .

الفصل الثاني : (الحقوق الاجتماعية ذات الصبغة القانونية): واشتمل البحث فيه على : حق اليتيم ، وحق الاَسير ، وحقوق الفقراء والمساكين .

الفصل الثالث : (الحقوق الاجتماعية ذات الصبغة الاخلاقية) : واشتمل هذا الفصل على : حق المعلّم والمتعلّم، وحقّ الاَخ والصديق ، وحق الجليس ، وحق الناصح والمستنصح ، ثم تناولنا حق الجوار بصورة أكثر تفصيلاً ؛ لاَهميته الاجتماعية .

ثم جعلنا محور البحث يدور على الحقوق العائلية ، التي تحظى بأهمية اجتماعية كبيرة ، باعتبار الاَسرة هي اللَّبنة الاَساسية في البناء الاجتماعي . وقسّمنا هذه الحقوق على ثلاثة أقسام :

حق الاَبوين .

حق الاَولاد .

________________________________________

( 11 )

الحقوق المتبادلة بين الزوجين .

ولابدّ من الاِشارة إلى أننا قد اتّبعنا في هذه الدِّراسة المنهج (النقلي) الذي يعتمد على النصوص الدينية من آيات وروايات وبالاَخص ما ورد عن أهل بيت الرسول الاَعظم عليهم السلام لكونهم الثقل الثاني الذي أوصى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم التمسك به .

ومن الله نستمد العون والتسديد .

________________________________________

( 12 )