دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

أحكام المرأة والأسرة » العدد

العـدد

 

العـدد

 

عدّة الطلاق

1 ـ الصغيرة التي لم تكمل تسع سنوات، فإنّه لا عدّة عليها وإن دخل بها زوجها اشتباهاً أو على وجه محرّم.

2 ـ اليائسة، لا تجب عليها العدّة وإن كانت مدخولا بها، ويتحقّق اليأس بعد انقطاع دم الحيض وعدم رجاء عوده لكبر سنّ المرأة ببلوغها خمسين سنة قمريّة، سواء في ذلك القرشيّة(1) وغيرها، على الأظهر.

3 ـ إذا طُلّقت ذات الإقراء ـ أي التي تكون عدّتها بالقروء ـ قبل بلوغ سنّ اليأس ورأت الدم مرّة أو مرّتين ثمّ يئست، أكملت العدّة بشهر أو شهرين، وكذلك ذات الشهور إذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثمّ يئست أتمّت ثلاثة.

4 ـ إذا ادّعت المرأة أنّها بلغت سنّ اليأس لم يقبل قولها إلاّ بالبيّنة، على الأظهر.

5 ـ المطلّقة التي تجب عليها العدّة على أقسام:

القسم الأوّل:

المطلّقة غير الحامل التي يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها أقلّ من ثلاثة أشهر، وعدّتها: ثلاثة قروء، سواء أكانت مستقيمة الحيض، بأن

____________

1- القرشـية: هي التي تنتسب إلى قريش من طرف الأب، والتي تسمّى في عرفنا بــ: العلوية.


الصفحة 231

كانت تحيض في كلّ شهر مرّة، كما هو المتعارف في أغلب النساء، أم كانت تحيض في كلّ شهر أزيد من مرّة، أو كانت تحيض في كلّ شهرين مرّة، وسواء أكانت معتادة بأقسامها ـ أي: سواء كانت وقتية، أم عدديّة، أم وقتية وعدديّة، مضطربة ـ أم لا.

6 ـ المراد بالقروء: الأطهار; ويكفي في الطهر الأوّل مسمّاه ولو كان قليلا، فلو طلّقها فحاضت بحيث لم يتخلّل زمان طهر بين إجراء صيغة الطلاق والحيض، لم يحسب ذلك الطهر الذي وقع فيه الطلاق من الأطهار الثلاثة، واحتاجت في انتهاء عدّتها إلى أطهار ثلاثة أُخرى، فتنتهي عدّتها برؤية الحيضة الرابعة..

ولو تخلّل زمان طهر بين الطلاق والحيض ولو كان لحظة احتسب ذلك الطهر اليسير من الأطهار الثلاثة وانتهت عدّتها برؤية الحيضة الثالثة.

والظاهر: أنّه لا فرق بين الحيض الطبيعي وما كان بعلاج، وكذا الحال في الطهر.

7 ـ بناءً على ما تقدّم من كفاية مسمّى الطهر في الطهر الأوّل ولو لحظة، وإمكان أن تحيض المرأة في شهر واحد أزيد من مرّة، فأقلّ زمان يتمكّن أن تنقضي به العدّة: سـتّة وعشرون يوماً ولحظتان; بأن كان طهرها الأوّل لحظة ثمّ تحيض ثلاثة أيام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ تحيض ثلاثة أيام، ثمّ ترى أقلّ الطهر عشرة أيام، ثمّ تحيض، فبمجرّد رؤية الدم الأخير لحظة من أوّله تنقضي العدّة.

وهذه اللحظة الأخيرة خارجة عن العدّة، وإنّما يتوقّف عليها تماميّة الطهر الثالث.


الصفحة 232

القسم الثاني:

المطلّقة غير الحامل التي يكون الطهر الفاصل بين حيضتين منها ثلاثة أشهر أو أزيد، وعدّتها: ثلاثة أشهر.

القسم الثالث:

المطلّقة غير الحامل التي تكون مسترابة، وهي مَن لا تحيض مع كونها في سنّ من تحيض; إمّا لكونها صغيرة السنّ لم تبلغ الحدّ الذي ترى الحيض فيه غالب النساء، وإمّا لانقطاع حيضتها لمرض أو رضاع أو استعمال دواء ونحو ذلك، وعدّتها: ثلاثة أشهر أيضاً.

8 ـ المدار في الشهور على الشهر الهلالي ـ أي الهجري القمري ـ فإذا طلّقها في أوّل الشهر اعتدّت إلى ثلاثة أشهر هلاليّة، وإذا طلّقها في أثناء الشهر اعتدّت بقيّة شهرها وشهرين هلاليّين آخرين، ومقداراً من الشهر الرابع تكمل به نقص الشهر الأوّل ثلاثين يوماً، على الأحوط وجوباً..

فمن طلّقت في غروب يوم العشرين من شهر رجب مثلا، وكان الشهر تسعة وعشرين يوماً، وجب عليها أن تكمل نقص شهر رجب بالاعتداد إلى غروب اليوم الحادي والعشرين من شوال ليكتمل بضمّ ما اعتدّت به من شوّال إلى أيّام العدّة من رجب ثلاثين يوماً.

9 ـ قد عُلم ممّا تقدم أنّ المرأة إذا كانت تحيض بعد كلّ ثلاثة أشهر مرّة، فطلّقها زوجها في أوّل الطهر ومرّت عليها ثلاثة أشهر بيض، فقد خرجت من العدّة، وكانت عدّتها: الشهور، لا الأطهار، وأنّه إذا كانت تحيض في كلّ ثلاثة أشهر مرّة بحيث لا تمرّ عليها ثلاثة أشهر بيض لا حيض فيها، فهذه عدّتها: الأطهار، لا الشهور.


الصفحة 233

وأمّا إذا اختلف حالها; فكانت تحيض في الحَرّ مثلا في أقلّ من ثلاثة أشهر مرّة وفي البرد تحيض بعد كلّ ثلاثة أشهر مرّة، اعتدّت بالسابق من الشهور والأطهار; فإن سبق لها ثلاثة أشهر بيض كانت عدّتها ـ أي: كانت عدّتها بالشهور ـ وإن سبق لها ثلاثة أطهار كانت عدّتها أيضاً ـ أي: كانت عدّتها بالأطهار ـ.

نعم، إذا كانت مستقيمة الحيض، فطلَّقها زوجها ورأت الدم مرّة، ثمّ ارتفع على خلاف عادتها وجهل سببه وأنّه حَمْل أو سبب آخر، فالمشهور أنّها تنتظر تسعة أشهر من يوم طلاقها; فإن لم تضع اعتدّت بعد ذلك بثلاثة أشهر وخرجت بذلك عن العدّة، ولكنّ هذا لا يخلو عن إشكال وإن كان هو الأحوط(1).

القسم الرابع:

المطلّقة الحامل; وعدّتها: مدّة حملها وإن كان حملها بإراقة ماء زوجها في فرجها من دون دخول، وتنقضي عدّتها بأن تضع حملها ولو بعد الطلاق بساعة.

10 ـ الحمل الذي يكون وضعه منتهى عدّة الحامل، شامل لما كان سقطاً تامّاً وغير تامّ، حتّى لو كان مضغة أو علقة.

11 ـ إذا كانت المطلّقة حاملا باثنين أو أزيد لم تخرج من العدّة بوضع أحدهما، بل لا بُدّ من وضع الجميع.

12 ـ لا بُدّ من العلم بوضع الحمل أو الاطمئنان به، فلا يكفي الظنّ ـ وهو: ما كان بدرجة 80% به فضلا عن الشكّ.. نعم، يكفي قيام الحجّة

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.


الصفحة 234

ـ أي الدليل ـ على ذلك، كالبيّنة ـ أي: شهادة عدلين ـ وإن لم تفد الظنّ.

13 ـ إنّما تنقضي العدّة بالوضـع إذا كان الحمل ملحقاً بمن له العدّة; فلا عبرة بوضع من لم يلحق به في انقضاء عدّته، فلو كانت حاملا من الزنا قبل الطلاق ـ أي: الطلاق الذي انفصلت به عن زوجها الشرعي لا الزاني بها ـ أو بعده، لم تخرج من العدّة بالوضع، بل يكون انقضاؤها بالإقراء والشهور كغير الحامل، فوضع هذا الحمل لا أثر له أصلا لا بالنسبة إلى الزاني; لأنّه لا عـدّة له ـ كما سيأتي ـ ولا بالنسبة إلى المطلِّق; لأنّ الولد ليس له.

نعم، إذا حملت من وطء الشبهة قبل الطلاق أو بعده بحيث يلحق الولد بالواطئ لا بالزوج، فوضعه موجب لانقضاء العدّة بالنسبة إلى الواطئ، لا بالنسبة إلى الزوج المطلِّق.

14 ـ لو وُطئت شبهةً ـ أي وطأها غير الزوج اشتباهاً ـ فحملت وأُلحق الولد بالواطئ ـ لبُعد الزوج عنها، أو لغير ذلك ـ ثمّ طلّقها الزوج، أو طلّقها ثمّ وطئت شبهة على نحو أُلحق الولد بالواطئ، فعليها الاعتداد منهما جميعاً، فتعتدّ أوّلا لوطء الشبهة وتنقضي بالوضع ـ أي: وضع الحمل ـ وتعتدّ بعده للطلاق ويكون مبدأُها بعد انقضاء نفاسها.

15 ـ إذا ادّعت المطلَّقة الحامل أنّها وضعت فانقضت عدّتها وأنكر الزوج، أو انعكس فادّعى الوضع وأنكرت هي، أو ادّعت الحمل وأنكر، أو ادّعت الحمل والوضع معاً وأنكرهما، يقدّم قولها بيمينها في جميع ذلك من حيث بقاء العدّة وانقضائها، لا من حيث سائر آثار الحمل، ويشترط في تقديم قولها أن لا تكون متّهمة في دعواها، وإلاّ لم تقبل إلاّ بالبيّنة.


الصفحة 235

16 ـ إذا اتفق الزوجان على إيقاع الطلاق ووضع الحمل، واختلفا في المتقدّم والمتأخّر منهما، فقال الزوج مثلا: (وضعتِ بعد الطلاق فانقضت عدّتك)، وقالت الزوجة: (وضعتُ قبل الطلاق فأنا بعدُ في العدّة)، أو انعكس فقال الزوج: (وضعتِ قبل الطلاق فأنت بعدُ في العدّة) وأراد الرجوع إليها، وادّعت الزوجة خلافه، فالظاهر: أنّه يقدّم قولها بيمينها في بقاء العدّة وانقضائها ما لم تكن متّهمة، بلا فرق في ذلك بين ما لم يتفقا على زمان أحدهما وما اتفقا عليه.

17 ـ مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه، حاضراً كان الزوج أو غائباً، بلغ الزوجة الخبر أم لا، فلو طلّقها غائباً ولم يبلغها إلاّ بعد مضيّ مدّة بمقدار العدّة، فقد انقضت عدّتها وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر إليها.

18 ـ لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقت وقوعه حتّى تحسب العدّة من ذلك الوقت، اعتدّت من الوقت الذي تعلم بعدم تأخّره عنه، والأحوط: أن تعتّد من حين بلوغ الخبر إليها، بل هذا الاحتياط لا يترك(1).

19 ـ تقدّم آنفاً: أنّ المطلّقة غير المدخول بها لا تثبت عليها العدّة، فإذا طلّق الرجل زوجته رجعيّاً بعد الدخول ثمّ رجع، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فربّما يقال: إنّه لا عدّة عليها; لأنّه طلاق قبل الدخول، ولكنّه غير صحيح بل يجب عليها العدّة من حين الطلاق الثاني، ولا فرق في ذلك بين كون الطلاق الثاني رجعيّاً أو بائناً.

ولو طلّقها بائناً بعد الدخول، ثمّ جدّد نكاحها في أثناء العدّة، ثمّ

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.


الصفحة 236

طلّقها قبل الدخول، ففي جريان حكم الطلاق قبل الدخول عليه ـ في عدم ثبوت العدّة; لأنّ الطلاق قبل الدخول لا عدّة فيه ـ وعدمه وجهان، أقواهما الثاني ـ أي: لا تجب العدّة ـ ولكنّه لا يجب عليها استئناف(1) العدّة، بل اللازم: إكمال عدّتها من الطلاق الأوّل.

20 ـ لو اختلفا في انقضاء العدّة وعدمه قُدّم قولها بيمينها، سواء ادّعت الانقضاء أو عدمه ـ أي: انقضاء العدّة وعدم انقضائها ـ وسواء أكانت عدّتها بالإقراء أو بالشهور.. نعم، إذا كانت متّهمة(2) ـ كما لو ادّعت أنّها حاضت في شهر واحد ثلاث مرّات فانقضت عدّتها ـ لم يقبل قولها إلاّ بالبيّنة.

 

عدّة الفسخ والانفساخ

1 ـ إذا فسخ الزوج أو الزوجة عقد النكاح لعيب أو نحوه، أو انفسخ العقد بينهما، لارتداد أو رضاع أو غيرهما، فإن كان ذلك قبل الدخول وما بحكمه(3) ـ أي: دخول ماء الزوج في فرجها ـ أو كانت صغيرة أو يائسة، لم تثبت عليها العـدّة، وإلاّ اعتدّت نظير عدّة المطلّقة..

فإن كانت حاملا فعدّتها: فترة حملها، وإن كانت غير حامل فعدّتها: بالإقراء أو الشهور، على ما تقدّم.

وتستثنى من ذلك حالة واحدة، وهي: ما إذا حصل الانفساخ بارتداد

____________

1- أي: لا يجب عليها إعادة العدّة مرة أُخرى من بدء.

2- أي: يُشك في صدق ادّعائها.

3- المقصود من قوله: (بحكمه) أي: بحكم ما قبل الدخول، كما إذا كانت صغيرة أو يائسة.


الصفحة 237

الزوج عن فطرة(1); فإنّه يجب على زوجته أن تعتدّ عدّة الوفاة ـ الآتي بيانها ـ وإن كانت غير مدخول بها أو يائسة أو صغيرة، على الأحوط لزوماً.

2 ـ مبدأ عدّة الفسخ والانفساخ من حين حصولهما، فلو فسخ الزوج لعيب مثلا، ولم يبلغ ذلك الزوجة إلاّ بعد مدّة كانت عدّتها من حين حصول الفسخ لا من حين بلوغ الخبر إليها.

 

عدّة الوطء بالشبهة

1 ـ إذا وطئ الرجل امرأة شبهة باعتقاد أنّها زوجته وجبت عليها العدّة، سواء علمت بكون الرجل أجنبيّاً أم لم تعلم بذلك، وسواء أكانت ذات بعل أم كانت خليّة، أي: ليست بذات بعل.

2 ـ إذا زنى بامرأة مع العلم بكونها أجنبيّة لم تجب عليها العدّة، سواء حملت من الزنا أم لا; فلو كانت ذات بعل جاز لبعلها أن يقاربها من غير تربّص(2)، وإن كانت خليّة جاز التزوّج بها كذلك..

وإن كان الأحـوط الأوْلى ـ أي: الأفضـل ـ استبراء رحمها من ماء الفجور بحيضة قبل التزوّج بها ـ أي: يترك مقاربتها إلى أن تحيض وتطهر حتّى تطمئن من عدم كونها حاملا من الزنا ـ سواء ذلك بالنسبة إلى الزاني وغيره ـ أي: سواء أراد الزاني أن يتزوّجها أو غير الزاني ـ هذا إذا كانت المرأة عالمة بالحال ـ أي: إذا علمت بأنّ الذي زنى بها أجنبيّ وليس زوجها ـ وأمّا إذا اعتقدت أنّ الزاني زوجها فطاوعته في الوطء; فالأحوط

____________

1- الارتداد عن فطرة: هو خروج المسلم ـ الذي كان أحد أبويه أو كلاهما مسلماً ـ عن الإسلام.

2- التربّص هو: الانتظار.


الصفحة 238

وجوباً: ثبوت العدّة عليها بذلك.

3 ـ عدّة وطء الشبهة كعدّة الطلاق، بالأقراء والشهور وبوضع الحمل لو حملت من هذا الوطء، ومن لم يكن عليها عدّة طلاق، كـ: الصغيرة واليائسة، ليس عليها هذه العدّة أيضاً.

4 ـ إذا كانت الموطوءة شبهة ذات بعل لا يجوز لزوجها وطؤها في مدّة عدّتها، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات منها أم لا؟

قولان، أقواهما: الأوّل ـ أي: يجوز الاستمتاع بها ـ وإن كان الاحتياط في محلّه. والظاهر: أنّه لا تسقط نفقتها في أيّام العدّة.

5 ـ إذا كانت الموطوءة شبهة خلية ـ أي: ليست بذات بعل ـ يجوز لواطئها أن يتزوّج بها في زمن عدّتها، بخلاف غيره ـ أي: غير الواطئ ـ فإنّه لا يجوز له ذلك، على الأقوى.

6 ـ لا فرق في حكم وطء الشبهة من حيث العدّة ونحوها بين أن يكون مجرّداً عن العقد أو معه، بأن وطئ المعقود عليها بتوهّم صحّة العقد مع فساده واقعاً ـ أي: لو كان قد اعتقد صحة العقد ولكنّه كان باطلا في الواقع ـ فلا يسقط وجوب العدّة على المرأة التي وُطئت اشتباهاً على هذا النحـو.

7 ـ إذا كانت الموطوءة شبهة معتدّة بعدّة الطلاق أو الوفاة فوُطئت شبهة، أو وُطئت شبهة ثمّ طلّقها زوجها أو مات عنها، فعليها عدّتان ـ على الأحوط وجوباً ـ فإن كانت حاملا من أحدهما تقدّم عدّة الحمل، فبعد وضعه تستأنف العدّة الأُخرى أو تستكمل الأُولى ـ أي: تتمّم ما بقي من العدّة ـ وإن لم تكن حاملا تقدّم الأسبق منهما، وبعد تمامها تستقبل عدّة أُخرى من الآخر.


الصفحة 239

وهكذا الحكم فيما إذا وطئ المرأة رجل شبهة ثمّ وطئها آخر كذلك، فإنّ عليها عدّتان منهما من غير تداخل، على الأحوط وجوباً ـ أي: لكلّ سبب عدّة على حدة ـ.

نعم، لا إشكال في التداخل إذا وطئها رجل شبهة مرّة بعد أُخرى.

8 ـ إذا طلّق زوجته بائناً ثمّ وطئها شبهةً، فهل تتداخل العدّتان، تستأنف عدّة للوطء وتشترك معها عدّة الطلاق، أو لا تتداخل؟

قولان، أقواهما: الأوّل، من دون فرق بين كون العدّتين من جنس واحد أو من جنسين، بأن يطلّقها حاملا ثمّ يطأها شبهة، أو يطلّقها حائلا ثمّ يطأها شبهة فتحمل منه.

9 ـ مبدأ عدّة وطء الشبهة المجرّدة عن التزويج: حين الفراغ من الوطء، وأمّا إذا كان مع التزويج الفاسد فهل هو كذلك، أو من حين تبيّن الحال؟

وجهان، والأحوط لزوماً: الثاني.

 

عدّة المتمتّع بها

1 ـ عدّة المتمتع بها في الحامل مدّة حملها، وفي الحائل ـ أي: غير الحامل ـ المدخول بها ـ غير الصغيرة واليائسة ـ حيضتان كاملتان، ولا تكفي فيها حيضة واحدة، على الأحوط وجوباً.

هذا إذا كانت ممّن تحيض، وإن كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوماً.

2 ـ مبدأ عدّة المتمتع بها: من حين انقضاء المدّة أو هبتها ـ أي: يبرأها الزوج ويهبها المدّة ـ فإذا انقضت مدّتها وهي لا تدري، أو وهبها لها


الصفحة 240

ولم يبلغها الخبر إلاّ بعد مدّة حاضت خلالها مرّتين مثلا، فقد انقضت عدّتها وليس عليها عدّة بعد بلوغ الخبر إليها.

3 ـ إذا مات زوج المتمتع بها في أثناء مدّتها وجبت عليها عدّة الوفاة، كما في الدائمة، وأمّا لو مات بعد انقضاء المدّة أو هبتها وقبل تمام عدّتها لم تنقلب عدّتها إلى عدّة الوفاة; لأنّها بائنة وقد انقطعت عصمتها، وأمّا إذا مات مقارناً للانقضاء ـ أي: كان وقت موته مقارناً لانقضاء العدّة ـ فيحتمل وجوب عدّة الوفاة عليها، ولكنّ الأظهر: عدم ثبوتها أيضاً.

4 ـ إذا عقد على امرأة بالعقد المنقطع، ثمّ وهبها المدّة بعد الدخول، ثمّ تزوّجها دواماً أو انقطاعاً، ثمّ طلّقها أو وهبها المدّة قبل الدخول، ففي جريان حكم الطلاق، أو هبة المدّة قبل الدخول في عدم ثبوت العدّة عليها، وعدمه ـ أي: وعدم جريان حكم الطلاق ـ وجهان، أقواهما: الثاني، ولكنّه لا يجب عليها استئناف العدّة، بل اللازم إكمال عدّتها الأُولى.

 

عدّة الوفاة

1 ـ إذا توفّي الزوج وجب الاعتداد على زوجته، صغيرة كانت أم كبيرة، يائسة كانت أم غيرها، مسلمة كانت أم كتابيّة، مدخولا بها أم غيرها، دائمة كانت أم متمتعاً بها، ولا فرق في الزوج بين الكبير والصغير والعاقل وغيره.

ويختلف مقدار العدّة تبعاً لوجود الحمل وعدمه، فإذا لم تكن الزوجة حاملا اعتدّت أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت حاملا كانت عدّتها أبعد الأجلين أكثرهما مدّة من هذه المدّة، أي: الأربعة أشهر وعشرة أيام، ووضع الحمل، فتستمر الحامل في عدّتها إلى أن تضع، ثمّ ترى; فإن كان قد مضى


الصفحة 241

على وفاة زوجها حين الوضع أربعة أشهر وعشرة أيام فقد انتهت عدّتها، وإلاّ استمرت في عدّتها إلى أن تكمل هذه المدّة.

2 ـ المراد بالأشهر هي: الهلاليّة ـ أي: الهجريّة القمريّة ـ فإن توفّي الزوج أوّل رؤية الهلال اعتدّت زوجته بأربعة أشهر هلاليّات، وضمّت إليها من الشهر الخامس عشرة أيام..

وإن مات في أثناء الشهر فعليها أن تجعل ثلاثة أشهر هلاليّات في الوسط، وتكمل نقص الشهر الأوّل من الشهر الخامس ثلاثين يوماً، على الأحوط وجوباً، وتضيف إليها عشرة أيام أُخرى.

والأحوط الأوْلى: أن تحتسب الشهور عدديّة; بأن تعدّ كلّ شهر ثلاثين يوماً، فتكون المدّة: مائة وثلاثين يوماً.

3 ـ إذا طلّق زوجته ثمّ مات قبل انقضاء العدّة: فإن كان الطلاق رجعيّاً بطلت عدّة الطلاق، واعتدّت عدّة الوفاة من حين بلوغها الخبر، فإن كانت حائلا اعتدّت أربعة أشهر وعشراً، وإن كانت حاملا اعتدّت بأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل، كغير المطلّقة.

وإن كان الطلاق بائناً اقتصرت على إتمام عدّة الطلاق، ولا عدّة عليها بسبب الوفاة.

4 ـ كما يجب على الزوجة أن تعتّد عند وفاة زوجها، كذلك يجب عليها الحداد ما دامت في العدّة، والمقصود به: ترك ما يعدّ زينة لها، سواء في البدن أم في اللباس، فتترك الكحل والطيب والخضاب والحمرة والخطاط، ونحوها، كما تجتنب لبس المصوغات الذهبيّة والفضيّة وغيرها من أنواع الحُلي، وكذا اللباس الأحمر والأصفر ونحوهما من الألوان التي تعدّ زينة عند العرف.


الصفحة 242

وربّما يكون اللباس الأسود كذلك; إمّا لكيفيّة تفصيله أو لبعض الخصوصيّات المشتمل عليها، مثل: كونه مُخطّطاً، أي: مُقلّماً.

وبالجملة، عليها أن تترك في فترة العدّة كلّ ما يعدّ زينة للمرأة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه، ومن المعلوم اختلافه بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والتقاليد.

وأمّا ما لا يعدّ زينة لها، مثل: تنظيف البدن واللباس وتقليم الأظفار والاستحمام وتمشيط الشعر، والافتراش بالفراش الفاخر، والسكنى في المساكن المزيّنة وتزيين أولادها، فلا بأس به.

5 ـ لا فرق في وجوب الحداد بين المسلمة والكتابيّة، كما لا فرق بين الدائمة والمتمتع بها، وهل يجب على الصغيرة والمجنونة أم لا؟

قولان، أشهرهما: الوجوب; بمعنى وجوبه على وليّهما فيجنّبهما التزيين ما دامتا في العدّة، وفيه إشكال، بل لا يبعد عدم وجوبه عليها(1).

6 ـ لا فرق في الزوج المتوفّى بين الكبير والصغير، ولا بين العاقل والمجنون، فيجب الحداد على زوجة الصغير والمجنون عند وفاتهما، كما يجب على زوجة الكبير والعاقل عندها.

7 ـ الظاهر أنّ الحداد ليس شرطاً في صحة العدّة، بل هو تكليف استقلالي في زمانها، فلو تركته عصياناً أو جهلا أو نسياناً في تمام المدّة أو في بعضها لم يجب عليها استئنافها، أو تدارك مقدار ما اعتدّت بدونه، فيجوز لها التزوّج بعد انقضاء العدّة على كلّ تقدير.

8 ـ لا يجب على المعتدّة عدّة الوفاة أن تبقى في البيت الذي كانت

____________

1- أي: لا يجب الحداد على الصغيرة والمجنونة.


الصفحة 243

تسكنه عند وفاة زوجها، فيجوز لها تغيير مسكنها والانتقال إلى مسكن آخر للاعتداد فيه.

كما لا يحرم عليها الخروج من بيتها الذي تعتدّ فيه، إذا كان لضرورة تقتضيه، أو لأداء حقّ أو فعل طاعة، أو قضاء حاجة.. نعم، يكره لها الخروج لغير ما ذكر، كما يكره لها المبيت خارج بيتها، على الأقرب.

9 ـ مبدأ عدّة الوفاة فيما إذا كان الزوج حاضراً من حين وقوعها، وأمّا إذا كان غائباً فمن حين بلوغ الخبر الى زوجته، بل لا يبعد ذلك في الحاضر أيضاً إذا لم يبلغها خبر وفاته، إلاّ بعد مدّة لمرض أو حبس أو غير ذلك فتعتدّ من حين إخبارها بموته، وفي عموم الحكم للصغيرة والمجنونة إشكال، فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، أي يشمل هذا الحكم الصغيرة والمجنونة على الأحوط وجوباً.

10 ـ هل يعتبر في الإخبار الموجب للاعتداد من حينه أن يكون حجّة شرعاً، كأن يكون بيّنة عادلة أو موجباً للعلم أو الاطمينان؟

وجهان، أظهرهما ذلك ـ أي: يعتبر في الإخبار أن يكون عن طريق بيّنة أو يكون موجباً للعلم والاطمئنان ـ فلو أخبرها شخص بوفاة زوجها الغائب ولم تثق بصحة خبره لم يجب عليها الاعتداد من حينه، ولو اعتدّت ثمّ ظهر صحّة الخبر لم تكتفِ بالاعتداد السابق، بل عليها أن تعتدّ من حين ثبوت وفاته عندها.

 

في أحكام المفقود زوجها

المفقود: المنقطع خبره عن أهله على قسمين:

القسم الأوّل: من تعلم زوجته بحياته ولكنّها لا تعلم في أيّ بلد هو.


الصفحة 244

وحكمها حينئذ: لزوم الصبر والانتظار إلى أن يرجع إليها زوجها، أو يأتيها خبر موته أو طلاقه أو ارتداده; فليس لها المطالبة بالطلاق قبل ذلك وإن طالت المدّة، بل وإن لم يكن له مال ينفق منه عليها ولم ينفق عليها وليّه من مال نفسه.

نعم، إذا ثبت لدى الحاكم الشرعي أنّه قد هجرها تاركاً أداء ما لها من الحقوق الزوجيّة، وقد تعمّد إخفاء موضعه لكي لا يتسنّى للحاكم الشرعي ـ فيما إذا رفعت الزوجة أمرها إليه ـ أن يتّصل به ويلزمه بأحد الأمرين: إمّا أداء حقوقها، أو طلاقها. ويطلّقها ـ أي: الحاكم الشرعي ـ لو تعذّر إلزامه بأحدهما، ففي هذه الحالة يجوز للحاكم الشرعي أن يطلّقها فيما إذا طلبت منه ذلك.

القسم الثاني: من لا تعلم زوجته حياته ولا موته; وفيه حالتان:

  الحالة الأُولى: أن يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، أو يقوم وليّه بالإنفاق عليها من مال نفسه، وفي هذه الحالة يجب على الزوجة: الصبر والانتظار، كما في القسم الأوّل المتقدّم، وليس لها المطالبة بالطلاق ما دام ينفق عليها من مال زوجها أو من مال وليّه وإن طالت المدّة.

  الحالة الثانية: أن لا يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، ولا ينفق عليها وليّه من مال نفسه، وحينئذ: يجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي أو المأذون من قبله في ذلك، فيؤجّلها أربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال هذه المدّة، فإن انقضت السنين الأربع ولم تتبيّن حياته ولا موته أمر الحاكم وليّه بطلاقها، فإن لم يقدم على الطلاق أجبره على ذلك، فإن لم يمكن إجباره، أو لم يكن له وليّ طلّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله، فتعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبيّة عن زوجها، وجاز لها أن تتزوّج ممّن تشاء.


الصفحة 245

والظاهر: اختصاص هذا الحكم بالنكاح الدائم، فلا يجري في المتعة.

1 ـ ظاهر كلمات جمع من الفقهاء ـ قدّس الله أسرارهم ـ أنّه كما لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته أن تطالب بالطلاق إلاّ مع عدم توفّر مال للزوج ينفق منه عليها، وعدم إنفاق وليّه عليها من مال نفسه، كذلك لا يحقّ لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي مطالبة إيّاه بتأجيلها أربع سنوات، والفحص عن زوجها خلال ذلك إلاّ بعد انقطاع الإنفاق عليها من مال الزوج ومن مال وليّه..

ولكنّ الظاهر: أنّه يحقّ لها المطالبة بالتأجيل والفحص في حال الإنفاق عليها أيضاً، إذا احتمل نفاد مال الزوج وانقطاع وليّه عن الإنفاق عليها قبل تبيّن حياته أو وفاته.

وفائدة ذلك أنّه لو انقضت السنوات الأربع وقد فحص خلالها عن الزوج ولم تتبيّن حياته ولا مماته، جاز لزوجته المطالبة بالطلاق متى انقطع الإنفاق عليها من ماله ومن مال وليّه، من غير حاجة إلى الانتظار أربع سنوات أُخرى وتجديد الفحص خلالها عنه.

2 ـ إذا كان للمفقود الذي لا تعلم حياته زوجات أُخرى لم يرفعن أمرهنّ إلى الحاكم، ويجوز للحاكم طلاقهنّ إذا طلبن ذلك، فيجتزئ بمضيّ المدّة المذكورة والفحص عنه بعد طلب إحداهنّ.

3 ـ المشهور بين الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق وإن مضى على فقده أربع سنوات، مع تحقّق الفحص خلالها عنه، إذا لم يكن ذلك بتأجيل من الحاكم الشرعي وأمره بالفحص عنه خلال تلك المدّة، ولكن لا يبعد الاجتزاء بالفحص عنه أربع سنوات بعد فقده مع وقوع جزء من الفحص


الصفحة 246

بأمر الحاكم الشرعي وإن لم يكن بتأجيل منه، فلو رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم بعد أربع سنوات مثلا ـ من فقد زوجها ـ مع قيامها بالفحص عنه خلال تلك المدّة أمر الحاكم بتجديد الفحص عنه مقداراً ما ـ مع احتمال ترتّب الفائدة عليه ـ فإذا لم يبلغ عنه خبر أمر بطلاقها على ما تقدّم.

4 ـ تقدّم أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق ما دام للمفقود مال ينفق منه عليها، أو ينفق وليّه عليها من مال نفسه، وليس الحكم كذلك فيما إذا وجد متبرّع بنفقتها من شخص أو مؤسّسة حكوميّة أو أهليّة، فيجوز لها المطالبة بالطلاق بالشروط المتقدّمة إذا لم ينفق عليها من مال الزوج أو من مال وليّه، وإن وجد من ينفق عليها من غير هذين الطريقين.

5 ـ الولي الذي لا يحقّ لزوجة المفقود المطالبة بالطلاق منه ما دام ينفق عليها من مال نفسه، والذي يأمره الحاكم الشرعي ـ مع عدم إنفاقه عليها ـ بطلاقها، ويجبره على الطلاق لو امتنع منه، هو أبو المفقود وجدّه لأبيه، وإذا كان للمفقود وكيل مفوّض إليه طلاق زوجته كان بحكم الولي من جهة الطلاق.

6 ـ لا فرق في المفقود ـ في ما ذكر من الأحكام ـ بين المسافر والهارب، ومن كان في معركة قتال ففقد، ومن انكسرت سفينته في البحر فلم يظهر له أثر، ومن أخذه قطّاع الطرق أو الأعداء فذهبوا به، ومن اعتقلته السلطات الحكوميّة فانقطعت أخباره ولم يعلم مكان اعتقاله.

7 ـ ليس للفحص عن المفقود كيفيّة خاصة، وطريقة معيّنة، بل المدار على ما يعدّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً، ويختلف ذلك باختلاف أنواع


الصفحة 247

المفقودين، فالمسافر المفقود يبعث من يعرفه باسمه وشخصه أو بحليته(1)إلى مظانّ وجوده للظفر به، أو يكتب إلى من يعرفه ليتفقّد عنه في ما يحتمل وجوده فيه من البلاد، أو يطلب من المسافرين إليها من الزوّار والحجّاج والتّجار وغيرهم أن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم، ويستخبر منهم إذا رجعوا من أسفارهم.

وأمّا المفقود في جبهات القتال فتراجع بشأنه الدوائر المعنيّة بأحوال الجنود المشاركين في المعركة، أو يُسأل عنه رفاقه العائدون من الجبهات، والأسـرى العائدون من الأسـر.

وأمّا المعتقل المفقود فتسأل عنه دوائر الشرطة والجهات الأمنيّة ذات العلاقة، وهكذا.

8 ـ مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام ـ كما تقدّم ـ ولا يعتبر فيه الاتّصال التام، بل يكفي فيه تصدّي الطلب عنه بحيث يصدق عرفاً أنّه قد فحص عنه في تلك المدّة.

9 ـ المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثاله; فالمسافر المفقود في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة إذا دلّت القرائن على عدم انتقاله منها كفى البحث عنه في ذلك البلد أو تلك الجهة، ولا يعتبر استقصاء البلد والجهات، ولا يعتنى باحتمال وصوله الى بلد احتمالا بعيداً.

10 ـ المسافر المفقود إذا علم أنّه كان في بلد معيّن في زمان ثمّ انقطع أثره، يتفحّص عنه أوّلا في ذلك البلد على النحو المتعارف، بأن يسأل عنه في جوامعه ومجامعه وفنادقه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته

____________

1- الحلية: أي العلامة التي تدلّ عليه، كـ: الرقم، أو الشيء الذي كان معه.

 


الصفحة 248

وسجونه ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش والسؤال، بل يكتفي بالبعض المعتدّ به من مشاهيرها، ويلاحظ في ذلك زيّ المفقود وصنعته وحرفته، فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه أبناء صنفه وحرفته، فإذا كان من طلبة العلم ـ مثلا ـ فالمحل المناسب له المدارس ومجامع العلم، فيسأل عنه العلماء وطلبة العلم، وهكذا بقيّة الأصناف، كالتّجار والحرفيّين والأطباء ونحوهم.

فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر، ولم يعلم موته ولا حياته، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محلّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال، واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين، كما تقدّم.

وإن احتمل الانتقال احتمالا معتدّاً به; فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحّص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كلّ قرية قرية، ولا في كلّ بلدة بلدة، بل يكتفي ببعض الأماكن المهمّة والمعروفة في كلّ جهة، مراعياً للأقرب فالأقرب إلى البلد الأوّل، وإذا كان احتمال انتقاله إلى بعضها أقوى فاللازم جعل محلّ الفحص ذلك البعض، ويكتفي بالفحص فيه إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره.

هذا فيما إذا علم أنّ المسافر المفقود كان في بلد معيّن في زمان، وأمّا إذا علم أنّه كان في بعض الأقطار كإيران والعراق ولبنان والهند ثمّ انقطع أثره، كفى الفحص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال، مع ملاحظة صنف المفقود وحرفته في ذلك.

وإذا علم أنّه خرج من منزله قاصداً التوجّه إلى بلد معيّن ـ كالعراقي إذا خرج برّاً يريد زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهده المقدّس بخراسان ثمّ انقطع خبره ـ يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة على طريقه إلى


الصفحة 249

ذلك البلد، وفي نفس ذلك البلد، ولا يجب الفحص عنه في الأماكن البعيدة عن الطريق، فضلا عن البلاد الواقعة في أطراف ذلك القطر.

وإذا علم أنّه خرج من منزله مُريداً للسفر، أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه، وانقطع أثره، لزم الفحص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب التي يحتمل وصوله إليها احتمالا معتدّاً به، ولا ينظر إلى ما بَعُد احتمال توجّهه إليه.

11 ـ يجوز للحاكم الاستنابة في الفحص وإن كان النائب نفس الزوجة، فإذا رفعت أمرها إليه فقال: تفحصّوا عنه إلى أن تمضي أربع سنوات، ثم تصدّت الزوجة أو بعض أقاربها للفحص والطلب حتّى مضت المدّة كفى.

12 ـ لا تشترط العدالة في النائب وفي من يستخبر منهم عن حال المفقود، بل يكفي الاطمئنان بصحة أقوالهم.

13 ـ إذا تعذّر الفحص فالظاهر: عدم سقوطه، فيلزم زوجة المفقود الانتظار إلى حين تيسّره.. نعم، إذا علم أنّه لا يجدي في معرفة حاله، ولا يترتّب عليه أثر أصلا، فالظاهر: سقوط وجوبه، ولكن لا يجوز طلاقها قبل مضيّ المدّة، على الأحوط.

14 ـ إذا تحقّق الفحص التامّ قبل انقضاء المدّة; فإن احتمل الوجدان بالفحص في المقدار الباقي ولو بعيداً ـ أي: ولو كان احتمال الوجدان ضعيفاً ـ لزم الفحص، وإن تيقّن عدم الوجدان سقط وجوب الفحص، ولكن يجب الانتظار إلى تمام المدّة، على الأحوط(1).

15 ـ إذا تمّت السنوات الأربع واحتمل وجدانه بالفحص بعدها لم

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.


الصفحة 250

يجب، بل يكتفي بالفحص في المدّة المضروبة ـ أي: المحدّدة شرعاً ـ وهي الأربعة أشهر وعشرة أيام.

16 ـ يجوز للزوجة اختيار البقاء على الزوجيّة بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلَّق ولو بعد تحقّق الفحص وانقضاء الأجل، فليست هي ملزَمة ـ أي: لا يجب عليها ـ باختيار الطلاق، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق، وحينئذ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص ـ أي: لا يجب عليها الفحص مرّة أُخرى ـ بل يكتفي بالأوّل.

17 ـ العدّة الواقعة بعد الطلاق من الولي أو الحاكم عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ـ أي: بعد انتهاء مدّة الفحص تبدأ العدّة ـ وهو طلاق رجعيّ فتستحقّ النفقة أيّامها ـ أي: في أيّام العدّة ـ وإذا حضر الزوج أثناء العدّة جاز له الرجوع إليها، وإذا مات أحدهما في العدّة ورثه الآخر، ولو مات ـ أي: أحدهما ـ بعد العدّة فلا توارث بينهما، وليس عليها حداد بعد الطلاق في أيّام العدّة.

18 ـ إذا تبيّن موت الزوج المفقود قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة، وإذا تبيّن انقضاء العدّة ـ أي: عدّة الطلاق ـ اكتفى بها ـ أي: بمدّة البحث عن الزوج ـ سواء أكان التبيّن ـ أي: العلم بموت الزوج ـ قبل التزوّج من غيره أم بعده، وسواء أكان موته المتبيّن وقع قبل الشروع في العدّة أم بعدها، أم في أثنائها أم بعد التزوّج من الغير، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن، أي تعيدها حين تبيّن وفاة الزوج.

19 ـ إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل، فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته. وإن كان بعده; فإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع


الصفحة 251

إليها، كما تقدّم، كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين ـ أي: تنقطع بينهما صلة الزوجيّة فليست بزوجته بعد انتهاء العدة ـ منه..

وإن كان بعد انقضائها ـ أي: بعد انتهاء العدّة ـ فإن تزوّجت من غيره فلا سبيل له عليها ـ يعني: أنّ زواجها صحيح ولا حقّ للزوج السابق عليها ـ وإن لم تتزوّج; ففي جواز رجوعها إليه وعدمه: قولان، أقواهما: الثاني، أي: لا يجوز رجوعها إليه إلاّ بعقد جديد.

20 ـ إذا تبيّن بعد الطلاق وانقضاء العدّة عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر شرعاً، كأن تبيّن عدم تحقّق الفحص على وجهه ـ أي: لم يكن الفحص على الطريقة المطلوبة شرعاً ـ أو عدم انقضاء مدّة أربع سنوات، أو عدم تحقّق شروط الطلاق أو نحو ذلك، لزم التدارك ولو بالاستئناف(1)، وإذا كان ذلك ـ أي: عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر ـ بعد تزوّجها من الغير كان باطلا ـ أي: كان زواجها الثاني باطلا ـ وإن كان الزوج الثاني قد دخل بها جاهلا بالحال حرمت عليه أبداً، على الأحوط وجوباً..

نعم، إذا تبيّن أنّ العقد عليها وقع بعد موت زوجها المفقود وقبل أن يبلغ خبره إليها فالعقد وإن كان باطلا إلاّ أنّه لا يوجب الحرمة الأبديّة حتّى مع الدخول; لعدم كونها حين وقوعه ذات بعل ولا ذات عدّة.

21 ـ إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته، جاز لها ـ بينها وبين الله تعالى ـ أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم.

____________

1- المقصود من الاستئناف: إعادة الفحص والطلاق والعدّة جميعاً.


الصفحة 252

نعم، في جواز الاكتفاء بقولها لمن يريد الزواج بها، وكذا لمن يصير وكيلا عنها في إيقاع العقد عليها إشكال، أي: لا يمكن لمن يريد الزواج منها أو من يريد أن يكون وكيلا عنها الاكتفاء بقولها، ولا بُدّ من الاعتماد على قول الحاكم الشرعي.

 

طلاق الخلع والمباراة

الخلع في اللغة هو: الإزالة والنّزع; فإذا قيل: خلعت ثوبي، فمعنى ذلك أنّه نزعه من جسـده.

وقد ذهب الفقهاء إلى أنّ إطلاق اسم الخلع على هذا النوع من الطلاق مستوحىً من الآية الكريمة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}(1)، فوصفت الآية الكريمة أنّ كلاّ من الزوجين بمثابة اللباس والستر للآخر، وحينما يقع الطلاق يخلع هذا اللباس.

1 ـ الخلع في اصطلاح الفقهاء هو: الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها، وإذا كانت الكراهة من الطرفين كان: مباراة، وإن كانت الكراهة من طرف الزوج خاصة لم يكن خلعاً ولا مباراة.

فالخلع والمباراة نوعان من الطلاق، فإذا انضمّ إلى أحدهما تطليقتان حرمت المطلَّقة على المطلِّق حتّى تنكح زوجاً غيره، أي: لا تصبح المرأة بائناً في طلاق الخلع إلاّ إذا انضمّ إليه تطليقتان.

2 ـ يشترط في الخلع جميع ما تقدّم اعتباره في الطلاق، وهي: ثلاثة أُمور:

____________

1- سورة البقرة 2: 187.


الصفحة 253

  الأوّل: الصيغة الخاصّة.

وهي هنا قوله: (أنتِ أو فلانة أو هذه طالق على كذا)، ـ أي: يذكر الشيء الذي تفدي به المرأة وتعطيه للزوج حتّى يطلّقها ـ وهو الشيء المعلّق عليه طلاق الخلع، أو يقول للزوجة: (خلعتكِ على كذا)، أو: (أنتِ أو فلانة أو هذه مختلِعة على كذا) بكسر كلمة مختلعة، وفي صحته بالفتح إشكال(1).

ولا يعتبر في الأُولى ـ أي: في عبارة: (أنتِ أو فلانة أو هي طالق على كذا) ـ إلحاقها بقوله: (أنتِ أو فلانة أو هي مختلِعة على كذا)، أي: لا يجب أن يقول هذه العبارات بعد أن قال العبارة الأُولى.

كما لا يعتبر في الأخيرتين ـ أي: عبارة: (أنتِ أو فلانة أو هي مختلِعة على كذا) ـ إلحاقهما بقوله: (فهي أو فأنتِ طالق على كذا)، وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً وأوْلى.

ولا يقع الخلع بالتقابل ـ أي: لا يقع طلاق الخلع بفسخ العقد بين الزوجين ـ كما لا يقع بغير لفظيْ الطلاق والخلع، أي: بلفظ (فديتك أو أبرأتك على كذا) أو أي لفظ آخر لا يشتمل على كلمة الطلاق أو الخلع.

  الثاني: التنجيز.

فلو علّق الخلع على أمر مستقبليّ معلوم الحصول، كما إذا قال: (أنتِ مختلِعة على كذا لو صار فصل الصيف)، أو متوقّع الحصول، كما إذا قال: (أنتِ مختلِعة على كذا لو قدم الحاج أو المسافر بعد أُسبوع)، أو أمر حاليّ محتمل الحصول، كما إذا قال: (أنتِ مختلِعة على كذا لو ثبت أنّ

____________

1- أي: لا يقع الخلع لو قال: (انتِ أو فلانة أو هذه مختَلَعة).


الصفحة 254

اليوم آخر شهر رمضان) وكان لا يعلم طبعاً بأنّه آخر الشهر، من غير أن يكون مقوّماً لصحة الخلع بطل; أي: الخلع.

ولا يضرّ تعليقه على أمر حاليّ معلوم الحصول ولكنّه كان مقوّماً لصحة الخلع، كما لو قال: (إن كنتِ زوجتي، أو إن كنتِ كارهةً لي).

  الثالث: الإشهاد.

بمعنى: إيقاع الخلع بحضور رجلين عادلين يسمعان الإنشاء.

3 ـ يشترط في الزوج الخالع جميع ما تقدّم اعتباره في المطلِّق من البلوغ والعقل والقصد ـ أي: لم يكن هازلا ـ والاختيار ـ أي: عدم كونه مُجبراً ـ والإشكال المتقدّم في طلاق من بلغ عشر سنين جار في خلعه أيضاً; فلا يترك مقتضى الاحتياط فيه ـ أي: لا يصحّ خلع الزوج زوجته إن كان عمره عشر سنين ـ.

ويشترط في الخالع مضافاً إلى ذلك: أن لا يكون كارهاً لزوجته، وإلاّ لم يقع خلعاً، بل يكون مباراة إذا كانت هي أيضاً كارهة لزوجها، كما مرّ.

4 ـ يشترط في الزوجة المختلِعة جميع ما تقدّم اعتباره في المطلّقة من كونها: زوجة دائمة. وكونها: معيّنة بالاسم أو بالإشارة الرافعة للإبهام. وكونها: طاهرة من الحيض والنفاس، إلاّ في الموارد المستثناة; وهي: أن لا تكون مدخولا بها، و: أن تكون مستبينة الحمل، و: أن يكون المطلّق غائباً.

ولا يعتبر فيها البلوغ ولا العقل; فيصحّ خلع الصغيرة والمجنونة، ويتولّى وليّهما بذل الفداء، أي: الشيء الذي يُعطى للزوج في مقابل خلعه وطلاقه للمرأة.


الصفحة 255

5 ـ يشترط في المختلِعة ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ أمران آخران:

الأمر الأوّل:

بلوغ كراهتها له حدّاً يحملها على تهديده بترك رعاية حقوقه الزوجيّة، وعدم إقامة حدود الله تعالى فيه.

6 ـ الكراهة المعتبرة في الخلع أعمّ من أن تكون ذاتيّة ناشئة من خصوصيّات الزوج، كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك، وأن تكون عرضيّة من جهة عدم إيفائه بعض حقوقها المستحبّة، أو قيامه ببعض الأعمال التي تخالف ذوقها، كالتزوّج عليها بأُخرى.

وأمّا إذا كان منشأ الكراهة وطلب المفارقة إيذاء الزوج لها بالسبّ والشتم والضرب ونحوها، فأرادت تخليص نفسها منه فبذلت شيئاً ليطلّقها، فالظاهر عدم صحّة البذل، وبطلان الطلاق خلعاً، بل مطلقاً، على الأقرب، أي: لا يقع الطلاق أصلا بأيّ نحو من أنحائه.

ولو كان منشأ الكراهة عدم وفاء الزوج ببعض حقوقها الواجبة، كالقسم ـ أي: حقّ المبيت عندها ـ والنفقة، فهل يصحّ طلاقها خلعاً أم لا؟

فيه وجهان، أقربهما: الأوّل; أي: يصح الخلع حينئذ.

7 ـ لو طلّقها بعوض مع عدم كراهتها لم يصحّ الخلع، ولم يملك الفدية، ولكن هل يصح الطلاق؟

فيه إشكال. والأقرب: البطلان ـ أي: لا يصحّ الطّلاق ـ إلاّ إذا أوقعه بصيغة الطلاق أو أتبعه بها ـ أي: قال: (أنتِ مختلعة وأنتِ طالق) ـ ومَلَك الفدية بسبب مستقلّ قد أخذ الطلاق شرطاً فيه، كما إذا صالحته على مال واشترطت عليه أن يطلّقها فإنّه بعقد الصلح المذكور يملك المال وعليه


الصفحة 256

الطلاق، ولا يكون الطلاق حينئذ خلعيّاً بل يكون رجعيّاً في مورده ـ أي: في هذا المورد بالخصوص ـ حتّى إذا اشترطت عليه عدم الرجوع إلاّ أنّه يحرم عليه مخالفة الشرط، غير أنّه إذا خالف ورجع صحّ رجوعه، ويثبت للزوجة الخيار في فسخ عقد الصلح من جهة تخلّف الشرط.

الأمر الثاني:

ممّا يعتبر في المختلِعة أن تبذل الفداء لزوجها عوضاً عن الطلاق.

ويعتبر في الفداء: أن يكون ممّا يصحّ تملّكه ـ أي: لا يكون ممّا لا يملك، كالكلب والخنزير والخمر ـ أو ما بحكمه، كأن تبذل ديناً لها في ذمّته..

وأن يكون ـ أي: الفداء ـ متموّلا ـ أي: مالا قابلا للتملّك ـ عيناً كان أو ديناً أو منفعة وإن زاد على المهر المسمّى ـ أي: المذكور حين العقد ـ.

وأن يكون معلوماً; فلو خالعها على ألف ولم يعيّن ـ أي: لم يقل: ألف دينار، أو ألف تومان مثلا ـ بطل الخلع، بل الأحوط لزوماً: أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات ـ أي: في البيع والشراء ـ بأن يكون معلوماً بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون، وبالعدّ في المعدود، وبالمشاهدة في ما يعتبر بها ـ أي: المشاهدة ـ.

نعم إذا كان المبذول مهرها المسمّى، فالظاهر: كفاية العلم به على نحو العلم المعتبر في المهر، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها أو عدّها أو ذرعها.

ويصحّ جعل الفداء إرضاع ولده ولكن مشروطاً بتعيين المدّة، وإذا


الصفحة 257

جعل كليّاً في ذمّتها ـ كألف دينار ـ يجوز جعله حالاّ ومؤجّلا مع ضبط الأجل، أي: إمّا أن تسلّمه الفداء كلّه وقت الخلع، أو تجعله في ذمّتها لمدّة معينة.

8 ـ يعتبر في الفداء: أن يكون بذله باختيار الزوجة; فلا يصحّ مع إكراهها على البذل، سواء أكان الإكراه من الزوج أم من غيره.

9 ـ يعتبر في الفداء: أن يكون مملوكاً للمختلعة، أو ما بحكمه، كألف دينار على ذمّتها، أو منفعة دارها إلى عشر سنوات مثلا. ولا يصحّ لو كان مملوكاً للغير; فلو تبرّع الأجنبي ببذل الفداء لزوجها لم يصحّ طلاقها خلعاً، نعم لا يبعد صحّة البذل والطلاق إذا أوقعة بصيغة الطلاق ـ أي: لا بصيغة الخلع ـ أو أتبعه بها ـ أي: يقول: (أنتِ مختلِعة على كذا فأنتِ طالق) ـ ويكون رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده.

وهكذا الحال ـ أي: يصحّ الطلاق والبذل ولا يكون خلعاً ـ فيما إذا أذن الغير لها في الافتداء بماله فبذلته لزوجها ليطلّقها، أو قام الغير ببذل الفداء له من ماله على وجه مضمون عليها، كما لو قالت لشخص: (أبذل لزوجي ألف دينار ليطلّقني) فبذل له ذلك فطلّقها، فإنّه يصحّ البذل والطلاق، ويحقّ للباذل الرجوع به عليها لوقوع البذل منه بطلبها ـ أي: يحقّ للباذل بعد ذلك أن يأخذ الفداء منها.

10 ـ لو جعلت الفداء مال الغير من دون إذنه، أو ما لا يملكه المسلم، كالخمر، مع العلم ـ أي: مع علمها بأنّه مال الغير ـ أو أنّه ممّا لا يملكه مسلم بذلك، بطل البذل، فيبطل الخلع، بل يبطل مطلقاً حتّى الطلاق، إلاّ إذا كان بصيغة الطلاق، أو أتبعه بها قاصداً ـ في الحقيقة ـ طلاقها من غير عوض; فإنّه يصحّ حينئذ رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف الموارد.


الصفحة 258

ولو جعلت الفداء مال الغير مع الجهل بأنّه مال الغير، فالمشهور: صحّة الخلع وضمانها للمثل أو القيمة، وفيه إشكال، بل لا يبعد بطلانه مطلقاً، أي: يبطل الطلاق والبذل ولا يترتّب عليهما أيّ أثر.

وكذا لو جعلت الفداء خمراً بزعم أنّها خلّ ـ أي: لا يصحّ الخلع ولا الطّلاق ولا البذل; لأنّ ما وقع لم يقصد ـ ثمّ بان الخلاف، إلاّ إذا كان المقصود جعل ذلك المقدار من الخلّ فداء; فيصحّ خلعاً.

11 ـ إذا خالعها على عين معيّنة فتبيّن أنّها معيبة; فإن رضي بها صحّ الخلع، وإلاّ ـ أي: وإن لم يرض بها ـ ففي صحته إشكال، وإن كان لا يخلو من قوة، والأحوط(1) لهما ـ أي: للزوجين ـ: المصالحة في الفداء ولو بدفع الأرش ـ أي: الغرامة ـ أو تعويضه بالمثل أو القيمة ـ أي: لو كان له مثل فيعطى للزوج وإن لم يكن له مثل فتعطى القيمة ـ.

12 ـ إذا قال أبوها للزوج: (طلّقها وأنتَ بريء من صداقها)، أي: من مهرها، وكانت بالغة رشيدة، فطلّقها، لم تبرأ ذمّته من صداقها، وهل يصحّ طلاقها رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف الموارد؟

فيه إشكال، والأقرب: البطلان ـ أي: لا يقع الطلاق ـ.

نعم إذا كان عالماً بعدم ولاية أبيها على إبرائه من صداقها فطلّقها بصيغة الطلاق ـ أي: قال: (أنتِ طالق)، أو قال: (خلعتك على كذا فأنتِ طالق) ـ أو أتبعه بها قاصداً في الحقيقة طلاقها من غير عوض صحّ كذلك، أي: صحّ الطلاق.

13 ـ الخلع وإن كان قسماً من الطّلاق وهو من الإيقاعات إلاّ أنّه

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.


الصفحة 259

ـ كما عرفت ـ يشبه العقود في الاحتياج إلى طرفين وإنشاءين: بذل شيء من طرف الزوجة ليطلّقها الزوج، وإنشاء الطلاق من طرف الزوج بما بذلت.

ويقع ذلك على نحوين:

الأوّل: أن يقدّم البذل من طرفها على أن يطلّقها، فيطلّقها على ما بذلت.

الثاني: أن يبتدئ الزوج بالطلاق مصرّحاً بذكر العوض فتقبل الزوجة بعده، والأحوط(1) أن يكون الترتيب على النحو الأوّل.

14 ـ يعتبر في صحّة الخلع: الموالاة بين إنشاء البذل والطلاق، بمعنى: تعقّب أحدهما بالآخر قبل انصراف صاحبه عنه منه; فلو بذلت المرأة فلم يبادر الزوج إلى إيقاع الطلاق حتّى انصرفت المرأة عن بذلها لم يصح الخلع، واشترط بعض الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ الفوريّة العرفيّة بين البذل والطلاق، ولكن لا دليل على اعتبارها وإن كانت رعايتها أحـوط(2).

15 ـ يجوز أن يكون البذل والطلاق بمباشرة الزوجين أو بتوكيلهما الغير أو بالاختلاف ـ أي: توكّل المرأة غيرها في البذل مثلا ويباشر الزوج الطلاق بنفسه ـ ويجوز أن يوكّلا شخصاً واحداً ليبذل عنها ويطلّق عنه، بل الظاهر: أنّه يجوز لكلّ منهما أن يوكّل الآخر في ما هو من طرفه، فيكون أصيلا في ما يرجع إليه، ووكيلا في ما يرجع إلى الطرف الآخر.

16 ـ يصح التوكيل في الخلع في جميع ما يتعلّق به من شرط العوض وتعيينه، وقبضه وإيقاع الطلاق، أي: يصحّ أن يوكّل غيره في

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.

2- الاحتياط هنا: استحبابي.


الصفحة 260

جميع هذه الأُمور، ومن المرأة في جميع ما يتعلّق بها من استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه.

17 ـ إذا وقع الخلع بمباشرة الزوجين، فإمّا أن تبدأ الزوجة وتقول: (بذلتُ لكَ، أو أعطيتُكَ ما عليك من المهر، أو الشيء الكذائيّ لتطلِّقني)، فيقول الزوج: (أنتِ طالق، أو مختلِعة ـ بكسر اللام ـ على ما بذلتِ، أو على ما أعطيتِ)، وإمّا أن يبتدئ الزوج، بعدما تواطئا ـ أي: اتّفقا ـ على الطّلاق بعوض، فيقول: (أنتِ طالق أو مختلِعة بكذا أو على كذا) فتقول الزوجة: (قبلتُ أو رضيتُ).

وإن وقع البذل والطلاق من وكيلين، يقول وكيل الزوجة مخاطباً وكيل الزوج: (عن قِبَل موكّلتي فلانة بذلتُ لموكِّلِكَ ما عليه من المهر أو المبلغ الكذائيّ ليخلعها أو ليطلِّقَها)، فيقول وكيل الزوج: (زوجة موكِّلي طالق على ما بذَلَتْ)، أو يقول: (عن قِبلِ موكّلي خلعتُ موكِّلَتَكَ على ما بَذَلَتْ).

وإن وقع من وكيل أحدهما مع الآخر، كوكيل الزوجة مع الزوج، يقول وكيلها مخاطباً الزوج: (عن قِبَل موكِّلتي فلانة، أو زوجَتك بَذلتُ لك ما عليك من المهر، أو الشيء الكذائيّ على أن تطلّقها)، فيقول الزوج: (هي أو زوجتي طالق على ما بَذَلَتْ) ـ أي: الزوجة ـ أو يبتدئ الزوج مخاطباً وكيلها: (موكِّلتكَ أو زوجتي فلانة طالق على كذا)، فيقول وكيلها: (عن قِبَل موكِّلَتي قبلتُ ذلك).

وإن وقع ممّن كان وكيلا عن الطرفين، يقول: (عن قِبَل موكّلتي فلانة بذلت لموكّلي فلان الشيء الكذائيّ ليطلّقها)، ثم يقول: (زوجة موكّلي طالق على ما بذلتْ)، أو يبتدئ من طرف الزوج ويقول: (زوجة موكّلي طالق على الشيّ الكذائيّ)، ثمّ يقول من طرف الزوجة: (عن قِبَل موكّلتي قبلتُ).


الصفحة 261

ولو فرض أنّ الزوجة وكّلت الزوج في البذل يقول: (عن قِبَل موكّلتي زوجتي بذلتْ لنفسي كذا لأطلّقها)، ثمّ يقول: (هي طالق على ما بَذَلَتْ).

18 ـ إذا استدعت الطلاق من زوجها بعوض معلوم فقالت له: (طلّقني أو اخلعني بكذا)، فقال الزوج: (أنت طالق أو مختلِعة بكذا)، ففي وقوعه إشكال، فالأحوط(1) اتباعه بالقبول منها بأن تقول بعد ذلك: (قبلتُ).

19 ـ طلاق الخلع بائن لا يقع فيه الرجوع ما لم ترجع المرأة في ما بذلتْ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة، فإذا رجعت كان له الرجوع إليها.

20 ـ الظاهر: اشتراط جواز رجوعها في المبذول بإمكان رجوعه بعد رجوعها، فلو لم يجز له الرجوع بأن كان الخلع طلاقاً بائناً في نفسه، ككونه طلاقاً ثالثاً، أو كانت الزوجة ممّن لا عدّة لها، كاليائسة وغير المدخول بها، أو كان الزوج قد تزوّج بأُختها أو برابعة قبل رجوعها بالبذل، أو نحو ذلك، لم يكن لها الرجوع في ما بذلتْ.

وهكذا الحال فيما لو لم يعلم الزوج برجوعها في الفدية حتّى فات زمان الرجوع، كما لو رجعت عند نفسها ولم يطلّع عليه الزوج حتّى انقضت العدّة، فإنّه لا أثر لرجوعها حينئذ.

21 ـ لا توارث بين الزوج والمختلِعة لو مات أحدهما في العدّة، إلاّ إذا رجعت في الفدية فمات أحدهما بعد ذلك قبل انقضائها.

____________

1- الاحتياط هنا: وجوبي.


الصفحة 262

22 ـ المباراة كالخلع في جميع ما تقدّم من الشروط والأحكام، وتختلف عنه في أُمور ثلاثة:

الأوّل:

أنّها تترتّب على كراهة كلّ من الزوجين لصاحبه، بخلاف الخلع; فإنّه يترتّب على كراهة الزوجة دون الزوج، كما مرّ.

الثاني:

أنّه يشترط فيها أن لا يكون الفداء أكثر من مهرها، بل الأحوط الأوْلى: أن يكون أقلّ منه، بخلاف الخلع; فإنّه فيه على ما تراضيا به، ساوى المهر أم زاد عليه أم نقص عنه.

الثالث:

أنّه إذا أوقع إنشاءها بلفظ: (بارأتُ)، فالأحوط لزوماً: أن يتبعه بصيغة الطلاق، فلا يجتزئ بقوله: (بارأتُ زوجتي على كذا) حتّى يتبعه بقوله: (فأنتِ طالق، أو هي طالق)، بخلاف الخلع; إذ يجوز أن يوقعه بلفظ الخلع مجـرّداً، أي بدون أن يذكر لفظ الطلاق.

ويجوز في المباراة ـ كالخلع ـ إيقاعها بلفظ الطّلاق مجرّداً، بأن يقول الزوج ـ بعدما بذلت له شيئاً ليطلّقها ـ: (أنت طالق على ما بذلتِ).

23 ـ طلاق المباراة بائن كالخلع لا يجوز الرجوع فيه للزوج ما لم ترجع الزوجة في الفدية قبل انتهاء العدّة، فإذا رجعت فيها في العدّة جاز له الرجوع إليها على نحو ما تقدّم في الخلع.


الصفحة 263

 

الظَهار

 

الظَهار لغة هو: قول الزوج لزوجته: (أنت علَيّ كظهر أُمّي)(1)، (أو أنت علَيّ كظهر ذات رحم).

والظهار كان في الجاهلية طلاقاً، فلمّا جاء الإسلام نهى عنه وأوجب على مرتكبه الكفّارة.

وأصله مأخوذ من: الظَهر، وأُخذ من الظهر لأنّه موضع الركوب، وأُقيم الظهر هنا مقام الركوب لأنّه مركوب، وأقام الركوب مقام النكاح لأنّ الناكح راكب، وهو من لطيف الاستعارات للكناية.

وقيل: إنّ إتيان المرأة وظهرها إلى السماء كان حراماً عندهم في الجاهلية، وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد الرجل ـ المطلِّق ـ منهم التغليظ في تحريم امرأته عليه شبّهها بالظهر، ثمّ لم يقنع بذلك حتّى جعلها كظهر أمّه، وكان الرجل عندهم إذا ظاهر المرأة تركها وتجنّبها، لذا تضمّن الظهار معنى: التباعد(2).

1 ـ الظهار حرام، وموجب لتحريم الزوجة المظاهَر منها، ولزوم الكفّارة بالعود إلى مقاربتها، كما سيأتي تفصيله.

2 ـ صيغة الظهار أن يقول الزوج مخاطباً للزوجة: (أنتِ علَيّ كظهر أُمّي)، أو يقول بدل أنتِ: (هذه) مشيراً إليها، أو (زوجتي)، أو (فلانة). ويجوز تبديل (علَيّ) بقوله: (منّي)، أو (عندي)، أو (لديّ)، بل الظاهر:

____________

1- الصحاح 2: 732 " ظهر ".

2- لسان العرب 8: 280 " ظهر ".


الصفحة 264

عدم اعتبار ذكر لفظة (علَيّ) وأشباهها أصلا، بأن يقول: (أنت كظهر أُمّي).

3 ـ لو شبّه زوجته بجزء آخر من أجزاء الأُمّ ـ كرأسها أو يدها أو بطنها ـ قاصداً به تحريمها على نفسه، ففي وقوع الظهار به قولان، أظهرهما: عدم الوقوع، وإن كان الاحتياط(1) في محلّه.

4 ـ لو شبّهها بأُمّه جملة بأن قال: (أنت كأُمّي)، أو: (أنت أُمّي) قاصداً به التحريم، لا علو المنزلة والتعظيم أو كبر السنّ وغير ذلك، فالأظهر: عدم وقوع الظهار به، وإن كان الأحوط استحباباً: خلافه.

5 ـ لو شبّهها بإحدى المحارم النسبيّة غير الأُمّ، كالبنت والأُخت والعمّة والخالة، فقال: (أنت علَيّ كظهر أُختي) فالأقرب: وقوع الظهار به، وفي إلحاق المحرّمات بالرضاع وبالمصاهرة بالمحرّمات النسبيّة في ذلك إشكال; فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه..

أي: لو قال للزوجة: (أنتِ علَيّ كأُختي من الرضاعة، أو كخالتي، أو كأُختك) مثلا، فالأحوط وجوباً: أن يعتبر هذا الظهار، ولو قال لها: (أنت عليّ حرام) من غير أن يشبّهها ببعض محارمه لم تحرم عليه ولم يترتّب عليه أثر أصلا.

6 ـ الظهار الموجب للتحريم ما كان من طرف الرجل، فلو قالت المرأة لزوجها: (أنتَ علَيّ كظهر أبي أو أخي) لم يؤثّر شيئاً.

7 ـ يعتبر في الظهار وقوعه بحضور عدلين يسمعان قول المظاهِر، كالطلاق، ويعتبر في المظاهِر ـ أي: في الزوج الذي يظاهر زوجته ـ: البلوغ والعقل والاختيار ـ أي: لا يكون الزوج مجبراً ـ والقصد ـ أي: لا يكون

____________

1- الاحتياط هنا: استحبابي.


الصفحة 265

هازلا ـ وعدم الغضب، وأن لا يكن ـ أي: الغضب ـ سالباً للقصد والاختيار، على الأقوى.

ويعتبر في المظاهَر منها ـ وهي: الزوجة ـ: خلوّها عن الحيض والنفاس، وكونها في طهر لم يواقعها فيه، على التفصيل المتقدّم في المطلّقة، وكونها مدخولا بها على الأصحّ، وهل يعتبر كونها زوجة دائميّة فلا يقع الظهار على المتمتع بها؟

فيه إشكال; فالاحتياط لا يترك، أي: أنّ الأحوط وجوباً: وقوع الظهار حتّى على الزوجة المؤقّتة.

8 ـ لا يقع الظهار إذا قصد به الإضرار بالزوجة، كما لا يقع في يمين، بأن كان غرضه زجر نفسه عن فعل، كما لو قال: (إن كلّمتك فأنت عليّ كظهر أُمّي)، أو بعث نفسه على فعل، كما لو قال: (إن تركتُ الصلاة فأنتِ عليّ كظهر أُمّي).

9 ـ يقع الظهار على نحوين: مطلق، ومعلّق. والأوّل ما لم يكن منوطاً بوجود شيء(1)، بخلاف الثاني، ويصحّ التعليق على الوطء، كأن يقول: (أنت عليّ كظهر أُمّي إن قاربتُكِ)، كما يصحّ التعليق على غيره حتّى الزمان، على الأقوى، كأن يقول: (أنت عليّ كظهر أُمّي إن جاء يوم الجمعة)، نعم لا يصحّ التعليق على الإتيان بفعل بقصد زجر نفسه عنه، أو على ترك فعل بقصد بعثها نحوه، كما مرّ آنفاً.

10 ـ لو قيّد الظهار بمدّة، كشهر أو سنة، ففي صحّته إشكال، والأقرب: البطلان; أي: لا اعتبار لهذا الظهار.

____________

1- أي: غيره مشروط بشيء ما.


الصفحة 266

11 ـ إذا تحقّق الظهار بشرائطه، فإن كان مطلقاً حرم على المظاهِر وطء المظاهَر منها، ولا يحلّ له حتّى يكفِّر، فإذا كفّر حلّ له وطؤها، ولا تلزمه كفّارة أُخرى بعد الوطء، ولو وطئها قبل أن يكفّر لزمته كفّارتان: إحداهما للوطء، والأُخرى لإرادة العود إليه ـ أي: للوطء ـ والأظهر: عدم حرمة سائر الاستمتاعات عليه قبل التكفير، وأمّا إذا كان ـ أي: الظهار ـ معلّقاً فيحرم عليه الوطء بعد حصول المعلَّق عليه، فلو علّقه على نفس الوطء، كما لو قال: (إذا وطأتك فأنت عليّ كظهر أمّي) لم يحرم الوطء المعلَّق عليه ولا تجب به الكفّارة.

12 ـ تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء قبل التكفير، كما أنّها تتكرّر بتكرّر الظهار مع تعدّد المجلس ـ أي: إذا كان الظهار في أوقات مختلفة ـ وأمّا مع اتّحاده ففيه إشكال; فلا يترك الاحتياط، أي: تتكرّر الكفّارة على الأحوط وجوباً لو تعدّد الظهار في مجلس واحد.

13 ـ كفّارة الظهار: عتق رقبة، وإذا عجز عنه فصيام شهرين متتابعين، وإذا عجز عنه فإطعام ستّين مسكيناً.

14 ـ إذا عجز عن الأُمور الثلاثة صام ثمانية عشر يوماً، وإن عجز عنه لم يجزئه الاستغفار، على الأحوط لزوماً.

15 ـ إذا ظاهر من زوجته ثمّ طلّقها رجعيّاً لم يحلّ له وطؤها حتّى يكفّر، بخلاف ما إذا تزوّجها بعد انقضاء عدّتها، أو كان الطلاق بائناً وتزوّجها في العدّة، فإنّه يسقط حكم الظهار ويجوز له وطؤها بلا تكفير، ولو ارتدّ أحدهما; فإن كان قبل الدخول، أو كانت المرأة يائسة أو صغيرة، أو كان المرتدّ هو الرجل عن فطرة ثمّ تاب المرتدّ وتزوّجها، سقط حكم الظهار، وجاز له وطؤها بلا تكفير..


الصفحة 267

وأمّا لو كان الارتداد بعد الدخول ولم تكن المرأة يائسة ولا صغيرة، وكان المرتدّ هو الرجل عن ملّة أو هي ـ أي: المرأة ـ مطلقاً، فحكمه حكم الطلاق الرجعي.

فإن تاب المرتدّ ـ أي: الملّي الذي أسلم ثمّ ارتدّ ولم يكن أبواه أو أحدهما مسلماً ـ في العدّة لم يجز له أن يطأها حتّى يكفّر، وإن انقضت عدّتها ثم تزوّجها جاز له وطؤها من دون كفّارة، ولو ظاهر من زوجته ثمّ مات أحدهما لم تثبت الكفّارة.

16 ـ إذا صبرت المظاهَر منها على ترك وطئها فلا اعتراض، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم، فيحضره ويخيّره بين الرجعة بعد التكفير وبين طلاقها، فإن اختار أحدهما، وإلاّ أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدّة ولم يختر أحد الأمرين حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على خصوص أحدهما، وإن امتنع عن كليهما طلّقها الحاكم، على الأقوى.




الصفحة 268


الإيلاء

 

قال تعالى مشيراً إلى هذا المفهوم: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عليمٌ}(1).

والإيلاء لغة: عبارة عن اليمين مطلقاً، وأمّا في اصطلاح الفقهاء فهو: حلف الزوج أن لا يطأ زوجته أربعة أشهر فأكثر، وشرائط أُخرى لا يتحقّق الإيلاء بدونها، فإذا حلف الزوج قيل للمرأة: " آلية "، وللجمع: " أوال ".

ولم يشرّع الإيلاء ـ مع ما فيه من حرمان للمرأة عن حقّها الطبيعي ـ إلاّ لتأديبها، وإلزامها على ترك معصية الزوج كي تعود الحياة الزوجيّة إلى الوئام والاستقرار.

1 ـ الإيلاء هو: الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة قُبلا، إمّا أبداً، أو مدّة تزيد على أربعة أشهر; لغرض الإضرار بها، فلا يتحقّق الإيلاء بالحلف على ترك وطء المتمتع بها، ولا بالحلف على ترك وطء الدائمة مدّة لا تزيد على أربعة أشهر، ولا فيما إذا كان لدفع ضرر الوطء عن نفسه أو عنها، أو لنحو ذلك، أي: لو حلف أن لا يطأها لأنّها مريضة، أو لوجود مانع، فلا يدخل ذلك في بحث الإيلاء، كما يعتبر فيه أيضاً أن تكون الزوجة مدخولا بها، ولو دبراً، فلا يتحقّق بالحلف على ترك وطء غير المدخول بها.. نعم، تنعقد اليمين في جميع ذلك وتترتّب عليها مع اجتماع شروطه، أي: شروط اليمين.

2 ـ يعتبر في المؤلي ـ أي: الزوج الحالف على أن لا يقارب زوجته

____________

1- سورة البقرة 2: 226.


الصفحة 269

أكثر من أربعة أشهر لغرض إيصال الضرر اليها ـ أن يكون: بالغاً عاقلا مختاراً ـ أي: غير مجبر ـ قاصداً ـ أي: لا هازلا ولا حالفاً في حال نومه ـ فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران، ومن اشتدّ به الغضب حتّى سلبه قصده أو اختياره.

وهل يعتبر أن يكون قادراً على الإيلاج فلا يقع من العنّيين والمجبوب؟

فيه وجهان، أقربهما: الأوّل ـ أي: لا يصدق الإيلاء على الزوج الغير قادر على مقاربة زوجته، كالعنّيين، وهو من فيه مرض مانع من انتشار العضو بحيث لا يقدر معه على الايلاج.

والمجبوب هو: مقطوع العضو التناسلي بحيث لم يبق منه ما يمكنه الوطء به.

3 ـ لا ينعقد الإيلاء، كمطلق اليمين ـ أي: كما لا ينعقد مطلق اليمين ـ إلاّ باسم الله تعالى المختص به، أو ما ينصرف إطلاقه إليه ـ أي: لله تعالى ـ كما لو قال: باسم الرحمن، أو: باسم الرحيم، وكذلك صفاته عزّ وجلّ الأُخرى المشتركة بينه وبين غيره ولو في مقام الحلف، ولا يعتبر فيه العربية، ولا اللّفظ الصريح في كون المحلوف عليه: ترك الجماع قُبلا، بل المعتبر: صدق كونه حالفاً على ترك ذلك العمل بلفظ ظاهر فيه; فيكفي قوله: (لاأطأُكِ)، أو: (لا أُجامِعُك)، أو: (لا أمسُّكِ)، بل وقوله: (لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدّة)، إذا قصد به ترك الجماع.

4 ـ إذا تمّ الإيلاء بشرائط; فإن صبرت المرأة مع امتناعه ـ أي: امتناع الزوج ـ عن المواقعة، فهو ـ أي: يجري عليها حكم الإيلاء ـ وإلاّ فلها أن


الصفحة 270

ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فينظَره ـ أي: ينتظره ـ الحاكم أربعة أشهر، فإن رجع وواقعها في هذه المدّة فهو ـ أي: فهو زوجها دون أيّ مانع شرعي ـ وإلاّ ـ أي: وإن لم يرجع ـ ألزمه بأحد الأمرين: إمّا الرجوع، أو الطلاق; فإن فعل أحدهما، وإلاّ حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معيّناً، وإن امتنع عن كليهما ـ أي: عن الرجوع والطلاق ـ طلّقها الحاكم، ولو طلّق وقع الطلاق رجعيّاً أو بائناً على حسب اختلاف موارده.

5 ـ إذا عجز المؤلي عن الوطء كان رجوعه بإظهار العزم على الوطء على تقدير القدرة عليه، أي: لو كان قادراً عليه.

6 ـ المشهور بين الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ أنّ الأشهر الأربعة ـ التي يُنظَر فيها المؤلي ثم يجبر على أحد الأمرين بعدها ـ تبدأ من حين الترافع إلى الحاكم، وقيل: من حين الإيلاء، فعلى هذا لو لم ترافع حتّى انقضت المدّة ألزمه الحاكم بأحد الأمرين من دون إمهال وانتظار مدّة، وهذا القول لا يخلو من قوّة، ولكن مع ذلك لا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك، أي: الأحوط وجوباً: أن ينتظره الحاكم الشرعي ويمهله مدّة ويكون مبدأ حسابها وقت الترافع لا حين الإيلاء.

7 ـ إذا اختلفا في الرجوع والوطء، فادّعاهما المؤلي ـ أي: الزوج ـ وأنكرت هي; فالقول قوله بيمينه، أي: يؤخذ بقول الزوج لو حلف.

8 ـ يزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وإن عقد عليها في العدّة، بخلاف الطلاق الرجعي; فإنّه وإن خرج به ـ أي: بالطلاق ـ من حقّها فليست لها المطالبة والترافع إلى الحاكم، لكن لا يزول حكم الإيلاء إلاّ بانقضاء عدّتها، فلو راجعها في العدّة عاد إلى الحكم الأوّل ـ أي إلى


الصفحة 271

الإيلاء ـ فلها المطالبة بحقّها والمرافعة إلى الحاكم.

9 ـ متى وطأَها الزوج بعد الإيلاء لزمته الكفّارة، سواء أكان ـ يعني: الوطء ـ في مدّة التربّص ـ أي: الانتظار ـ أو بعدها أو قبلها لو جعلناها من حين المرافعة; لأنّه قد حنث اليمين ـ أي: خالفها ـ على كلّ حال. وإن جاز له هذا الحنث بل وجب ـ أي: الحنث ـ بعد انقضاء المدّة ومطالبتها وأمر الحاكم به تخييراً بينه وبين الطلاق، وبهذا تمتاز هذه اليمين عن سائر الأيمان، كما أنّها تمتاز عن غيرها بأنّه لا يعتبر فيها ما يعتبر في غيرها من كون متعلّقها ـ أي: الشيء الذي يعلّق عليه هذا اليمين ـ راجحاً شرعاً ـ أي: لا يشترط أن يكون ما علّق عليه اليمين محلّلا وجائزاً شرعاً ـ أو كونه غير مرجوح شرعاً، مع رجحانه بحسب الأغراض الدنيوية العقلائية.

10 ـ إذا آلى من زوجته مدّة معيّنة فدافع عن الرجوع والطلاق إلى أن انقضت المدّة، لم تجب عليه الكفّارة، ولو وطئها قبله ـ يعني: قبل انقضاء المدّة ـ لزمته الكفّارة.

11 ـ لا تتكرّر الكفّارة بتكرّر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على ترك الوطء فيه واحداً.


الصفحة 272

 

اللّعان

 

1 ـ الّلعان: مباهلة خاصّة بين الزوجين أثرها دفع حدّ أو نفي ولد. ويثبت في موردين:

  المورد الأوّل: فيما إذا رمى الزوج زوجته بالزنا.

2 ـ لا يجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الرِيبة ـ أي: مع الشكّ في أنّها زنت أو لا، وهو درجة خمسين بالمائة ـ ولا مع غلبة الظنّ ـ أي: بدرجة ثمانين بالمائة ـ لبعض الأسباب المريبة، بل ولا بالشياع ـ أي: لكونه شائعاً ـ ولا بإخبار شخص ثقة..

نعم، يجوز مع اليقين، ولكن لا يُصدّق إذا لم تعترف به الزوجة، ولم يكن له بيّنة، بل يحـدَّ ـ أي: يقام على الزوج حدّ القذف ـ مع مطالبتها ـ أي: بالحدّ ـ إلاّ إذا أوقع اللّعان الجامع للشروط الآتية فيدرأ عنه الحدّ.

3 ـ يشترط في ثبوت اللّعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة، فلا لعان في مَن لم يدّعها ومَن لم يتمكّن منها، كالأعمى، فيحدّان مع عدم البيّنة، كما يشترط في ثبوته ـ أي: اللعان ـ أن لا تكون له بيّنة على دعواه ـ أي: على ادّعائه بأنّها زنت ـ فإن كانت له بيّنة تعيّن إقامتها لنفي الحدّ واللعان، أي: لا يثبت اللعان.

4 ـ يشترط في ثبوت اللّعان في القذف: أن يكون القاذف بالغاً عاقلا، وأن تكون المقذوفة بالغة عاقلة سالمة عن الصمم والخرس، كما يشترط فيها أن تكون زوجة دائمة، فلا لعان في قذف الأجنبيّة ـ أي: غير


الصفحة 273

الزوجة ـ بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة، وكذا في المتمتع بها، على الأقوى ـ أي: يقام الحدّ على الزوج الذي قذف زوجته المؤقّتة ـ ويشترط فيها أيضاً أن تكون مدخولا بها، فلا لعان في مَن لم يدخل بها، وأن تكون غير مشهورة بالزنا وإلاّ فلا لعان، بل ولا حدّ على الزوج القاذف حتّى يدفع باللّعان.. نعم، عليه التعزير في غير المتجاهرة بالزنا إذا لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة.

  المورد الثاني: فيما إذا نفى ولديّة من ولد على فراشه.

أي: أنكر أنّ هذا المولود من صلبه، مع لحوقه به ظاهراً، كما سيتوضّـح.

5 ـ لا يجوز للزوج أن يُنكر ولديّة من تولّد على فراشه مع لحوقه به ظاهراً; بأن دخل ـ أي: الزوج ـ بأُمّه ـ أي: بأُمّ المولود ـ وأنزل في فرجها، ولو احتمالا، أو أنزل على فرجها واحتمل دخول مائه فيه بجذب أو نحوه، وكان قد مضى على ذلك إلى زمان وضعه ستّة أشهر فصاعداً، ولم يتجاوز أقصى مدّة الحمل، فإنّه لا يجوز له في هذه الحالة نفي الولد عن نفسه، وإن كان قد فجَر أحدٌ بأُمّه فضلا عمّا إذا اتّهمها بالفجور، بل يجب عليه الإقرار بولديّته، أي: يجب عليه أن يعترف ويقرّ بأنّ هذا الولد له.

نعم، يجوز له أن ينفيه ـ ولو باللّعان ـ مع علمه بعدم تكوّنه من مائه من جهة علمه باختلال شروط الالتحاق به، بل يجب عليه نفيه إذا كان يلحق به بحسب ظاهر الشرع ـ أي: أنّه من أُمّه التي دخل بها أو أنّه أقرّ ذلك ثمّ نفاه ـ لولا نفيه ـ أي: لولا أنّ الزوج نفاه عنه ولم يعتبره ولداً له لوجب الالتزام بظاهر الشرع الذي يثبت أنّه ولده حقّاً ـ مع كونه في معرض


الصفحة 274

ترتّب أحكام الولد عليه، من الميراث والنكاح والنظر إلى محارمه وغير ذلك.

6 ـ إذا نفى ولديّة من ولد على فراشه، فإن علم أنّه ـ أي الوالد ـ قد أتى بما يوجب لحوقه به بسببه في ظاهر الشرع أو أقرّ هو ـ أي: الزوج ـ بذلك ومع ذلك نفاه، لم يسمع منه هذا النفي ولا ينتفي ـ أي: الولد ـ منه، لا باللّعان ولا بغيره.

وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به ـ أي: الزوج ـ وقد نفاه، إمّا مجرّداً عن ذكر السبب بأن قال: (هذا ليس ولدي)، وإمّا مع ذكر السبب بأن قال: (إنّي لم أُباشر أُمّه منذ ما يزيد على عام قبل ولادته) فحينئذ وإن لم ينتفِ عنه بمجرّد نفيه لكن ينتفي عنه باللّعان.

7 ـ إنّما يشرّع اللّعان لنفي الولد فيما إذا كان الزوج عاقلا والمرأة عاقلة، وفي اعتبار سلامتها من الصمم والخرس إشكال، وإن كان الاعتبار: أظهر.

ويعتبر أيضاً: أن تكون ـ أي: الأُمّ ـ منكوحة بالعقد الدائم، وأمّا ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان، وإن لم يجز له نفيه مع عدم علمه بالانتفاء ولو عُلم أنّه أتى بما يوجب اللّحوق به في ظاهر الشرع ـ كالدخول بأُمّه مع احتمال الإنزال أو أقرّ بذلك ومع ذلك نفاه ـ لم ينتفِ عنه بنفيه ولم يسمع منه ذلك، كما هو كذلك في الدّائمة.

8 ـ يعتبر في اللّعان لنفي الولد أن تكون المرأة مدخولا بها، فلا لعان مع عدم الدخول.. نعم، إذا ادّعت المرأة المطلّقة الحمل منه فأنكر الدخول فأقامت بيّنة على إرخاء الستر، فالأقرب: ثبوت اللّعان.

9 ـ لا فرق في مشروعيّة اللّعان لنفي الولد بين كونه حملا ـ أي: قبل


الصفحة 275

الولادة وحال كونه جنيناً في بطن أُمّه ـ أو منفصلا ـ أي: مولوداً ـ.

10 ـ من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا; لاحتمال كونه عن وطء شبهة أو غيره، فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به ـ وإن جاز بل وجب عليه نفيه عن نفسه على ما سبق ـ لكن لا يجوز له أن يرمي أُمّه بالزنا وينسب ولدها إلى الزنا ما لم يتيقّن ذلك.

11 ـ إذا أقرّ بالولد لم يسمع إنكاره له بعد ذلك ـ أي: بعد نفيه عنه ـ سواء أكان إقراره بالصريح أو بالكناية، مثل أنّ يبشّر به ويقال له: (بارك الله لك في مولودك). فيقول: (آمين)، أو: (إن شاء الله تعالى). بل قيل: إنّه إذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم ينكر الولد مع انتفاء العذر لم يكن له إنكاره بعد ذلك، ولكنّه محلّ إشكال، بل منع.

12 ـ لا يقع اللّعان إلاّ عند الحاكم الشرعي، وفي وقوعه عند المنصوب من قبله لذلك إشكال ـ أي: لا يقع عند من نصّبه الحاكم للّعان ـ.

وصورة اللّعان: أن يبدأ الرجل ويقول بعد قذفها أو نفي ولدها: (أشهد بالله إنّي لمن الصّادقين في ما قلت من قذفها أو نفي ولدها)، يقول ذلك أربع مرّات، ثم يقول مرّة واحدة: (لعنة الله علَيّ إن كنت من الكاذبين)..

ثم تقول المرأة بعد ذلك أربع مرات: (أشهد بالله إنّه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي الولد)، ثمّ تقول مرّة واحدة: (إنّ غضَبَ اللهِ علَيَّ إن كان من الصادقين)، وقد مرّت هذه المعاني في صريح القرآن الكريم(1).

____________

1- سورة النور 24: 6 ـ 9.


الصفحة 276

13 ـ يجب أن تكون الشهادة واللّعن بالألفاظ المذكورة; فلو قال أو قالت: (أحلف) أو: (أُقسم) أو: (شهدتُ) أو: (أنا شاهد)، أو أبدلا لفظ الجلالة بـ (الرحمن) أو بـ (خالق البشر) أو بـ (صانع الموجودات)، أو قال الرجل: (إنّي صادق) أو: (لصادق) أو: (من الصّادقين) من غير ذكر اللام، أو قالت المرأة: (إنّه لكذّاب) أو: (كاذب) أو: (من الكاذبين)، لم يقع.

وكذا لو أبدل الرجل اللّعنة بالغضب، والمرأة بالعكس ـ أي: لو قال: (غضب اللهِ علَيّ إن كنت من الكاذبين) ـ.

14 ـ يجب أن تكون المرأة معيّنة، وأن يبدأ الرجل بشهادته، وأن تكون البدأة في الرجل بالشهادة ثمّ باللّعن، وفي المرأة بالشهادة ثم بالغضـب.

15 ـ يجب أن يكون إتيان كلّ منهما باللّعان بعد طلب الحاكم منه ذلك، فلو بادر قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع.

16 ـ الأحوط ـ لزوماً ـ: أن يكون النطق بالعربيّة مع القدرة عليها، ويجوز بغيرها مع التعذّر.

17 ـ يجب أن يكونا قائمين، أي: لا جالسين ولا مضطجعين أو أي هيئة أُخرى غير القيام، عند التلفّظ بألفاظهما الخمسة، وهل يعتبر أن يكونا قائمين معاً عند تلفّظ كلّ منهما، أو يكفي قيام كلّ منهما عند تلفّظه بما يخصّه؟

وجهان، ولا تترك مراعاة الاحتياط، أي: بالقيام معاً عند أداء اللعان وألفاظه المختصّة به، سواء كان المتكلّم فعلا هو الرجل أم المرأة.

18 ـ يستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويقف الرجل على يمينه، وتقف المرأة على يساره، ويحضر من يستمع اللّعان، ويعظهما


الصفحة 277

ـ أي: الزوجين ـ الحاكم قبل اللّعن والغضـب.

19 ـ إذا وقع اللّعان الجامع للشرائط منهما يترتّب عليه أحكام أربعة:

(1) انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما; أي: مباشرة بعد تحقّق اللّعان بلا طلاق.

(2) الحرمة الأبديّة; فلا تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللّعان، سواء أكان للقذف أم لنفي الولد.

(3) سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة بلعانها; فلو قذفها ثمّ لاعَنَ ونكلت(1) هي عن اللّعان تخلّص الرجل عن حدّ القذف وحُدّت المرأة حدّ الزانية ـ أي: أُقيم عليها نفس الحدّ الذي يقام على الزانية ـ لأنّ لعان الزوج بمنزلة البيّنة على زنا الزوجة.

(4) انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه; بمعنى: أنّه لو نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا، لم يكن توارث بين الرجل والولد، فلا يرث أحدهما الآخر، وكذا لا توارث بين الولد وكلّ من انتسب إليه بالأُبوّة، كالجدّ والجدّة والأخ والأُخت للأب، وكذا الأعمام والعمّات، بخلاف الأُمّ ومن انتسب إليه بها حتّى أنّ الإخوة للأب والأُمّ بحكم الإخوة للأُمّ، أي لا يؤثّر هذا اللّعان في نفي التوارث بينهم جميعاً وبين الولد.

20 ـ إذا قذف امرأته بالزنا ولاعنها، ثمّ كذّب نفسه بعد اللّعان ـ أي: أقرّ على نفسه بالكذب ـ لم يحدّ للقذف ولم يزل التحريم، ولو كذّب في أثنائه ـ أي: في أثناء الملاعنة ـ يحدّ(2) ولا تثبت أحكام اللّعان، ولو اعترفت

____________

1- النكول: نَكَلَ عن العدوِّ وعن اليمين ينكُلُ بالضمّ، أي: جَبُنَ. الصحاح 5: 1835 " نكَل ".

2- أي: يقام عليه الحدّ.


الصفحة 278

المرأة بعد اللّعان بالزنا أربعاً ففي الحدّ تردّد، والأظهر: العدم، أي: لا يقام عليها الحـدّ.

21 ـ إذا كذّب نفسه بعدما لاعن لنفي الولد، لحق به الولد في ما عليه من الأحكام لا في ما له منها ـ أي: تجب حقوق الولد على هذا الرجل بصفته أب له، ولكن لا تجب حقوق الأب على هذا الولد; لأنّه نفاه عنه ـ فيرثه الولد ولا يرثه الأب ـ أي: لا يرث الأب الولد ـ ولا من يتقرّب به، وسيأتي تفصيل ذلك في كتاب الميراث إن شاء الله تعالى.

 

*  *  *

 


الصفحة 279

 

مسائل متفرّقة
تتعلّق بالمرأة والأُسرة وخصوصاً الشباب

 

1 ـ نرى في الغرب المدارس المختلطة بين الإناث والذكور، فلا يجوز الحضور في هذه المدارس إذا كان الاختلاط يؤدّي إلى وقوع الطالب أو الطالبة في المحرّم، وأمّا مع الوثوق من الحفاظ على سلامة الدين والقيام بالالتزامات الشرعيّة، ومنها الحجاب والتجنّب عن النظر واللّمس المحرّمين، وعدم التأثّر بما يحيط بهما من أجواء التحلّل والانحراف فلا بأس به.

2 ـ لو أدّى دخول البنات في المدارس الغربيّة إلى إفساد أخلاقهن، والإخلال بعقائدهن والتزامهن بالشريعة، فلا يجوز الدخول في هذه المدارس.

3 ـ لا يجـوز اصطحاب الفتيات مع الشباب المسلم في السفرات الجامعيّة لغرض التنزّه والتفريح، إلاّ مع الأمن من الوقوع في الحرام.

4 ـ لا يجوز لوليّ الطفل أن يجعل طفله في مدرسة أُوربيّة يتولّى التدريس فيها أساتذة لا تؤمن بوجود الله، مع الاحتمال القويّ بالتأثير على عقيدة الطفل، والولي يتحمّل المسؤوليّة الكاملة في ذلك.

5 ـ لا يجوز الحضور في أماكن الفساد مطلقاً، على الأحوط وجوباً، ومن هذه الأمكنة: المسابح المختلطة; سواء كان لغرض السباحة أو للتنزّه.

6 ـ تعتبر المصافحة في الغرب من وسائل التحيّة وتبادل الاحترام، وقد يؤدّي تركها إلى الإخراج من العمل أحياناً أو الحرمان من الدراسة، أو


الصفحة 280

الاستحقار للمسلم، فلو لم يكن مناصّ للتخلّص من المصافحة، وأدّى تركها إلى الضّرر أو الحرج الشديد تلبس المسلمة أو المسلم الكفوف إن أمكن ويصافحها الأجنبيّ أو الأجنبيّة.

7 ـ الأحوط وجوباً: ترك رقص النساء أمام النساء، والرجال أمام الرجال، ويحرم رقص النساء أمام الرجال، ولكن يجوز رقص الزوجة لزوجها وبالعكس إذا لم يكن بمنظر الغير.

8 ـ لو كان درس الرقص غير مقترن بالغناء والموسيقى المحرّمة، وهو جزء من المادّة الدراسية التي لا يسمح بتركها، ونافت التربية الدينيّة، فيحرم حضور هذا الدرس، بل وإن لم تنافيها، على الأحوط وجوباً.

9 ـ يجوز للمسلم أن يرسل ابنه إلى معاهد تعلّم الموسيقى باعتبارها فنّ من الفنون، إن لم يقترن بالعزف المحرّم عمليّاً، بشرط أن يحرز عدم تأثير ذلك على تربية الولد وتديّنه.

10 ـ يجوز للمرأة المسلمة أن تلتحق بالكلّيات المختلطة في الغرب، هذا إذا وثقت من نفسها بأنّها سوف تلتزم بالشريعة، ولا يؤدّي ذلك إلى ارتكابها للمحرّم، وإن لم تثق من نفسها فلا يجوز لها الالتحاق(1).

11 ـ لو تحدّث الرجل مع عدّة نساء أجنبيّات بقصد الاقتناع بواحدة منهنّ واختيار إحداهنّ للزواج، فلا بأس فيه، ما دام خالياً من الحديث المحرّم الذي لا يجوز مع الأجنبيّة، وتجرّد عن النظر المحرّم وخوف الانجرار إلى الوقوع في الحرام.

12 ـ الأحوط وجوباً: ترك النظر إلى صورة امرأة محجّبة يعرفها وقد

____________

1- فقه الحضارة: 183.


الصفحة 281

ظهرت في الصورة من دون حجاب، هذا في غير الوجه والكفّين، أمّا الوجه والكفّين فيجوز النظر لهما من دون تلذّذ وريبة.

13 ـ لو احتفظ بصورة صبيّة وقد بلغت سنّ التكليف الآن فلا يجوز ـ على الأحوط وجوباً ـ أن ينظر لتلك الصورة إن كانت مطابقة لأوصافها بعد تكليفها، ويجوز له النظر إلى وجهها وكفّيها مع عدم الالتذاذ وخوف الافتتان.

14 ـ نجد في أسواق الغرب الأجهزة التناسلية المصطنعة ـ للمرأة والرجل ـ للالتذاذ، فلا يجوز ذلك إذا كان قد قصد الإمناء، أو كان من عادته ذلك، والأحوط وجوباً له: الاجتناب حتّى مع الاطمئنان من عدم الإمناء.

 

*  *  *

 


الصفحة 282

 

مسائل تتعلّق بالجنس

 

1 ـ المقصود من التلذّذ الشهوي ـ الذي هو مقياس للحرمة ـ ليس هو مطلق التلذّذ، بل: خصوص التلذّذ الجنسي، ولا يشمل التلذّذ الروحيّ الذي يحصل للإنسان أثر مشاهدة الطبيعة اللطيفة، كالنظر إلى حديقة زاهية أو منظر جميل، ولكنّه بعيد في المورد ممّن لم يفقد القوة الشهويّة.

والمراد من الريبة هو: خوف الافتتان والوقوع في الحرام، وهو مقياس آخر للحرمة، وأمّا الحدّ الأدنى في الالتذاذ المحرّم هو حصول أوّل درجة من درجات الإحساس الجنسي حتّى مع عدم إفراغ الشهوة كلّها.

2 ـ هناك فرق بين النظرة الأُولى والثانية، فإذا نظر الرجل إلى المرأة ـ أو بالعكس ـ بالنظرة الأُولى فلا يترتّب على ذلك حرمة شرعاً، والمقصود من النظرة الأُولى هي النظرة العابرة الصدفيّة الخالية من أيّ التذاذ أو ريبة، بخلاف النظرة الثانية التي يتقصّد الإنسان فيها، ويلتذّ بها نوعاً ما، وهي التي تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة كما جاء عن المعصوم (عليه السلام).

وكذلك تحرم النظرة الثانية وإن كانت خالية من الالتذاذ; لأنّها قد توقع الإنسان في الحرمة، فتحرم من باب خوف الريبة.

3 ـ لا يجوز النظر إلى بدن المحارم بشهوة أو خوف الوقوع في الحرام، والمحارم من يحرم الزواج منهم أبداً إلى آخر العمر، سواء من جهة النسب، كالأُمّ والأُخت وغيرهنّ، أو من جهة الرضاعة، كالأُخت في الرضاعة، أو من جهة المصاهرة، كأُمّ الزوجة وأب الزوج مثلا.


الصفحة 283

4 ـ لا يجوز للشاب أن يجلس مع الشابّة فيتبادل معها الحديث من غير شهوة ولا خوف الوقوع في الحرام، إذا كانت المناظر استفزازيّة لا يؤمن معها من الانجرار إلى الحرام، وأمّا مجرّد التحدّث من غير شهوة ولا خوف الانجرار إلى الحرام، فلا بأس به.

 

مرض الإيدز

من الأمراض الخطيرة التي شاعت، وخصوصاً في الدول الغربيّة: مرض الإيدز، وذلك نتيجة للاختلاط الجنسي المفرط، ومن المؤسف أنّ لهذا المرض قابليّة الانتشار والسريان عن طرق متعدّدة مضافاً إلى الجنس، كانتقاله بالدم والأجنّة الملوّثة من الأُمّ المصابة إلى جنينها، أو انتقاله إلى الأولاد أثناء وضع الحمل.

ولخطورة هذا المرض يجب على المصاب أن يتوقّى عن الأسباب الناقلة للمرض حتّى لا يصاب به غيره، وكذلك يجب على الآخرين المراقبة والوقاية منه، ولا يجوز منعه عن الحضور في الأمكنة العامّة، كالمساجد ونحوها، مع الأمن من انتقال العدوى إلى غيره.

 

*  *  *