دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

أحكام المرأة والأسرة » أسباب التحريم

أسباب التحريم

 

أسباب التحريم

 

  أوّلا: النسب.

ويحرم لأجله سبعة أصناف من النساء على سبعة أصناف من الرجال:

1 ـ الأُمّ. ويندرج تحتها: الجدّات وإن علوْن، سواء كنّ لأب أو لأُمّ واحدة، فتحرم المرأة: على ابنها، وعلى ابن ابنها، وعلى ابن بنتها، وابن بنت بنتها، وابن بنت ابنها، وابن ابن بنتها، وهكذا تحرم على كلّ ذكر ينتمي إليها بالولادة، سواء كان بلا واسطة أم مع الواسطة، أو وسائط متعدّدة، وسواء كانت الوسائط بينهما ذكوراً أم إناثاً، أم بعضها ذكوراً وبعضها إناثاً.

2 ـ البنت. وتشمل: الحفيدة، ولو بواسطة واحدة أو عدّة وسائط، فتحرم على أبيها بما في ذلك الجدّ، لأب كان أو لأُمّ، فتحرم على الرجل: بنته، وبنت ابنه، وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته، وبنت بنت ابنه، وهكذا. وبالجملة، كلّ أُنثى تنتمي إليه بالولادة بلا واسطة، أم بواسطة، أو وسائط، ذكوراً كانوا أو إناثاً، أو بالاختلاف; أي: كان بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

3 ـ الأُخت. للأب كانت أو للأُمّ أو لهما.

4 ـ بنت الأخ. سواء كان لأب أم لأُمّ أم لهما، وهي: كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخيه بلا واسطة، أو معها وإن كثرت، سواءً كان الانتماء إليها بالآباء أم بالأُمّهات أم بالاختلاف، فتحرم عليه: بنت أخيه، وبنت ابنه(1)،

____________

1- الضمائر من هنا إلى آخر المسألة تعود على الأخ.


الصفحة 117

وبنت ابن ابنه، وبنت بنته، وبنت بنت بنته، وبنت ابن بنته.

5 ـ بنت الأُخت. وهي: كلّ أُنثى تنتمي إلى أُخته بالولادة على النحو الذي ذُكر في بنت الأخ.

6 ـ العَمّة. وهي: أُخت الأب، لأب أو لأُمّ أو لهما، والمراد بها ما يشمل العاليات، أي: عمّة الأب، وهي: أُخت الجدّ، لأب أو لأُمّ أو لهما معاً، وعمّة الأُم، وهي: أُخت أبيها، لأب أو لأُمّ أو لهما، وعمّة الجدّ للأب والجدّ للأُمّ ولهما، والجدّة كذلك، ومراتب العمّات هي مراتب الآباء، فهي كلّ أُنثى تكون أُختاً لأب الشخص أو لذكر ينتمي إليه بالولادة من طرف أبيه أو أُمّه أو كليهما.

7 ـ الخالة. والمراد بها أيضاً: ما يشمل العاليات، فهي كالعمّة إلاّ أنّها أُخت لإحدى أُمّهات الرجل ولو من طرف أبيه، والعمّة أُخت لأحد أبائه ولو من طرف أُمّه، فأُخت جدّته للأب خالته حيث إنّها خالة لأبيه، وأُخت جدّه للأُم عمّته حيث أنّها عمّة أُمّه.

 

ملحق للتحريم بالنسب

1 ـ كما يحرم على الرجل الزواج من بعض النساء للنسب الشرعي عن طريق النكاح المشـروع، كذلك يحرم عليه أن يتزوّجهن لارتباطه بهنّ بالنسب غير الشرعي، كالزنا; فلو زنى بالخالة أو العمّة مثلا قبل أن يعقد على بنتها فتحرم عليه بنتها، على الأحوط وجوباً، وأمّا لو زنى بها بعد العقد لم تحـرم عليه بنت الخالة أو العمّة، والأحوط ـ استحباباً ـ: أن لا يتزوّج بها.

2 ـ لو زنى رجل بامرأة ذات بعل، أو في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه


الصفحة 118

مؤبّداً، على الأحوط وجوباً، أمّا لو زنى بامرأة في عدّتها غير الرجعيّة فلا يؤدي الزنا إلى تحريمها عليه مؤبّداً، فيمكنه أن يتزوّجها بعد انتهاء عدّتها.

3 ـ لو زنى بامرأة ليس لها زوج، وليست بذات عدّة، فلا يجوز له أن يتزوّجها إلاّ بعد توبتها، على الأحوط وجوباً، وأمّا غيره فيجوز له أن يتزوّج منها حتّى قبل التوبة، إلاّ أن تكون مشهورة بالزنا، فالأحوط وجوباً: أن لا يتزوّجها قبل توبتها..

وكذلك الأحوط وجوباً: عدم الزواج بالرجل المشهور بالزنا إلاّ بعد توبته، ولو أراد أن يتزوّج الزانية بعد توبتها صبر قبل الدخول بها مقدار زمن حيضـة حتّى يطمئن من خلوّ رحمها من ماء الفجور، سواء كان الذي يريد الزواج منها نفس الزاني أو غيره.

 

 

  ثانياً: الرضاع.

ولكن ينبغي أن نتعرّف على كيفيّة إثباته بالقرائن الشرعيّة، ثمّ نتعرّض للأحكام المرتبطة به.

 

كيف يثبت الرضاع المحرِّم؟

يثبت الرضاع المحرِّم بأمرين:

الأوّل: إخبار شخص أو أكثر يوجب إخبارهم إمّا العلم بوقوع الرضاع المحـرّم، أو الاطمئنان به.

الثاني: شهادة عدلين على وقوع الرضاع المحرّم، ولا يثبت ـ على الأحوط وجوباً ـ بشهادة رجل واحد أو بشهادة نساء أربع.


الصفحة 119

1 ـ لا يكتفى بالشهادة المطلقة، بل لا بُدّ أن تكون مفصّلة، بأن يشهد على كون عدد الرضـعات خمس عشرة رضـعة متواليات، وأنّ الإرضاع كان بالامتصاص من الثدي لا بغيره، ولو لم يفصّل الشاهد سئل منه التفصيل.

2 ـ لو شكّ في وقوع الرضاع من أصله، أو في تحقّق أحد شرائطه، بنى على العدم، وإن كان الاحتياط في ترتّب آثار الحرمة حسناً، وهكذا في حالة الظنّ والاحتمال. ودرجة الشكّ هي خمسون بالمائة، ودرجة الظنّ ثمانون بالمائة، والاحتمال ثلاثون بالمائة مثلا.

 

 

شرائط التحريم في الرضاع

إذا أرضعت امرأة ولد غيرها أوجب ذلك حرمة النكاح لعدد من الرجال والنساء، ولكن يشترط في ذلك التحريم شروط:

1 ـ أن يكون اللبن الذي في ثدي المرضعة حاصلا لها من ولادة ولد شرعي، فلو درّ اللبن في ثدي المرأة من دون ولادة أو من ولادة ابن الزنا فلا ينشر ذلك الإرضاع الحرمة.

2 ـ تتحقّق الحرمة بالإرضاع بعد ولادة المرضـعة، سواء وضعت حملها تامّاً أو سقطاً وقد صدق عليه أنّه ولد عُرفاً، وأمّا الرضاع الذي كان سابقاً على الولادة فلا أثر له في التحريم وإن كان قد حصل قبل الولادة.

3 ـ لو ولدت المرأة ولم ترضـع فترة ثمّ أرضعت طفلا: فإن كانت الفترة قصيرة بحيث صار اللبن مستنداً إلى ولادتها كان موجباً للحرمة وإن علم بجفاف الثدي قبل وجود هذا اللبن المتجدّد..

وأمّا إن كانت الفترة طويلة بحيث لا يصدق على اللبن الثاني استناده


الصفحة 120

للولادة فلا يؤدّي إلى التحريم، سواء جفّ الثدي قبله أم لا.

4 ـ لا يعتبر في نشر الحرمة بالإرضاع بقاء المرأة في عصمة الرجل، فلو طلّقها الزوج أو مات وهي حامل منه أو مرضـع فأرضعت ولداً كان هذا الإرضاع مؤدّياً للحرمة، حتّى وإن تزوجت ثانياً ودخل بها ولم تحمل، أو حـملت منه وكان اللبن غير منقطع; بشـرط أن يتمّ الرضاع قبل أن تضـع حملها.

5 ـ يشترط في نشر الحرمة حياة المرضـعة; فلا تكون ميّتة حال الإرضاع، ولو أرضعت الطفل بعض الرضعات المعتبرة في التحريم لم تنشر الحرمة، ولا يضـرّ كونها نائمة أو مجنونة أو مكرهة أو مريضة أو قليلة اللبن في ترتّب آثار الحرمة على هذا الإرضاع.

6 ـ لا بُدّ أن يكون عمر الطفل ما دون الحولين; وهي: أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً، فلو رضـع وله من العمر أكثر من ذلك، أو أكمل الرضاع بعد استكمال السنتين فلا يؤدّي ذلك إلى الحرمة.

وأمّا المرضـعة نفسها فلا يشترط أن تكون ولادتها ما دون الحولين، فلو مرّ على ولادتها لحملها ـ الذي حصل لها اللبن به ـ أكثر من حولين، فلا يؤثّر في عدم نشر الحرمة; والمقصـود من الحولين: أربعة وعشرون شهراً هلاليّاً من حين الولادة، فلو وقعت الولادة في أثناء الشهر يُكمل من الشهر الخامس والعشرين بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل; فلو ولد في العاشـر من الشهر ـ مثلا ـ يكمل حولاه في العاشـر من الشهر الخامس والعشرين.

7 ـ لا بُدّ أن يكون اللبن خالصاً في فم الطفل غير ممزوج بشيء آخر مائع، كـ: اللبن والدم، أو جامد، كـ: فتيت السكر; فلو كان مخلوطاً


الصفحة 121

لا يؤدّي الإرضاع إلى الحرمة، إلاّ إذا كان الخليط مستهلكاً عرفاً.

8 ـ كون اللبن الذي يرتضـعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد; فإذا طلّق الزوج زوجته وكانت حاملا أو طلّقها بعد ولادتها منه فتزوّجت برجل آخر وحملت منه وقبل أن تضع حملها أرضعت بلبن ولادتها السابقة من زوجها الأوّل ثمان رضعات مثلا، وأكملت بعد وضعها لحملها بلبن ولادتها الثانية من زوجها الأخير بسبع رضعات من دون تخلّل رضاع امرأة أُخرى في البين، بأن يتغذّى الولد في هذه المدّة المتخلّلة بالمأكول والمشـروب لم ينشر الحرمة.

9 ـ يشترط في الحرمة بالإرضاع أن تكون المرضعة واحدة في جميع الحولين، فلو أرضـعته امرأة ستّ رضعات مثلا وأرضعته الأُخرى تسع لم تنشر الحرمة.

10 ـ يجب أن تكون الرضاعة مستمرّة بحيث ينبت عليها لحم الطفل ويقوى عظمه، ولو حصل الشكّ في تحقّق الرضاعة الشرعيّة فيكفي استمرارها يوم وليلة، أو بلوغ الرضاعة خمس عشرة رضـعة عدداً، أمّا لو قطع بعدم إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه على هذه الرضاعة أو قطع بعدم بلوغ عدد الرضعات خمس عشرة فالأحوط وجوباً: عدم ترتّب آثار انتشار الحرمة.

11 ـ المدار في إنبات لحم الطفل واشتداد عظمه بالرضاعة ما يكون كذلك عرفاً، لا ما يثبت بالمقاييس العلميّة الدقيقة.

12 ـ لو ارتضع الطفل من مرضعتين وكانت رضعة من هذه ورضعة من الأُخرى إلى أن قوي جسمه، فإن كانت قوّة جسمه مستندة إلى كلّ واحدة منهما أدّى ذلك إلى الحرمة عليهما معاً، وأمّا إذا كان استناد قوّة


الصفحة 122

جسمه إليهما معاً ـ أي بمجموع لبنهما ـ فلا يؤدّي ذلك إلى حرمة أيّ واحدة منهما.

13 ـ لو أرضعت امرأة طفلا رضاعةً كاملة، ثمّ طلّقها زوجها وتزوّجت برجل آخر وعاد اللبن في ثديها مرة أُخرى فأرضعت به طفلا آخر أو طفلةً لم تحرم هذه الصبيّة على هذا الصبيّ، ولا أولادهما على أولاد الآخـر; لاختلاف اللبن وعدم وحدته.

 

مسائل متفرِّقة تتعلّق بالرضاع

1 ـ الأفضل للمرأة أن تمتنع من إرضاع الأطفال خوفاً من نسيان الرضاعة، وتحقّق الزواج المحرّم مع عدم التفاتها إلى العلاقة الرضاعيّة، ولا يجوز لها إرضاع ولد الغير إذا كانت الرضاعة مزاحمة لحقّ زوجها إلاّ أن يأذن لها بذلك.

2 ـ إذا أرضعت المرأة طفلا لزوج بنتها حرمت البنت على زوجها إلى الأبد وبطل نكاحها، سواء أرضعته بلبن أبي البنت أم بلبن غيره، وسواء كان هذا الطفل من بنتها أو ضـرّتها; لأنّ زوج البنت أب للمرتضع وزوجته بنت للمرضـعة، فيحرم على أبي المرتضع أن ينكح من أولاد المرضعة الّذين حرّموا عليه للنسب.

3 ـ لو أرضعت زوجة الرجل طفلا لزوج بنته، سواء كانت البنت أُمّه أو كانت الضـرّة، فالأحوط وجوباً: عدم البقاء على الزوجيّة وحرمة النكاح مؤبّـداً(1).

____________

1- لأنّ هذا الرجل أب للمرتضع فتصـير زوجته كبنته.


الصفحة 123

4 ـ لو حرمت الزوجة على زوجها ـ كما في المسألتين السابقتين ـ بسبب الرضاع فلا يجوز للزوج تجديد العقد عليها حتّى لو تمّ الرضاع بعد طلاقها، ولو تمّ الرضاع بعد وفاة الزوجة حرمت عليه أخوات الزوجة فلا يجوز له أن يعقد عليهن.

5 ـ لو أرضعت المرأة طفلا لابنها فلا تحرم عليه زوجته، لكن تترتّب الآثار الأُخرى على هذه الرضاعة، كـ: حرمة المرتضع أو المرتضعة على أولاد عمّه وعمّته; لأنّه يكون عمّاً أو عمّةً أو خالا لأولاد المرضعة.

6 ـ لو عقد الولي ابنه الصغير على ابنة أخيه الصغيرة ثمّ أرضعت جدّتهما ـ أي أُمّ الولي أو أُمّ زوجته ـ أحد الصغيرين انفسخ هذا العقد; لأنّ الرضيع إن كان ذكراً وأرضعته جدّته من طرف الأب صار عَمّاً لزوجته، وإن أرضعته التي من طرف الأُمّ صار خالا لزوجته، وإن كان المرتضع أُنثى فتكون إمّا عمّةً لزوجها وإمّا خالةً له، فيبطل النكاح على أي حال.

7 ـ إذا حصل الرضاع الطارئ المبطل للنكاح، إمّا أن يبطل نكاح المرضعة نفسها كما إذا أرضعت زوجها الصغير، وإمّا أن يبطل نكاح المرتضعة كما إذا أرضعت الزوجة الكبيرة المدخول بها ضرّتها الصغيرة، وإمّا أن يبطل نكاح غيرهما، كما إذا أرضعت المرأة طفلا لزوج بنتها.

ولا يبعد بقاء استحقاق الزوجة للمهر في جميع الفروض المتقدمة، إلاّ الفرض الأوّل، كما إذا أرضعت الزوجة زوجها الصغير وكان الإرضاع وانفساخ العقد قبل الدخول، فالأحوط وجوباً: استحقاق المرأة المهر، ولا تضمن المرضعة المهر الذي يغرمه الزوج قبل الدخول، والأحوط استحباباً: التصالح بين المرضعة والزوج.


الصفحة 124

 

ما يحرم على المرتضع والمرتضعة
والمرضـعة نفسها

1 ـ يحرم على المرتضع عدّة من النساء: المرضعة نفسها; لأنّها أُمّه من الرضاعة، وأُمّ المرضعة وإن علت، نسبيّة كانت أم رضاعيّة; لأنّها جدّته من الرضاعة، وبنات المرضعة ولادةً; لأنهنّ أخواته من الرضاعة، وأمّا بناتها رضاعة ممّن أرضعتهنَّ من لبن شخص آخر غير الذي ارتضع المرتضِع بلبنه فلا يحرمن على المرتضِع; لعدم اتّحاد صاحب اللبن.

ما يحرم على المرتضعة

1 ـ كما يحرم على المرتضع عدّة نساء، كذلك يحرم على المرتضعة عدّة رجال: صاحب اللبن; لأنّه أبوها من الرضاعة، وآباؤه من النسب والرضاع; لأنّهم أجدادها من الرضاعة، وأولاده من النسب والرضاع وإن نزلوا; لأنّها أُختهم أو عمّتهم أو خالتهم من الرضاعة، وإخوة صاحب اللبن من النسب والرضاع; لأنّهم أعمامهم من الرضاعة، وأعمام صاحب اللبن وأخواله، وأعمام وأخوال آبائه وأُمّهاته(1) من النسب والرضاع، وإخوة المرضـعة من النسب والرضاع وآباؤها كذلك، وأبناؤها ولادة، وكذا الأولاد النسبيّين والرضاعيّين من أولاد المرضعة، وأعمام المرضعة وأخوالها، وأعمام وأخوال آبائها وأُمّهاتها من النسب والرضاع.

2 ـ إذا حرم أحد الطفلين على الآخر بسبب ارتضاعهما من لبن منتسب إلى رجل واحد لم يؤدِّ ذلك إلى حرمة إخوة أحدهما على إخوان

____________

1- أي: وأخوال أُمّهاته.


الصفحة 125

الآخر، ولا إلى حرمة الإخوة على المرضعة.

3 ـ لا يجوز الزواج ببنت أخ الزوجة وبنت أُختها من الرضاعة إلاّ برضاها، كما لا يجوز الزواج بهما من النسب إلاّ برضاها; فإنّ الرضاع بمنزلة النسب، وكذلك الأُخت الرضاعيّة بمنزلة الأُخت النسبيّة، فلا يجوز الجمع بين الأُختين الرضاعيتين كما لا يجوز الجمع بين الأُختين النسبيتين، ويحرم على مَن ارتكب فاحشة اللواط بنت الملوط وأُمّه وأُخته الرضاعيات كما هو الحال في النسبيات.

 

الصور التي لم تحرم بها المرأة على زوجها
بسبب الإرضاع

1 ـ لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه طفلا من أقربائها، سواء كان الطفل أخاها أو أحد أولاد أخيها، أو أُختها أو أحد أولاد أُختها، أو عمّها أو خالها أو أولادهما، أو عمّتها أو خالتها أو أولادهما، أو ابن ابنها.

وكذلك لا تحرم المرأة على زوجها إذا أرضعت بلبنه مَن كان من أقربائه، كـ: أخيه أو أُخته أو عمّه أو عمّته أو خاله أو خالته أو ولد بنته من زوجته الأُخرى أو ولد أُخته.

2 ـ لا تحرم المرأة على زوجها لو أرضعت ولد ولدها، وإن صارت بذلك جدّة لولد زوجها، ومثله أن ترضع إحدى زوجتي الشخص ولد ولد الأُخرى; فإنّ الأُخرى تصير جدّة لولد زوجها.


الصفحة 126

3 ـ لو أرضعت المرأة ابن عمّة زوجها أو ابن خالته لا تحرم على زوجها، ولكنّ الأحوط استحباباً: أن لا تتزوّج منه لو طلّقها زوجها أو مات عنها، وكذلك لا تحرم الزوجة على زوجها إذا ارتضع ابن عمّها من لبن ضـرّتها.

4 ـ لا تترتّب على الرضاع أحكام الإرث كما تترتّب على النسب بين الأقرباء.

 

آداب الرضاع

لقد جعل الله تعالى في لبن الأُمّ ما يقوى به الطفل جسديّاً وروحيّاً، ولذا نرى الروايات تحثّ الأُمّ على إرضاع طفلها، وأن لا تُوكَل الرضاعة إلى غير الأُمّ قدر الإمكان; فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) أنّه قال: " ما من لبن رضـع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أُمّه "(1).

ولأهمّية عملية الإرضاع فصّل أهل البيت (عليهم السلام) الكلام فيه، وكيف يتمّ الإرضاع الصحيح; فقد جاء في الرواية الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: " إذا وقع الولدُ في بطن أُمّه ـ إلى أن قال: ـ وجعل اللهُ تعالى رزقهُ في ثديَيْ أُمّه، في أحدهما شرابه وفي الآخر طعامُه "(2)..

لذا ينبغي أن ترضـع الأُمّ أو المرضـع من الثديَين ولا تقتصر على أحـدهما.

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لأُمّ إسحاق، وهي ترضع أحد أولادها: " يا أُمّ إسـحاق! لا تُرضـعيه من ثدي واحد، وارضعيه من

____________

1- وسائل الشيعة 21: 452 ح 2.

2- وسائل الشيعة 21: 453 ح 2.


الصفحة 127

كليهما، يكون أحدُهما طعاماً والآخرُ شراباً "(1).

وأمّـا المدّة المحـدّدة للرضاعة في كلام المعصومين (عليهم السلام) فهي: واحد وعشـرون شـهراً، وإكمال الرضاعة حولين كاملين; لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(2)، ولا ينبغي الإرضاع أكثر من الحولين.

 

صفات المرضعة

لو اقتضت الضرورة إيكال الرضاعة إلى غير الأُمّ، فلا بُدّ أن ينظر الأب أو مَن يقوم مقامه في صفات المرضـعة التي ترضع ولده، لِما في هذا الأمر من الأهمّية لنشوء الطفل جسماً وروحاً، ولذا ورد في كلمات المعصومين (عليهم السلام) التأكيد على صفات المرضـعة; فلا يصلح أن يكون لبنها من الزنا، ولا أن تكون يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسـيّة أو ناصـبيّة.

وجاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: " لا تسترضعوا الحمقاء; فإنّ اللبن يشـبّ عليه "(3).

وورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: " لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء; فإنّ اللبن يعدي "(4).

والحَمَقُ هو: الرعونة. والعَمَشُ هو: مرض يصيب العين يؤدّي إلى سيلان الدموع منها حتّى يمنع من النظر بها.

____________

1- وسائل الشيعة 21: 453 ح 1.

2- سورة البقرة 2: 233.

3- وسائل الشعية 21: 467 ح 3.

4- وسائل الشيعة 21: 467 ح 4.


الصفحة 128

وكما يكره الرضاع بلبن القبيحة فيستحب الرضاع بلبن المرأة الحسناء لِما جاء في الأخبار; فقد جاء عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنّه قال: " استرضع لولدك بلبن الحسان، وإيّاك والقباح; فإنّ اللبن يعدي "(1).

 

  ثالثاً: المصاهرة.

والمصاهرة هي: العلاقة الحاصلة بين أحد الزوجين مع أقرباء الآخر الموجِبة لحرمة النكاح، إمّا بشكل تعييني، كـ: حرمة أُمّ الزوجة على صهرها، وإمّا بشكل جمعي، كـ: حرمة الأُخت على زوج الأُخت; لعدم جواز الجمع بين الأُختين.

1 ـ بمجرّد أن يتمّ العقد ولو منقطعاً بين الزوجين حرمت على أب الزوج زوجة ابنه، وكذلك على الجدّ، سواء كان الجدّ للأُمّ أو للأب، وكذلك زوجة السبط، أي ابن البنت، وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل بها، وسواء كانت حرمة هؤلاء الأفراد لهذه الزوجة قد ثَبَتَتْ سابقاً بالنسب أو بالرضاع أو لم تثبت، وتكون هذه الحرمة دائميّة للجميع.

2 ـ تحرم على الزوج أُمّ زوجته وجدّات الزوجة جميعاً، سواء كنّ جدّاتها لأبيها أم لأُمّها، بالنسب أو الرضاع، حرمة دائميّة، وسواء دخل الزوج بزوجته أم لا، أو عقد عليها مؤقّتاً أو دائماً، صغيرةً كانت أو كبيرة.

3 ـ تحرم على الزوج بنت زوجته التي دخل بها; لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}(2)..

سواء كانت هذه البنت للزوجة مباشرةً أو لابنها أو بنتها، ولكن

____________

1- وسائل الشيعة 21: 468 ح 1.

2- سورة النساء 4: 23.


الصفحة 129

لا تحرم البنت على ابن الزوج، ولا على أبيه، كما لا تحرم عليه بنت زوجته التي لم يدخل بها.

وتكون الحـرمة بينهما على نحـو الجـمع، لا على نحو التعيين(1); فلو طلّق الأُمّ أو ماتت عنه جاز له الزواج من بنتها، وأمّا قبل ذلك فيحتاط بعدم الزواج، ولو تزوّج ولم يراعِ الاحتياط لم يحكم بصحّة زواج البنت، ولا ببقاء زوجيّة الأُمّ.

4 ـ تحرم بنت الزوجة سواء كانت في حجر الزوج(2) أم لم تكن، وسواء كانت موجودة في زمان زوجيّة أُمّها أو أنّها ولدت بعد خروج الأُمّ عن الزوجيّة; فلو عقد على امرأة ودخل بها ثمّ طلّقها ثمّ تزوّجت زوجاً ثانياً فولدت بنتاً من الزوج الثاني حرمت هذه البنت على الزوج الأوّل.

5 ـ لا يصحّ نكاح بنت الأخ على العمّة، وبنت الأُخت على الخالة، إلاّ بإذن العمّة أو الخالة، سواء كان النكاح دائماً أو مؤقّتاً، أو كان أحدهما دائماً والآخر مؤقّتاً، وسواء علمت العمّة أو الخالة أو جهلتا بالنكاح حال العقد، أو اطّلعتا بعد ذلك، أو لم تطّلعا أبداً، ولو تزوّجها توقّفت صحّة الزواج على إذنهما; فإن أجازتا صحّ العقد وإلاّ بطل.

ولو علمتا بالتزويج فسكتتا، ثمّ صدرت منهما الإجازة بعد ذلك، صحّ الزواج أيضاً.

6 ـ يجوز نكاح العمّة والخالة على بنت الأخ وبنت الأُخت، سواء علمت الخالة أو العمّة أو جهلتا، ولا يحـقّ لهما فسخ عقد أنفسها،

____________

1- أي: لا يجوز له الزواج من هذه البنت ما دامت أُمّها مقيّدة بعصمة الزواج منه، كما إذا كانت في بيته مثلا.

2- كانت في حجره: أي كان هو المربيّ لها.

 


الصفحة 130

ولا فسخ عقد بنتي الأخ والأُخت، على الأقوى.

7 ـ ما مرّ من الحكم في اشتراط الإجازة من العمّة والخالة في زواج بنتي الأخ والأُخت يشمل العمّة والخالة الدنيا والعليا، أي سواء كانت أُخت الأب والأُمّ مباشرة أو عمّتهما أو خالتهما، وسواء كانت عمّةً أو خالةً بالنسب أو الرضاع، فالحكم في الجميع واحد.

8 ـ لو أذنت العمّة أو الخالة ثمّ تراجعتا عن الإذن، فإن كان الرجوع بعد العقد لم يبطل، وإن كان قبله بطل الإذن السابق، ولو لم يعلم الزوج بالرجوع وتزوّج اعتماداً على الرخصـة الأُولى توقّفت صحّة الزواج على الإجازة اللاحقة، ولا عبرة بالإذن السابق.

9 ـ الظاهر: أنّ اعتبار إذنهما ليس حقّاً لهما كالخيار; فلا يسقط بالإسقاط(1)، فلو اشترط(2) في ضمن عقدهما أن لا يكون لهما حقّ الإذن في زواج بنتي الأخ أو الأُخت لم يؤثّر ذلك الشرط في العقد.

ولو اشترط عليهما أن يكون له العقد على بنت الأخ أو الأُخت فرَضِيَتا كان هذا الرضا منهما إذناً له، ولكن يحقّ لهما أن يرجعا عن إذنهما قبل إجراء العقد.

ولو جعل الإذن شرطاً في العقد عليهما وجب عليهما الوفاء بالشرط، ولو تخلّفتا استحقّتا الإثم، ولا يصحّ العقد إن لم تأذنا.

10 ـ إذا عقد على العمّة وابنة أخيها وشكّ في كون أيّهما سابقاً على الآخر حُكم بصحّة العقدين.

____________

1- أيّ: إنّ إذن العمّة والخالة من الحقوق التي لا تسقط، حتّى لو شرطت في ضمن العقد، لا كالحقوق الأُخرى التي يمكن التنازل عنها لو اشترطت فيه.

2- أيّ: الزوج في ضمن عقد الخالة والعمّة.


الصفحة 131

وكذلك يصحّ لو تزوّج بابنة الأخ أو الأُخت وشكّ أنّه كان بإذن العمّة أو الخالة.

ولو طلّق العمّة أو الخالة: فإن كان الطلاق بائناً، صحّ العقد على بنت الأخ أو الأُخت بمجرّد وقوع الطلاق، وإن كان الطلاق رجعيّاً لم يجز العقد على بنت الأخ أو الأُخت إلاّ بعد انتهاء العدّة.

11 ـ إذا زنى بخالته أو عمّته قبل أن يعقد على بنتها حرمت عليه بنتيهما، على الأحوط وجوباً.

وأمّا لو زنى بامرأة أجنبية، فالأحوط استحباباً: أن لا يتزوّج ببنتها، ولو زنى بامرأة، فالأحوط استحباباً: أن لا يتزوّج بها أبوه وإن علا، ولا ابنه وإن نزل.

12 ـ لا يلحق بالزنا الوطء اشتباهاً، ولا الأقسام الأُخرى من أنواع التمتّع غير النكاح، كـ: النظر والتقبيل واللمس المحرّمين للعمّة أو الخالة; فلو قام بهذه المحرّمات لم تحرم عليه بنتيهما.

13 ـ إنّما يؤدّي الزنا بالعمّة أو الخالة إلى حرمة بنتيهما إذا كان قبل العقد عليهما، أمّا إذا كان بعد العقد والدخول بها لم تحرم عليه، وكذلك فيما إذا كان الزنا بهما بعد العقد على البنت وقبل الدخول بها، على الأظهر(1)، ولو علم بالزنا وشكّ في كونه قبل العقد أو بعده بنى على كونه بعد العقد.

14 ـ من الموارد التي يحرم فيها الزواج جمعاً: زواج الأُختين والجمع بينهما، سواء كانتا أُختين بالنسب أو بالرضاع، وسواء كان العقد

____________

1- كلمة الأظهر تدلّ على: الفتوى.


الصفحة 132

دائماً أو منقطعاً، أو دائماً في إحداهما ومنقطعاً في الأُخرى، فإذا تزوّج بالأُخرى بطل عقد الثانية دون الأُولى، سواء دخل بالأُولى أم لا، ولو اقترن عقدهما بأن تزوّجهما بعقد واحد أو عقد هو على واحدة ووكيله على الثانية في زمان واحد بطل عقدهما معاً.

15 ـ إذا عقد على الأُختين وجهل تاريخ أحد العقدين أو تاريخهما: فإن احتمل تقارنهما زمنيّاً حكم ببطلان كلا العقدين..

وإن لم يحتمل التقارن بينهما ولكنّه لم يعلم السابق منهما من اللاحق فقد علم إجمالا بصحّة أحدهما وبطلان الآخر، فلا يجوز له أن يتعامل مع إحداهما معاملة الزوجة ما دام هذا الاشتباه موجود، وحينئذ: فلو طلّقهما، أو طلّق الزوجة الواقعيّة منهما، أو رضيتا بالصبر على عدم ترتّب آثار الزوجيّة، سواء أنفق عليهما أم لم ينفق; فلا إشكال.

وإن أبى الزوج عن الطلاق ولم ترضيا بالصبر أجبره الحاكم الشرعي على الطلاق، ولو بأن يطلّق إحداهما على وجه التعيين ويجدّد العقد على الأُخـرى برضاها بعد انقضـاء عدّة طلاق الأُولى; إذا كانت الأُولى مدخولا بها، وأمّا لو لم يدخل بها فيجوز له العقد على الثانية بمجرّد طلاق الأُولى.

16 ـ إذا طلّق زوجته: فإن كان الطلاق رجعيّاً فلا يجوز نكاح أُختها، ولا يصحّ العقد على الأُخت ما لم تنقضِ عدّة الأُولى..

وأمّا إن كان الطلاق بائناً، كالتطليقة الثالثة، أو كون المطلّقة ممّن لا عدّة لها، كالصغيرة وغير المدخول بها واليائسة، فيجوز له العقد على أُختها في الحال، ولو كانت الأُولى متمتّعاً بها وانقضت مدّة عقدها، أو أنّه وهب لها المدّة، فالأحوط وجوباً: عدم جواز العقد على أُختها قبل انقضاء العدّة، وإن كانت بائنة.


الصفحة 133

17 ـ يجوز أن يتزوّج فاطميّتين في وقت واحد، ولكن الأحوط استحباباً: ترك ذلك.

18 ـ لو زنت الزوجة فلا تحرم على زوجها ولو كانت مصرّةً على الزنا، والأفضل للزوج طلاقها إن لم تتب.

19 ـ لو زنى بامرأة لها زوج فعلا حرمت عليه أبداً، على الأحوط وجوباً; فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها، أو انفصالها عنه بطلاق أو فسخ لعقدها، أو انقضاء مدّة أو هبتها، إلى غير ذلك من أسباب زوال العقد..

ولا فرق في ذلك بين أن يكون زواجها دائماً أم مؤقّتاً، أو كونها مسلمة أو كافرة، صغيرة أو كبيرة، مدخولا بها أو لا، عالمة كانت بالحكم أو لا، كان بعلها صغيراً أو كبيراً.

وكذلك لا فرق إن كان الزاني عالماً بكونها ذات بعل أو جاهلا، أو كان متعمّداً في زناه أم مكرَهاً عليه.

20 ـ لو زنى بامرأة قد فُقِدَ زوجها ثمّ تبيّن أنّ الزوج قد مات قبل وقوع الزنا فلم تحرم هذه المرأة على الزاني; فيجوز له أن يتزوّجها بعد انقضاء مدّة الوفاة.

وأمّا إن لم يتبيّن موته، وشكّ في كونه حيّاً أو ميتاً قبل الزنا فلا يجوز له أن يتزوّجها، على الأحوط وجوباً.

21 ـ لو زنى بامرأة في عدّتها الرجعيّة حرمت عليه أبداً، أمّا لو كانت عدّتها عدّة البائنة أو عدّة الوفاة أو عدّة المتعة أو الوطء اشتباهاً، فلا يؤدّي هذا الزنا إلى حرمتها أبداً، ويجوز للزاني أن يتزوّجها بعد انتهاء العدّة.


الصفحة 134

ولكن لو علم بأنّها ذات عدّة، ولا يعلم بأنّها رجعيّة أو بائنة فلا يحرم عليه الزواج منها ما دام شاكّاً.. نعم، لو علم أنّ عدّتها رجعيّة وشكّ في انقضائها فيحرم عليه أن يتزوّجها.

22 ـ الأحوط وجوباً: ترك الزواج من المرأة التي زنى بها ولم تكن صاحبة بعل، ولا ذي عدّة قبل توبتها، وأمّا غيره فيجوز له الزواج منها مطلقاً، إلاّ إذا كانت معروفة ومشتهرة بالزنا; فالأحوط وجوباً على الجميع: ترك الزواج منها قبل التوبة.

والأحوط استحباباً: أن يستبرئ رحمها بحيضـة واحدة، فلا يجامعها إلاّ بعد الحيضـة كي يطمئنّ من خلوّ رحمها من ماء الفجور.

وكذلك لا يجوز، على الأحوط وجوباً: زواج المرأة من الرجل المشـهور بالزنا إلاّ بعد توبـته.

 

*  *  *

 


الصفحة 135

 

الاعتداد

 

إنّ مسألة الاعتداد من المسائل الفقهيّة المهمّة التي شغلت حيّزاً في الرسائل العمليّة وكُتب الفقهاء، والمراد منه: صبر المرأة بعد الطلاق أو الوفاة مدّة معيّنة شـرعاً; فلا يجوز لها الزواج في هذه المدّة، مضافاً إلى الحداد الذي يجب على المرأة المتوفّى زوجها ـ والذي هو عبارة عن ترك التزيّن في اللباس والبدن ـ كما سيأتي ـ.

وقد يقال: إنّ العلّة في صبر المرأة عن الزواج ـ هذه المدّة ـ هي: الاطمئنان من عدم وجود جنين في رحمها. ولكن نجد في بعض الأحيان جريان هذا الحكم حتّى على مَن يتيقّن من عدم قدرتها على الحمل; لمرض مثلا، ولذا نستطيع أن نقول: إنّه لم يخلُ حكم في الشريعة من وجود مصلحة وترك مفسـدة، فالغاية من تشريع هذا الحكم احترام كيان الزوج، وتقديس العلاقة والرابطة التي بنيت بين الزوجين، ولذا فإنّ انفكاك هذه العلقة يترتّب عليه حكم العـدّة، وصبر المرأة عن الزواج وعدم التسرّع في قطع جميع الأواصر التي كانت بين الزوجين.

وكما احترم الإسلام العلاقة بين الزوجين فقد حفظ المرأة من الوقوع في أشراك المعصـية; فحلّل لها الزواج بعد انقضاء عدّتها خلافاً لِما نرى في المجتمعات التي تتظاهر بالإسلام، وخصوصاً العربيّة منها، فقد جعلت الزواج على المرأة بعد موت زوجها أو طلاقها منه عاراً وشناراً، حتّى أدّى ذلك إلى كثرة الفساد في أجواء غير المتديّنات، ووجود العقد النفسيّة والأمراض الروحيّة عند المتديّنات.


الصفحة 136

وأُريد أن أسأل هؤلاء الّذين يسمّون أنفسهم بـ: " أصحاب الغيرة ": أليست الغيرة موضوعاً من صلب الإسلام؟!

أترانا نحرّم شيئاً حلّلته الشريعة، أم أنّنا نقدّر المصالح والضرورات أكثر من أئمّتنا (عليهم السلام) وساداتنا؟!

لماذا نحرّم شيئاً أحلّه الله تعالى، ونحمل على المرأة التي تريد الزواج بكلّ موضوعيّة ومع حفظ وصـون شخصيّتها، ومع اتّزان تصرّفها، وكونه وفقاً للمعايير الإلهيّة؟

وهل يستطيع الأب أو الأخ أو الابن أن يقوم مقام الزوج الذي يعتبر وجوده ظلاًّ وارفاً على رأس المرأة، وسؤدداً ترتفع به شخصيتها، وتشيّد به كرامتها؟

ناهيك عن هؤلاء النسوة اللاتي لم يبقَ لهنّ حتّى أخ أو ابن أو أب!!

أسأل الله تعالى أن تكون جميع تصرّفاتنا وفقاً لِما تريده الشريعة السمحاء لنا إن شاء الله تعالى.

 

أحكام الاعتداد

1 ـ يحرم الزواج بالمرأة دواماً أو متعةً في عدّتها من الغير، رجعيّة كانت أو بائنة، عدّة الوفاة أو غيرها(1)، من نكاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة أو غيرها، فلو علم الرجل أو المرأة بأنّها في العدّة وبحرمة الزواج فيها وتزوّج بها حرمت عليه أبداً وإن لم يدخل بها بعد العقد، وإذا كانا

____________

1- أي: سواء كانت في عدّة الطلاق الرجعي أم البائن، في عدّة الوفاة أو غيرها.


الصفحة 137

جاهلين(1) بأنّها في العدّة أو بحرمة الزواج فيها وتزوّج بها بطل العقد، فإن كان قد دخل بها ـ ولو دبراً ـ حرمت عليه مؤبّداً أيضاً، وإلاّ جاز الزواج بها بعد إتمام العدّة.

2 ـ إذا وكّل أحداً في تزويج امرأة ولم يعيّن الزوجة، فزوّجه امرأة ذات عدّة وقع العقد فضوليّاً متوقّفاً على إجازة الموكِّل لهذا العقد، فلو أمضاه قبل خروجها من العدّة جرى عليه حكم الزواج في العدّة، فيجري فيه التفصيل الذي ذكرناه في الفرع السابق، وإن لم يمضه قبل خروجها من العدّة كان العقد لغواً ولا يوجب الحرمة، ولو زوّج الصغيرَ وليّه من امرأة ذات عدّة فلا يوجب الحرمة إلاّ إذا أمضى العقد بعد البلوغ والرشد قبل انقضاء عدّتها وحرمت عليه على التفصيل المذكور، ولا فرق في ذلك سواء كان الوكيل والوليّ عالماً بالحال أو لا.

3 ـ لو وكّل أحداً في تزويج امرأة معيّنة في وقت معيّن، فزوّجه إيّاها في ذلك الوقت وهي ذات عدّة، فإن كان الزوج الموكِّل عالماً بالحكم والموضوع(2) حرمت عليه أبداً وإن كان الوكيل جاهلا بهما.

أما لو كان الموكّل (الزوج) جاهلا بهذين الأمرين وإن كان الوكيل عالماً بهما فإنّها لا تحرم عليه، إلاّ مع الدخول بها أو أنها كانت عالمةً بالحال.

3 ـ ليس الزواج في حال العدّة كالوطء شبهةً، أو الزنا بالمرأة المعتدّة، فلو زنى بإمرأة أو وطئها شبهةً في حال عدّتها لم تحرم عليه

____________

1- أي: إذا جهل الرجل والمرأة كون المرأة ذات عـدّة.

2- علمه بالحكم: أيّ بحرمة الزواج بذات العدّة، وعلمه بالموضوع: أي بكونها ذات عدّة.


الصفحة 138

مؤبّداً، أيّة عدّة كانت، إلاّ العدّة الرجعيّة فإذا زنى بها فيها فإنّه يوجب الحرمة، على الأحوط وجوباً.

4 ـ يعتبر في الدخول ـ الذي هو شرط للحرمة الأبديّة في صورة الجهل ـ أنَّ يكون في العدّة، فلا يكفي وقوع العقد في العدّة، إذا كان الدخول قد تحقّق بعد انقضائها.

6 ـ لو شكّ الرجل في كون المرأة التي يريد الزواج منها أنّها في العدّة أو لا جاز له أن يتزوّجها، وأن يبني على كونها غير ذات عدّة، ولا يجب عليه الفحص عن حالها، وكذلك يجوز له الزواج منها لو علم بأنّها كانت في العدّة وإذا أخبرت هي بالانقضاء ما لم تكن متهمة(1)، وإلاّ فالأحوط لزوماً: تركه، ما لم يتمّ التحقّق من صدقها.

7 ـ لا يجوز التصريح بالخطبة ـ أيّ الدعوة إلى الزواج صريحاً ـ ولا التعريض بها ـ بمعنى أنّه يشعرها برغبته في تزويجها بالكلام من دون تصريح بالخطبة ـ لذات البعل، ولذات العدّة الرجعيّة مع عدم الأمن من كون التعريض سبباً لنشوزها، وخروجها عن طاعة الزوج، والأحوط وجوباً: ترك التعريض حتّى لو أمن النشوز، وأمّا ذات العدّة البائنة، سواء كانت عدّة الوفاة أم غيرها فيجوز ـ لمن لا مانع شرعاً من زواجه منها لولا كونها معتدّة ـ التعريض لها بالخطبة بغير الألفاظ المستهجنة المنافية للحياء، بل لا يبعد جواز التصريح لها بذلك ولو من غير زوجها السابق.

8 ـ من كان عنده أربع زوجات دائمة تحرم عليه الخامسة، ما دامت الأربع في عصمته الزوجيّة، فلو طلّق إحداهنّ طلاقاً رجعيّاً لم يجز له

____________

1- أي: ما لم يُشكّ في صدق ادّعائها انقضاء العـدّة.


الصفحة 139

الزواج بالأُخرى إلاّ بعد خروجها من العدّة، وانقطاع عصمة الزوجيّة بينهما، وأمّا لو طلّقها طلاقاً بائناً فالمشهور عند الفقهاء جواز التزويج بالخامسة قبل انقضاء عدّتها، والأحوط وجوباً: أن يصبر الزوج حتّى انتهاء العدّة، وهكذا لو ماتت إحداهن فإنّ الأحوط وجوباً: أن يصبر على التزويج من الخامسة بعد انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام من موتها، وأمّا لو فارق إحداهنّ بفسخ العقد(1)، أو بطروء شيء أدّى إلى انفساخ العقد(2)، فالأظهر: عدم وجوب الصبر إلى انقضاء المـدّة، ولو لم تكن عليها(3) كغير المدخول بها واليائسة فلا موضـوع لوجوب الصبر.

9 ـ إذا عقد من له زوجات ثلاث على زوجتين اثنتين مرتّباً ـ أي بالتوالي لا بعقد واحد ـ بطل عقد الثانية، وأمّا لو عقد عليهما معاً في وقت واحد فالعقد باطل.

10 ـ يجوز الجمع بين أكثر من أربع زوجات إذا كان عقد عليهن بالعقد المؤقت، وان كان عنده أربع زوجات دائميّات.

 

*  *  *

 

____________

1- كما إذا فسخه أحد الزوجين لعيب أو نحوه.

2- كـ: الارتداد أو الرضاع أو غير ذلك.

3- أي: كانت ممّن ليس عليها عدّة.


الصفحة 140

 

الكفر وعدم الكفاءة

 

لقد جاء الكتاب الكريم حاملا لواء الدفاع عن كرامة المرأة المسلمة، فما أراد أن تقع تحت سيطرة الكافر بأيّ نحو تتصوّر فيه السيطرة، وهكذا كلّ فرد من المسلمين، ولهذا يشير قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا}(1).

وبما أنّ الزواج يحمل في طيّاته ولايةً على المرأة، كما جاء عن رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " النكاح رقّ، فإذا أنكح أحدكم وليدةً فقد أرقّها، فلينظر أحدكُم لمن يرق كريمته "(2); لذا حرّم الاسلام زواج المسلمة من الكافر، سواء كان الزواج دائماً أم مؤقتاً، وسواء كان الكافر كتابيّاً، كـ: اليهودي والمسيحي والمجوسي، أم لم يكن كذلك، أو كان مرتّداً عن فطرة، أي: أنّ أحد أبويه أو كليهما كانا مسلمين، وأظهر إسلامه بعد التمييز ثمّ خرج عن الإسلام واختار الكفر، أو عن ملّة، وهو: من يقابل الفطري.

وكذا لا يجوز للمسلم أن يتزوّج غير الكتابيّة من أصناف الكفّار، ولا المرتدّة، سواء كانت عن فطرة أو عن ملّة، وأما النصرانيّة واليهوديّة فيجوز له أن يتزوّجها متعة(3)، والأحوط وجوباً: أن لا يتزوّجها دواماً.

1 ـ الأحوط وجوباً: ترك زواج المسلم من المجوسيّة حتّى لو كان

____________

1- النساء 4:141.

2- وسائل الشيعة 20: 79 ح 8.

3- ولا يجوز الزواج من الكتابيّة إلاّ بعد الاستئذان من زوجته المسلمة ـ إن كان له زوجة ـ سواء كان الزواج دائماً أم مؤقتاً، بل الاحوط وجوباً: ترك التزويج منها مؤقتاً حتّى مع إذن الزوجة المسلمة; كما سيأتي.


الصفحة 141

الزواج مؤقتاً، وأما الصابئة فلم يعرف حقيقة دينهم، وقد يقال: إنّهم على قسمين: الصابئة الحرّانيين، وهم: الوثنية; فلا يجوز الزواج منهم، والصابئة المندلائيين، وهم: طائفة من النصارى; فيكون حكمهم حكم النصارى، هذا إذا ثبت كونهم منهم، وإن لم يثبت فالأحوط وجوباً: ترك الزواج منهم مطلقاً، من أي فرقة كانوا.

2 ـ لو كان عنده زوجة مسلمة فلا يجوز له أن يتزوّج بالكتابيّة حتّى مؤقتاً إلاّ بإذنها، بل الأحوط وجوباً: ترك التزويج مؤقتاً حتّى مع إذن المسلمة.

3 ـ لو كان عنده أكثر من أربع زوجات غير كتابيات وأسلم على هذه الحالة وأسلمن معه أيضاً فيختار أربعاً منهنّ وينفسخ نكاح الأُخريات، ولو أسلم وعنده أربع زوجات كتابيّات بقي معهنّ على النكاح وثبت عقده الأوّل ولم يبطل، ولو كنّ أكثر اختار أربعاً وبطل عقد الباقي.

4 ـ إذا ارتدّ الزوج عن ملّة أو ارتدّت الزوجة عن ملّة أو عن فطرة ـ وقد مرّ بيان معنى هذين النوعين من الارتداد ـ فإن كان الارتداد قبل الدخول بها، أو كانت الزوجة يائسة أو صغيرة بطل نكاحها وليس عليها عدّة..

وأمّا إن كان الارتداد بعد الدخول وكانت المرأة في سنّ من تحيض وجب عليها أن تعتدّ عدّة الطلاق، وتوقّف بطلان نكاحها على انقضاء العدّة; فإذا رجع المرتدّ عن ارتداده إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة بقي الزواج على حاله، والاّ انكشف بطلانه من حين الارتداد.

5 ـ إذا ارتدّ الزوج عن فطرة حرمت عليه زوجته، ووجب عليها أن تعتدّ عدّة الوفاة، والأحوط لزوماً: ثبوت الحكم لها حتّى إذا كانت يائسة أو


الصفحة 142

صغيرة أو غير مدخول بها..

وأمّا إذا رجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدّة فالأحوط لزوماً: عدم ترتّب آثار الزوجيّة أو الفراق إلاّ بعد تجديد العقد أو الطلاق.

6 ـ العقد الواقع بين الكفّار لو وقع عندهم: صحيحاً، وعلى طبق مذهبهم تترتّب عليه آثار العقد الصحيح عندنا، فلا يجوز الزواج من زوجاتهم، إلى غير ذلك من الآثار، سواء كانا كتابيّين أم غير ذلك، أم كان أحدهما كتابيّاً والآخر غير كتابيّ.

ولو أسلما معاً دفعةً واحدة أُقرّا على نكاحهما، ولا حاجة لعقد جديد على طبق مذهبنا، بل وكذا لو أسلم أحدهما أيضاً في بعض الحالات التي سيأتي بيانها.. نعم، لو كان نكاحهم مشتملا على ما يقتضي الفساد عندنا ابتداءً ـ كنكاح أُمّ الزوجة مثلا، أو أنّه عرض عليه ما أفسده، كما لو عقد على أُخت زوجته ـ جرى على زواجهما هذا حكم الإسلام بعد إسلامهما أو إسلام أحدهما.

7 ـ إذا أسلم زوج الكتابيّة بقيا على نكاحهما الأوّل، ولا حاجة لعقد جديد، سواء كان قبل إسلامه كتابيّاً أم لم يكن، وسواء كان إسلامه قبل الدخول بها أم بعده..

وأمّا إذا أسلم زوج غير الكتابيّة ـ سواء كان كتابيّاً أم لا ـ فإن كان إسلامه قبل الدخول بها انفسخ النكاح فوراً، وإن كان إسلامه بعد الدخول بها يفرّق بينهما وينتظر إلى انتهاء عدّتها، فإن أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما، وإن لم تسلم انفسخ العقد وتبيّن انفساخه من حين إسلام الزوج.

8 ـ إذا أسلمت زوجة غير المسلم، سواء كانت كتابيّة أم غيرها، فإن


الصفحة 143

كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان بعده فالأحوط لزوماً: أن يفترقا بالطلاق أو يجدّد العقد إذا أسلم قبل انقضاء العدّة.

9 ـ لا يجوز للمؤمن ـ وهو الشيعي الاثنا عشري ـ أو المؤمنة أن ينكح ـ مؤقتاً أو دائماً ـ بعض المنتحلين لدين الإسلام ممّن يحكم بنجاسـتهم، كـ: النواصب وغيرهم.

10 ـ يجوز زواج المؤمن من المخالفة غير الناصبيّة، كما يجوز زواج المؤمنة من المخالف غير الناصبي على كراهة، ولو خيف على الزوج أو الزوجة الضلال والانحراف عن العقيدة الحقّة حرم الزواج.

 

*  *  *

 


الصفحة 144

 

مسائل تتعلّق بالزواج

 

1 ـ لا يشترط في صحّة الزواج تمكُّن الزوج من النفقة.. نعم، لو زوّج الولي البنت الصغيرة بغير القادر على الإنفاق عليها وكان في ذلك مفسدة بالنسبة إلى الصغيرة من دون مزاحمة تلك المفسدة لمصلحة غالبة عليها، وقع العقد فضولياً فيتوقّف على إجازتها بعد كمالها.

2 ـ القدرة على الإنفاق وإن لم تكن شرطاً في صحة العقد ولا في لزومه، فلا يثبت الخيار(1) للمرأة لو تبيّن عدم تمكّن الزوج منها حين العقد، فضلا عمّا لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة بعد ذلك، ولكن لو دلّس الرجل نفسه على المرأة وأظهر نفسه بأنّه غنيّ قبل العقد عند الخطبة والمقاولة ثمّ وقع العقد مبنيّاً عليه، ثمّ تبيّن خلافه ثبت الخيار لها، فضلا عمّا لو ذكر اليسار والقدرة على الإنفاق بنحو الاشتراط أو التوصيف في متن العقد ثمّ تبيّن عدمه.

3 ـ يصح نكاح المريض بالمرض المتصل بموته بشرط الدخول، فإذا مات ولم يدخل بها بطل العقد ولا مهر لها ولا ميراث ولا عدّة عليها بعد موته..

وكذا لو ماتت المرأة في أيام مرض زوجها ـ المتصل بموته ـ قبل أن يدخل بها فإنّه يبطل نكاحها.

4 ـ المرض الذي تحدّثنا عنه هو خصوص مرض الموت ـ الذي

____________

1- أي: ليس لها أن تختار البقاء على العقد أو فسخه; لأنّ هذا المورد ليس من الموارد التي يثبت فيها الخيار.


الصفحة 145

يكون معه المريض في معرض الهلاك ـ فلا يشمل مثل حمّى يوم خفيف اتّفق أن مات بها على خلاف العادة.

5 ـ ورد عنوان الكفؤ في باب ولاية الأب والجدّ للأب على البنت الباكرة الرشيدة، ويكفي فيه أن يكون الخاطب مؤمناً عاقلا، فالمؤمن كفؤ المؤمنة حتّى لو كان أعجميّاً(1) وكانت هي عربيّة، أو كان عاميّاً وكانت هاشـميّة أو بالعكس، وكذلك لو كانت تنحدر من بيوتات شريفة ومعروفة اجتماعياً وكان هو ممّن له صنعة وحرفة دنيئة عرفاً، كـ: الكنّاس وغيره، وهذا الأمر يدلّ على أنّ الإسلام لا يعتبر هذه القضايا العرفيّة، والمدار عنده في الكفاءة: الإيمان والعقل، اللّذان يوصلان الإنسان لكلّ شيء، وينال بهما خير الدنيا والآخرة.

 

*  *  *

 

____________

1- المقصـود من الأعجمي هو: غير العربي.


الصفحة 146

 

الزواج المؤقّـت

 

إباحة المتعة:

قال الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}(1).

جاء في تفسير هذه الآية الكريمة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال: " نزلت في القرآن "، وتلا هذه الآية الكريمة(2).

وفي " عيون الأخبار " عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام)، في كتابه إلى المأمون: " محض الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ـ إلى أن قال: ـ وتحليل المتعتين اللّتين أنزلهما الله في كتابه، وسنّهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): متعة النساء، ومتعة الحجّ "(3).

ولكنّنا ـ مع الأسف ـ نرى البعض ممّن يتخذها غاية لا وسيلة، ويستغلّ هذا الأمر المشروع لأجل أغراضه الشخصيّة، ولذا نرى أئمّتنا (عليهم السلام)قد وضعوا لهذا الأمر ضوابط وشرائط ينبغي للمؤمن تطبيقها..

فقد جاء عن الفتح بن يزيد، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتعة فقال: " هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج فليستعفف بالمتعة، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها "(4).

____________

1- سورة النساء 4: 24.

2- وسائل الشيعة 21: 5 ح 1.

3- وسائل الشيعة 21: 9 ح 15.

4- وسائل الشيعة 21: 22 ح 2.


الصفحة 147

وعن الحسن بن شمون، قال: كتب أبو الحسن (عليه السلام) إلى بعض مـواليه: " لا تلحّـوا على المُتـعة إنّما عليكم إقامة السُـنّة، فلا تشتغلوا بها عن فرشـكم وحرائركـم، فيكفرن ويتبـرّين ويدعـين على الآمر بذلك ويلعنونا "(1).

 

استحباب المتعة

جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: " يستحب للرجل أن يتزوّج المتعة، وما أُحبّ للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتّى يتزوّج المتعة ولو مرّة ".

وكذلك جاء عـنه (عليه السلام) في رواية أُخـرى وهو يسأل أحد أصحابه ـ محمّـد بن مسلم ـ قال له: " تمتّعت؟ ".

قال: لا، قال (عليه السلام): " لا تخرج من الدنيا حتّى تحيي السُـنّة "(2).

وممّا سبق تبيّن إباحة المتعة ومشروعيّتها فضلا عن استحبابها والإثابة على القيام بها إحياءً للسُـنّة.

ولكن المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا وبالخصوص معشر النساء هو الأثر السلبي الذي تتركه المتعة على نفوس الرجال، ممّا يؤدّي إلى تهديد بناء الأُسـرة بالسقوط والانهيار، والجواب على هذا الإشكال واضح; لأنّ الشريعة لا تقرّ بشيء يكون مصدراً للمفسدة، ولا تقبل بعمل يؤدّي إلى انحطاط كيان المرأة، والتلاعب بشخصيتها، ولا يسمح لأيّ فرد سواء من داخل الأُسـرة أم من خارجها أن يحول بين استحكام ورّص العلاقة بين

____________

1- وسائل الشيعة 21: 23 ح 4.

2- وسائل الشيعة 21: 15 ح 11.


الصفحة 148

الزوجين، بل الذي نشاهدُه في الكتاب الكريم وكلمات المعصومين (عليهم السلام)هو: التأكيد على حفظ البيت المسلم، وإعطاء المرأة المكانة اللائقة بها.

ولم تشرّع المتعة إلاّ لغرض السير على الجادة المستقيمة التي رسمها لنا الشارع المقدّس.

 

أحكام زواج المتعة

1 ـ وهو: النكاح المؤجّل، والذي يتمّ العقد فيه لمدّة معيّنة زمناً، وهو كالعقد الدائم من حيث توقّفه على الإيجاب والقبول اللفظيّين، فلا يكفي في وقوع العقد مجرّد الرضا القلبي من الطرفين، كما لا يكفي المعاطاة ولا الكتابة ولا الإشارة إلاّ للأخرس..

والأحوط وجوباً: أن يكون لفظ الإيجاب والقبول باللغة العربية لمن يتمكّن منها، وأمّا الذي لا يتمكّن فيكفيه اللغة المفهِمة للطرف المقابل وإن كان قادراً على أن يوكّل أحداً غيره.

2 ـ ألفاظ الإيجاب في هذا العقد ثلاثة: (متَّعتُ)، و (زوَّجْت)، و (أنكحت); فأيّ واحد من هذا الألفاظ حصل، وقع الإيجاب، ولا ينعقد بغير هذه الألفاظ، كلفظ: (ملّكت)، أو: (وهبتُ)، أو: (أجّرتُ).

وأمّا القبول فإنّه يتحقّق بكلّ لفظ دالّ على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب، كقوله: (قبِلتُ المتعة، أو التزويج، أو النكاح)، ولو قال: (قبلتُ) أو: (رضـيتُ) واقتصر، كفى ذلك.

3 ـ إذا باشر الزوجان العقد المؤقت وعقدا لأنفسهما من دون وكالة إلى أحد، وبعد تعيين المدّة والمهر قالت المرأة مخاطبة الرجل: (أنكحتك نفسي، أو أنكحت نفسي منك ـ أو لك ـ في المدّة المعلومة على الصداق 


الصفحة 149

المعلوم). فقال الرجل: (قبلت النكاح) صحّ العقد..

وكذا إذا قالت المرأة: (زوّجتك نفسي، أو زوّجت نفسيّ منك في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم). فقال الرجل: (قبلت التزويج)..

وهكذا إذا قالت المرأة: (متّعتك نفسي إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم). فقال الرجل: (قبلت المتعة).

4 ـ لو وكّلا غَيرهما وكان اسم الرجل أحمد واسم المرأة فاطمة مثلا، فقال وكيل المرأة: (أنكحتُ موكِّلَك أحمد موَكِّلَتي فاطمة، أو أنكحت موَكّلَتي فاطمة موكّلك، أو من موكِّلِك، أو لموكِّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم). فقال وكيل الزوج: (قبلت النكاح لموكّلي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم) صح العقد..

وكذا لو قال وكيلها: (زوّجت موكِّلَك أحمد موكِّلَتي فاطمة، أو زوّجت موكِّلَتي فاطمة موكّلَك، أو من موكّلِك، أو بموكّلِك أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم). فقال وكيله: (قبلت التزويج لموكّلي أحمد في المدّة المعيّنة على الصداق المعلوم).

وهكذا لو قال وكيلها: (متّعتُ موكَّلَك أحمد موَكّلَتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم)، فقال وكيل الزوج: (قبلتُ المتعة لموكّلي أحمد إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم).

ولو كان المباشر للعقد وليّهما، فقال ولي المرأة: (أنكحت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة، أو أنكحت ابنتي أو حفيدتي فاطمة ابنك أو حفيدك، أو من ابنك أو حفيدك، أو لابنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم).. أو قال ولي المرأة: (زوّجت ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة، أو زوّجت ابنتي أو حفيدتي


الصفحة 150

فاطمة ابنك أو حفيدك، أو من ابنك أو حفيدك، أو بابنك أو حفيدك أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم).. أو قال ولي المرأة: (متّعتُ ابنك أو حفيدك أحمد ابنتي أو حفيدتي فاطمة إلى الأجل المعلوم بالصداق المعلوم). فقال وليّ الزوج: (قبلت النكاح أو التزويج أو المتعة لابني أو لحفيدي أحمد في المدّة المعلومة على الصداق المعلوم)، صحّ العقد.

5 ـ كلّ من لا يجوز نكاحها دواماً، سواء كان عيناً، كالزواج من أُمّ الزوجة ـ أو جمعاً، كالزواج من الأُختين ذاتاً، كالأُخت والعمّة والخالة، أو عرضاً، كالتي تَحرم بالرّضاعة مثلا; لا يجوز نكاحها متعة.

حتّى بنت أخ الزوجة أو بنت أختها فلا يجوز التمتع بهما من دون إذن الزوجة التي تكون عمّتها أو خالتها..

نعم، لا بأس بالتمتّع بالنصرانيّة واليهوديّة متعة(1)، وإن كان لا يجوز الزواج منهما دواماً، على الأحوط وجوباً; كما مرّ.

6 ـ يشترط في النكاح المؤقّت ذكر المهر، فلو عقد بلا ذكر في العقد عمداً أو جهلا أو نسياناً أو غفلة أو لغير ذلك، بطل.

وكذا لو جعل المهر ممّا لا يملكه المسلم، كـ: الخمر والخنزير، وكذلك لو جعله من مال الغير مع عدم إذنه وردّه بعد العقد.

7 ـ يجوز أن يجعل المهر عيناً خارجيةً، كقطعة أرض مثلا، أو كليّاً في الذمّة كألف دينار، كما يصح أن يجعل المهر منفعة، كإجارة بيت أو محلّ عمل، أو أن يكون المهر عملا محلّلا صالحاً للعوضـيّة وإعطاء الأُجـرة.

____________

1- ويشترط فيه: إذن الزوجة المسلمة، بل الأحوط وجوباً: الترك حتّى مع رضاها كما مرّ.


الصفحة 151

وكذلك يجوز أن يكون حقّاً من الحقوق الماليّة القابلة للانتقال، كحقّ التحجير مثلا، كما إذا وجد أرضاً مواتاً فجعل لها جداراً حتّى لا يتصرّف فيها أحد فعملُه هذا مقدّمة لإحياء هذه الأرض.

8 ـ يعتبر أن يكون المهر في الزواج المؤقّت معلوماً، فلا تصح المتعة بالمهر المجهول; فالأحوط وجوباً: أن يكون معلوماً على النحو المعتبر في المعاوضات، بأن يكون معلوماً بالكيل إذا كان مكيلا، وبالوزن إذا كان موزوناً، وبالعدّ كذلك إذا كان معدوداً، وبالمشاهدة في ما يعتبر فيه المشاهدة.

9 ـ لا تقدير للمهر شرعاً، بل يصح بأيّ مقدار تراضيا عليه، قليلا كان أم كثيراً، ولو كان كفّاً من الطعام.

10 ـ تملك المرأة المتمتّع بها تمام المهر بالعقد، ولكن استقراره بتمامه مشـروط بعدم إخلالها بالتمكين الواجب عليها بمقتضى العقد; فلو أخلّت به ولم تمكّنه من نفسها في بعض المدّة، فيحقّ له أن ينقص من مقدار المهر بنسبة ما أخلّت من المدّة، فإذا أخلّت مثلا بنصف مدّة نكاحها فينقص النصف، وإذا كان ثلثاً من المدّة فينقص الثلث من المهر، وهكذا.

وأمّا الأيام التي يحرم عليها التمكين بالوطء فيها، كالحيض، وكذا ما يحرم فيه الوطء على الزوج دونها، كحال إحرامه، فلا ينقص من المهر شيء، وكذا فترات عدم تمكينها لعذر يتعارف حصوله للمرأة خلال المدّة المعيّنة للعقد من مرض مدنف(1) أو سفر لازم أو غيرهما.

11 ـ لو خاف الزوج من تخلّف الزوجة المتمتّع بها عن التمكين في

____________

1- مدنف: من دَنِفَ المريض بالكسر، أي: ثقل، فهوُ مدنِف ومُدْنَف. الصحاح 4: 1361 " دنف ".


الصفحة 152

تمام المدّة، جاز له تقسـيط المهر ودفعه إليها أقساطاً حسبما تمكّنه من نفسها.

12 ـ لو حُبس الزوج أو سافر أو مرض مثلا أو مات أو تركها اختياراً حتّى مضت المدّة المحدّدة للنكاح حين العقد ولو بتمامها، لا يسقط من المهر شيء وإن كان ذلك قبل الدخول، وكذا لا يسقط من المهر شيء لو ماتت هي أثناء المدّة، على الأحوط وجوباً.

13 ـ لو وهبها المدّة ولم يكملها معها، فإن كان ذلك قبل الدخول يجب عليه أن يعطي نصف المهر، وإن كان بعده أعطى جميع المهر حتّى وإن مضـت من المدّة ساعة وبقيت منها شهور أو أعوام.

14 ـ لو تبيّن فساد العقد بأن ظهر للمرأة المتمتّع بها زوج، أو كانت أُخت زوجة الرجل الذي يريد أن يتمتّع بها أو أُمّها مثلا، فلا تستحقّ المهر قبل الدخول، ولو كانت قد أخذته المرأة أرجعته إليه، ولو تلف وجب عليها إعطاء بدله، وكذلك الحال لو دخل بها وكانت عالمة بفساد العقد.

وأمّا إن كانت جاهلة بفساد العقد فلها أقلّ الأمرين من: المهر المسمّى، ومهر المثل في الزواج المؤقت لا الدائمي; فلو كان المهر المسمّى خمسة آلاف ديناراً، ومهر المثل الذي يعطى للمرأة المتمتّع بها عادة أربعة آلاف ديناراً ـ مثلا ـ فيعطيها أربعة آلاف، فإن كان الذي أخذته أكثر من المقدار أرجعت الباقي.

15 ـ يشترط في النكاح المؤقت ذكر المدّة; فلو لم يذكرها عمداً أو نسياناً أو غفلةً أو حياءً أو لسبب آخر، بطل العقد متعة، بل ودائماً أيضاً.

16 ـ لا تقدير للأجل في العقد المؤقت شرعاً، بل هو إليهما يتراضيان على ما أرادا، طال أو قصر..


الصفحة 153

نعم، لا يجوز جعله أزيد من محتمل عمر أحد الزوجين أو عمرهما معاً، ولو جعلاه أزيد من ذلك بطل العقد، كما يشكل جعله أقلّ من مدّة تسـع شيئاً من الاستمتاع بالنسبة إليهما، ومن هنا يشكل العقد على الصغير أو الصغيرة مع عدم قابلية المدّة المعيّنة للاستمتاع فيها من الصغيرة، أو لاستمتاع الصغير فيها بوجـه.

17 ـ لا بُدّ في الأجل أن يكون معيّناً بالزمان بنحو لا يحتمل الزيادة ولا النقصان; فلو كان مقدّراً بالمرّة أو المرّتين من دون تقدير بالزمان، أو كان مقدّراً بزمان مجهول، كشهر من السنة أو يوم من الشهر، أو كان مردّداً بين الأقلّ والأكثر، كشهر أو شهرين أو قدوم الحاج أو نضوج الثمرة، بطل العقد.. نعم، لا بأس بما يكون مضبوطاً في نفسه وإن توقّف تشخيصه على الفحص.

18 ـ بعض الأشهر الهلاليّة تنقص عن الثلاثين يوماً، وهذا لا يؤدّي إلى بطلان العقد فيما لو جعل المدّة شهراً هلاليّاً مع أنّه مردّد بين الثلاثين والتسعة والعشرين يوماً..

وكذلك لا بأس لو جعل المدّة إلى آخر هذا الشهر، أو آخر هذا اليوم مع عدم معرفة ما بقي منهما.

19 ـ لو قالت المرأة المتمتّع بها: (زوّجتك نفسي شهراً، أو إلى مدّة شهر) مثلا وأطلقت ولم تعيّن أيّ شهر هو، أو إلى أيّ شهر، بدأ الحساب من حين العقد، ولا تنفصل المدّة عنه، ولا يجوز، على الأحوط وجوباً، أن تُجعل المدّة منفصلة عن العقد، بأن يكون مبدأُها بعد أُسبوع من حين وقوعه.. نعم، لا مانع من اشتراط تأخير الاستمتاع مع كون التزويج من حال العقد.


الصفحة 154

20 ـ لو جعل للعقد مدّة معيّنة ثمّ شكّ في انتهائها، فيبني على عدم انتهائها حتّى يتيقّن من الانتهاء.

21 ـ لا يصح تجديد العقد على المرأة المتمتّع بها، سواء أراد أن يجعل العقد الجديد دائماً أم منقطعاً، قبل أن تنقضي المدّة السابقة، أو قبل أن يهبها لها، فلو كانت المدّة شهراً وأراد أن تكون شهرين فلا بُدّ أن يهبها المدّة أوّلا، ثمّ يعقد عليها مرةً أُخرى، ويجعل المدّة شهرين، ولا يجوز أن يعقد عليها عقداً آخر ويجعل المدّة شهراً آخر بعد الشهر الأوّل فيكون المجموع شهرين.

22 ـ لا طلاق في المتعة، وإنّما تبين المرأة المتمتّع بها عن الرجل بانقضاء المدّة المذكورة في العقد، أو أن يهبها لها; فإذا انفصلت عنه وجبت عليها العدّة، ولا رجعة للزوج في عدّتها وإنّما يجوز أن يرجع عليها بعقد جديد فقط.

23 ـ إذا كان الزوج صغيراً فيحقّ للولي أن يهبّ المدّة لزوجته المتمتّع بها قبل انتهائها إذا كان في الإبراء مصلحةً للصبيّ، وإن كانت المدّة تزيد على زمن صباه كما إذا كان عمر الصبيّ سنتان وكانت مدّة المتعة أربع عشرة سنة مثلا.

24 ـ لا يثبت بالنكاح المنقطع التوراث بين الزوجين، ولو شرطا التوارث بينهما أو خصوص توريث أحدهما كتوريث المرأة، ففي نفوذ الشرط إشكال; فالأحوط وجوباً: تصالح الورثة معها، أو الرجوع في هذه المسألة إلى الغير مع رعاية الأعلم فالأعلم.

25 ـ لا تجب نفقة الزوجة المتمتّع بها على زوجها وإن حملت منه، ولا تستحقّ من زوجها المبيت عندها الاّ إذا اشترطت ذلك في العقد، أو


الصفحة 155

شرطته عليه في ضمن عقد آخر لازم، كعقد البيع مثلا.

26 ـ لو جهلت الزوجة بعدم استحقاقها النفقة والمبيت لا يؤثّر جهلها هذا على صحة العقد، ولا يثبت لها حقّ على الزوج من جهة جهلها، ويحرم عليها الخروج من الدار بغير إذن زوجها إذا كان خروجها منافياً لحقّ الاستمتاع، والأحوط استحباباً: أن لا تخرج من دون إذنه حتّى إذا لم يكن الخروج منافياً لحقّه أيضاً.

27 ـ إذا انقضت مدّة المتعة أو وهبها للمرأة قبل الدخول بها فلا عدّة عليها، وإن وهبها المدّة بعد الدخول ولم تكن صغيرة أو يائسة فيجب عليها أن تعتدّ..

ومقدار عدّتها: حيضتان كاملتان، ولا تكفي فيها حيضة واحدة، على الأحوط وجوباً، وإن كانت لا تحيض لمرض أو سبب آخر وهي في سنّ من تحيض وليست في سنّ اليأس فعدّتها خمسة وأربعون يوماً.

ولو حلّ الأجل أو وهبها المدّة في أثناء الحيض لم تحسب تلك الحيضة من العدّة، بل لا بُدّ من حيضتين تامّتين بعد هذه الحيضة إذا لم تكن حاملا، أما إذا كانت حاملا فعدّتها إلى أن تضع حملها، وإن كان الأحوط استحباباً: أن تعتدّ بأبعد الأجلين; والأجلان هما: وضع حملها وانقضاء حيضتين أو مضيّ خمسة وأربعين يوماً.

وأما عدّة المتمتّع بها في الوفاة فهي: أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا، وإن كانت حاملا فتعتدّ بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ووضع حملها، كالدائمة.

28 ـ يستحبّ أن تكون المرأة المتمتّع بها مؤمنة عفيفة، وأن يسأل عن حالها قبل الزواج مع عدم التهمة من أنّها ذات بعل أو ذات عدّة أم لا،


الصفحة 156

وأمّا بعد الزواج فلا يستحب السؤال، وليس السؤال عن حالها والفحص شرطاً في الصحة.

29 ـ يجوز التمتّع بالزانية على كراهة.. نعم، إذا كانت مشهورة بالزنا فالأحوط وجوباً: ترك التمتّع بها إلاّ بعد توبتها.

 

*  *  *

 


الصفحة 157

 

في المهر

 

لقد احترم الإسلام المرأة وجعل لها كياناً واستقلاليّة، بخلاف ما يدّعيه البعض من حجبها وعدم الاعتراف بشخصيّتها، لذا شرّع لها المهر الذي تأخذه من الزوج مقابل ما تقدّم له من طاقات أفنت في طلبها عمرها.

وليس ذلك ثمناً لأنّ العمر لا يُثمّن، ولكنّها سُـنّة إلهيّة جعلها الإسلام شرطاً في الزواج، الذي هو أسمى من أن يُقيّم بالمادّيات.

وممّا يؤسف له أنّ البعض حوّلوا المهور إلى تجارة والمرأة إلى بضاعة; فأضاعوا الهدف السامي الذي سُنّ الزواج لأجله وشُرّع المهر لِسـببه.

وقد يكون التعامل السلبي لبعض الرجال مع زوجاتهم أدّى بالأولياء أن ينظروا للمهر هذه النظرة، والحقّ معهم; لأنّهم أرادوا أن يضمنوا مستقبل بناتهم، ويجعلوهنّ في أمان من تهوّر بعض الأزواج..

ولكن لا يُقطع دابر المعروف بسبب عدم أهليّة البعض له، ولا نجعل غلاء المهور سبباً مخوّفاً للشباب ورادعاً إيّاهم عن الزواج، بل كما قال (عليه السلام): " اعمل المعروف مع أهله، فإن لم يكن له أهل فأنت أهله ".

بعض المسائل التي ترتبط بالمهر

1 ـ ويسمّى المهر: الصداق أيضاً، وهو: ما تستحقّه المرأة بجعله في العقد أو بتعيّنه بعده أو بسبب الوطئ، أو ما هو بحكمه من مبلغ أو شيء آخر يمكن أن يملكه المسلم، بشرط أن يكون قابلا للانتقال عرفاً، على


الصفحة 158

الأحوط لزوماً، سواء كان ديناً في ذمّة الزوج، أو عيناً يملكها، كدار مثلا، أو منفعة لعين مملوكة من دار أو عقار أو حيوان أو نحوهما، وكذلك يصح أن يكون المهر: عمل الزوج نفسه، كتعليمها قراءة سورة من القرآن الكريم مثلا أو تعليمها صنعة وحرفة، وهكذا كلّ عمل محلّل، بل ويجوز أن يجعله حقّاً ماليّاً قابلا للنقل والانتقال، كحقّ التحجير(1).

2 ـ لا يوجـد مقدار معيّن للمهر شرعاً من جانب القلّة، ويكفي ما تراضيا عليه الزوجان، ولو كان حبّة حنطة. وكذلك لا تقدير له من جانب الكثرة.. ولكن يستحب أن لا يجوز مهر السُـنّة، وهو: المهر الذي كان لمولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومقداره خمسمائة درهم; فلو أراد أن يجعله أكثر جعل الزائد عن مهر السُـنّة هدية لها.

3 ـ لا بُدّ من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد; فلو أمهرها أحد شيئين مردّداً أو خياطة أحد ثوبين، بطل المهر ولم يبطل العقد، وكان بهاء(2) الدخول بها مهر المثل، وهو مهر النساء اللواتي مثلها بحسب شأنها، إلاّ إن يزيد على أقلّهما قيمة فيتصالحان في مقدار التفاوت.

ولا يعتبر أن يكون المهر معلوماً على النحو المعتبر في البيع وشبهه من المعاوضات; فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها، أو الصبرة من الطعام، أيّ (الكومة) منه، أو قطعة من الذهب، أو طاقة (طول) مشاهدة من القماش، أو صبرة حاضرة من الجوز، وأمثال ذلك.

4 ـ لو تزوّج كافران من أهل الذمّة وكان المهر في زواجهما خمراً أو

____________

1- وقد مرّ بيان المقصود من حقّ التحجير في: أحكام زواج المتعة، المسألة رقم 7.

2- البهاء هو: الثَمَن.


الصفحة 159

خنزيراً صحّ العقد والمهر، ولو أسلما قبل القبض فللزوجة قيمته عند مستحلّيه(1)، ولو أسلم أحدهما قبله فلا يبعد لزوم القيمة أيضاً.

ولو تزوّج المسلم على أحدهما(2) صحّ العقد وبطل المهر، وللمرأة ـ إذا دخل بها ـ مهر المثل، إلاّ أن يكون المسمّى أقلّ قيمة منه فيتصالحا في مقدار التفاوت.

5 ـ ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم; فلو عقد على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلا، بأن قالت الزوجة للزوج مثلا: (زوجّتك نفسي)، أو قال وكيلها: (زوجت موكّلتي فلانة)، فقال الزوج: (قبلت)، صحّ العقد.

بل لو صرّحت الزوجة بعدم المهر، بأن قالت: (زوّجتك نفسي بلا مهر)، فقال الزوج: (قبلت)، صحّ العقد، ويقال لذلك: تعويض المبلغ.

6 ـ لو عقد المرأة ولم يعيّن لها مهراً جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء، سواء كان المقدار الذي يتراضيا عليه بمقدار مهر أمثالها أو أقلّ منه أو أكثر، فيصبح ذلك مهراً لها، كالمهر المذكور في العقد.

7 ـ لو عقد على المرأة ولم يسمِّ لها مهراً، ولم يتّفقا على تعيينه بعده، لم تستحقّ المرأة شيئاً قبل الدخول، إلاّ إذا طلّقها، فحينئذ تستحقّ أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الفقر والغنى واليسار والإعسار، ويسمّى ذلك الشيء الذي يعطى بـ: " المتعة "; ولهذا يشير قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى

____________

1- أي: عند مَن يعتقد صحّة تملّك الخمر والخنزير.

2- أي: لو جعل المسلم المهر في زواجه خمراً أو خنزيراً.


الصفحة 160

الْمُحْسِنِينَ}(1).

أمّا لو انفصلا قبل أن يدخل بالمرأة بأمر غير الطلاق لم تستحقّ المرأة شيئاً عليه بسبب عدم الدخول، وهكذا لو مات أحدهما قبل الدخول، أمّا لو دخل بها فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.

8 ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة، والعفّة والعقل والأدب، والشرف والجمال والكمال و...

بل يلاحظ كلّ ما له دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه; فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها; والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً.

9 ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها، صحّ العقد، ووجب عليه دفع المهر.

10 ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلا، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها، صحّ.

وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه; فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً.

11 ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب، وهو ما يسمّى بـ: (شير بها)(2) ليس جزءاً من المهر، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه.

____________

1- سورة البقرة 2: 236.

2- شير بها: عبارة فارسية، المقصود منها: ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة، وهو معروف عند العوام.


الصفحة 161

ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح، كتوسّط الأخ مثلا في البين بأن يرضي أُخته في التزويج منه، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء، ويستحقّ الأخ ما جُعل له، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.

وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعالة: فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه، سواء كان رضاه في نفسه مقصـوداً له أم لتوقّف رضا البنت على رضاه، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك ما دام المال موجوداً عنده بعينه..

وأمّا مع عدم رضا الزوج قلباً، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت; لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر، فلا يجوز للقريب أخذه، ويجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً.

12 ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاّ ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا، وأن يجعل بعضـه حالاّ و بعضه مؤجّلا(1)، ولكن لا بُدّ في المؤجّل من تعيين الأجل، ولو في الجملة، مثل: ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك. ولو كان الأجل مبهماً بحتاً(2)مثل زمان ما، أو ورود مسافر، ما صحّ العقد،

____________

1- حالاّ: أي المهر الحاضـر. ومؤجّلا: أي الغائب.

2- أي: غير معيّن أصلا.


الصفحة 162

وصحّ المهر أيضاً، على الأظهر، ولغي التأجيل.

13 ـ يجـب على الزوج تسليم المهر، وهو مضمون عليه حتّى يسلّمه(1)، فلو تلف قبل التسليم، ولو من دون تفريط، كان ضامناً له أيضاً; فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته..

ولو كان الإتلاف بفعل شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي(2).

وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً: التصالح بين الزوجين.

14 ـ لو كان المهر جميعه حالاّ فللزوجة الامتناع من التمكين حتّى استلامه، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلا وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.

15 ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به، فإذا شاءت وهبته(3) أو أهدته إلى أحد، أو اشترت به أو باعته، ويمكن لها التصرّف به حتّى قبل استلامه.. نعم، لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها.

____________

1- بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به.

2- أي: يحقّ للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجـة منه، أيّ: من الزوج.

3- الهبة غير الهدية; لأنّ للهبة أحكام خاصّة، وقد مر ذكرها في باب الهبة.


الصفحة 163

16 ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصـف الأُجرة.

17 ـ لو كان صداق المرأة مؤجّلا، كما يسمّى بـ: (الغائب)، ومات الزوج قبل حلوله، استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته، ولكن لو ماتت الزوجة فإنّه ليس لورثتها المطالبة قبل حلول الأجل، وكذلك لو طلّقها; فإنّ حكم موته كحكم الطلاق إذا كان اشتراط التأجيل منصرفاً إلى جواز التأخير مع بقاء الزوجيّة، كما هو الغالب.

 

*  *  *

 


الصفحة 164

 

في الحقوق الزوجيّة

 

النشوز لغة: هو: أن تستعصي المرأة على بعلها وتبغضه.

ونشوز الرجل امرأته هو أن يضربها ويجفوها; ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً}(1)..

والشقاق: هو الخلاف والعداوة.

وبما أنّ الأُسرة معرّضة لهذه الحوادث ومهددّة بهذه الأخطار، لذا جعل الإسلام ـ وهو الدين المعالج لكلّ معضلة من معضلات الحياة ـ حلاّ لهذه الخلافات والمشاكل، وقرّر حقوقاً لكلّ من الزوجين على الآخر، بعضها واجب وبعضها مستحب، فالواجب منها على ثلاثة أقسام:

الأوّل ـ حقّ الزوج على الزوجة:

وهو أنّ تمكّنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له حسب ما اقتضاه عقد النكاح، فمِن حقّه الاستمتاع بها في أيّ وقت شاء، ولا يجوز لها أن تمنعه إلاّ لعذر شرعي.

ولا أن تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، سواء كان الخروج منافياً لحقّ استمتاعه بها أو لا، بخلاف بقيّة الأفعال غير الخروج من البيت; فإنّه لا يحرم عليها ممارستها من دون إذن الزوج إلاّ إن كانت منافيةً لحقّه في الاستمتاع منها.

1 ـ ينبغي للرجل أن يأذن لزوجته في زيارة أقربائها وعيادة مرضاهم

____________

1- النساء 4:128.


الصفحة 165

وتشييع جنائزهم ونحو ذلك، وإن لم يجب عليه ذلك. وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجـب.

2 ـ لا يستحـقّ الزوج على الزوجة خدمة البيت وحوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ أو تنظيف الملابس أو غير ذلك، حتّى سقي الماء وتمهيد الفراش، وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك.

الثاني ـ حقّ الزوجة على الزوج:

وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن، وسائر ما تحتاج إليه بحسب حالها وما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها، أي بما هي زوجة فلان.

وأن لا يؤذيها أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي، وقد أكّد الإمام الصادق (عليه السلام) على هذا الحقّ في كلماته النورانيّة; إذ قال لسائل سأله عن حقّ الزوجة على زوجها: " يشبعها ويكسوها، وإن جهلت غفر لها "، وقال (عليه السلام) أيضاً: " كانت امرأة عند أبي (عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها "(1).

وقال رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " أوصاني جبرئيل بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة "(2).

وعن يونس بن عمّار، قال: زوّجني أبو عبـد الله (عليه السلام) جارية لابنه إسماعيل فقال: " أحسِن إليها "، قلت: وما الإحسان؟ قال: " أشبع بطنها، واكسو جنبها، واغفر ذنبها "(3).

____________

1- وسائل الشيعة 20: 169 ح 1.

2- وسائل الشيعة 20: 170 ح 4.

3- وسائل الشيعة 20: 170 ح 3.


الصفحة 166

ويكفيك قوله تعالى: {وَعَاشِروُهَنَّ بالمَعْرُوفِ}(1).

كما وإنّ من حقوق الزوجة على زوجها أن لا يهجرها، وأن لا يجعلها معلّقةً لا هي ذات بعل ولا هي مطلّقة.

ولا يجوز له أن يترك مقاربتها أكثر من أربعة أشهر، بل الأحوط لزوماً، إذا لم تقدر على الصبر هذه المدّة بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام، أن يطلّقها ويخلي سبيلها.

الثالث ـ حقّ كلّ من الزوجين على الآخر:

وهو ما يسمّى بـ: " القِسـم "; أي: بيتوتة الزوج عند زوجته ليلة واحدة من كلّ أربع ليال، فهذا حقّ مشترك بين الزوجين، يجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر به، ويجب على الآخر الاستجابة إليه، ولو أسقطه أحد الزوجين فمن حقّ الآخر أن يطالبه به أو يتركه فلا يطالب به..

هذا بخلاف الحقوق المختصّة بكلّ واحد منهما، كـ: النفقة مثلا; فهي حقّ للزوجة يمكن أن تتنازل عنه وتسقطه، ولا يجب عليها قبول النفقة لو أنفق الزوج عليها.

وكذلك: التمكين، الذي هو من الحقوق المختصّة بالزوج على زوجته; فيجوز له أن يتخلّى ويتنازل عنه، ولا يجب عليه القبول لو مكّنته الزوجة من نفسها، بخلاف حقّ القِسم الذي تجب فيه الإجابة لكلّ منهما.

1 ـ إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فبات عند إحداهنّ ليلة، يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً:

____________

1- سورة النساء 4: 19.


الصفحة 167

فإذا كنّ أربع وبات عند إحداهنّ، طاف عليهنّ في أربع ليال، لكلّ منهنّ ليلة، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض.

وإذا كانت عنده ثلاث، فإذا بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند الأُخرتين في ليلتين، ويحـقّ له أن يفضّل إحداهنّ على الأُخرتين بالليلة الرابعة.

وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما في ليلة، لزمه المبيت في ليلة أُخرى عند الأُخرى، ويحقّ له أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال وللأُخرى ليلة واحـدة.

وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع، وإن شاء شرع فيه على الترتيب المتقدّم.

2 ـ يختصّ وجـوب المبيت على الزوج عند الزوجة الدائمة لا المؤقّتة، سواء كانت المؤقّتة واحدة أو أكثر، والأحوط وجوباً: النوم قريباً منها على النحو المتعارف، وأن يعطيها وجهه بعض الوقت، ولا يجب عليه مواقعتها في ليلتها بل يكفي المضاجعة معها في الفراش.

3 ـ يجوز للزوجة أن تهب حقّها في المبيت وتتركه لزوجها، إمّا بعوض أو بدون عوض، وأمّا الزوج فهو مخيّر بين القبول وعدمه; فإن قبِل أن تترك الزوجـة المبيت عنده فيحـقّ له أن يقضي ليلته في ما يشاء، ويحـقّ لها أن تهب ليلتها لضرّتها، برضا الزوج; فيكون حقّ القسم للضـرّة إذا قبِلت.

4 ـ لا يثبت حقّ المبيت للزوجة الصغيرة، ولا المجنونة في وقت جنونها، ولا الناشـزة ـ وهي المرأة العاصية لزوجها والتاركة لحقوقه ـ. ولو سافر الزوج أو الزوجة سقط حقّ المبيت وليس له قضاء.


الصفحة 168

5 ـ لو تزوّج بالمرأة البكر فيستحب له أن يخصّص لها سبع ليال من أوّل عرسـها، وأمّا إن كانت ثيّباً فيخصّص لها ثلاث ليال، تتفضّلان بذلك على غيرهما من الزوجات، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي مع زوجاته السابقات.

6 ـ لو كان عنده أكثر من زوجة فهو مخيّر أن يبتدئ بأيّ منهنّ شاء في المبيت، وإن كان الأحوط استحباباً: أن يقرع بينهنّ; فمَن خرجت في القرعة جعل الابتداء منها.

7 ـ تستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات إليهنّ وطلاقة الوجه والمواقعة، وكذلك يستحب أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها، أي صاحبة تلك الليلة.

 

*  *  *

 

 


الصفحة 169

 

أحكام النشوز والشقاق

 

1 ـ النشوز بمعنى: الترفّع ومنع أداء الحقوق كراهةً. وتارةً يكون من الزوجة، وأُخرى من الزوج.

فأمّا نشوز الزوجة فيتحقّق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدّة أُمور:

منها: عدم تمكينه من حقّه في الاستمتاع بها; ويدخل في عدم التمكين: عدم إزالة الأُمور التي تنفّر الزوج عن التمتّع والالتذاذ منها، وكذلك: ترك تنظيف بدنها وتزيينه حسب ما تقتضيه طبيعة الزوج لذلك.

ومنها أيضاً: خروجها من بيتها من دون إذنه، ولا يتحقّق النشوز بترك غير الواجب عليها، كـ: عدم خدمتها في البيت ونحو ذلك.

وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بـ: منع الزوجة من حقوقها التي وجبت عليه; كـ: ترك الإنفاق عليها، أو المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها وتركها بالمرّة، أو إيذائها ومخالفتها دون مبرّر شرعي.

أمّا لو صارت الزوجة ناشـزة، فهل تسقط حقوقها الواجبة على الزوج أم لا؟

الجواب: نعم; فلو منعت الزوج أن يستمتع بها دائماً من دون عذر شرعي فلا تستحقّ النفقة عليه، سواء خرجت الزوجة من عنده أم كانت معه في البيت، أمّا لو امتنعت من التمكين في بعض الأحيان بلا عذر شرعي، أو خرجت من بيتها دون إذنه، فلا تسقط نفقتها بذلك، على الأحوط لزوماً، وأمّا المهر فلا يسقط استحقاقها له إذا نشـزت.


الصفحة 170

2 ـ لو نشزت الزوجة سقط حقّها من المبيت والمواقعة كلّ أربعة أشهر، ويستمر الحال كذلك ما دامت ناشـزة وعاصـية لزوجها، فلو رجعت وتابت رجعت إليها هذه الحقوق مرّة أُخرى.

3 ـ إذا عصـت الزوجة زوجها وصارت ناشـزة فيمكن للزوج أن يرجعها إلى طاعته، وذلك بطرق متعدّدة، يعمل بها تدريجاً، فيعظها أوّلا، فإن لم تتّعظ هجرها وأدار وجهه عنها في الفراش، أو ترك النوم معها على فراش واحد إذا كان يشاركها في مضجعها من قبل أن تعصيه، هذا إذا احتمل أن تعود لطاعته بالهجر..

فإن لم يؤثّر ذلك أيضاً ضربها إذا كان يأمل رجوعها إلى الطاعة، ولا يجوز له أن يضربها ضرباً مبرّحاً(1)، بل يكتفي بأقلّ مقدار يحتمل معه التأثير وحصول الغرض من الضـرب، الذي هو تركها النشـوز.

وإن لم يجد في الضرب القليل فائدة تدرّج فيه، الأقوى فالأقوى، ولا يحـقّ له أن يضربها حتّى يخرج الدم من بدنها، أو يجعله أسود أو أحمر، ويشترط أن يكون الضرب لإصلاحها لا التشفّي والانتقام منها، كما يقوم بعض الرجال بضرب الزوجة سخطاً على أهلها أو أقربائها; لأنّه لا يستطيع أن يصـبّ غيظه إلاّ عليها!!

ولو ضربها وأدّى إلى إدمائها أو اسوداد بدنها فعليه الغرامة، كما هو المحـدّد في باب الجنايات من نوع الجناية ومقدار الغرامة.

ولو لم تنفع معها هذه الإجراءات جميعاً، وأصرّت على العصيان، فلا يجوز للزوج أن يتّخذ ضدّها إجراءً آخر، كأن يهدّدها قائلا: أقتلك.

____________

1- الضرب المبرّح: هو الذي يترك الأثر على البدن.


الصفحة 171

أو: أقطع لسانك. أو يعدها بأيّ شيء آخر لا يجوز له فعله.

ويجوز له أن يعِدها بما هو جائز له، كأن يقول لها: إن لم تطيعي أمري أتزوّج عليك أو أُطلّقك.

وكذلك لا يجوز له تهديدها بالفعل، كـ: فرك أُذنها أو جرّ شعرها أو حبسها، أو غير ذلك من الإجراءات.. نعم، يجوز له أن يرفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليلزمها بما يراه مناسباً له من التعزير وغيره.

4 ـ إذا نشـز الزوج على زوجته ـ بمعنى أنّه منعها من حقوقها الواجبة عليه ـ فيحقّ لها أن تطالبه بذلك وتعظه وتحذّره من تركه حقوقها، فإن لم ينفع فيجوز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ، ولا يجوز لها أن تهجره أو تضربه أو تعتدي عليه بأيّ نحو كان.

5 ـ لو امتنع الزوج عن بذل نفقة الزوجة المستحقّة لها، لا التي لم تستحقّها، من قبيل الزوجة العاصية كما مرّ، وكانت أيضاً تطالبه بها لا أنّها ساكتة، ففي هذه الأحوال يجوز لها أن تأخذ نفقتها من أمواله بدون إذنه.

ويجوز لها أيضاً أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ حتّى يجبره على الإنفاق، فإن لم تتمكّن من رفع أمرها لسبب مّا ـ كما إذا كانت في بلد بعيد عن الحاكم الشرعيّ مثلا ـ واضطرّت أن تتّخذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها إطاعته حال اشتغالها وتهيئة معيشتها بنفسها، وأمّا في غير وقت اشتغالها فالأحوط وجوباً: أن لا تترك إطاعته.

6 ـ إذا امتنع الزوج عن الإنفاق مع قدرته عليه، فرفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، أبلغه الحاكم باختيار أحد الأمرين: إما أن ينفق عليها أو يطلّقها; فإن امتنع عن الأمرين معاً: فإن أمكن الإنفاق عليها من ماله، ولو ببيع عقاره إذا توقّف الإنفاق عليه، وإن لم يمكن الإنفاق عليها مطلقاً


الصفحة 172

ولم يمكن إجباره على الطلاق وإعطائها النفقة، جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك.

وإذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق على زوجته وجب عليه طلاقها إذا لم ترضَ بالصبر معه بدون نفقة، فإن لم يفعل فيجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيأمر الزوج بالطلاق; فإن امتنع وكان إجباره على الطلاق غير ممكن طلّقها الحاكم بنفسه، ويكون الطلاق في هاتين الحالتين من نوع الطلاق البائن لا الرجعي، وهذا الحكم شامل لِما إذا كان الزوج غائباً عنها أيضاً.

7 ـ قد نرى بعض الأزواج يمتنعون عن أداء نفقة أزواجهم، أو يكونون عاجزين عنها، فيتعمّدون إخفاء محلّ سكونتهم وإقامتهم كي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ أن يتّخذ بشأنهم الإجراءات اللازمة لو رفعت المرأة أمرها إليه، وحينئذ يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها لو طلبت منه ذلك إذا تعذّر عليه القيام بالإجراءات التي سبق ذكرها، من إبلاغه وإجباره وغير ذلك.

8 ـ تقدّم في المسائل السابقة أنّه لا يجوز للرجل هجر زوجته دون مبرّر شرعيّ، فلو هجرها بالمرّة فصارت كالمعلّقة لا هي صاحبة زوج ولا هي مطلّقة، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيُلزم الزوج ويخيّره بين: الرجوع إليها وترك هجرها، أو طلاقها لتتمكّن من الزواج من رجل آخر.

فإذا امتنع الزوج عن كلا هذين الأمرين، جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك، وبعد تنفيذ كلّ الإجراءات الشرعيّة، حتّى حبسه ـ لو أمكن ـ من أجل إجباره على وضـع حلّ لهذه المشكلة، وفي هذه الحالة يقع


الصفحة 173

الطلاق بائناً أو رجعيّاً حسب اختلاف الموارد، وتجري هذه الأحكام على الزوج سواء كان باذلا لها نفقتها أو تاركاً ذلك.

9 ـ إذا كان الزوج غير قادر على العود إلى زوجته لسبب، كما إذا كان محكوماً عليه بالحـبس مدّة طويلة، فصارت كالملّعقة بغير اختيار الزوج، فلا هي صاحبة زوج فعلا ولا هي مطلّقة، ولم ترضَ بالصبر على هذا الوضع، فيجب على الزوج أن يطلّقها، على الأحوط وجوباً، ولكن لو امتنع وجب عليها الانتظار حتّى يفرّج الله تعالى عنه.

10 ـ إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويظلمها دون مبرر شرعيّ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لينهاه عن الإيذاء والظلم، ويأمره بحسن المعاشـرة; فإن غيّر أُسلوبه معها ونفعت فيه الموعظة فبها ونعمت، وإن لم تنفع عزّره وضربه بالمقدار الذي يراه كافياً، فإن لم ينفع التعزير جاز للمرأة أن تطلب الطلاق من الزوج، فلو امتنع عنه طلّقها الحاكم الشرعيّ.

11 ـ يجوز للمرأة أن تبذل مالا للزوج أو تتنازل عن بعض حقوقها من المبيت والنفقة لجلب رضاه، ولكي يسمح لها بالخروج من الدار للنزهة أو زيارة العتبات المقدّسة مثلا، أو طلبها للعلوم المفيدة، أو لقيامها ببعض العبادات المستحبّة، كـ: صوم المستحب، فيما لو كان الزوج مخالفاً لذلك، أو غيره من الحقوق الغير واجبة عليه، أو كان يحدّث نفسه بطلاقها; لأنّه يكرهها، أو أراد الزواج عليها بامرأة أُخرى، ويحلّ له التصرّف بهذا المال وترك الحقوق التي وهبتها إليه لهذه الأسباب.

أمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة، أو آذاها بالضرب أو الشتم أو غير ذلك، فبذلت له مالا لإرجاع حقّها إليها وترك أذاها، أو ليطلّقها فتتخلّص من يده فيحرم عليه أخـذه، حتّى لو كان يظلمها لا لغرض حصوله على


الصفحة 174

هذا المال وإلجائها إلى بذله إيّاه.

12 ـ لو حصل خلاف شديد وشقاق ومنافرة بين الزوجين فلا يمكن التسرّع في الطلاق ـ الذي هو أبغض حلال عند الله تعالى ـ بل ينبغي التأنّي فيه ومحاولة حلّ المشاكل الزوجيّة بما هو أحسن، فلو رفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ يقوم الحاكم ببعث حَكَمين، حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجة، كي يتمّ بواسطتهما الإصلاح، ورفع الخلافات بما رأياه صالحاً من الفراق أو الجمع بين الزوجـين.

ويجب على الحَكَمين البحث بدقّة عن حال الزوجين، والأسباب التي دعت إلى نشوب هذا الخلاف والشقاق بينهما، وبعد ذلك يسعيان في أمرهما، فكلّ ما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين، ويلزم عليهما الرضا به، بشرط أن يكون سائغاً وغير محرّم شرعاً، كما إذا شرطا على الزوج أن يُسكِن الزوجة في بلد معيّن، أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها، أو لا يُسكن معها في الدار أُمّه وأُخته، ولو في بيت منفرد، أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك.

وكذلك يمكن أن يشرطا عليها أن تؤجّل المهر الحالّ(1) إلى مدّة من الزمن، أو تردّ على الزوج ما أخذته من المهر فيكون قرضاً عليه ونحو ذلك; فتصحّ جميع هذه الشروط..

بخلاف الشروط المحرّمة، من قبيل أن يترك الزوج بعض حقوق الضـرّة، كـ: النفقة والمبيت أو غير ذلك.

13 ـ إذا استقرّ رأي الحَكَمين على أن يفرّقا بين الزوجين مع الفدية

____________

1- الحالّ: أي الحاضـر.


الصفحة 175

أو بدونها لم ينفذ حكمهما بذلك، إلاّ إذا كانا قد شرطا على الزوجين ـ حين بعثهما ـ بأنّ الأمر أمرهما، إن شاءا جمعا، وإن شاءا فرّقا، أو أنّهما استأذنا الزوجين في الطلاق وبذل الفدية حينما يريدان ذلك.

وحيث إنّ التفريق لا يتحـقّق إلاّ بالطلاق; فلا بُدّ من وقوع الطلاق عند اجتماع شرائطه.. ومنها: أن تكون المرأة طاهرة من الحيض، ولا يواقعها الزوج حال طهرها هذا، ومنها: أن يقع الطلاق بحضور عدلين، وغير ذلك من شرائط الطلاق.

14 ـ الأحوط وجوباً: أن يكون الحَكَمان من أهل الزوج والزوجة، فإن لم يكن لهما أهل، أو لم تكن لهم الأهليّة والقدرة على أن يكون منهم حكم تعيّن الحَكَم من غيرهم، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حَكَم واحد، بل لو اقتضت المصلحة بعث أكثر من واحد تعيّن.

 

*  *  *

 


الصفحة 176

 

مَن يصـوّر الجنين في الرحم؟

 

لو فكّرنا قليلا في قدرة الله تعالى على الإنشاء وكيف صوّرنا في الأرحام، لارتقينا إلى مدارج الكمال..

والتفكّر من أفضل العبادات التي يثاب الإنسان عليها، ويعرج من خلالها إلى معارج المعرفة، ويسبح في غمرات الربانيّين.

من الذي يصوّر الجنين في رحم أُمّه؟

هذا السؤال حيّر عقول الفلاسفة والعظماء، لا سيما ارسطو وتلامذته ومن كان قبلهم وبعدهم، وقفوا لا يهتدون إلى شيء ولا يجدون حلاّ لهذا اللّغز العظيم، والكلّ يبدي برأيه ويتحاور مع صاحبه كي يتوصّل إلى الحلّ.

ولكنّ الجواب لا يتأتّى إلاّ على يد منقذ البشرية، الذي خاطبه خبر السماء: يا محمّـد (صلى الله عليه وآله وسلم)! {إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}(1).

والأمشاج: كناية عن اختلاط النطفة وتداخلها، فلا الطبيعة المحتاجة ولا كلّ ممكن يقوم بهذا الإنشاء ويصوّر هذا المخلوق في الرحم.

قال بعضهم: إنّ الجنين يتصوّر بطبيعته، وطبيعته هي التي تصوّره، وبها يتكوّن وينمو!

وقد غفلوا أنَّ المصوَّر والمصوِّر سيكونا شيئاً واحداً، ولو أمكن ذلك لجاز أن يكون المؤلِّف والمؤلَّف شيئاً واحد.

وقال آخر: إنّ في الرحم قالب يصوّر الجنين!

____________

1- سورة الإنسان 76: 2.


الصفحة 177

فيقال لهم: هل شاهدتم قطعة من الطين توضع في القالب ثمّ تقذف بعد تسعة أشهر؟!

وهل في البيضة قالب يتصوّر فيه الفرخ؟

وهل توجد قوالب في أجواف الغنم وأرحام إناثها التي تمّ تشريحها على يد الأخصائيّين؟ هذا إذا قيل بعدم إمكان تشريح رحم المرأة، الذي صار ممكناً مع تقدّم العلم وتطوّره.

وقال ثالث: إنّ الجنين بمنزلة النبات!

ونقول في جوابه: وهل يمكن أن يبقى حيّاً إذا قطع رأسه، كما يبقى النبات لو قطعت أُصوله، أو قُصّرت أغصانه؟ فإنّ ذلك يؤدّي إلى حيويّته.

وكذلك قالوا: إنّ كلّ عضو يتخلّق من مثيله، بمعنى أنّ كلّ جزء من أجزاء (الأب) يخرج منه جزءاً شبيهاً له، ولو صحّ هذا لخرج من الأب الأعمى ولد أعمى مثله، وهكذا باقي العاهات الموجودة في بدن الأبوين.

وها هو القرآن الكريم يعطي الجواب الفصل بقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الاَْرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(1).

 

*  *  *

 

____________

1- سورة آل عمران 3: 6.


الصفحة 178

 

في أحكام الأولاد والولادة

 

1 ـ لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان من سِفاح ـ أي من زنا ـ إلاّ فيما إذا خافت الأُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده، أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمّل عادةً; فإنه يجوز لها حينئذ إسقاطه ما لم تلج فيه الروح.

وقد ثبت علميّاً أنّ ولوج الروح في الجنين يتمّ بعد انتهاء الشهر الثالث، وأمّا بعد ولوج الروح فلا يجوز الإسقاط حتّى إذا خافت الأُمّ الضرر على نفسها أو استلزم الحرج، على الأحوط وجوباً.

وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديته لأبيه، أو غيره من ورثة الأب، وإن كان الأب هو الجاني والمسقط للجنين كانت ديته لأُمّه، وإن أسقطه غير الأبوين، كـ: الطبيب، لزمته الدية لهما وإن كان الإسقاط بطلبهما، ولمستحقّها العفو عنها(1).

2 ـ يكفي في دية الحمل بعد ولوج الروح فيه: دفع خمسة آلاف ومائتين وخمسين مثقالا من الفضة إن كان ذكراً، ونصف ذلك إن كان أُنثى، سواء كان موته بعد خروجه حيّاً أم مات في بطن أُمّه، على الأحوط وجوباً، ويكفي في ديته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل إن كان علقة، وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالا إن كان مضغة، وأربعمائة وعشرين مثقالا إن كانت قد بنيت له العظام، وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالا إن كان تامّ

____________

1- أي: يحقّ لهما أن يعفوا عن الطبيب أو غيره ممّن أسقط الجنين.


الصفحة 179

الأعضاء والجوارح; ولا فرق في ذلك بين الذكر والأُنثى، على الأحوط وجوباً(1).

3 ـ يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المُعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً، بلا فرق في ذلك بين رضا الزوج وعدمه.

 

في أحكام الولادة وما يلحقها

للولادة والمولود سُـنن وآداب، بعضها واجبة وبعضها مستحبة، وأهمّها ما يلي:

1 ـ ينبغي مساعدة المرأة عند ولادتها بل يجب ذلك كفاية; بمعنى أنّه إذا قام به شخص سقط عن الآخرين، هذا إذا خيف على المرأة أو على جنينها من التلف، أو ما بحكمه، كالضرر الذي يلحق بأحدهما نتيجة عدم مساعدة المرأة.

ولو توقّفت ولادة المرأة على النظر أو اللمس المحرّمَين على الرجال الأجانب، لزم أن يتكفّلها: الزوج، أو النساء، أو محارمها من الرجال.

ولو توقّفت الولادة على النظر أو اللمس من غير الزوج وكان متمكّناً من توليدها من دون عسر ولا حرج فلا يبعد تعيّن اختياره، إلاّ أن تكون القابلة أرفق بحالها، فيجوز للمرأة حينئذ أن تختار القابلة كي تولّدها، هذا في حال الاختيار، أمّا في حال الاضطرار فيجوز أن يولّدها الأجنبي، بل قد يجب ذلك.. نعم، لا بُدّ معه من الاقتصار في كلّ من اللمس والنظر على

____________

1- والجنس الذي يعطى فيه الدية يكون: فضّة في جميع مقاديره.


الصفحة 180

مقدار الضـرورة، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها.

2 ـ يستحب غسل المولود عند وضعه، مع الأمن عليه من الضرر، والأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في اليسرى; فإنّه عصمة من الشيطان الرجيم، كما ورد في الخبر، ويستحب أيضاً تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين (عليه السلام)، والتحنيك هو: أن يدلك بهما حنك الوليد أي باطن أسفل الفم من الداخل(1).

وجاء عن الكليني، عن أبي جعفر (عليه السلام): " حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين (عليه السلام)، فإن لم يكن فبماء السماء "(2).

 

استحباب تسمية الوليد

من الأُمور التي أكّد عليها أهل بيت الرحمة (عليهم الصلاة والسلام) في كلماتهم هو: تسمية الوليد; لما في ذلك من أثر على شخصيته..

فقد ورد استحباب التسمية قبل أن يولد الطفل، وإن لم يسمّه قبل الولادة سمّاه بعدها، حتّى إن كان الوليد سقطاً، وإن اشتبه أنّه ذكر أو أُثنى فيختار له اسماً مشتركاً.

وفي هذا الباب جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: " سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أُنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والأُنثى، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه: ألاّ سمّيتني وقد سمّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محسناً قبل

____________

1- حنكت لسان الصبي وحنّكته، إذا مضَغتَ تمراً أو غيره ثمّ دلكته بحنكه. الصحاح 4: 1581 " حنَكَ ".

2- وسائل الشيعة 21: 407 ح 3.


الصفحة 181

أن يولد! "(1).

3 ـ يستحب تسمية الوليد بالأسماء المستحسنة; فإنّ ذلك من حق الولد على والده، وفي الخبر: " إنّ أصدق الأسماء ما يتضمّن العبودية لله جلّ شأنه(2)، وأفضلها أسماء الأنبياء "(3) صلوات الله عليهم، وكذا أسماء الأئمة (عليهم السلام)، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني "(4).

وجاء عن أبي هارون مولى آل جعدة، قال: كنت جليساً لأبي عبـد الله (عليه السلام) بالمدينة، ففقدني أيّاماً، ثم إنّي جئتُ إليه فقال: " لم أركَ منذ أيام يا أبا هارون؟ "، فقلت: وُلد لي غلام. فقال: " بارك الله لك، فما سمّيته؟ ". قلت: سمّيته محمّـداً. فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول: " محمّـد محمّـد محمّـد "، حتّى كادّ يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: " بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ، وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا تسبّه، ولا تضربه، ولا تسيء إليه، واعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّـد إلاّ وهي تقدَّس كلّ يوم "(5).

ولا يخفى تكريم الله تعالى لاسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم); فقد روي أيضاً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " ما من قوم كانت لهم مشورة فحضرها من اسمه محمّـد أو أحمد فأدخلُوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم "(6).

____________

1- وسائل الشيعة 21: ـ 387 ح 1.

2- المقصود: ما يكون نحو: عبـد الله وعبـد الرحيم وعبـد الكريم.

3- وسائل الشيعة 21: 391 ح 1.

4- وسائل الشيعة 21: 393 ح 2.

5- وسائل الشيعة 21: 393 ح 4.

6- وسائل الشيعة 21: 392 ح 8.


الصفحة 182

وكذلك ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) استحباب التسمية بـ: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، والنهي عن ضرب وسبّ البنت التي سميّت بـ: فاطمة.

كما جاء عنهم (عليهم السلام) استحباب تغيير اسم الولد أو البنت، إن لم يكونا حسـنين(1).

4 ـ يكره أن يكنّى الوليد: (أبا القاسم) إذا كان اسمه محمّـد(2)، كما يكره تسميته بأسماء أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم(3).

5 ـ يستحب أن يحلق رأس الوليد (الذكر) في اليوم السابع من عمره، وأن يتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة، ويكره أن يحلق موضعاً ويترك موضـعاً.

 

استحباب الوليمة

جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " لا وليمة إلاّ في خمس: في عُرس، أو خُرس، أو عِذار، أو وِكار، أو ركاز; فالعُرس: التزويج، والخُرس: النفاس بالولد، والعِذار: الختان، والوِكار: الرجل يشتري الدار، والركاز: الرجل يقدم من مكّة "(4).

6 ـ تستحب الوليمة عند الولادة، وهي إحدى الخمس التي سُنَّ فيها الوليمة، كما أن إحداها عند الختان، ولا يعتبر في وليمة الوليد إيقاعها في

____________

1- وسائل الشيعة 21: 388 ح 6.

2- وسائل الشيعة 21: 4 ح 2.

3- وسائل الشيعة 21: 398 ح 4.

4- وسائل الشيعة 20: 95 ح 5.


الصفحة 183

يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، والظاهر أنّه إن ختن في اليوم السابع فأولم (أي عمل وليمةً) في يوم الختان بقصدهما ـ أي الولادة والختان ـ تتأدّى السُـنّة.

 

أحكام الختان

7 ـ الختان واجب لنفسه، أي ليس واجباً لغيره، كالوضوء الذي يجب للصلاة وغير ذلك، ولكنّه شرط في صحة الطواف، واجباً كان أم مندوباً، عدا طواف الصبيّ غير المميّز الذي يطوّفه وليّه.

ولا فرق في الطواف الواجـب بين ما كان جزءاً لحجّ أو عمرة، واجبين أو مندوبين، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة فضلا عن سائر العبادات.

8 ـ لا بأس أن يكون الختّان كافراً حربيّاً أو ذميّاً; فلا يعتبر فيه الإسلام.

9 ـ لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان عنه وإن استحب إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السُـنّة.

10 ـ يستحب للولي أن يختن الصبيّ في اليوم السابع من ولادته، ولا بأس بتأخيره عنه، ويجوز له أن يترك ختانه حتّى يبلغ، ولكن الأحوط استحباباً: عدم تأخيره حتّى البلوغ..

وإذا لم يُختَن الصـبيّ حتّى بلغ وجب عليه أن يختن نفسه ـ بمعنى أنّه يذهب إلى الختّان كي يختنه، لا أن يختن نفسه بنفسه ـ حتّى الكافر إذا أسلم وهو غير مختون فيجب عليه الختان وإن طعن في السنّ ما لم يتضرّر به.


الصفحة 184

 

كلام في الختان

ليس الختان سُـنّة إسلامية فحسب، بل هو من سوابق عقائد اليهود; كما دلّ على ذلك كتابهم المقدّس، فالقاعدة الأساسيّة في التوراة هي: وجوب الختان لكلّ مولود ذكر يهوديّ في يومه الثامن. وحملت هذه القاعدة في طياتها عدّة مشاكل:

أوّلها: تعيين مَن هو اليهودي؟

والثانية: هل يختن الذكر إذا وقع موعد الختان يوم السبت؟

والثالثة: هل يمكن تأخير الختان أو تركه في حالة المرض والخوف من خطر الموت؟

فأمّا من هو اليهوديّ حسب التعاليم اليهودية؟ فجوابه: إنّه من ولد من أُمّ يهوديّة، مهما كان دين والده، وإذا أصبحت الأُمّ يهوديّة قبل ميلاد الطفل ـ وإن كان في زمن الحمل ـ فإنّ طفلها يصبح يهوديّاً بالتبعيّة، أمّا إذا أصبحت يهوديّة بعد ولادته فيجب أن يحوّل الطفل يهوديّاً قبل أن يختن.

وقد كان هناك جدل عام 1864 م في " نيو أورليانز " حول ختان أطفال من أب يهوديّ وأُمّ غير يهوديّة، وقد قرّره أحد الحاخامات اليهود وأيّده على ذلك الحاخامات الاوربيون..

إلاّ أن الحاخام " تسفي هيرش كاليشري " أيّد ختان الأطفال غير اليهود عموماً، والأطفال من أب يهوديّ خاصّة; لأنّ التوراة في رأيه لجميع البشريّة، وقد خصّ بها اليهود قديماً بسبب حالة الشعوب في ذلك الوقت، وعليه فيجب إجراء كلّ ما يمكن أن يشجّع الآخرين لقبول التوراة، وبما أنّ


الصفحة 185

الختان على كبر قد يكون مانعاً لتحوّل البالغين لليهوديّة، لذلك ينصح بإجرائه على الأطفال الّذين كانوا من أب يهوديّ; إذ أنّهم من بذر يهوديّ، وهكذا يسهل عليهم التحوّل إلى اليهوديّة عندما يكبرون(1).

 

سِنّ الختان ويوم السبت

أمّا سِنّ الختان عند اليهود فقد ذهبوا إلى أنّه في اليوم الثامن كما في التوراة، فإذا تمّ الختان في اليوم السابع بدلا من اليوم الثامن لا يعتبر ختاناً، بل جرحاً كغيره من الجروح، والخاتن يأثم، ولو غلط الأب فختن أحد طفليه في التاريخ المحددّ لختن الثاني، أي ختن الطفل الثاني يوم السبت وختن الأوّل قبله أو بعده، يأثم ويجب عليه إعطاء الكفّارة.

وكانت شريعة اليهود تقدّس يوم السبت وتحترمه، وتعاقب من يستبيح حرمته بالقتل.

وكما مر في ختن الأطفال الأحرار عند اليهود كذلك فرض على اليهوديّ أن يختن عبيده، وكانت العادة أنّهم يختنوهم عند شرائهم، ولكن لا يمكن ختانهم يوم السبت إذ أنّ للسبت حرمة لا تخرق.

ولا يسمح بالختان إلاّ لطفل يكون يومه الثامن يوم السبت.

وأمّا المسيحيّون فقد رفضوا سُـنّة الختان التي ورثت من اليهود، رغم أنّ بعضهم كان يمارسها!! ولكن رفضهم للختان لا ينطلق من دليل منطقي، كاحترام الجسد وعدم إيصال الأذى إليه، كما يتصوّر البعض من كون الختان جرحاً مضرّاً لطفل بريء، غافلين عن الفوائد الصحيّة والأثار الإيجابيّة التي

____________

1- ختان الذكور والإناث: 142.


الصفحة 186

تترتّب عليه، بل ألغوه عن منطق لاهوتي سياسي; كي يجذبوا الوثنين للدخول في الدين الجديد، ومن العجيب أنّ المسيح الّذين رفضوا الختان آمنوا ببتر الأعضاء وإخصاء الذكر..

فتروي الأُسطورة المسيحيّة أن " أتيس " عشيق أحد الآلهة قد بتر أعضاءه الجنسيّة في حمية الشوق، ومات من نزيف الدم تحت شجرة، وكلّ من يريد أن يصبح خادماً لـ (سيبيل) وهو أحد الآلهة كان عليه أن يبتر أعضاءه الجنسيّة مثل عشيقها ضمن احتفالات دينيّة صاخبة، ويرميها على جموع الحاضـرين!!

ومع إنكار المسيح للختان فإنّهم يحتفلون باليوم الأوّل من السنة لذكرى اليوم الثامن من ميلاد المسيح (عليه السلام)، وهو يوم ختانه، ولتكريم العذراء مريم (عليها السلام).

ولا يعرف دقيقاً تاريخ دخول هذا الحدث في شعائرهم; وأوّل من ذكره هو المجمع الذي عقد في مدينة " توز " الفرنسيّة عام 567 م، وهذا المجمع تكلّم عنه وكأنّه عادة قديمة يتمّ الاحتفال بها في أولّ يوم من السنة، وهذا اليوم يصادف في روماً وفي مدن رومانيّة أُخرى عيداً وثنياً شهيراً لتكريم " يانوس "، ومن هنا جاء اسم الشهر " يناير " وهو يوم عبث وفواحش، والقصد من وضع العيد المسيحي في هذا اليوم هو تجنّب المسيحيين المشاركة في العيد الوثني، والتفكير بالصلاة والصوم بدلا عن الآثام التي تقترف في هذا اليوم..

فانظر إلى السياسة كيف تغسل الأذهان، وكيف تتداخل مع الدين فتفسد الأهداف التي من أجلها شرّعت الأحكام؟!!




الصفحة 187

 

الختان في الشريعة الإسلامية المقدّسة

من كمال العقل أن يعتقد الإنسان بأنّ للواجبات والمحرّمات ملاكات لا يعلمها إلاّ الله تعالى والراسخون في العلم، وكلّ حكم شرعيّ قبل أن يُجعل يسبق بمرحلتين هما: الإرادة، والملاك. أي وجود غرض لأجله يتمّ تشريع هذا الحكم، أعمّ من كونه واجباً أو محرّماً أو مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً اقتضائياً.

فلو كان واجباً كان ملاكه وجود المصلحة، ولو كان محرّماً فملاكه وجود المفسدة الناتجة من القيام به، وهي التي قد غفل عنها كثير من العصاة.

وما نحن فيه من مسألة الختان التي وجبت في شرعنا المقدّس على الذكور من مصاديق ما ذكر، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل يوجد دليل من القرآن الكريم على وجوب الختان؟

والجواب: نعم، فقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}(1): أن الصبغة هي الختان، وهو صبغة الله للمسلم التي تحلّ محلّ العماد الذي يصبغ به المسيحيون أطفالهم بقصد الطهارة.

وقد استدلّوا على تشريع الختان ووجوبه أيضاً بقوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}(2)، ففسّروا: {حنيفاً}، بمعنى أنّه: كان مختوناً.

____________

1- سورة البقرة 2: 138.

2- سورة البقرة 2: 136.


الصفحة 188

وقال العلاّمة الطباطبائي في " الميزان "(1) نقلا عن تفسير القمّي لقوله تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}: أنزل الله على ابراهيم الحنيفيّة، وهي الطهارة، وهي عشرة، خمسة في الرأس وخمسة في البدن.. فأمّا التي في الرأس فـ: أخذ الشارب، وإعفاء اللحى، وضفر الشـعر(2)، والسواك، والخلال.

وأمّا التي في البدن فـ: أخذ الشعر من البدن، والختان، وقلْم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء.

وهي الحنيفيّة التي جاء بها إبراهيم (عليه السلام) فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: " ما أبقت الحنيفيّة شيئاً حتّى أنّ منها قصّ الشارب وقلْم الأظفار والختان "(3).

وجاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " من كرامتي على ربّي أنّي ولدت مختوناً، ولم ير أحدٌ سوأتي "(4)، أي: لأجل الختان، وقد يقال: إنّه لم يتمّ ختانه بل تممّه ملكان أو جـدّه عبـد المطّلب (عليه السلام).

فوائد الختان

قال أحد أساتذة الجامعة الدمشقيّة في مقدّمة كتابه " الختان بين الطب والشريعة ": أمّا السبب الذي دفعني لأن أتطرّق لموضوع الختان، فهو أحد

____________

1- تفسير الميزان 1: 306.

2- الضفر: نسج الشعر وغيره، والضفيرة: العقيصة; يقال: ضفرت المرأة شعرها. الصحاح 2: 721 " ضـفر ".

3- تفسير الميزان 1: 310.

4- ختان الذكور والإناث: 278.


الصفحة 189

الأساتذة من الأطباء كان يتهجّم على عمليّة الختان أثناء إلقائه لمحاضرة أمام الطلاب، وكان يصفها بالعمليّة الوحشيّة الهمجيّة، إضافة الى زعمه أنّ الله لم يخلق شيئاً زائداً عند الإنسان يحتاج إلى قطع.

كما أنّه كان يشجّع على إيقاف عملّية الختان والإقلاع عنها، لكنّه بعد أن تبيّن لي أثناء حياتي العمليّة فوائد الختان العديدة من النواحي الطبيّة، ومنها: الوقاية من سرطانات الأعضاء التناسلية، راحت ذاكرتي تشكّ بأحد الأمرين اللّذين يجولان في تفكير ذلك الأستاذ وهما: أن يكون الأُستاذ الكريم يجهل فنون الطب، أو تفكيره ينطوي على نيّة خبيثة غايتها محاربة هذه الشعيرة التي أقرّها الدين القويم(1).

11 ـ تستحب العقيقة عن المولود ذكراً كان أو أُنثى، ويستحب أن يعقّ عنه في اليوم السابع، وإن تأخّر لعذر أو لغير عذر لم يسقط ـ أي لم يسقط استحباب العقيقة ـ بل لو لم يعقّ عن الصبيّ حتّى بلغ وكبر عقّ عن نفسه، بل لو لم يعقّ عن نفسه في حياته فلا بأس أن يعقّ عنه بعد موته، ولا بُدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم ـ ضأناً كان أو معزاً ـ والبقر، والإبل. ولا يجزئ عنها التصـدّق بثمنها.. نعم، يجزئ عنها الأُضحية، فمن ضُحّي عنه أجزأته عن العقيقة.

ويستحب أن تكون العقيقة سمينة، وفي بعض الأخبار: (أن خيرها أسمنها)(2).

وقيل: يستحب أن تجتمع فيها شروط الأُضحية، من كونها سليمة من العيوب، وعدم كون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل، وأقلّ

____________

1- ختان الذكور والإناث: 271.

2- وسائل الشيعة 21: 425 ح 2.


الصفحة 190

من سنتين في البقر والمعز، وأقلّ من سبعة أشهر في الضأن، ولكن لم يثبت ذلك.

وفي بعض الأخبار: (إنّما هي شاة لحم ليس بمنزلة الأُضحية يجزئ منها كلّ شيء)(1).

12 ـ ينبغي تقطيع العقيقة من غير كسر عظامها، ويستحب أن تختصّ القابلة منه بالربع، وأن تكون حصّتها مشتملة على الرِجل والورك، ويجوز تفريق العقيقة لحماً أو مطبوخاً، كما يجوز أن تطبخ ويدعى عليها جماعة من المؤمنين، والأفضل أن يكون عددهم عشرة فما زاد يأكلون منها ويدعون للولد، ويكره أن يأكل منها الأب أو أحد ممّن يعوله، ولا سيما الأُمّ، بل الأحوط استحباباً للأُمّ: الترك.

 

بعض الأحكام المتعلّقة بحضانة الطفل

1 ـ لا يجب على الأُم إرضاع ولدها، لا مجاناً ولا بأُجرة، إذا لم يتوقّف حفظه عليه، أي على الإرضاع، كما لا يجب عليها إرضاعه مجاناً وإن توقّف حفظه عليه، بل لها ـ أي يحقّ لها ـ المطالبة بأُجرة إرضاعه في الحولين، لا في الزائد عليهما، من مال الولد إذا كان له مال، ومن أبيه إذا لم يكن له مال وكان الأب موسـراً. نعم لو لم يكن للولد مال، ولم يكن الأب موسـراً، أو كان متوفّىً، وكذا جدّه ـ أي لم يكن قادراً على إعطاء الأُجرة أو كان متوفّىً ـ وإن علا، أي جدّ الأب أو جدّ الجدّ، تعيّن على الأُمّ إرضاعه مجاناً، إمّا بنفسها أو باستئجار مرضـعة أُخرى، وتكون أُجرتها

____________

1- وسائل الشيعة 21: 425 ح 1.


الصفحة 191

عليها ـ أي تكون أُجرة المرضعة على الأمّ ـ بناءً على وجوب إنفاقها عليه، كما هو الأحوط وجوباً.

2 ـ الأُم أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها، فليس للأب تعيين غيرها لإرضاع الولد، إلاّ إذا طالبت بأُجرة، وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأُجرة أو بدون أُجرة، فإنّ للأب حينئذ أن يسترضع له أُخرى، وفي هذه الصورة إذا لم تقبل الأُم بإرضاع الغير ولدها وأرضعته هي بنفسها لم تستحقّ بإزائه شيئاً من الأُجرة.

3 ـ إذا ادّعى الأب وجود متبرّعة بالإرضاع، وأنكرت الأُم، ولم يكن له بيّنة على وجودها كان القول قولها بيمينها.

4 ـ ينبغي أن يرضع الصبيّ بلبن أُمّه; ففي النصّ: " ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أمّه "(1).. نعم، إذا كان هناك مرجّح لغيرها ـ أي لغير الأُمّ ـ كشـرافتها وطيب لبنها بخلاف الأُمّ، فلا بأس باسترضاعها له.

5 ـ يحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً، ولا ينبغي إرضاعه أقلّ من ذلك، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين، ولو اتّفق أبواه على فطامه قبل ذلك كان حسناً.

6 ـ حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدّة الإرضاع ـ أعني حولين كاملين ـ من حقّ أبويه بالسويّة، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمّه خلال هذه المدّة، وإن كان أُنثى، والأحوط استحباباً: أن لا يفصله عنها حتّى يبلغ سبع سنين، وإن كان ذكراً.

____________

1- وسائل الشيعة 21: 452 ح 2.


الصفحة 192

7 ـ إذا افترق الأبوان بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الأُمّ في حضانته ما لم تتزوّج من غيره، فلا بُدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب، أو بأيّ كيفية أُخرى يتفقان عليها.

8 ـ إذا تزوّجت الأُمّ بعد مفارقة الأب سقط حقّها من حضانة الولد، وصارت الحضانة من حقّ الأب خاصّة، ولو فارقها الزوج الثاني عاد حقّ حضانة الطفل إليها مرّة ثانية.

9 ـ إذا مات الأب بعد اختصاصه بحضانة الولد ـ كما مرّ ـ أو قبله فالأُمّ أحقّ بحضانته ـ إلى أن يبلغ ـ من الوصي لأبيه ومن جدّه وجدّته له، وغيرهما من أقاربه، سواء تزوّجت أم لا.

10 ـ إذا ماتت الأُمّ في زمن حضانتها اختصّ الأب بحضانة الطفل، وليس لوصيّها ولا لأبيها ولا لأُمّها ـ فضلا عن باقي أقاربها ـ حقّ في ذلك.

11 ـ إذا فقد الأبوان فالحضانة للجدّ من طرف الأب، فإذا فقد ـ أي هذا الجدّ ـ ولم يكن له وصيّ، ولا للأب وصيّ أيضاً، فالأحوط وجوباً: التراضي بين أقارب الولد في حضانته مع الاستئذان من الحاكم الشرعي.

12 ـ إذا سقط حقّ الأُمّ في إرضاع ولدها لطلبها أُجرة مع وجود المتبرّع، أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فلا يسقط حقّها من حضانته; لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة، لإمكان كون الولد في حضانة الأُمّ مع كون رضاعه من امرأة أُخرى، إمّا بحمل الولد إلى المرضعة عند الحاجة إلى اللبن، أو بإحضار المرضعة عنده مثلا.

13 ـ يشترط في من يثبت له حقّ الحضانة من الأبوين أو غيرهما أن يكون عاقلا مأموناً على سلامة الولد، وأن يكون مسلماً إذا كان الولد مسلماً، فلو كان الأب مجنوناً أو كافراً، والولد محكوم بالإسلام، أي كان


الصفحة 193

أحد أبويه مسلمين، اختصت أُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة، ولو انعكس الأمر كانت حضانته من حقّ أبيه خاصّة، وهكذا الحال في غيرهما، أي في غير الأبوين من الأقارب.

14 ـ الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم، كذلك هي حقّ للولد عليهم، فلو امتنعوا أُجبروا عليها، ولا يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينقل إليه ـ أي إلى ذلك الغير ـ بقبوله ـ أي مع قبول الغير ـ نعم يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه ـ أيّ عن حقّ الحضانة ـ للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.

15 ـ لا تجب المباشرة في حضانة الطفل، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.

16 ـ الأُمّ تستحقّ أخذ الأُجرة على حضانة ولدها، إلاّ إذا كانت متبرّعة بها، أو وجد متبرّع بحضانته، ولو فصل الأبُ أو غيره الولدَ عن أُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقّها في حضانته بقيمة أو نحوها.

17 ـ تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً، فإذا بلغ رشيداً لم يكن لأحد حقّ الحضانة عليه حتّى الأبوين فضلا عن غيرهما، بل هو المالك لنفسه ذكراً كان أم أُنثى، فله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما.. نعم، إذا كان انفصاله عنهما يوجب أذيّتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

 

*  *  *

 


الصفحة 194

 

النفقات

 

تجب النفقة بأحد أسباب أربعة: الزوجيّة، والقرابة، والمِلك، والاضطرار.

1 ـ تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له في ما يجب إطاعته عليها; فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلاّ مع الشرط ـ أي: إلاّ إذا شرطت ذلك عليه ضمن العقد ـ كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم سابقاً، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز، وإنّ سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها، فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.

2 ـ لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها، فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة، وإلاّ بانت من زوجها، أي فُصلت عنه بسبب الارتداد.

3 ـ الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف، إلاّ مع وجود قرينة على الإسقاط، أي: على إسقاط حقّ الزوجة من النفقة ولو كانت هي التعارف الخارجي، أي ولو كانت هذه القرينة قد ثبتت عرفاً، كما إذا كانت الزوجة في بيت أبيها مثلا، فلا هي تستحقّ النفقة ولا هو يستحقّ الاستمتاع عليها.

والأظهر: عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها، خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها..


الصفحة 195

نعم، لو كانت الزوجة مراهقة، وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة، لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.

4 ـ لا تسقط نفقة الزوجة بعد تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف ـ أي: ثقيل منعها من تمكين زوجها ـ أو غير ذلك، ومن العذر ما لو كان الزوج مبتلىً بمرض مُعد خافت من سرايته إليها بالمباشـرة.

5 ـ إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر، وكذا يجب عليه بذل أُجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر..

وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها، كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب، فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها وأُجور سفرها.

وأمّا في غيره من السفر الواجب، كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها، كأن استطاعت للحجّ، أو نذرت الحجّ الاستحبابي بإذن الزوج، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج، فليس عليه بذل أُجوره، ويجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر.. نعم، إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاّ أو بعضاً ـ أي: جعل إسقاط جميع نفقتها أو بعضها، في السفر غير الواجب، شرطاً في إذنه وترخيصه لها بالسفر ـ وقبلت هي بذلك، لم تستحقّها عليه.

6 ـ تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة، كما تثبت لغير المطلّقة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا ـ أي: حامل أو لا ـ


الصفحة 196

ولو كانت ناشزة وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة، إلاّ إذا تابت ورجعت إلى الطاعة، كالزوجة الناشزة غير المطلّقة.

وأمّا ذات العدّة البائنة ـ أي: التي لا رجوع فيها ـ فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ ـ أي: سواء بانت عن الزوج بالطلاق أو بفسخ العقد ـ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملا فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع حملها، ولا تلحق بها المنقطعة ـ أي الزوجة المؤقتة ـ والحامل الموهوبة، وهي: التي وهب لها الزوج المدّة قبل أوانها أو المنقضية مدّتها، وكذا الحامل المتوفّى عنها زوجها، فإنّه لا نفقة لها مدّة حملها، لا من تركة زوجها ولا من نصيب ولدها، على الأقوى.

7 ـ إذا ادّعت المطلّقة بائناً أنّها حامل: فإن حصل الوثوق بصحة دعواها استناداً إلى الأمارات التي يستدّل بها على الحمل عند النساء، أو تيسّر استكشاف حالها بإجراء الفحص الطبيّ عند الثقة من أهل الخبرة فهو، وإلاّ ففي وجوب قبول قولها والإنفاق عليها بمجرّد دعواها إشكال، بل منع، أي: لا يقبل قولها اعتماداً على قولها فقط دون قرائن أُخرى.

ولو أنفق عليها ثمّ تبيّن عدم الحمل استُعيد منها ما دُفع إليها، ولو انعكس الأمر ـ أي: لم يدفع إليها باعتقاد أنّها حائل ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّها حامل ـ دفع إليها نفقتها أيام حملها.

8 ـ لا تقدير للنفقة شرعاً، بل الضابط: القيام بما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من الطعام والإدام، والإدام هو: الشيء الذي يؤكل معه الخبز(1)، والكسوة والفراش والغطاء، والمسكن والخدم، وآلات التدفئة

____________

1- الأُدْمُ والإدَام: ما يؤتدم به; تقول منه: أدم الخبز باللحم بأدمه، بالكسر. الصحاح 5: 1859 " أدم ".


الصفحة 197

والتبريد وأثاث المنزل، وغير ذلك ممّا يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها.

ومن الواضح اختلاف ذلك نوعاً وكمّاً وكيفاً، بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والحالات والأعراف والتقاليد اختلافاً فاحشاً ـ أي: كثيراً ـ.

فبالنسبة إلى المسكن ـ مثلا ـ: ربّما يناسبها كوخ، أو بيت شعر في الريف أو البادية، وربّما لا بُدّ لها من دار أو شقّة أو حجرة منفردة المرافق في المدينة. وكذا بالنسبة إلى الألبسة: ربّما تكفيها ثياب بدنها من غير حاجة إلى ثياب أُخرى، وربّما لا بُدّ من الزيادة عليها بثياب التجمّل والزينة.

نعم، ما تعارف عند بعض النساء من تكثير الألبسة النفيسة خارج عن النفقة الواجبة، فضلا عمّا تعارف عند جمع منهنّ من لبس بعض الألبسة مرّة أو مرّتين في بعض المناسبات، ثمّ استبداله بآخر مختلف عنه نوعاً أو هيئة في المناسبات الأُخرى.

9 ـ من النفقة الواجبة على الزوج أُجرة الحمّام عند حاجة الزوجة إليه، سواء أكان للاغتسال أو للتنظيف، إذا لم تتهيّأ لها مقدّمات الاستحمام في البيت، أو كان ذلك عسيراً عليها لبرد أو غيره، كما أنّ منها مصاريف الولادة وأُجرة الطبيب والأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها عادة، بل لا يبعد أن يكون منها ما يصرف في سبيل علاج الأمراض الصعبة التي يتّفق الابتلاء بها وإن احتاج إلى بذل مال كثير، ما لم يكن ذلك حرجيّاً على الزوج.

10 ـ النفقة الواجبة للزوجة على قسمين:

القسم الأوّل:

ما يتوقّف الانتفاع به على ذهاب عينه ـ أي: لا ذهاب قيمته ـ كـ: الطعام والشراب والدواء ونحوها..


الصفحة 198

وفي هذا القسم تملك الزوجة عين المال بمقدار حاجتها عند حلول الوقت المتعارف لصرفه، فلها مطالبة الزوج بتمليكه إيّاها وتسليمه لها تفعل به ما تشاء، ولها الاجتزاء ـ كما هو المتعارف ـ بما يجعله تحت تصرّفها في بيته ويبيح لها الاستفادة منه، فتأكل وتشرب ممّا يوفّره في البيت من الطعام والإدام والشراب حسب حاجتها إليه، وحينئذ يسقط ما لها عليه من النفقة، فليس لها أن تطالبه بها بعد ذلك.

11 ـ لا يحقّ للزوجة مطالبة الزوج بنفقة الزمان المستقبل، ولو دفع إليها نفقة أيام كأُسبوع أو شهر مثلا وانقضت المدّة ولم تصرفها على نفسها، إمّا بأن أنفقت من غيرها، أو أنفق عليها أحد، كانت ملكاً لها، وليس للزوج استردادها.. نعم، لو خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما ـ أي: أحد الزوجين ـ أو نشوزها أو طلاقها بائناً، يوزّع المدفوع على الأيام الماضية والآتية، ويستردّ منها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة، بل الظاهر ذلك أيضاً فيما إذا دفع إليها نفقة يوم واحد وعرضت إحدى تلك العوارض في أثناء اليوم، فيستردّ الباقي من نفقة ذلك اليوم.

12 ـ يتخيّر الزوج بين أن يدفع إلى الزوجة عين المأكول، كـ: الخبز والطبيخ واللحم المطبوخ وما شاكل ذلك، وبين أن يدفع إليها موادّها، كـ: الحنطة والدقيق والأُرز واللحم ونحو ذلك ممّا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج ومؤونة، فإذا اختار الثاني كانت مؤونة الإعداد ـ أي: الطبخ ونحوه ممّا يجعل الطعام قابلا للأكل ـ على الزوج دون الزوجة.

13 ـ إذا تراضيا على بذل الثمن وقيمة الطعام والإدام وتسلّمته، ملكته وسقط ما هو الواجب على الزوج، ولكن ليس للزوج إلزامها بقبول الثمن، وليس لها إلزامه ببذله، فالواجب ابتداءً هو العين، أي: لا ثمنها.


الصفحة 199

القسم الثاني:

ما ينتفع به مع بقاء عينه..

وهذا إن كان مثل المسكن، فلا إشكال في أنّ الزوجة لا تستحقّ على الزوج أن يدفعه إليها بعنوان التمليك ـ أي: يكفي أن يدفعه إليها بعنوان الانتفاع به ـ والظاهر: أنّ الفراش والغطاء وأثاث المنزل أيضاً كذلك.

وأمّا الكسوة، فلا يبعد كونها بحكم القسم الأوّل; فتستحقّ على الزوج تمليكها إيّاها، ولها الاجتزاء بالاستفادة بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره، أي ممّا ليس بملك له، ولكن يحقّ له التصرّف فيه.

14 ـ إذا دفع إليها كسوة قد جرت العادة ببقائها مدّة، فلبستها فخلقت ـ أي: استهلكت ـ قبل تلك المدّة أو سرقت لا بتقصير منها في الصورتين، وجب عليه دفع كسوة أُخرى إليها. ولو انقضت المدّة والكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أُخرى.

ولو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق، لموت أو نشوز أو طلاق، فإن كان الدفع إليها على وجه الإمتاع والانتفاع ـ كما في البيت وأثاثه ـ جاز له استردادها إن كانت باقية، وأمّا إذا كان على وجه التمليك ـ كما في الطعام والشراب ـ فليس له ذلك.

15 ـ يجوز للزوجة أن تتصرّف في ما تملكه من النفقة كيفما تشاء، فتنقله إلى غيرها ببيع أو هبة أو إجارة أو غيرها، إلاّ إذا اشترط الزوج عليها ترك تصرّف معيّن فيلزمها ذلك، أي يكون هذا الشرط لازماً لا يجوز لها مخالفته للإمتاع والانتفاع به، فلا يجوز لها نقله إلى الغير ولا التصرّف فيه بغير الوجه المتعارف إلاّ بإذن من الزوج.

16 ـ النفقة الواجب بذلها للزوجة هو ما تقوّم به حياتها من طعام وشراب وكسوة ومسكن وأثاث ونحوها، دون ما تشتغل به ذمّتها ممّا


الصفحة 200

تستدينه لغير نفقتها ـ أي: أنّ الدَين الذي في ذمّتها لا يحسب من نفقتها ـ وما تنفقه على من يجب نفقته عليها، وما يثبت عليها من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ـ أي غرامة الجناية التي ارتكبتها ـ ونحو ذلك.

17 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على زوجته وجب عليه تحصيله بالتكسّب اللائق بشأنه وحاله، وإذا لم يكن متمكّناً منه أخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والكفّارات ونحوها بمقدار حاجته في الإنفاق عليها، وإذا لم يتيسّر له ذلك تبقى نفقتها دَيناً عليه، ولا يجب عليه تحصيلها بمثل الاستيهاب والسؤال.

وهل يجب عليه الاستدانة لها إذا أمكنه ذلك من دون حرج ومشقّة، وعلم بالتمكين من الوفاء فيما بعد؟

الظاهر ذلك، أي: يجب عليه الاستدانة، وأمّا إذا احتمل عدم التمكّن من الوفاء احتمالا معتدّاً به ـ أي: ليس احتمالا قليلا لا يؤخذ بعين الاعتبار ـ ففي وجوبها عليه إشكال، هذا في نفقة الزوجة.

وأمّا نفقة النفس ـ أي نفقة نفسه لا غيرها ـ فليست بهذه المثابة، فلا يجب السعي لتحصيلها إلاّ بمقدار ما يتوقّف عليه حفظ النفس والعرض، والتوقّي عن الإصابة بضرر بليغ، وهذا المقدار يجب تحصيله بأيّة وسيلة حتّى بالاستعطاف ـ أي: بطلب العطف والاسترحام من الآخرين ـ والسؤال، فضلا عن الاكتساب والاستدانة.

18 ـ إذا كان الزوج عاجزاً عن تأمين نفقة زوجته، أو امتنع من الإنفاق عليها مع قدرته، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، كما تقدّم.

19 ـ إذا لم تحصل الزوجة على النفقة الواجبة لها كلاّ أو بعضاً، كمّاً أو كيفاً ـ أي: من ناحية مقدارها أو نوعيّتها ـ لفقر الزوج أو امتناعه، بقي


الصفحة 201

ما لم تحصله منها دَيناً في ذمّته، كما تقدّمت الإشارة إليه; فلو مات أُخرج من أصل تركته، كسائر ديونه، ولو ماتت انتقل إلى ورثتها، كسائر تركتها..

سواء طالبته بالنفقة في حينه أو سكتت عنها، وسواء قدّرها ـ أي: النفقة ـ الحاكم وحكم بها أم لا، وسواء عاشت بالعسر ـ أي: بالضيق ـ أو أنفقت هي على نفسها ـ باقتراض أو بدونه ـ أو أنفق الغير عليها تبرّعاً من نفسه.

ولو أنفق الغير عليها دَيناً على ذمّة زوجها مع الاستئذان في ذلك من الحاكم الشرعي اشتغلت له ذمّة الزوج ـ أي: بقي دَيناً في ذمّته ـ بما أنفق.

ولو أنفق ـ أي الغير ـ عليها تبرّعاً عن زوجها لم تشتغل ذمّة الزوج له ولا للزوجة، أي: لا يكون ذلك الإنفاق دَيناً، لا في ذمّتها ولا في ذمّة الزوج.

20 ـ لا يعتبر في استحقاق الزوجة النفقة على زوجها فقرها وحاجتها، بل تستحقّها على زوجها وإن كانت غنيّة غير محتاجة.

21 ـ نفقة النفس مقدّمة على نفقة الزوجة، فإذا لم يكن للزوج مال يفي بنفقة نفسه ونفقة زوجته أنفق على نفسه، فإن زاد شيء صرفه إليها.

22 ـ المقصود بـ " نفقة النفس المقدّمة على نفقة الزوجة ": مقدار قوت يومه وليلته، وكسوته وفراشه وغطائه، وغير ذلك ممّا يحتاج إليه في معيشـته، بحسب حاله وشأنه.

23 ـ إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتّفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمينها، إذا لم تكن للزوج بيّنة، أي: شاهدين من الرجال.


الصفحة 202

24 ـ إذا كانت الزوجة حاملا ووضعت وقد طُلّقت رجعيّاً، فادّعت الزوجة أنّ الطلاق كان بعد الوضع ـ أي: وضع حملها ـ فتستحقّ عليه ـ أي: على الزوج ـ وادّعى الزوج أنّه كان ـ أي: استحقاقها للإنفاق ـ قبل الوضع وقد انقضت عدّتها فلا نفقة لها، فالقول قول الزوجة مع يمينها; فإن حلفت استحقّت النفقة، ولكن الزوج يُلزم باعترافه ـ لأنّه اعترف بانقضاء عدّتها ـ فلا يجوز له الرجوع إليها.

25 ـ إذا اختلفا في الإعسار واليسار ـ أي: في كون الزوج قادراً على الإنفاق أو غير قادر عليه لفقره ـ فادّعى الزوج الإعسار وأنّه لا يقدر على الإنفاق، وادّعت الزوجة يساره ـ أي: قدرته عليه ـ كان القول قول الزوج مع يمينه.. نعم، إذا كان الزوج موسـراً وادّعى تلف أمواله وأنّه صار معسراً فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها.

 

*  *  *

 


الصفحة 203

 

القرابة

 

1 ـ يثبت للأبوين حقّ الإنفاق على ابنهما، كما يثبت للولد ـ ذكراً كان أو أُنثى ـ حقّ الإنفاق على أبيه.

2 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب: فقره، بمعنى عدم وجدانه لما يحتاج إليه في معيشته فعلا، من طعام وإدام وكسوة وفراش وغطاء ومسكن ونحو ذلك، فلا يجب الإنفاق على الواجد لنفقته فعلا وإن كان فقيراً شرعاً، أي لا يملك مؤنة سنته.

وأمّا غير الواجد لها: فإن كان متمكّناً من تحصيلها بالاستعطاء أو السؤال لم يمنع ذلك من وجوب الإنفاق عليه بلا إشكال.. نعم، لو استعطى فأُعطي مقدار نفقته الفعليّة لم يجب على قريبه الإنفاق عليه.

وهكذا الحال لو كان متمكّناً من تحصيلها بالأخذ من حقوق الفقراء من الأخماس والزكوات والصدقات وغيرها، أو كان متمكّناً من الاقتراض ولكن بحرج ومشقّة، أو مع احتمال عدم التمكّن من وفائه فيما بعد احتمالا معتدّاً به، وأمّا مع عدم المشقّة في الاقتراض ووجود محلّ الإيفاء فالظاهر: عدم وجوب الإنفاق عليه.

ولو كان متمكّناً من تحصيل نفقته بالاكتساب: فإن كان ذلك بالقدرة على تعلّم صنعة أو حرفة يفي مدخولها بنفقته ولكنّه ترك التعلّم فبقي بلا نفقة، وجب على قريبه الإنفاق عليه ما لم يتعلّم.

وهكذا الحال لو أمكنه الاكتساب بما يشقّ عليه تحمّله، كحمل الأثقال، أو بما لا يناسب شأنه، كبعض الأشغال المناسبة لبعض الأشخاص،


الصفحة 204

ولم يكتسب لذلك، فإنّه يجب على قريبه الإنفاق عليه.

وإن كان قادراً على الاكتساب بما يناسب حاله وشأنه، كالقويّ القادر على حمل الأثقال، والوضيع اللائق بشأنه بعض الأشغال، ومن كان كسوباً وله بعض الأشغال والصنائع، وقد ترك ذلك طلباً للراحة، فالظاهر: عدم وجوب الإنفاق عليه..

نعم، لو فات عنه زمان اكتسابه بحيث صار محتاجاً فعلا بالنسبة إلى يوم أو أيام، غير قادر على تحصيل نفقتها، وجب الإنفاق عليه وإن كان ذلك العجز قد حصل باختياره، كما أنّه لو ترك الاشتغال بالاكتساب لا لطلب الراحة بل لاشتغاله بأمر دنيويّ أو دينيّ مهم، كطلب العلم الواجب، لم يسـقط بذلك التكليف بوجوب الإنفاق عليه.

3 ـ إذا أمكن المرأة التزويج بمن يليق بها ويقوم بنفقتها دائماً أو منقطعاً، فلا يجب على أبيها أو ابنها الإنفاق عليها.

4 ـ لا يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كون المُنفِق أو المُنفَق عليه مسلماً أو عادلا، ولا في المنفَق عليه كونه ذا علّة من عمىً وغيره..

نعم، يعتبر فيه ـ فيما عدا الأبوين ـ أن لا يكون كافراً حربيّاً ـ أي: غير كتابيّ من أصناف الكفّار الّذين لا ينتسبون إلى الإسلام ـ أو من بحكمه، أي: الكتابيّ الذي بغى واعتدى على المسلمين، أو الذي أخلّ بشرائط الذمّة من اليهود والنصارى والمجوس، وغير ذلك من أقسام الكفّار، وكذلك الخوارج والغلاة والنواصـب.

5 ـ هل يشترط في ثبوت حقّ الإنفاق كمال المنفِق بالبلوغ والعقل، أم لا؟

وجهان، أقربهما: العدم; فيجب على الولي أن ينفق من مال الصبيّ


الصفحة 205

والمجنون على من يثبت له حقّ الإنفاق عليهما.

6 ـ يشترط في وجوب الإنفاق على القريب قدرة المنفِق على نفقته بعد نفقة نفسه وزوجته الدائمة، فلو حصل له قدر كفاية نفسه وزوجته خاصة لم يجب عليه الإنفاق على أقربائه، ولو زاد من نفقة نفسه وزوجته شيء صرفه في الإنفاق عليهم..

والأقرب منهم مقدّم على الأبعد، فالولد مقدّم على ولد الولد، ولو تساووا وعجز عن الإنفاق عليهم جميعاً فالأظهر: وجوب توزيع الميسور عليهم بالسويّة إذا كان ممّا يقبل التوزيع ويمكنهم الانتفاع به، والاّ فالأحوط الأولى: أن يقترع بينهم وإن كان الأقرب أنّه يتخيّر في الإنفاق على أيّهم شاء.

7 ـ إذا كان بحاجة إلى الزواج، وكان ما لديه من المال لا يفي بنفقة الزواج ونفقة قريبه معاً، جاز له أن يصرفه في زواجه وإن لم يبلغ حدّ الاضطرار إليه أو الحرج في تركه.

8 ـ إذا لم يكن عنده ما ينفقه على قريبه، وكان متمكّناً من تحصيله بالاكتساب اللائق بشأنه، وجب عليه ذلك، وإلاّ أخذ من حقوق الفقراء أو استدان لذلك.

9 ـ لا تقدير لنفقة القريب شرعاً، بل الواجب القيام بما يقيم حياته من طعام وإدام وكسوة ومسكن وغيرها، مع ملاحظة حاله وشأنه زماناً ومكاناً، حسب ما مرّ في نفقة الزوجة.

10 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب ـ ولداً كان أو والداً ـ بذل مصاريف زواجه من الصداق وغيره وإن كان ذلك أحوط ـ وجوباً ـ لا سيّما في الأب مع حاجته ـ أي: مع حاجة الأب أو الابن ـ الى الزواج وعدم


الصفحة 206

قدرته على نفقاته.

11 ـ ليس من الإنفاق الواجب للقريب أداء ديونه، ولا دفع ما ثبت عليه من فدية أو كفّارة أو أرش جناية ـ أي: غرامة الجناية ـ ونحو ذلك.

12 ـ يجب على الولد نفقة والده دون أولاده ـ أي سواء كانوا إخوته من أبيه أو من أُمّه وأبيه ـ لأنّهم إخوته، ودون زوجته ـ أي زوجة الأب ـ ويجب على الوالد نفقة ولده دون زوجته ـ أي زوجة الولد ـ ونفقة أولاد ولده ـ أي أحفاده ـ أيضاً بناءً على ما تقدّم من وجوب نفقة الولد على جـدّه.

13 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل المال له على وجه الإمتاع ـ أي: على نحو يمكنه الاستفادة منه ـ والانتفاع، ولا يجب تمليكه له; فإن بذله له من دون تمليك لم يكن له ـ أي: لا يحقّ له ـ أن يملّكه أو يبيحه للغير، إلاّ إذا كان مأذوناً في ذلك من قبل المالك، ولو ارتزق بغيره وجبت عليه إعادته إليه ـ أي: إلى المالك ـ ما لم يكن مأذوناً بالتصرّف فيه حتّى على هذا التقدير.

14 ـ يجزئ في الإنفاق على القريب بذل الطعام والإدام ونحوهما له في دار المُنفِق، ولا يجب نقلها إليه في دار أُخرى، ولو طلب المنفَق عليه ذلك لم تجب إجابته، إلاّ إذا كان له عذر من استيفاء النفقة في بيت المنفِق من حرّ أو برد أو وجود من يؤذيه هناك أو نحو ذلك.

15 ـ نفقة الأقارب تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الزمان الحاضر، على الأظهر، ولا تقبل الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلة.

16 ـ لا تُقضى ولا تُتدارك نفقة الأقارب لو فاتت في وقتها وزمانها ولو بتقصير من المُنفِق، ولا تستقرّ في ذمّته ـ أي: في ذمّة المنفِق ـ بخلاف


الصفحة 207

نفقة الزوجة كما مرّ ـ أي: لا تسقط وإن فات وقتها ـ.

نعم، لو أخلّ بالإنفاق الواجب عليه، ورفع من له الحقّ ـ أي: الذي تجب نفقته ـ أمره إلى الحاكم الشرعي فأذِن له في الاستدانة عليه ـ أي: يستدين من شخص ويكون الوفاء على الذي يجب أن ينفِق ـ ففعل; اشتغلت ذمّته بما استدانه ووجب عليه أداؤه.

17 ـ إذا دافع وامتنع من وجبت عليه نفقة قريبه عن بذلها جاز لمن له الحقّ إجباره عليه، ولو باللجوء إلى الحاكم وإن كان جائراً.

وإن لم يمكن إجباره: فإن كان له مال، جاز له أن يأخذ منه بمقدار نفقته بإذن الحاكم الشرعي، وإلاّ ـ أي: وإن لم يكن له مال ـ جاز له ـ أي: لمن له الحقّ ـ أن يستدين على ذمّته بإذن الحاكم، فتشتغل ذمّته ـ أي ذمّة من وجب عليه الإنفاق ـ بما استدانه ويجب عليه قضاؤه.

وإن تعذّر عليه ـ أي: على صاحب الحقّ ـ مراجعة الحاكم رجع إلى بعض عدول المؤمنين، واستدان عليه بإذنه، فيجب عليه أداؤه.

 

*  *  *