دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية - دار الزهراء (عليها السلام) الثقافية

أحكام المرأة والأسرة » كتاب النكاح

كتاب النكاح

 

كتاب النكاح

 

النكاح من المستحبّات التي أُكّد عليها في كلام أهل البيت (عليهم السلام)، وورد أيضاً الذمّ على تركه، ووصف بأنّه: نصف الدين، وأنّه: " ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسـرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله "(1).

وحرصاً من الشريعة السمحاء على هذه المسألة المهمّة، نظر المعصومون (عليهم السلام) إلى الصفات التي لا بُدّ أن تتوفّر في الزوجة التي يريد الرجل أن يختارها، وكذلك العكس..

فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجـيعين "(2).

وعن الصادق (عليه السلام)، حين قال له أحد أصحابه: قد هممت أن أتزوّج. فقال (عليه السلام): " انظر أين تضـع نفسك، ومَن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسـرّك؟ فإن كنت لا بُدّ فاعلا فبكراً تنسب إلى الخير وإلى حُسن الخُلُق "(3).

وكما ينبغي للرجل أن يهتمّ بصفات المرأة التي يريد الزواج منها، فلا بُدّ أن تهتمّ المرأة ـ أيضاً ـ بصفات الرجل الذي تريد أن تجعله شريكاً لها في حياتها، وهذا دليل على اهتمام الشريعة بالمرأة واحترام شخصيّتها وحفظ كرامتها; لذا فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: " مَن زوّج

____________

1- وسائل الشيعة 20: 40 ح 10.

2- وسائل الشيعة 20: 47 ح 2.

3- وسائل الشيعة 20: 27 ح 1.


الصفحة 93

كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها "(1)..

وجاء عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " النكاح رقّ; فإذا أنكح أحدكم وليدة فقد أرقّها، فلينظر أحدكم لمَن يرقّ كريمته "(2).

1 ـ يستحبّ لمَن أراد التزويج أن يصلّي ركعتين ويدعو ويقول: " اللّـهمّ! إنّي أُريـد أن أتزوّج، اللّـهمّ! فاقدر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركة "(3).

ويستحبّ أيضاً أن يُشهد على العقد وأن يعلن به، ويستحبّ الخطبة، وتشتمل الخطبة على: التحميد، والصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)والأئمّة (عليهم السلام)، والشهادتين، والوصيّة بالتقوى، والدعاء للزوجين، ويكفي أن يقول: الحمد لله، والصلاة على محمّـد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويكره إيقاع العقد والقمر في برج العقرب، وإيقاعه في محاقّ الشهر.

2 ـ لا بُدّ من النظر في حال الخطّاب، فإذا كان ممّن يرضى خُلُقه ودينه فلا يردّ; وهو ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

3 ـ يكره الخلوة بالزوجة في حضور الأطفال، فينظرون إليهما، هذا إذا لم يكن مستلزماً للحرمة، كـ: النظر إلى العورة; فيكون محرّماً.

4 ـ يستحبّ التوسّط للتزويج والشفاعة في هذا الأمر، لا سيّما ارضاء الطرفين به.

5 ـ لو عقد على صبيّة لم تبلغ تسع سنين فلا يجوز أن يطأها،

____________

1- وسائل الشيعة 20: 27 ح 1.

2- وسائل الشيعة 20: 79 ح 8.

3- وسائل الشيعة 20: 113 ح 1.


الصفحة 94

ولو فعل ذلك ولم يفضّ بكارتها فليس عليه إلاّ الإثم، أمّا لو أفضّها فتجب عليه دية الإفضاء، ولم يحرم عليه وطؤها، لا سيّما إذا اندمل الجرح بعلاج أو بغيره، وتجري عليها أحكام الزوجة من التوارث وحرمة زواج الأُخت وغير ذلك، وكذلك تجب عليه نفقتها، ولو أفضى غير الزوجة بالزنا أو بغيره فتجب عليه الدية فقط دون النفقة.

6 ـ لا يجوز ترك وطء الزوجة الشابّة أكثر من أربعة أشهر، إلاّ إذا كان هناك عذر، كـ: الحرج والضرر، أو أنّها كانت راضية، أو اشترط عليها حين العقد..

وليس هذا الحكم مختصّاً بالزوجة الدائمة; فيعمّ المنقطعة أيضاً، على الأحوط وجوباً، وكذلك يعمّ الحكم: الحاضر والمسافر، على الأحوط وجوباً أيضاً..

ولا يجوز إطالة السفر دون عذر شرعي إذا كان السفر يفوّت حقّها، وكذلك إذا لم يكن لضرورة عُرفية، كما إذا كان للتنزّه.

وإذا كانت الزوجة لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام إذا لم يواقعها، فالأحوط وجوباً: المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة أو طلاقها وتخلية سبيلها.

7 ـ يستحبّ أن يكون الزفاف ليلا والوليمة قبله أو بعده، وصلاة ركعتين عند الدخول، وأن يكون كلّ من الزوجة والزوج على وضوء، والدعاء بالمأثور بعد أن يضـع يده على ناصيتها، وهو: (اللّهمّ! على كتابك تزوّجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئاً فاجعله مسلماً سويّاً، ولا تجعله شرك الشيطان) وأمرها بمثله، ويسأل الله تعالى الولد الذكر.


الصفحة 95

8 ـ تستحبّ التسمية عند الجماع، وأن يكون على وضوء، خصوصاً إذا كانت المرأة حاملا، وأن يسأل الله تعالى أن يرزقه ولداً تقيّاً مباركاً زكيّاً ذكراً سويّاً.

9 ـ يجوز العزل عن الزوجة، سواء كانت دائمة أم منقطعة، ويكره في الزوجة الحرّة.. نعم، ترتفع الكراهة إذا كان العزل برضاها أو اشترطه الزوج عليها في العقد.

وأمّا امتناع الزوجة عن إنزال المني في قُبلها فالظاهر: حرمته إلاّ برضاه، أو اشتراطه عليه حين التزويج، ولا تجب عليها دية النطفة، على الأقوى.

10 ـ يجوز لكلّ من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر، ظاهره وباطنه حتّى العورة، وكذا لمس كلّ منهما كلّ عضو من الآخر، سواء مع التلذّذ أو بدونه.

11 ـ يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد مماثله ما عدا العورة، سواء كان المنظور إليه شيخاً أم شاباً، حسن الصورة أم قبيحها، بشرط أن لا يلتذّ بالنظر، وكذلك يحرم النظر لو خاف على نفسه أن يقع في الحرام، والحكم كذلك بالنسبة إلى نظر المرأة إلى امرأة أُخرى، ويجب أن يجتنب المكلّف عن النظر إلى عورة الكافر والصبيّ المميِّز، على الأحوط وجوباً.

12 ـ يجوز أن ينظر الرجل إلى جسد محارمه ما عدا العورة، بشرط أن يكون النظر خال من التلذّذ وخوف الوقوع في الحرام، وكذلك يجوز نظر المحارم إلى جسد المحرم عليهنّ مع عدم التلذّذ وخوف الوقوع في الحرام.

والمراد بالمحارم: مَن يحرم عليه نكاحهنّ أبداً، سواء من جهة


الصفحة 96

الرضاع، أو النسب، أو المصاهرة، ولا يشمل النكاح المحرّم بغير هذه الأسباب، كـ: الزنا واللواط واللّعان.

13 ـ لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفّين من جسد المرأة الأجنبيّة، ولا فرق بين أن يكون النظر لجسدها بشهوة أو مع خوف الوقوع في الحرام..

أمّا الوجه والكفّين فلا يجوز له النظر إليهما مع التلذّذ الشهوي، أو خوف الوقوع في الحرام، وأمّا مع عدم وجود هذين الوصفين فلا يبعد جواز النظر، وإن كان الأحوط استحباباً: تركه.

14 ـ يحرم على المرأة أيضاً أن تنظر إلى بدن الرجل الأجنبيّ مع الالتذاذ الشهوي أو مع خوف الوقوع في الحرام، والأحوط وجوباً: أن لا تنظر إلى غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بستره، كـ: الرأس واليدين والقدمين ونحوها وإن كان بلا تلذّذ شهوي أو خوف الوقوع في الحرام..

وأمّا نظرها إلى هذه المواضـع من بدنه من دون تلذّذ شهوي ودون الخوف من الوقوع في الحرام فالظاهر: جوازه، وإن كان الأحوط استحباباً: تركه أيضاً.

15 ـ لا يجوز لمس بدن الغير وشعره مع الالتذاذ أو الريبة، إلاّ الزوجين فيما بينهما، أمّا بدون الالتذاذ وخوف الوقوع في الحرام فيجوز للمحارم والمماثل، أي: الرجل للرجل، والمرأة للمرأة; ومن هذا تُعرف حرمة المصافحة، كما يفعل أهل الدول الغربيّة، وتستطيع المرأة أن تقدّم تلك التحيّة مع الساتر، كأن تلبس قفّازات وتصافح الأجنبي(1).

____________

1- قُيِّد حكم جواز المصافحة مع الكفوف بالضرورة، كما إذا عُرّضت المرأة إلى ضرر معتدّ به، أو حرج شديد لا يُتحمّل عادةً; انظر: فقه الحضارة: 180.


الصفحة 97

16 ـ لو قطع عضو من الأجنبيّ أو الأجنبيّة وهو ممّا يحرم النظر إليه قبل القطع، فلا يجوز النظر إليه بعد القطع إن كان يصدق عليه عُرفاً أنّه نظر إلى صاحب العضو المبان، وأمّا مع عدم صدق ذلك فيجوز النظر إلى ما عدا العورة، والأحوط استحباباً: الاجتناب عن النظر إلى السنّ والظفر.

17 ـ يجب على المرأة أن تستر شعرها وجسدها ما عدا الوجه والكفّين، هذا أمام غير المحارم والزوج، إلاّ إذا خافت أن تقع ـ هي ـ في الحرام، أو أنّها أظهرتهما بداعي إيقاع الرجل في الحرام، فيحرم عليها إبداؤهما، حتّى بالنسبة إلى المحارم حينئذ.

وأما إذا كانت المرأة كبيرة السنّ لا ترجو نكاحاً فيجوز لها إظهار شعرها وذراعها ونحو ذلك ممّا لا يسـتره الخِمار والجلباب عادة.

والخمار هو: ما تغطّي به المرأة رأسها. والجلباب هو: الثوب الواسع.

والجواز مشـروطٌ بعدم تبرّجها بزينة، فلو كانت متبرّجة بزينة حرم عليها الإظهار.

18 ـ لا يجب على الرجل التستّر من المرأة الأجنبيّة، وإن كان لا يجوز لها ـ على الأحوط وجوباً ـ أن تنظر إلى غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بسـتره من بدنه.

19 ـ قدّر ديننا الحنيف مواقع الضرورة وجعل لنا قاعدة: (الضرورات تبيح المحضورات); لذا فحرمة النظر واللمس للأجنبيّة موجودة في غير مواقع الاضطرار، أمّا مع الاضطرار، كـ: الاستنقاذ من الغرق أو الحرق، أو الاضطرار الى المعالجة من مرض وكان الرجل الأجنبي أرفق بعلاجها، فيجوز ذلك، ولو كان الطبيب يكتفي حين المعالجة إمّا باللمس، أو بالنظر، فلا يجوز له التعدّي أكثر; فإمّا يعالج بالنظر، أو باللمس.


الصفحة 98

20 ـ يجوز اللمس والنظر من الرجال للصبيّة غير البالغة ـ ما عدا النظر إلى عورتها ـ بشرط عدم التلذّذ الشهوي وخوف الوقوع في الحرام. والأحوط استحباباً: الاقتصار على المواضع التي لم تجر العادة بسترها بالملابس المتعارفة وترك ما جرت العادة بستره، مثل الصدر والبطن والفخـذ. والأحوط استحباباً أيضاً: عدم تقبيلها ووضعها في الحجر إذا بلغت سـتّ سنين.

21 ـ يجوز للمرأة أن تنظر إلى الصبيّ غير البالغ ـ ما عدا عورته ـ وتمسّ مواضـع بدنه مع عدم التلذّذ وخوف الافتتان، ولا يجب عليها أن تتسـتّر منه قبل أن يبلغ سنّاً يمكن أن يترتّب على نظره إليها ثوران الشهوة عنده، وإذا بلغ ذلك السـنّ وجب التستّر منه، على الأحوط، وإن لم يبلغ البلوغ الشرعي.

22 ـ إذا كان الصبيّ غير مميِّز فلا يجب التستّر منه، مع عدم الالتذاذ وخوف الوقوع في الحرام، وكذلك إذا كانت الصبيّة غير مميِّزة فلا يجب عليها التستّر مع عدم الالتذاذ وخوف الوقوع في الحرام أيضاً، وكذلك المجنون غير المميِّز لا تجري عليه أحكام التسـتّر.

23 ـ يجوز النظر إلى النساء المتبرّجات المبتذلات اللواتي إذا نُهين عن التكشّف لا ينتهين ـ كما في الغرب ـ بشرط أن يكون النظر بلا تلذّذ وخوف الوقوع في الحرام، ولا فرق في ذلك بين أن يكنّ كافرات أو غير ذلك، أو أن يكون النظر إلى وجوههنّ وأيديهنّ أو باقي الأعضاء التي جرت عادتهنّ على عدم سـتره.

24 ـ لو كانت المرأة سافرة في صورة لها ولكنّها غير مبتذلة، فالأحوط وجوباً: أن لا ينظر إليها الرجل الأجنبي إذا كان يعرفها، ويستثنى


الصفحة 99

من ذلك: الوجه والكفّان، إذا كان النظر بلا تلذّذ شهوي وخوف الوقوع في الحرام، وكذلك لا يجوز النظر إليهما مباشرة مع التلذّذ وخوف الوقوع في الحرام كذلك.

25 ـ يُتعارف عند بعض الناس بأن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة ـ كـ: وجهها وشعرها ورقبتها وساقيها ومعاصمها ـ التي يريد التزويج منها، فهو: جائز، ولا يشترط في ذلك رضاها.. ويستثنى من ذلك أُمور:

(1) أن لا يكون النظر بقصد الالتذاذ الشهوي، وإن علم أنّه يحصل بالنظر إليها قهراً، وأن لا يخاف الوقوع في الحرام بسبب هذه النظرة.

(2) أن لا يكون هناك مانع من التزويج بها، كأنّها في العدّة مثلا، أو أنّها أُخت لزوجته فلا يجوز التزويج منها.

(3) أن لا يكون مسبوقاً بحالها، كما إذا رآها سابقاً.

(4) أن يحتمل الناظر اختيارها زوجةً له.

(5) لو كان هناك نساء متعدّدات ولا يعلم أيّاً منهنّ يختار على وجه التعيين فلا يجوز له، على الأحوط وجوباً: أن ينظر لهنّ جميعاً، ولا بُدّ من قصـد الزواج بواحـدة منهنّ بالخصوص.

(6) يجوز أن يتكرّر النظر لو لم يحصل الاطّلاع بالنظرة الأُولى، ولو حصل له الاطّلاع لا يجوز أن يكرّر النظر مرّة ثانية.

26 ـ يجوز للأجنبي أن يسـمع صوت الأجنبية مع عدم الالتذاذ أو خوف الوقوع في الحرام، وكذلك يجوز لها إسماع صوتها له مع عدم خوف الافتتان.. نعم، لا يجوز لها ترقيق الصوت وتحسينه على نحو يكون عادة مهيّجاً للسامع، وإن كان السامع من محارمها.


الصفحة 100

 

عَقد النكاح

1 ـ عقد النكاح على قسمين: دائم، ومنقطع..

و العـقد الدائم هو: عقد لا تُعيّن فيه مـدّة الزواج، وتسمّى الزوجة فيه بـ: (الدائمة).

و العـقد المؤقّت هو: العقد الذي تُعيّن فيه مـدّة الزواج، كـ: ساعة أو يـوم أو سـنة أو أقلّ أو أكثر، وتسـمّى الزوجة فيه بـ: (المنقطعة أو المتَمَتّع بها).

2 ـ يشـترط في النكاح ـ سواء كان مؤقّتاً أم دائماً ـ: الإيجاب والقبول، ولا بُدّ أن يكونا لفظيّـين، على الأحوط وجوباً، فلا يكفي مجرّد التراضي القلبي، ولا الإشارة المفهِمة، هذا في غير الأخرس..

والأحوط وجوباً: أن يكون لفظ الإيجاب والقبول بالعربية مع التمكّن منها، ومع عدم التمكّن من العربية يكفي غيرها من اللّغات المفهمة لمعنى النكاح والتزوج وإن تمكّن أن يوكّل أحداً عنه.

3 ـ الأحوط استحباباً: تقديم الإيجاب على القبول، وإن كان يجوز تقديم القبول على الإيجاب إذا لم يكن القبول بلفظ: (قبلت) ـ فيكون حينئذ الاحتياط لزوميّاً، أي: واجباً ـ أو نحوه من اللفظ الخالي عن ذكر المتعلّق، كما إذا قال الرجل للمرأة: (أتزوّجك على الصِداق المعلوم). فتقول المرأة: (نعم)، أو يقول الرجل: (قبلت التزويج بك على الصِداق المعلوم). فتقول المرأة: (زوّجتك نفسي).

4 ـ الأحوط استحباباً: أن يكون الإيجاب من جانب المرأة، والقبول من جانب الرجل، ويجوز العكس; بأن يقول الرجل: (زوّجتك نفسي على


الصفحة 101

الصداق المعلوم)، فتقول المرأة: (قبلت).

5 ـ الأحوط استحباباً: أن يكون الإيجاب في الزواج الدائم بلفظ النكاح أو التزويج، أي: تقول المرأة أو الرجل: (زوّجتك نفسي، أو أنكحتك نفسي)، كما أنّ الأحوط استحباباً: كون الإيجاب والقبول بصيغة الفعل الماضي; أي: (زوّجْت)، وإن جاز بغيرها أيضاً.

6 ـ يجوز الاقتصار في القبول على لفظ: (قبلتْ)، أو: (رضيتْ) بعد الإيجاب من دون ذكر المتعلّقات التي ذكرت فيه; فلو قال الموجب ـ الوكيل عن الزوجة ـ للزوج: (أنكحتك موكّلتي فلانة على المهر المعلوم). فقال الزوج: (قبلت)، من دون أن يقول: (قبلت النكاح لنفسي على المهر المعلوم)، صـحّ.

7 ـ يجوز أن يباشـر الزوجان العقد بنفسيهما من دون أن يوكّلا أحداً في ذلك; فلو باشرا العقد الدائم وبعد تعيين المهر قالت المرأة مخاطبةً الرجل: (أنكحتك نفسي، أو أنكحت نفسي منك ـ أو لك ـ على الصداق المعلوم). فقال الرجل: (قبلت النكاح)، صحّ العقد.

وكذا يصحّ العقد لو قالت المرأة للرجل: (زوّجتك نفسي، أو زوّجت نفسي منك ـ أو بك ـ على الصداق المعلوم). فقال الرجل: (قبلت التزويج).

8 ـ لا يشترط المطابقة بين لفظ القبول وعبارة الإيجاب، بل يصحّ الإيجاب بلفظ والقبول بلفظ آخر; كأن يقول: (زوّجتك). فيجيبه: (قبلت النكاح)، أو يقول: (أنكحـتك). فيجـيب: (قبلت التزويج)، والأحوط استحباباً: المطابقة بين اللّفظين.


الصفحة 102

9 ـ إذا لَحَن في صيغة العقد بحيث لم يكن المعنى ظاهراً(1) لم يكفِ ذلك، وإذا لحَن في مادّة الكلام، كما إذا قال بدل زوّجتك: (جوّزتك)، كما هو دارج عند البعض، كفى ذلك إذا كان المباشر للعقد من أهل تلك اللّغة.

10 ـ لا بُدّ أن يتحقّق القصـد من العقد، وهو متوقّف على فهم معنى لفظ: (زوّجت)، أو كلمة أُخرى تقوم مقام ذلك ولو إجمالا، ولا يُعتبر العلم بخصوصيّات اللفظ، ولا تمييز الفعل والفاعل والمفعول مثلا; فإذا كان هناك قصـد في إيجاد علقة الزواج وقال: (زوّجت)، وقال الطرف الآخر: (قبلت)، كفى.

11 ـ تشـترط الموالاة بين الإيجاب والقبول، بحيث يصدق أنّ هذا القبول لذلك الإيجاب، ولا يضـرّ الفصل بمتعلّقات العقد من القيود والشـروط التابعة له وإن كثرت.

12 ـ يشـترط في صحّة النكاح: أن يكون منجّـزاً غير معلّق على أمر سوف يحصل في المستقبل، سواء كان معلوم الحصول أم متوقّع الحصول; فلو علّقه بطل..

وكذا يبطل لو علّقه على أمر حاليّ ولكن يحتمل حصوله وكان ذلك الأمر ممّا تتوقّف عليه صحّة العقد.

أمّا إذا علّقه على أمر موجود حالا وهو معلوم الحصول لديه، كما إذا قالت المرأة في يوم الجمعة وهي عالمة أنّه يوم الجمعة: (أنكحتك نفسي إن كان اليوم الجمعة)، فيصحّ العـقد.

____________

1- أيّ: لا يُفهم منه أنّه صـيغة للعقد.


الصفحة 103

وكذلك يصحّ لو علّق على أمر مجهول الحصول ولكنّه ممّا يتوقّف عليه صحّـة العقد، كما لو قالت المرأة: (أنكحـتك نفسي إذا لم أكن أُخـتك).

13 ـ يشترط في العاقد ـ وهو: الذي يُجري صيغة العقد ـ: أن يكون قاصـداً للمعنى حقيقةً; فلا عبرة بعقد الشخص الهازل الذي يقول الصيغة بنحو المزاح، أو الساهي، أو الغالط في كلامه، أو النائم لو قال الصيغة في حال نومه، وكذلك لا عبرة بعقد السكران الذي لا يفهم ما يقول، ولا المجنون، وإن كان جنونه أدوارياً، بأن يؤثّر عليه الجنون ساعة ويفيق منه أُخرى، إن كان قد أجرى صيغة العقد في حال جنونه.

ومن الشرائط أيضاً: كون العاقد بالغاً; فلا يصحّ عقد الصبيّ لنفسه، وإن كان مميّزاً ـ حتّى لو قصد المعنى(1) ـ إذا لم يكن بإذن الوليّ، أو كان بإذنه ولكن كان الصبيّ مستقلاّ في التصـرّف، والأحوط وجوباً: أن لا يتولّى الصبي إنشاء الصيغة حتّى لو كان العقد من الولي نفسه وكان الصبيّ وكيلا عنه في إنشاء الصيغة.

14 ـ نجد البعض ممّن يجبر البنت أو الولد على الزواج غافلين عن اشتراط رضا الزوجين في صحّة العقد حسب الواقع لا الظاهر، فلو أذنت الزوجة وأظهرت الكراهة وعُلم منها الرضا القلبي صحّ العقد، ولو تظاهرت بالرضا وعُلم منها الكراهة قلباً بطل العقد، إلاّ إذا كانت البنت باكراً غير مستقلّة في شؤون حياتها وزوّجها الأب بدون رضاها وكان العقد لصالحها حسب النظر العقلائي فإنّ الحكم بالصحّة أو البطلان مشكِل..

____________

1- لأنّ القصـد شرط في صحّة العقد، ولكن إذا كان العاقد بالغاً فلا يكفي القصد في غير البالغ.


الصفحة 104

والأحوط وجوباً ـ إذا لم ترضَ البنت ـ: أن يطلّقها الرجل، وإذا رضـيت بعد الردّ يجـدّد العقد.

15 ـ لو كان الزوجان أو أحدهما كارهاً للعقد وأُجري على هذه الحالة وبعد ذلك رضياً وأجازا العقد صـحّ، والأفضل: إعادة العقد مرّة أُخرى.

16 ـ لو كان للأب عدّة بنات وقال للزوج: (أزوّجك إحدى بناتي)، فإنّه لا يصحّ، فلا بُدّ حينئذ من التعيين بحيث تمتاز التي يريد تزويجها عن غيرها، سواء كان التعيين بالاسم أو الإشارة; كأن يقول: (زوّجتك بنتي هذه)..

وكذلك يبطل لو قال لأب الزوج: (زوّجت بنتي أحد ابنيك)، أو: (أحد هذين) وهو يشير إليهما معاً.

ولكنّه يصحّ لو كانا معلومين لدى المتعاقدَين; فلا يشترط عندئذ التعيين عند إجراء الصيغة، سواء بالاسم أم بالإشارة..

وكذلك يصحّ لو كانا متقاولين على تزويج بنته الكبرى من ابنه الكبير ـ مثلا ـ وحين إجراء الصيغة قال: (زوّجت بنتي من ابنك) وقَبِل الآخر; فالظاهر: الصحّة.

17 ـ لو وقع اشتباه بين الزوجة التي عُيّنت بالوصف والاسم وبين مَن هي المقصودة في الواقع، كما إذا قصـد تزويج بنته الكبرى وتخيّل أنّ اسمها: فاطمة، وكانت المسمّاة بـ: فاطمة هي الصغرى، وكانت الكبرى مسمّاة بـ: خديجة، وقال: (زوّجتك الكبرى من بناتي فاطمة)، وقع العقد على الكبرى التي اسمها: خديجة، ولا يقع على فاطمة.


الصفحة 105

وإن كان المقصود: تزويج فاطمة، وتخيّل أنّها الكبرى فتبيّن أنّها الصـغرى، وقع العقد على المسمّاة بـ: فاطـمة، وأُلغي وصفها بأنّها الكبـرى..

وكذا لو كان المقصـود: تزويج المرأة الحاضـرة، وتخيّل أنّها الكبرى واسمها: فاطمة، فقال: (زوّجتك هذه، وهي فاطمة، وهي الكبرى من بناتي)، وتبيّن أنّها الصغرى واسمها: خديجة، وقع العقد على المشار إليها; ولا عبرة بالاسـم والوصـف.

ولو كان المقصـود: العقد على الكبرى، فلمّا تصوّر أنّ هذه المرأة الحاضـرة هي تلك الكبرى قال: (زوّجتك الكبرى، وهي هذه)، وقع العقد على تلك الكبرى وتُلغى الإشارة; فلا عبرة فيها.

18 ـ لو أوكلت المرأة شخصاً لإجراء العقد عنها فلا يجوز له أن يتزوّجها إلاّ إذا كان كلامها في التوكيل عامّاً، بحيث يشمل الموكَّل أيضاً، فلو كان كذلك جاز أن يتزوّجها(1).

19 ـ يجوز أن يتولّى إجراء العقد كلّ من الزوجين، أو يجعلا وكيلا واحداً عنهما معاً، سواء كان العقد دائماً أم مؤقّتاً، والأحوط استحباباً: أن لا يتولّى العقد شخـص واحد بل يكون وكيل المرأة غير وكيل الرجل.

20 ـ إذا ادّعت المرأة أنّها غير ذات بعل واحتمل صدقها جاز أن يتزوّج منها، من غير فحص وسؤال حتّى إذا كان لها زوج سابقاً فادّعت أنّها تطلّقت منه أو مات عنها.. نعم، لو كانت متّهمة(2) فالأحوط وجوباً: الفحص عن حالها.

____________

1- أي: يجوز للموكَّل نفسـه أن يتزوّجها.

2- أي: يشكّ في صدق ادّعائها بأنّها غير ذات بعل.


الصفحة 106

21 ـ يصحّ التوكيل في النكاح من طرف الزوج أو الزوجة أو من الطرفين إذا كانا كاملين، وكذلك يصحّ توكيل وليّهما إن كانا قاصرين.

ويجب على الوكيل أن لا يتعدّى عمّا عيّنه الموكِّل، من حيث الشخص والمهر والخصوصيات الأُخرى، وإن كان على خلاف مصلحة الموكّل، وإن تعدّى كان فضوليّاً متوقّفاً على إجازته.

22 ـ إذا وكّلا شخصاً في إجراء صيغة العقد لم تجز لهما الاستمتاعات الزوجيّة ـ حتّى النظر المحرّم ـ قبل الزواج، وتحلّ لهما الاستمتاعات إذا اطمئنّا بأنّ الوكيل أجرى صيغة عقد النكاح، ولا يكفي ظنّهما بإجراء الصيغة، ولو أخبر الوكيل خبراً لا يوجب الاطمئنان فلا يجوز لهما الاعتماد على هذا الخبر، ولكن لو علما أنّه أجرى صيغة عقد النكاح وشكّا في صحّته فيجوز لهما الاستمتاعات الزوجيّة.

23 ـ إذا ادّعى رجل أنّه زوج لامرأة وأنكرت ـ هي ـ ذلك، فيجوز لها أن تتزوّج من غيره، ويجوز للغير أن يتزوّجها ما لم يحرز كذبها.

ويجوز زواجها من غيره، إذا كان قبل إقامة الدعوى عند الحاكم الشرعي..

وإن كان بعد الدعوى، وأقام المدّعي البيّنة على أنّه زوجها، حَكَم الحاكم الشرعي بإبطال العقد الجديد، ولو لم يأتِ بالبيّنة لم تُسمع دعواه.

وليس هناك يمين على المرأة، ولا على الذي عقد عليها، هذا فيما إذا كان قد ادّعى أنّه زوجها قبل رفع الأمر إلى الحاكم.

وأمّا إن كان بعد طرح الدعوى عند الحاكم، فالأحوط وجوباً: الانتظار إلى حين فصل النزاع; فإذا أتى المدّعي بالبيّنة حُكم له، وإن لم يكن له بيّنة طلب توجيه اليمين إلى المنكِر ـ أي إلى الزوجة في محلّ كلامنا ـ..


الصفحة 107

فإن حلفت حُكِم لها، وإن لم تحلف ولم يردّ الحاكم اليمين على المدّعي، وإن كان عدم الردّ عن غفلة أو جهالة، جاز للحاكم أن يحكم على المدّعي; وللحاكم الولاية بأن يردّ اليمين على المدّعي انتظاراً لفصل النزاع.

وإن ردّ المنكِر أو الحاكم اليمين على المدّعي فحلف المدّعي حُكم له، وإن نكل(1) المدّعي حُكم عليه وأُعطي الحقّ للزوجة.

هذا بحسب الموازين القضائيّة، أمّا بحسب الواقع فيجب على كلّ منهما: العمل على ما هو تكليفه بينه وبين الله; لكي يحلّ النزاع بينهما.

24 ـ لو غاب الزوج عن الزوجة غيبة طويلة وانقطع خبره عنها بحيث لم يُعلم موته ولا حياته، وادّعت الزوجة حصول العلم بموته، فلا يجوز لمَن أراد أن يتزوّجها الاكتفاء بقولها، ولا يجوز للوكيل عنها الاكتفاء بقولها وإنشاء العـقد..

والأحوط وجوباً: أن لا يتزوّجها إلاّ مَن لم يطّلع على حالها ولم يعلم أنّه كان لها زوج وقد فُقد.

 

في أولياء العقد

1 ـ الجدّ له الولاية، ولا يشـترط في ولايته حياة الأب ولا موته، ومع وجود الأب يكون كلّ من الأب والجدّ مستقلاًّ في ولايته; فلو زوّج الجدّ الصغيرة ـ الذي هو ولي عنها ـ فلم يبقَ محلّ لتزويج الأب لها.

وإن زوّجها الأب من شخص وزوّجها الجدّ من شخص آخر وعلم السابق منهما أنّه الجدّ مثلا، كان عقده هو المقدّم ويلغى عقد الأب، وإن

____________

1- نكَلَ عن العَدُوِّ وعن اليمينِ، يَنْكُلُ ـ بالضمّ ـ أي: جَبُنَ. الصحاح 5: 1835 " نكَل ".


الصفحة 108

عُلم تقارنهما في الزمن قُدّم عقد الجدّ ولغي عقد الأب.

وأمّا إذا لم يعلم الحال واحتمل أنّ أحدهما سابق على الآخر، أو احتمل التقارن فيما بينهما ـ سواء علم تاريخ أحد العقدين وجهل الآخر أم جهل التاريخين معاً ـ فيعلم إجمالا بكون الصغيرة زوجة لأحد الشخصين أجنبيّة عن الآخر، فلا يصحّ تزويجها بغيرهما، كما أنّه ليس للغير أن يتزوّجها.

وأمّا حالهما بالنسبة إليها، وحالها هي بالنسبة إليهما فلا تُترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما، ولو بأن يطلّقها أحدهما ويجدّد الآخر نكاحها.

2 ـ يشترط في صحّة تزويج الأب والجدّ لمَن هو وليّ عنه بأن يكون عقدهُ خالياً من إيصال المفسدة إليه، والأحوط استحباباً: مراعاة المصلحة.

وإن كان التزويج مؤدّياً للمفسدة يكون العقد فضوليّاً، فيكون حال الولي كحال الأجنبي، فتتوقّف حينئذ صحّة العقد على إجازة مَن عُقد له بعد بلوغه أو إفاقته من الجنون.

والضابـط في معرفة المفسـدة: كونها مفسـدة في عرف العقلاء لا مفسـدة في واقع الأمر; فلو زوّجه باعتقاد عدم وجود المفسدة وتبيّن بعد ذلك وجود المفسدة في نظر العقلاء لم يصحّ العقد..

ولو تبيّن أنّه خال من المفسدة بالنظر إلى واقع الأمر، صحّ العقد إن كان خالياً من المفسـدة في نظر العقلاء.

3 ـ إذا تولّى الأب أو الجدّ العقد عن الصغير أو الصغيرة، مع مراعاة عدم المفسـدة، فيصحّ العقد.

ولكن يحتمل مع صحّة العقد ثبوت الخيار للمعقود له ـ بمعنى أنّه يتمكّن من فسخ العقد بعد بلوغه ورشـده ـ فلو فسخ بعد بلوغه ورشـده


الصفحة 109

فلا يترك الاحتياط بتجديد العقد أو الطلاق.

4 ـ لو زوّج الأب أو الجدّ الصغير وكان الصغير لا مال له، كان المهر على الوليّ..

وإن كان للطفل مالا: فإمّا أن يضمنه الولي، أو لا، فلو ضمنه كان المهر عليه.

وإن لم يضمنه أُخرج من مال الطفل إذا لم يكن أزيد من المهر المتعارف، أو كان أزيد لكن وجد الولي المصلحة في تزويجه بهذا المقدار من المهر.

وأمّا إن لم يرَ الولي المصلحة في تزويجه بأكثر من المهر المتعارف، توقّف ثبوت المهر المسمّى في مال الطفل على إجازته بعد البلوغ; فإن لم يُجـز، لم يثبت في ذمّـته إلاّ مهر المثل، أي: المتعارف لمَن كان له شأن كشأنه.

5 ـ إذا زوّج الوليّ مَن كان وليّاً عنه لمَن له عيب، فلو كان العيب يؤدّي إلى إيصال مفسدة إليه، فتكون صحّته متوقّفة على إجازته بعد البلوغ، وإن كان خالياً من المفسـدة وقع العقد صحيحاً..

نعم، إذا كان من العيوب المجوّزة للفسخ ثبت الخيار للمولّى عليه بعد كماله، كما يثبت للولي قبله إذا كان جاهلا بالحال.

6 ـ لو جعل الأب أو الجدّ قيّماً على الصغير أو الصغيرة وجعلا له ولاية مطلقة عليهما، فلا تكفي هذه الولاية ولا تشمل تزويجهما، ولا تُترك مراعاة الاحتياط، وذلك بالتوافق مع الحاكم الشرعي، هذا إذا دعت الضرورة إلى تزويجهما.

7 ـ لا ولاية للحاكم الشرعي في تزويج الصغير أو الصغيرة، وإذا


الصفحة 110

دعت الضرورة إلى تزويجهما بحيث يؤدّي ترك التزويج إلى المفسدة صارت له الولاية من باب الحسبة ـ أي في خصوص الأُمور التي لا يرضى الشارع بتركها لترتّب المفسدة عليه، والتي لا يُعيّن أحداً يقوم بها شخصيّاً ـ فيراعي الحاكم حدود الحسـبة، كما إذا اقتضـت تزويجه ولو بالعقد المؤقّت لفترة قصيرة لم يتجاوزها إلى مدّة أطول فضلا عن العقد الدائم، وهكذا يلاحظ جميع الخصوصيات في هذه الولاية.

هذا لو فُقد الأب أو الجدّ، وأمّا مع وجودهما فالأحوط وجوباً: أن يتوافق الحاكم الشرعي معهما.

8 ـ يشترط في تزويج الباكر الرشيدة الاستئذان من وليها، ولا فرق في ذلك بين الزواج الدائم أو المؤقّت، حتّى لو شرط عدم الدخول في ضمن العقد.

9 ـ لا ولاية لأحد على نكاح البالغ الرشيد دائماً أو منقطعاً، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيّباً، وأمّا البكر منها: فإن كانت مالكة لأمرها ومستقلّة في شؤون حياتها لم يكن لأحد أن يزوّجها من دون رضاها، والأحوط وجوباً لها: أن لا تتزوج إلاّ بإذن أبيها أو جدّها لأبيها..

وإن كانت غير مستقلّة فلا يجوز لها الزواج، ولا يصحّ العقد من دون إذنهما، والأحوط وجوباً: أن لا يزوّجاها من دون رضاها.

10 ـ يسقط اعتبار إذن الأب أو الجدّ في نكاح الباكرة الرشيدة إذا منعاها من الزواج بكفئها شرعاً وعُرفاً(1)، بأن يمنعاها من الزواج على رغم

____________

1- الكفؤ الشرعي هو: مَن يُرضى بعقله ودينه; لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا جاءكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ". وسائل الشيعة 20: 76.

وأمّا الكفؤ العرفي: فله مصاديق كثيرة، منها: تناسب عمل الخاطب أو حرفته مع عمل أب الزوجة أو وليّها مثلا، أو كونها من ذوات الشرف والعلم وغير ذلك.

وفي كثير من الموارد تتحقّق الكفاءة الشرعية دون العرفية.

 


الصفحة 111



 

تقدّم الأكفاء لخطبتها، وكذلك إذا رفضا التدخّل في أمر زواجها مطلقاً(1)، أو لم يكن لهما صلاحية الولاية عليها، بسبب الجنون أو السفاهة ونحو ذلك ممّا يؤدّي إلى سلب صلاحيتهما.

وكذلك يسقط اعتبار الإذن إذا غابا عنها بحيث لا يمكن الاتّصال بأحدهما واستئذانه فيه، فإنّه يجوز لها الزواج حينئذ، مع حاجتها المُلِّحة إليه فعلا، من دون إذن أحدهما.

11 ـ البكر هنا هي: مَن لم يدخل بها زوجها; فمَن تزوّجت ومات عنها زوجها أو طلّقها قبل أن يدخل بها فهي: بكر.

وكذلك مَن ذهبت بكارتها بغير الوطء، من وثبة(2) أو نحوها، بل وإن ذهبت بكارتها بالزنا أو بالوطء شبهة أيضاً، فهي بمنزلة البكر، وأمّا مَن دخل بها زوجها فهي ثيّبة وإن لم يفتضّ بكارتها.

12 ـ يعتبر في الأب والجدّ للأب العقل والإسلام فيما إذا كانت البنت مسلمة، فلا ولاية للأب الكافر على بنته المسلمة وإن ثبتت على بنته الكافرة.

13 ـ يكفي رضا البنت اللاحـق للعقد(3)، وكذا إذن الولي بعد العقد لتصحيحه إذا كانت البنت مكرهة على العقد حينه، أو وقع العقد من دون إذن الولي.

____________

1- قد يرفض الأب أو الجدّ التدخّل في أمر البنت لاختيارها كفؤاً لم يرضيا به، أو رفضها رجلا قد ألزماها بالزواج منه، فحينما رفضت تركا التدخل في شأن زواجها.

2- الوثبة هي: القفزة.

3- أي: الرضا الذي يكون بعد العقد.


الصفحة 112

 

موجبات فسخ عقد النكاح

1 ـ يحقّ للزوج أن يختار فسخ العقد أو يبقى عليه إذا علم بعد العقد بوجود أحد العيوب السـتّة الآتية في الزوجة، فيكون له الفسخ من دون طلاق، والعيوب هي:

(1) الجنون; ولو كان أدواريّاً، بحيث يصيبها في حين دون آخر، وليس الإغماء والصرع من الجنون.

(2) الجُذام; وهو مرض معد وخطِر، سببه عصيّات جرثوميّة خاصّة فيها تتيبّس الأعضاء، ويتناثر اللحم من جراء شدّة الالتهاب، والدول المعاصرة اليوم تقوم الأجهزة الصحّية فيها بحجز المصابين بالجذام في معسكرات خاصّة، بعيداً عن الآخرين.

(3) البَرَص; وهو: بياض يقع في الجسد، وهو غير البهق الذي يظهر في الجلد نتيجة لقلّة صبغة الجلد.

(4) العمى; وهو ذهاب البصر عن العينين.

(5) العفل; وهو: لحم أو عظم ينبت في الرحم، سواء منع من الحمل أو الوطء في القُبل أم لم يمنع.

(6) العرج; وإن لم يبلغ حـدّ الإقعاد والزمانة.

2 ـ لو علم الزوج بأنّ زوجته مفضاة حين العقد: فإن رضي بذلك فلا إشكال.

وأمّا إذا فسَخ العقد، فالأحوط وجوباً له ولزوجته: عدم ترتّب أثر الزوجيّة إلاّ بعد تجديد العقد، وعدم ترتيب آثار الفرقة إلاّ بعد الطلاق.


الصفحة 113

3 ـ العيوب المتقدّمة إذا حدثت بعد العقد فيثبت للزوج حقّ الخيار: إمّا بفسخه، وإمّا بإمضائه.

 

الحالات التي يحقّ فيها للزوجة فسخ العقد
أو البقاء عليه

(1) إذا كان الزوج مقطوع الذكر بحيث لم يبقَ منه ما يمكنه الوطء به، ويسمّى: الجـبّ.

(2) إذا كان الزوج عِنّيناً; والعِنّة: هو المرض الذي يمنع من انتشار العضـو التناسلي بحيث لا يقدر معه على الإيلاج، ولها حقّ الخيار، سواء كان العَنن سابقاً على العقد أو تجدّد بعد العقد وقبل الوطء، بل وكذا المتجدّد بعد الوطء ولو مرّة.

(3) الجنون; على إشكال.

(4) الإخصاء حين العقد; وهو: إخراج الانثيين، ويسمّى: (سلّ الانثيين).

(5) الوجاء; وهو: رضّ البيضتين بشـدّة خارقة تفقد فيها القدرة على العمل.

(6) البرص.

(7) الجذام.

1 ـ لو اختارت المرأة الفسخ، فالأحوط وجوباً: أن لا يكون الافتراق إلاّ بعد الطلاق. ولو اختارت البقاء على العقد، فالأحوط وجوباً: تجديد العقد; هذا في جميع العيوب المذكورة أخيراً، أيّ: الجنون، الإخصاء، الوجاء، البرص، والجذام.


الصفحة 114

2 ـ يجوز للرجل، وكذا للمرأة، الفسخ لوجود العيب من دون إذن الحاكم الشرعي، لكن إذا ثبت أن الرجل مصاباً بالعِنّة ولم تصبر المرأة على ذلك فلا يحقّ لها الفسخ إلاّ بعد رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيمهل الحاكم الشرعي الرجل سنة، فلو وطأها أو وطأ غيرها في هذه المدّة فلا فسخ.

وأمّا إذا لم يتمكّن من الوطء حتّى بعد السنة فيحقّ لها الفسخ فوراً من دون مراجعة الحاكم الشرعي.

ولو علم بشهادة الطبيب الأخصّائي عدم قدرته على الوطء أبداً فيجوز لها الفسخ مع عدم الانتظار سنة.

3 ـ إذا فسخ الرجل العقد بأحد العيوب الموجودة عند المرأة، فإن كان الفسخ بعد الدخول استحقّت المرأة تمام المهر وعليها العدّة، كما في الطلاق، وإن كان الفسخ قبل الدخول لم تستحقّ المرأة شيئاً وليس عليها عـدّة.

وإذا فسخت المرأة العقد لعيب الرجل استحقّت تمام المهر إن كان بعد الدخول، وإن كان قبله لم تستحقّ شيئاً إلاّ في العَنن; فإنّها تستحقّ عليه فيه نصـف المهر المسمّى في العقد.

أمّا إذا كان هناك تدليس، (وهو: أن توصف المرأة للرجل عند إرادة التزويج بالسلامة من العيب مع العلم به بحيث صار سبباً لغَروره وخداعه; وكذا مع السكوت عن بيان العيب مع العلم به، وإقدام الزوج بارتكاز السلامة منه) فلو ظهر العيب الذي كان مستوراً وكانت المرأة نفسها هي المدلِّسة لم تستحقّ المهر إذا اختار الرجل الفسخ، وأمّا إذا اختار الرجل البقاء فعليه تمام المهر لها.


الصفحة 115

وأمّا إن كان المدلِّس غير الزوجة فيجب عليه أن يعطي المهر; فالمهر المسمّى في العقد يستقرّ على الزوج بالدخول ويحقّ له أن يأخذه من المدلِّس.

4 ـ يحقّ للزوج أو الزوجة أن يفسخا لثبوت خيار العيب أو خيار التدليس; فالموارد التي يثبت بها خيار التدليس لا يثبت بها خيار العيب.

 

الموارد التي يثبت بها خيار التدليس

(1) التسـتّر على عيب أحد الزوجين إذا كان العيب نقصاً في أصل الخلقة، كـ: العور ونحوه.

(2) زيادة شيء على أصل الخلقة، كـ: اللحية عند المرأة مثلا.

(3) الإيهام بوجود صفات كماليّة لا واقع لها، كـ: الشرف والنسب والجمال والبكارة ونحو ذلك.

1 ـ لو تزوّج المرأة بعنوان أنّها بكر فبانت أنّها ثيّب وفسخ العقد ـ حيث يكون له الفسخ ـ: فإن كان الفسخ قبل الدخول بها، لا مهر لها..

وإن كان بعده، استقرّ المهر عليه، ورجع وأخذه من المدلِّس.

وإن كانت هي المدلِّس لم تستحقّ شيئاً.

ولو اختار البقاء على الفسخ أو لم يكن له الفسخ، كما في صورة اعتقاد البكارة من دون اشتراط أو توصـيف أو بناء، كان له أن ينقص من مهرها بنسبة ما به التفاوت بين مهر مثلها في حال كونها بكراً أو ثيّباً.

 

*  *  *